الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَإِنِّي اكتُتِبتُ فِي غَزوَةِ كَذَا وَكَذَا! قَالَ: انطَلِق فَحُجَّ مَعَ امرَأَتِكَ.
رواه أحمد (1/ 222)، والبخاري (3006)، ومسلم (1341).
* * *
(52) باب ما يقال عند الخروج إلى السفر وعند الرجوع
[1200]
عن ابنَ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا استَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إِلَى السَفَرٍ كَبَّرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: سُبحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ، اللَّهُمَّ نَسأَلُكَ فِي
ــ
وقول الرجل إني اكتتبت في غزوة كذا؛ أي: ألزمت وأثبت اسمي في ديوان ذلك البعث.
وقوله صلى الله عليه وسلم للرجل انطلق فحج مع امرأتك هو فسخٌ لما كان التزم من المضي للجهاد، ويدل على تأكد أمر صيانة النساء في الأسفار وعلى أن الزوج أحق بالسفر مع زوجته من ذوي رحمها، ألا ترى أنه لم يسأله هل لها محرم أم لا؟ ولأن الزوج يطلع من الزوجة على ما لا يطلع منها ذو المحرم، فكان أولى. فإذًا، قوله صلى الله عليه وسلم في الأحاديث إلا ومعها ذو محرمٍ إنما خرج خطابا لمن لا زوج لها، والله تعالى أعلم.
(52)
ومن باب: ما يقال عند الخروج إلى السفر وعند الرجوع
{سَخَّرَ} ذلَّل ومكَّن، {مُقرِنِينَ} مُطيقين - قاله ابن عباس، قال الشاعر:
لَقَد عَلِمَ القَبَائلُ مَا عقِيل
…
لنا في النَّائِباتِ بِمُقرِنينا
أي بمطيقين، وقال الأخفش: ضابطين. وقال قتادة: مماثلين، من القرن
سَفَرِنَا هَذَا البِرَّ وَالتَّقوَى وَمِن العَمَلِ مَا تَرضَى، اللَّهُمَّ هَوِّن عَلَينَا سَفَرَنَا هَذَا وَاطوِ عَنَّا بُعدَهُ، اللَّهُمَّ أَنتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالخَلِيفَةُ فِي الأَهلِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِن وَعثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ المَنظَرِ، وَسُوءِ المُنقَلَبِ فِي المَالِ وَالأَهلِ. وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ، وَزَادَ فِيهِنَّ: آيِبُونَ، تَائِبُونَ، عَابِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ.
ــ
في القتال وهو المثل، ويحتمل أن يكون من المقارنة أي الملازمة.
ومُنقَلِبُونَ راجعون، تنبيهًا على المطالبة بالشكر على ما أنعم وعلى العدل فيما سخر.
البر العمل الصالح والخلق الحسن، والتقوى الخوف الحامل على التحرز من المكروه، الصاحب أي: أنت الصاحب الذي تصحبنا (1) بحفظك ورعايتك، والخليفة أي: الذي يخلفنا في أهلينا بإصلاح أحوالهم بعد مغيبنا وانقطاع نظرنا (2) عنهم، ولا يسمى الله تعالى بالصاحب ولا بالخليفة لعدم الإذن وعدم تكرارهما في الشريعة.
وأعوذ أستجير، ووعثاء السفر مشقته وشدته، وأصله من الوعث وهو الوحل والدَّهس. وكآبة المنظر أي: حزن المرأى وما يسوء منه، والمنقلب الانقلاب، وهو مصدر انقلب - مزيدًا. آيبون جمع آيب، وهو الراجع بالخير هنا. وتائبون جمع تائب من الذنب، وأصل التوبة الرجوع (3)، كذلك حدّها بعض أئمتنا بأن قالوا: التوبة هي الرجوع (4) عمَّا هو مذموم شرعًا إلى ما هو محمود شرعًا - وسيأتي القول فيها إن شاء الله تعالى، وقد تقدَّم القول في ذنوب الأنبياء.
عابدون: خاضعون متذللون. حامدون: مُثنون عليه بصفات كماله
(1) في (ز): تحفظنا.
(2)
ما بين حاصرتين ساقط من (ع) و (ج).
(3)
ما بين حاصرتن ساقط من (ع).
(4)
ساقط من (هـ).
رواه أحمد (2/ 144)، ومسلم (1342)، وأبو داود (2599)، والترمذي (3447)، والنسائي في اليوم والليلة (548).
[1201]
وعَن عَبدِ اللَّهِ بنِ سَرجِسَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا سَافَرَ يَتَعَوَّذُ مِن وَعثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ المُنقَلَبِ، وَالحَورِ بَعدَ الكَورِ، وَدَعوَةِ المَظلُومِ، وَسُوءِ المَنظَرِ فِي الأَهلِ وَالمَالِ.
وَفِي رِوَايَةٍ: يَبدَأُ بالأهل إذا رجع.
رواه أحمد (5/ 82 - 83)، ومسلم (1343)، والترمذي (3435)، والنسائي (8/ 272)، وابن ماجه (3888).
[1202]
وعَن ابنِ عُمَرَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَفَلَ مِن الجُيُوشِ
ــ
وجلاله، وشاكرون عوارف أفضاله.
والحور بعد الكور بالراء، هكذا رواية العذري وابن الحذاء، ومعناه الزيادة والنقصان، وقيل: الخروج من الجماعة بعد أن كان فيها. يقال: كار عمامته؛ أي: لفَّها. وحارها؛ أي: نقضها. وقيل: الفساد بعد الصلاح. وقيل: القلَّة بعد الكثرة. وقيل: الرّجوع من الجميل إلى القبيح. ورواه الفارسي وابن سعيد - وهو المعروف من رواية عاصم الأحول - بعد الكون بالنون. قال أبو عبيد: سئل عن معناه فقال: ألم تسمع إلى قولهم حار بعدما كانَ. يقول: إنه كان على حالة جميلة فحار عن ذلك؛ أي: رجع. قال أبو إسحاق الحربي: يُقال إن عاصمًا وَهِمَ فيه، وصوابه الكور بالراء، والله أعلم.
وإنما استعاذ من دعوة المظلوم لأنها مستجابة؛ كما جاء في الصحيح، ولما تضمنته من كفاية الظلم ورفعه.
وقفل رجع من سفره، والقافلة (1): الرَّاجعون من السفر. ولا يقال لهم
(1) في جميع النسخ: "القافلون" والتصحيح من (ج).
أَو السَّرَايَا أَو الحَجِّ أَو العُمرَةِ إِذَا أَوفَى عَلَى ثَنِيَّةٍ أَو فَدفَدٍ كَبَّرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمدُ، وَهُوَ عَلَى
ــ
في مبدئهم قافلة - قاله القتبي وغيره، ولكن رفقة.
والجيوش جمع جيش، وهو العسكر العظيم. والسَّرايا جمع سرية وهي دون الجيش، وسُمّيت بذلك لأنها تسري بالليل. وقد قال صلى الله عليه وسلم: خير الجيوش أربعة آلاف، وخير السَّرايا أربعمائة، ولن تُغلب اثنا عشر ألفًا من قلِّة (1).
وأوفى أقبل وأطل، والثنيَّة الهضبة، وهي الكوم دون الجبل. والفدفد ما غلظ من الأرض وارتفع، وجمعه فدافد.
وتكبيره صلى الله عليه وسلم في هذه المواضع المرتفعة إشعار بأن أكبرية كل كبير إنما هي منه، وأنها محتقرة بالنسبة إلى أكبريته تعالى وعظمته، وتوحيدُه الله تعالى هناك إشعار بانفراده سبحانه وتعالى بإيجاد جميع الموجودات وبأنه المألوه؛ أي المعبود في كل الأماكن من الأرضين والسماوات، كما قال تعالى:{وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرضِ إِلَهٌ}
والمُلك والمِلك أصله الشدُّ والرَّبط، والمُلك بالضم يتضمن المِلك بالكسر، ولا ينعكس. وساجدين جمع ساجد، وأصله الخضوع والتذلل، ومنه قول الشاعر:
تَرَى الأُكمَ فيها سُجَّدًا لِلحَوافِر (2)
أي متذللة خاضعة.
(1) رواه أبو داود (2611)، والترمذي (1555)، وابن ماجه (2728).
(2)
كذا في اللسان مادة (سجد).
كُلِّ شَيءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللَّهُ وَعدَهُ، وَنَصَرَ عَبدَهُ، وَهَزَمَ الأَحزَابَ وَحدَهُ.
رواه البخاريُّ (6385)، ومسلم (1344)، ومالك في الموطأ (1/ 421)، وأبو داود (2770)، والترمذي (950)، والنسائي في اليوم والليلة (540).
[1203]
وعن أَنَسُ بنُ مَالِكٍ قال: أَقبَلنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَأَبُو طَلحَةَ وَصَفِيَّةُ رَدِيفَتُهُ عَلَى نَاقَتِهِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا بِظَهرِ المَدِينَةِ قَالَ: آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ. فَلَم يَزَل يَقُولُ ذَلِكَ حَتَّى قَدِمنَا المَدِينَةَ.
رواه أحمد (3/ 187)، والبخاريُّ (3085)، ومسلم (1345)، والنسائي في اليوم والليلة (551).
* * *
ــ
وقوله صلى الله عليه وسلم صدق الله وعده، ونصر عبده خبرٌ عن وفاء الله بما وعد به على جهة الثناء والشكر، حيث قال تعالى:{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُم وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَستَخلِفَنَّهُم فِي الأَرضِ} وقال: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ} ويعني بقوله عبده نفسه.
وقوله وهزم الأحزاب وحده؛ أي: من غير مجاولة من أحد ولا سبب ولا شركة، بل كما قال الله تعالى:{فَأَرسَلنَا عَلَيهِم رِيحًا وَجُنُودًا لَم تَرَوهَا} ويحتمل أن يكون هذا الخبر بمعنى الدعاء، كأنه قال: اللهم افعل ذلك وحدك - والأول أظهر.
والأحزاب جمع حزب، وهو القطعة المجتمعة من الناس، ويعني بهم هنا على التأويل المتقدم الجيش الذين حاصروه بالمدينة، ثم نصره الله عليهم بالريح. وعلى التأويل الثاني يعني بهم كل من يتحزب من الكفار عليه ويجتمع.