الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(47) باب ما جاء في دخول النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة وفي صلاته فيها
[1183]
عَن ابنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الكَعبَةَ هُوَ وَأُسَامَةُ، وَبِلَالٌ، وَعُثمَانُ بنُ طَلحَةَ الحَجَبِيُّ - وفي رواية: ولم يدخلها معهم أحد - فَأَغلَقَهَا عَلَيهِ، ثُمَّ مَكَثَ فِيهَا، قَالَ ابنُ عُمَرَ: فَسَأَلتُ بِلَالًا حِينَ خَرَجَ:
ــ
(47)
ومن باب: دخول النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة
هذا إنما كان عام الفتح، كما جاء منصوصًا في الرواية الأخرى، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم مُحرِمًا يوم الفتح، فلا يستدل به، على أن دخول البيت نُسُك في الحج والعمرة؛ كما ذهب إليه بعضهم. وأما أحاديث حجة الوداع فليس في شيء منها تحقيق: أنه صلى الله عليه وسلم دخل أولا. غير أن أبا داود روى من حديث عائشة رضي الله عنها: أنه صلى الله عليه وسلم خرج من عندها مسرورًا، ثم رجع إليها وهو كئيب، فقال:(إني دخلت الكعبة، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت ما دخلتها، إني أخاف أن أكون قد شققت على أمتي)(1)؛ وظاهره: أن ذلك كان في حجة الوداع، غير أن هذا الحديث في إسناده إسماعيل بن عبد الملك بن أبي الصغير، وهو ضعيف. وقد رواه البزار بإسناد آخر، ولا يثبت أيضًا.
وقوله: (فأغلقها عليه)؛ فيه دليل على اختصاص السابق للمنفعة المشتركة بها، ومنعها ممن يخاف تشويشها عليه، وقال الشافعي: فائدة أمره صلى الله عليه وسلم بإغلاقها وجوب الصلاة إلى جدار من جُدُرها، وأنه لو صلى إلى الباب وهو مفتوح؛ لم يجزه؛ لأنه لم يستقبل منها شيئًا. وألزم من مذهبه إبطال هذا؛ لأنه يجيز الصلاة في
(1) رواه أبو داود (2029).
مَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: جَعَلَ عَمُودَينِ عَن يَسَارِهِ، وَعَمُودًا عَن يَمِينِهِ، وَثَلَاثَةَ أَعمِدَةٍ وَرَاءَهُ، وَكَانَ البَيتُ يَومَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ أَعمِدَةٍ، ثُمَّ صَلَّى.
وَفِي رِوَايَةٍ: ثُمَّ فَتَحَ البَابَ قَالَ عَبدُ اللَّهِ: فَبَادَرتُ النَّاسَ، فلَقَّيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَارِجًا، وَبِلَالٌ عَلَى أثرِهِ، فَقُلتُ لِبِلَالٍ: هَل صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: نَعَم قُلتُ: أَينَ؟ قَالَ: بَينَ العَمُودَينِ، تِلقَاءَ وَجهِهِ، قَالَ: وَنَسِيتُ أَن أَسأَلَهُ كَم صَلَّى.
رواه أحمد (2/ 33 و 55)، والبخاري (505)، ومسلم (1329)(388 و 389)، وأبو داود (2023 و 2025)، والنسائي (2/ 63).
ــ
أرضها لو تهدمت الجدر؛ لاستقباله أرضها. وقيل: إنما أغلقها دونهم لئلا يتأذى بزحامهم. وقيل: لئلا يُصلَّى بصلاته، فتتخذ الصلاة فيها سنة. ولا يلتفت لقول من قال: إنما فعل ذلك لئلا يستدبر شيئًا من البيت، كما وقع في زيادة البخاري عن بعض الرواة؛ لأن الباب إذا أغلق؛ صار كأنه جدار البيت.
وقوله: (جعل عمودين عن يساره، وعمودًا عن يمينه، وثلاثة أعمدة وراءه)؛ هكذا رواه مسلم عن يحيى بن يحيى التميمي، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر. ورواه يحيى بن يحيى الأندلسي وغيره في الموطأ عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر قال:(جعل عمودًا عن يساره، وعمودين عن يمينه، وثلاثة أعمدة وراءه)(1). وفي مسلم من حديث ابن شهاب، عن سالم، عن أبيه؛ أنه صلى الله عليه وسلم صلَّى بين العمودين اليمانيين (2). وظاهر هذا الاختلاف اضطراب. ويمكن أن يقال: إنه صلى الله عليه وسلم تكررت صلاته في تلك المواضع، وإن كانت القضية واحدة، فإنه صلى الله عليه وسلم مكث في الكعبة طويلًا.
(1) رواه مالك (1/ 398).
(2)
رواه مسلم (1329)(393).
[1184]
وعنه، قَالَ: أَقبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الفَتحِ عَلَى نَاقَةٍ لِأُسَامَةَ بنِ زَيدٍ، حَتَّى أَنَاخَ بِفِنَاءِ الكَعبَةِ، ثُمَّ دَعَا عُثمَانَ بنَ طَلحَةَ فَقَالَ: ائتِنِي بِالمِفتَاحِ، فَذَهَبَ إِلَى أُمِّهِ، فَأَبَت أَن تُعطِيَهُ. فَقَالَ: وَاللَّهِ لَتُعطِينِهِ، أَو لَيَخرُجَنَّ هَذَا السَّيفُ مِن صُلبِي، قَالَ: فَأَعطَتهُ إِيَّاهُ، فَجَاءَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَدَفَعَهُ إِلَيهِ، فَفَتَحَ البَابَ، ثُمَّ ذَكَرَ نحوه.
رواه مسلم (1329)(390).
ــ
وحديث ابن عمر هذا، وروايته عن بلال يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى في البيت الصلاة المعهودة الشرعية. وبهذا أخذ الشافعي، وأبو حنيفة، والثوري، وجماعة من السلف، وبعض الظاهرية فقالوا: يُصلَّى في الكعبة التطوع والفرض. وقد خالف بلالًا أسامة، فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل في الكعبة، وإنما دعا فيها. وبهذا أخذ ابن عباس، وبعض الظاهرية؛ فلم يجيزوا فيها فرضًا ولا تطوُّعًا. وقال مالك: لا يُصلَّى فيها الفروض ولا السنن، ويُصلَّى فيها التطوع، غير أنه إن صلَّى فيها الفرض أعاد في الوقت. وقال أصبغ: يعيد أبدًا.
ويمكن أن يجمع بين حديث أسامة وبلال على مقتضى مذهب مالك. فيقال: إن قول بلال: أنه صلى فيها؛ يعني به: التطوع. وقول أسامة: إنه لم يصل فيها؛ يعني به: الفرض. وقد جمع بينهما بعض أئمتنا بوجهٍ آخر فقال: إن أسامة تغيَّب في الحين الذي صلَّى فيه النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يشاهده، فاستصحب النفي لسرعة رجعته، فأخبر عنه، وشاهد ذلك بلال فأخبر عما شاهد. وعضد هذا بما رواه ابن المنذر عن أسامة قال: رأى النبي صلى الله عليه وسلم صورًا في الكعبة، فكنت آتيه بماء في الدَّلو يضرب به تلك الصور. فيحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم صلَّى في حالة مضي أسامة في طلب الماء، والله تعالى أعلم.
وعلى الجملة: فحديث من أثبت أولى أن يؤخذ به؛ لأنه أخبر عن مشاهدة، فكان أولى من النَّافي.
وفي هذا الحديث ما يدلُّ: على أن سدانة البيت ولاية باقية لعثمان بن طلحة
[1185]
وعن ابن عباس قال: أَخبَرَنِي أُسَامَةُ بنُ زَيدٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا دَخَلَ البَيتَ دَعَا فِي نَوَاحِيهِ كُلِّهَا، وَلَم يُصَلِّ فِيهِ حَتَّى خَرَجَ، فَلَمَّا خَرَجَ رَكَعَ فِي قُبُلِ البَيتِ رَكعَتَينِ، وَقَالَ: هَذِهِ القِبلَةُ.
رواه البخاري (398)، ومسلم (1330)(395)، والنسائي (5/ 220 - 221).
[1186]
وعنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ الكَعبَةَ وَفِيهَا سِتُّ سَوَارٍ، فَقَامَ عِندَ سَارِيَةٍ فَدَعَا، وَلَم يُصَلِّ.
رواه مسلم (1331).
ــ
وذويه، فلا تنتزع منهم بحال؛ كالسقاية في بني العباس، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:(كل مأثرة كانت في الجاهلية فهي تحت قدمي (1) إلا سقاية الحاج، وسدانة البيت). وقال:(يا بني عبد الدار! خذوها خالدةً، تالدةً)(2). وبذلك قال جميع العلماء. وأعظم مالك أن يشرك غيرهم فيها معهم.
وهذه العُمرة التي سُئل عنها ابن أبي أوفى هي عمرة القضاء، ولم يختلف أنه لم يدخل فيها النبي صلى الله عليه وسلم البيت؛ لما كان فيه من الصور، والأصنام، ولم يكن يقدر على تغييرها إذ ذاك لأجل مشركي أهل مكة، فلما فتحها الله عليه دخل البيت، وصلَّى فيه، على ما تقدَّم. وسائر عُمُرِه لم يثبت فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم دخوله البيت، ولا نفيه.
وقوله: (فلما خرج ركع في قُبُل البيت ركعتين، وقال: هذه القبلة)؛ أي: فيما يقابله منها إذا استقبل الباب. وفي هذه الإشارة قولان:
(1) في (ع): قدمي هذا، والمثبت من باقي النسخ وسنن أبي داود.
(2)
رواه أبو داود (4547)، وابن ماجه (2628).