الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(50) باب فرض الحج مرة في العمر
[1195]
عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ! قَد فَرَضَ اللَّهُ عَلَيكُم الحَجَّ فَحُجُّوا، فَقَالَ رَجُلٌ: أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَو قُلتُ: نَعَم لَوَجَبَت، وَلَمَا استَطَعتُم، ثُمَّ قَالَ: ذَرُونِي مَا تَرَكتُكُم، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَن كَانَ
ــ
(50)
ومن باب: فرض الحج مرة في العمر
قوله: (قد فرض عليكم الحج فحجُّوا)؛ أي: أوجب، وألزم. وإن كان أصل الفرض: التقدير، كما تقدم. ولا خلاف في وجوبه مرة في العمر على المستطيع. وقد تقدم الكلام على الاستطاعة.
وقول السائل: (أكل عام؟ ) سؤال من تردَّد في فهم قوله: (فحجوا) بين التكرار والمرة الواحدة، وكأنه عنده مجملٌ، فاستفصل، فأجابه بقوله:(لو قلت نعم؟ لوجبت)؛ أي: لوجبت المسألة، أو الحجة في كل عام (1)، بحكم ترتيب الجواب على السؤال.
وقوله: (ولما استطعتم)؛ أي: لا تطيقون ذلك، لثقله، ومشقته على القريب، ولتعذره على البعيد.
وقوله: (ذروني ما تركتكم)؛ يعني: لا تكثروا من الاستفصال عن المواضع التي تكون مقيَّدة بوجهٍ ما ظاهرٍ وإن كانت صالحة لغيره. وبيان ذلك:
أن قوله: (فحجوا) وإن كان صالِحًا للتكرار، فينبغي أن يكتفى بما يصدق
(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).
قَبلَكُم بِكَثرَةِ سُؤَالِهِم، وَاختِلَافِهِم عَلَى أَنبِيَائِهِم، فَإِذَا أَمَرتُكُم بِشَيءٍ فَأتُوا مِنهُ مَا استَطَعتُم، وَإِذَا نَهَيتُكُم عَن شَيءٍ فَدَعُوهُ.
رواه مسلم (1337)، والنسائي (5/ 110 - 111).
* * *
ــ
عليه اللفظ، وهو المرة الواحدة، فإنها مدلولة للَّفظ قطعًا، وما زاد عليها يتغافل عنه، ولا يكثر السؤال فيه لإمكان أن يكثر الجواب المترتب عليه، فيضاهي ذلك قصة بقرة بني إسرائيل التي قيل لهم فيها: اذبحوا بقرة. فلو اقتصروا على ما يصدق عليه اللفظ، وبادروا إلى ذبح بقرة - أي بقرة كانت - لكانوا ممتثلين، لكن لما أكثروا السُّؤال كثر عليهم الجواب، فشدَّدوا، فَشُدِّد عليهم، فذُمُّوا على ذلك، فخاف النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذا على أمته، ولذلك قال:(فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم)، وعلى هذا يحمل قوله:(فإذا أمرتكم بشيء فائتوا منه ما استطعتم)؛ يعني: بشيء مطلق. كما إذا قال: صُم، أو صلِّ، أو تصدَّق. فيكفي من ذلك أقل ما ينطلق عليه الاسم. فيصوم يومًا، ويصلِّي ركعتين، ويتصدَّق بشيء يُتصدَّق بمثله. فإن قيَّد شيئًا من ذلك بقيودٍ، ووصفه بأوصاف لم يكن بدٌّ من امتثال أمره على ما فصَّل وقيَّد، وإن كان فيه أشدُّ المشقَّات، وأشقُّ التكاليف. وهذا مما لا يختلف فيه إن شاء الله تعالى أنه هو المراد بالحديث.
وقوله: (وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه)؛ يعني: أن النهي على نقيض الأمر، وذلك: أنه لا يكون ممتثلًا بمقتضى النهي حتى لا يفعل واحدًا من آحاد ما يتناوله النهي، ومن فعل واحدًا فقد خالف، وعصى، فليس في النهي إلا ترك ما نهي عنه مطلقًا دائمًا، وحينئذ يكون ممتثلًا لترك ما أُمر بتركه، بخلاف الأمر على ما تقدَّم. وهذا الأصل إذا فهم هو ومسألة مطلق الأمر، هل يحمل على الفور، أو التراخي، أو على المرة الواحدة، أو على التكرار؟ وفي هذا الحديث أبواب من الفقه لا تخفى.