الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[1377]
وعَن أَنَسِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَن طَلَبَ الشَّهَادَةَ صَادِقًا أُعطِيَهَا وَلَو لَم تُصِبهُ.
رواه مسلم (1908).
[1378]
ومن حديث سَهلِ بنِ حُنَيفٍ: مَن سَأَلَ اللَّهَ شهَادَةَ بِصِدقٍ بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِن مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ.
رواه مسلم (1909)، وأبو داود (1520)، والترمذي (1653)، والنسائي (6/ 36 - 37)، وابن ماجه (2797).
* * *
(51) باب الغزو في البحر
[1379]
عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَدخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ بِنتِ مِلحَانَ فَتُطعِمُهُ،
ــ
وقوله: (من سأل الله الشَهادة بصدق بلَّغه الله تعالى منازلَ الشُهداء؛ وإن مات على فراشه)؛ هذا يدلُّ على صحة ما أصَّلناه في الباب الذي قبل هذا، وهو: أنَّه مَن نوى شيئا من أعمال البرِّ، ولم يتفق له عملُه لعذرٍ، كان بمنزلة مَن باشر ذلك العملَ، وعَمِلَه.
(51)
ومن باب: الغزو في البحر
قوله: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدخلُ على أمِّ حرام بنت مِلحان)؛ أمّ حرام هذه هي أخت أم سليم أم أنس بن مالك، وكان اسم أم حرام: الرميصاء. وقيل: الغميصاء، وإنما الرميصاء أمُّ سليم. وكذا ذكره البخاري.
و(الرميصاء): من
وَكَانَت أُمُّ حَرَامٍ تَحتَ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ، فَدَخَلَ عَلَيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَومًا فَأَطعَمَتهُ، ثُمَّ جَلَسَت تَفلِي رَأسَهُ، فَنَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ استَيقَظَ وَهُوَ يَضحَكُ، قَالَت: فَقُلتُ: مَا يُضحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَاسٌ
ــ
الرمص، وهو القذى الذي يجتمع في مآقي العين وأهدابها.
و(الغمص): استرخاءٌ فيها وانكسار، وهما اسمان لهما، ويجوزُ أن يكون ذلك صفتين، ولعل الغمصَ هو الذي كان غالبًا على نساء الأنصار، وهو الذي عنى به النبيُّ صلى الله عليه وسلم حيث قال لجابر: فإن في عيون الأنصار شيئا (1).
ودخولُ النبي صلى الله عليه وسلم على أم حرام؛ لأنها كانت إحدى خالاته من الرَّضاعة، كما قال ابنُ وهب. وقال غيرُه: بل كانت خالة لأبيه (2)، أو لجدِّه؛ لأن أم عبد المطلب (3) من بني النجار.
وقوله: (وكانت تحت عُبادة بن الصامت)؛ ظاهرُه: أن أم حرام كانت زوجًا لِعُبادة في الوقت الذي دخل عليها النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ورأى تلك الرؤيا، وليس الأمرُ كذلك، بل تزوَّجها عُبادةُ بعد ذلك بمدةٍ، كما قاله في الرواية الأخرى: فتزوَّجها عبادةُ بَعدُ، فغزا في البحر. فهذا يدلُّ على تعقيب تزوجها بغزوهم، وكان ذلك الغزو في زمان معاوية، إمَّا وهو أميرُ الجيش، أو أمير المؤمنين، على ما في ذلك من الخلاف.
وفي قوله: (أطعمته)؛ دليل على جواز تصرُّف المرأة في إطعام الضيف من طعام زوجها؛ لأن الأصل في أطعمة الدَّار إنما هي مال الزوج.
وفيه دليل على خلوة الرَّجل بذات محرم، والتبسُّط معها، والقرب منها، لا سيما على رواية من
(1) أحمد (2/ 299)، ومسلم (1424/ 74)، والنسائي (6/ 77).
(2)
في (ج): لأمّه.
(3)
زاد في (ج 2): بن هاشم.
مِن أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ، يَركَبُونَ ثَبَجَ هَذَا البَحرِ، مُلُوكًا عَلَى الأَسِرَّةِ، أَو مِثلَ المُلُوكِ عَلَى الأَسِرَّةِ. (يَشُكُّ أَيَّهُمَا قَالَ). قَالَت: فَقُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: ادعُ اللَّهَ أَن يَجعَلَنِي مِنهُم، فَدَعَا لَهَا. ثُمَّ وَضَعَ رَأسَهُ، فَنَامَ
ــ
روى: أنَّه صلى الله عليه وسلم وضع رأسه على فخذها. ويمكن أن يقال: إنه صلى الله عليه وسلم كان لا يستتر منه النساء؛ لأنه كان معصومًا بخلاف غيره.
وضحكه صلى الله عليه وسلم حين استيقظ إنما كان فَرَحًا مما اطلع عليه من أحوال من يكون كذلك حالُه من أمته بعده.
و(ثبج البحر): ظهره، كما قال في الرواية الأخرى. وأصل الثَّبج: ما يلي الكتفين.
وقوله: (ملوكًا على الأسرة، أو مثل الملوك على الأسرة)؛ هو شكّ من بعض الرواة، وقد ورد في طريقٍ أخرى:(كالملوك على الأسرَّة)، بغير شكِّ، ويحتمل أن يكون خبرًا عن حالهم في غزوهم. ويحتملُ أن يكونَ خبرًا عن حالهم في الجنة، كما قال تعالى في صفة أهل الجنَّة:{عَلَى سُرُرٍ مَصفُوفَةٍ} و {عَلَى سُرُرٍ مَوضُونَةٍ * مُتَّكِئِينَ عَلَيهَا مُتَقَابِلِينَ}
وفيه دليل على ركوب البحر في الغزو. ويلحقُ به ما في معناه ن الحج وغيره؛ وهو مذهبُ جمهور الصحابة والعلماء، غير أنه قد روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه منع ركوبه مطلقًا. وقيل: إنما منعاه للتجارة، وطلب الدنيا، لا للطاعات. وكره مالك ركوبه للنساء مطلقًا، لما يخاف عليهن من أن يُطلع منهن على عورةٍ، أو يطلعن على عورات المتصرِّفين.
قال الأصحابُ: هذا فيما صَغُر من السُّفن، فأمَّا ما كَبُر منهن، بحيث يستترن بأماكن يختصصن بها، فلا بأس.
وقولها في الثانية: (ادع الله أن يجعلني منهم)؛ كأنها ظنَّت أن المعروضين
ثُمَّ استَيقَظَ وَهُوَ يَضحَكُ، قَالَت: فَقُلتُ: مَا يُضحِكُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَاسٌ مِن أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ. كَمَا قَالَ فِي الأُولِ، قَالَت: فَقُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادعُ اللَّهَ أَن يَجعَلَنِي مِنهُم، قَالَ: أَنتِ مِن الأَوَّلِينَ. فَرَكِبَت أُمُّ حَرَامٍ بِنتُ مِلحَانَ البَحرَ فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ، فَصُرِعَت عَن دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَت مِن البَحرِ فَهَلَكَت.
وَفِي رِوَايَةٍ: يَركَبُونَ ظَهرَ هَذَا البَحرِ الأَخضَرِ.
ــ
عليه ثانيا مساوون للأولين في الرتبة، فسألت رتبتهم ليتضاعف لها الأجر، ولم تشك في إجابة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لها في المرة الأولى.
وقوله: (أنت من الأولين)؛ أي: من الزمرة التي رآها أولًا. وهذا يدل: على أن المرئيين ثانيًا ليسوا الأولين، وكانت الطائفة الأولى غزاة أصحابه في البحر.
والثانية: غزاة التابعين فيه. والله تعالى أعلم.
وقوله: (فركبت البحر في زمن معاوية)؛ ظاهره: في زمان خلافة معاوية. وقال به بعض أهل التاريخ. والأشهر من أقوالهم: إن ذلك إنما كان في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه، وفيها كان معاوية قد غزا قبرص سنة ثمان وعشرين، ومعه زوجته فاختة بنت قرظة من بني عبد مناف، قاله خليفة بن خياط (1) وغيره. وفيها ركبت أم حرام البحر مع زوجها إلى قبرص، وبها توفيت حين صرعتها دابتها، ودفنت بها.
وفيه دليل: على صحَّة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى صدقه، فإنه قد وقع ما أخبر عنه من الغيب على نحو ما أخبر عنه.
(1) هو العُصْفُري البصري الشيباني، محدِّث، نسَّابة، إخباري، صنَّف "التاريخ" و"الطبقات". توفي سنة (240 هـ).