الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سَيفِي، فَضَرَبتُ رَأسَ الرَّجُلِ فَنَدَرَ، ثُمَّ جِئتُ بِالجَمَلِ أَقُودُهُ، عَلَيهِ رَحلُهُ وَسِلَاحُهُ، فَاستَقبَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالنَّاسُ مَعَهُ فَقَالَ: مَن قَتَلَ الرَّجُلَ؟ . قَالَوا: ابنُ الأَكوَعِ، قَالَ لَهُ: سَلَبُهُ أَجمَعُ.
رواه أحمد (4/ 46 و 49)، ومسلم (1754)، وأبو داود (2654).
* * *
(8) باب لا يستحق القاتل السَّلب بنفس القتل
[1271]
عَن عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ عَوفٍ قَالَ: بَينَا أَنَا وَاقِفٌ فِي الصَّفِّ يَومَ بَدرٍ، نَظَرتُ عَن يَمِينِي وَشِمَالِي، فَإِذَا أَنَا بَينَ غُلَامَينِ مِن الأَنصَارِ، حَدِيثَةٍ أَسنَانُهُمَا، تَمَنَّيتُ لَو كُنتُ بَينَ أَضلَعَ مِنهُمَا، فَغَمَزَنِي أَحَدُهُمَا
ــ
وفيه: قتل الجاسوس، ولا خلاف في ذلك إذا لم يكن معاهدًا، أو مسلمًا. والمعاهد يقتل عندنا وعند الأوزاعي لنقضه العهد. وقال معظم الفقهاء: لا يكون ذلك نقضًا، وأما المسلم فالجمهور على أن الإمام يجتهد فيه. وقال كبار أصحاب مالك: أنه يقتل، واختلف في قبول توبته على ثلاثة أقوال، يفرق في الثالث بين أن يكون معروفًا بذلك أو لا.
وفيه التنويه بأهل الفضائل، ومعرفة حق من فيه فضل وغناء.
(8)
ومن باب: لا يستحق القاتل السَّلب بنفس القتل
قوله: (تمنيت لو كنت بين أضلع منهما)؛ كذا الرواية، بالضاد المعجمة، والعين المهملة، ووقع في بعض روايات البخاري:(أصلح) بالحاء، والصاد، مهملتين، من الصلاح، والأول أصوب. ومعنى (أضلع): أقوى، والضلاعة:
فَقَالَ: يَا عَمِّ، هَل تَعرِفُ أَبَا جَهلٍ؟ قَالَ: قُلتُ: نَعَم، وَمَا حَاجَتُكَ إِلَيهِ يَا ابنَ أَخِي؟ قَالَ: أُخبِرتُ أَنَّهُ يَسُبُّ رَسُولَ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم، وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَئِن رَأَيتُهُ لَا يُفَارِقُ سَوَادِي سَوَادَهُ حَتَّى يَمُوتَ الأَعجَلُ مِنَّا، قَالَ: فَتَعَجَّبتُ لِذَلِكَ، فَغَمَزَنِي الآخَرُ فَقَالَ مِثلَهَا، قَالَ: فَلَم أَنشَب أَن نَظَرتُ إِلَى أَبِي جَهلٍ يَزُولُ فِي النَّاسِ، فَقُلتُ: أَلَا تَرَيَانِ؟ هَذَا صَاحِبُكُمَا الَّذِي تَسأَلَانِ عَنهُ، قَالَ:
ــ
القوة. ومنه قولهم: هل يدرك الظالع شأو الضليع - بالضاد -؛ أي: القوي، والظالع - بالظاء المشالة -: هو الذي أصابه الظلع، وهو ألَمٌ يأخذ الدَّابة في بعض قوائمها. وكأنه استضعفهما (1) لصغر أسنانهما.
وقوله: (لا يفارق سوادي سواده)؛ أي: شخصي شخصه. وأصله: أن الشخص يرى على البعد أسود. والله تعالى أعلم.
وقوله: (حتى يموت الأعجل منَا)؛ أي: الأقرب أجلًا، وهو كلام مستعمل يفهم منه: أنه يلازمه، ولا يتركه إلى وقوع الموت بأحدهما. وصدور مثل هذا الكلام في حالة الغضب والانزعاج يدل على صحة العقل، وثبوت الفهم، والتثبت العظيم في النظر في العواقب؛ فإن مقتضى الغضب أن يقول: حتى أقتله؛ لكن العاقبة مجهولة.
وقوله: (فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يزول في الناس)؛ معنى لم أنشب: لم أشتغل بشيء. وهو من: نشب بالشيء؛ إذا دخل فيه، وتعلَّق به. و (يزول)؛ أي: يجول ويضطرب في المواضع، ولا يستقر على حال. وهو فعل من يعبئ الناس، ويحرضهم. أو فعل من أخذه الزويل، وهو: الفزع والقلق. والأول أولى؛ لرواية ابن ماهان لهذا الحرف: (يجول) بالجيم.
(1) في (ج): استصغرهما.
فَابتَدَرَاهُ، فَضَرَبَاهُ بِسَيفَيهِمَا حَتَّى قَتَلَاهُ، ثُمَّ انصَرَفَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخبَرَاهُ فَقَالَ: أَيُّكُمَا قَتَلَهُ؟ . فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنهُمَا: أَنَا قَتَلتُهُ، فَقَالَ: هَل مَسَحتُمَا سَيفَيكُمَا؟ . قَالَا: لَا، فَنَظَرَ فِي السَّيفَينِ فَقَالَ: كِلَاكُمَا قَتَلَهُ.
ــ
وقوله: (هل مسحتما سيفيكما؟ قالا: لا، فنظر في السيفين فقال: كلاكما قتله)؛ هذا يدل على: أن للإمام أن ينظر في شواهد الأحوال ليترجح عنده قول أحد المتداعيين، وذلك أن سؤاله عن مسح السيفين إنما كان لينظر إن كان تعلق بأحدهما من أثر الطعام (1) أو الدَّم ما لم يتعلق بالآخر، فيقضي له، فلما رأى تساويَ سيفيهما في ذلك قال:(كلاكما قتله)، ومع ذلك فقضى بالسلب لأحدهما، فكان ذلك أدل دليل على صحة ما قدَّمناه من مذهب مالك، وأبي حنيفة. وقد اعتذر المخالفون عن هذا الحديث بأوجه:
منها: أن هذا منسوخ بما قاله يوم حنين. وهو فاسد لوجهين:
أحدهما: أن الجمع بينهما ممكن. كما قدمناه، فلا نسخ.
والثاني: أنَّه قد روى أهل السِّير وغيرهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: (من قتل قتيلًا فله سلبه)؛ كما قال يوم حنين. وغايته: أن يكون من باب تخصيص العموم على ما قلناه.
ومنها: أن بعض الشافعية قال: إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك؛ لأنه استطاب نفس أحدهما. وهذا كلام غير محصل، فإنه صلى الله عليه وسلم لا يستطيب الأنفس بما لا يحل. ثم كيف يستطيب نفس هذا بإفساد قلب الآخر؟ هذا مما لا يليق بذوي المروءات، فكيف بخاتم النبوات؟ !
ومنها: أنه لعله أن يكون رأى على سيف أحدهما من الأثر ما لم ير على الآخر، فأعطاه السلب لذلك، وقال:(كلاكما قتله) تطييبًا لقلب الآخر. وهذا
(1) كذا في جميع النسخ، وفي إكمال إكمال المعلم للأبي: الطعان.
وَقَضَى بِسَلَبِهِ لِمُعَاذِ بنِ عَمرِو بنِ الجَمُوحِ، وَالرَّجُلَانِ: مُعَاذُ بنُ عَمرِو بنِ الجَمُوحِ، وَمُعَاذُ بنُ عَفرَاءَ.
رواه أحمد (1/ 192 - 193)، والبخاري (3141)، ومسلم (1752).
[1272]
وعَن عَوفِ بنِ مَالِكٍ قَالَ: قَتَلَ رَجُلٌ مِن حِميَرَ رَجُلًا مِن العَدُوِّ، فَأَرَادَ سَلَبَهُ، فَمَنَعَهُ خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ، وَكَانَ وَالِيًا عَلَيهِم، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَوفُ بنُ مَالِكٍ فَأَخبَرَهُ، فَقَالَ لِخَالِدٍ: مَا مَنَعَكَ أَن تُعطِيَهُ
ــ
يبطله قوله: (كلاكما قتله). والقتل هو السبب عند القائل. وظاهره التسوية في القتل؛ فإن القائل إذا قال لمخاطبيه: كلاكما قال، أو كلاكما خرج، فظاهره المشاركة فيما نسب إليهما. ثم يلزم هذا القائل أن يجوّز على رسول الله صلى الله عليه وسلم التورية في الأحكام. والقول بذلك باطل، وحرام.
وقوله: (والرجلان: معاذ بن عمرو بن الجموح، ومعاذ بن عفراء)؛ هكذا الصحيح، وقد جاء في البخاري من حديث ابن مسعود: أن ابني عفراء ضرباه حتى برك. وكأن هذا وهم من بعض الرواة لحديث ابن مسعود. وسبب هذا الوهم: أن عفراء هذه من بني النجار، أسلمت وبايعت، وكان أولادها سبعة، كلهم شهد بدرًا، وكانت عند الحارث بن رفاعة، فولدت له: معاذًا، ومعوّذًا، ثم طلقها، فتزوَّجها بكير بن عبد ياليل، فولدت له: خالدًا، وإياسًا، وعاقلًا، وعامرًا، ثم راجعها الحارث، فولدت له عوفًا، فشهدوا كلهم بدرًا. فكأنه التبس على بعض الرُّواة عاذ بن عمرو بن الجموح بمعاذ بن عفراء وبمعوذ بن عفراء عند السكوت عن ذكر عمرو والد معاذ. والله تعالى أعلم.
وفي البخاري ومسلم: أن ابن مسعود هو الذي أجهز على أبي جهل
سَلَبَهُ؟ . قَالَ: استَكثَرتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: ادفَعهُ إِلَيهِ. فَمَرَّ خَالِدٌ بِعَوفٍ فَجَرَّ بِرِدَائِهِ، ثُمَّ قَالَ: هَل أَنجَزتُ لك مَا ذَكَرتُ لك عِن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَسَمِعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاستُغضِبَ، فَقَالَ: لَا تُعطِهِ يَا خَالِدُ، لَا تُعطِهِ
ــ
واحتزَّ رأسه بعد أن جرى له معه كلام سيأتي إن شاء الله تعالى.
وقول عوف بن خالد: (هل أنجزت لك ما ذكرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ) كلام فيه نوع من التقصير، والتهكم بمنصب الإمارة، والإزراء عليه، ولذلك غضب النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك حين سمعه، ثم أمضى ما فعله خالد بقوله:(لا تعطه يا خالد! )، ونوَّه به، وعظم حرمته بقوله:(هل أنتم تاركو لي أمرائي؟ ! ) وهذا يدل دلالة واضحة على: أن السَّلب لا يستحقه القاتل بنفس القتل، بل برأي الإمام ونظره، كما قدَّمناه.
وقوله: (ادفعه إليه)؛ هو أمر على جهة الإصلاح ورفع التنازع، فلما صدر من عوف ما يقتضي الغض من منصب الإمارة أمضى ما رآه الأمير؛ لأنه لم يكن للقاتل فيه حق. وهذا نحو مما فعله النبي صلى الله عليه وسلم بماء الزبير، حيث نازعه الأنصاري في السقي، فقال صلى الله عليه وسلم:(اسق يا زبير! وأرسل الماء إلى جارك)، فأغضب الأنصاري النبي صلى الله عليه وسلم، فقال للزبير:(اسق يا زبير! وأمسك الماء حتى يبلغ الجدر)، فاستوفى للزبير حقه (1).
وهذا الحديث من أصعب الأحاديث على القائل بأن السَّلب يستحقه القاتل بنفس القتل.
و(استغضب) هو مبني لما لم يسم فاعله؛ أي: أغضب، زيدت فيه السين والتاء، ومعناه: خلق فيه الغضب عندما سمع ما كرهه شيئا فشيئا، والله تعالى أعلم.
(1) رواه أحمد (4/ 4 و 5)، والبخاري (2359 و 2360)، ومسلم (2357).
يَا خَالِدُ، هَل أَنتُم تَارِكُو لِي أُمَرَائِي؟ إِنَّمَا مَثَلُكُم وَمَثَلُهُم كَمَثَلِ رَجُلٍ استُرعِيَ إِبِلًا أَو غَنَمًا فَرَعَاهَا، ثُمَّ تَحَيَّنَ سَقيَهَا، فَأَورَدَهَا حَوضًا، فَشَرَعَت فِيهِ
ــ
وقوله: (هل أنتم تاركو لي أمرائي)؛ هكذا الرواية بإسقاط النون من (تاركو)، ولحذفها وجهان:
أحدهما: أن يكون استطال الكلمة كما استطيلت كلمة الاسم الموصول، كما قال تعالى:{وَخُضتُم كَالَّذِي خَاضُوا} على أحد القولين. وكما قال الشاعر:
ابني كليب إن عمي اللذا
…
قتلا الملوك وفكك الأغلالا
والوجه الثاني (1): أن يكون (أمرائي) مضافًا، وأقحم الجار والمجرور بين المضاف والمضاف إليه، ويكون هذا من نوع قراءة ابن عامر:(وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم)، بنصب (أَولادُهُم)، وخفض (شُرَكَائهِم)(2)، ففصل بين المضاف والمضاف إليه بالمفعول، وأكثر ما يكون هذا النوع في الشعر، كما أنشده سيبويه:
كما خط الكتاب بكف يومًا
…
يهودي يقارب أو يزيل
وكما أنشد:
فزججتها بمزجة
…
زجّ القلوص أبي مزاده
ويفهم من هذا الحديث: احترام الأمراء، وترك الاستطالة عليهم.
وقوله: (استرعي رعية)؛ أي: كلف رعيها ورعايتها، وهذا مثال مطابق
(1) ما بين حاصرتين سقط من (ع).
(2)
ساقط من (ع).