الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(40) باب فضل القتل في سبيل الله تعالى
[1348]
عن أَنَسَ بنَ مَالِكٍ، عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا مِن أَحَدٍ يَدخُلُ الجَنَّةَ يُحِبُّ أَن يَرجِعَ إِلَى الدُّنيَا، وَأَنَّ لَهُ مَا عَلَى الأَرضِ مِن شَيءٍ غَيرُ الشَّهِيدِ، فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى أَن يَرجِعَ فَيُقتَلَ عَشرَ مَرَّاتٍ لِمَا يَرَى مِن الكَرَامَةِ.
وفي رواية: لما يرى من فضل الشهادة.
رواه أحمد (3/ 103)، والبخاري (2817)، ومسلم (1877)، (108 و 109)، والترمذي (1643)، والنسائي (6/ 36).
[1349]
وعَن أَبِي قَتَادَةَ: عن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَامَ فِيهِم فَذَكَرَ لَهُم: أَنَّ الجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالإِيمَانَ بِاللَّهِ أَفضَلُ الأَعمَالِ. فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ:
ــ
(40)
ومن باب: فضل القتل في سبيل الله تعالى
قوله: (إن الإيمان والجهاد أفضل الأعمال)؛ الإيمان هنا: هو المذكور في حديث جبريل، ولا شك في أنه أفضل الأعمال؛ فإنه راجع إلى معرفة الله ورسوله، وما جاء به، وهو المصحح لأعمال الطاعات كلها، المتقدم عليها في الرتبة والمرتبة، وإنما قرن به الجهاد هنا في الأفضلية، وإن لم يجعله من جملة مباني الإسلام التي ذكرها في حديث ابن عمر؛ لأنه لم يتمكن من إقامة تلك المباني على تمامها وكمالها، ولم يظهر دين الإسلام على الأديان كلها إلا بالجهاد، فكأنه أصل في إقامة الدِّين والإيمان، أصل في تصحيح الدِّين، فجمع بين الأصلين في الأفضلية. والله تعالى أعلم.
وقد حصل من مجموع هذه الأحاديث: أن الجهاد أفضل من جميع العبادات العملية، ولا شك في هذا عند تعيينه على كل مكلف
يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَرَأَيتَ إِن قُتِلتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أيُكَفَّرُ الله عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ لَهُ
ــ
يقدر عليه، كما كان في أوّل الإسلام، وكما قد تعيَّن في هذه الأزمان (1)؛ إذ قد استولى على المسلمين أهل الكفر والطغيان، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وأمَّا إذا لم يتعين فحينئذ تكون الصلاة أفضل منه، على ما جاء في حديث أبي ذر؛ إذ سُئل عن أفضل الأعمال فقال:(الصلاة على مواقيتها)(2).
وقول السَّائل: (أرأيت إن قتلت في سبيل؛ أتكفر عني خطاياي)؛ هذا بحكم عمومه يشمل جميع الخطايا، ما كان من حقوق الله تعالى، وما كان من حقوق الآدميين. فجوابه بـ (نعم) مطلقًا يقتضي تكفير جميع ذلك، لكن الاستثناء الوارد بعد هذا يبيّن أن هذا الخبر ليس على عمومه؛ وإنما يتناول حقوق الله تعالى خاصَّة لقوله صلى الله عليه وسلم:(إلا الدَّين). وذكره الدَّين تنبيه على ما في معناه من تعلق حقوق الغير بالذمم، كالغصب، وأخذ المال بالباطل، وقتل العمد، وجراحه، وغير ذلك من التبعات، فإن كل هذا أولى بأن لا يغفر بالجهاد من الدَّين، لكن هذا كله إذا امتنع من أداء الحقوق مع تمكنه منه، وأما إذا لم يجد للخروج من ذلك سبيلًا؛ فالمرجو من كرم الله تعالى إذا صدق في قصده، وصحت توبته أن يُرضي الله تعالى خصومه عنه، كما قد جاء نصًّا في حديث أبي سعيد الخدري المشهور في هذا، وقد دلَّ على صحة ما ذكرناه قوله صلى الله عليه وسلم:(لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة)(3)، الحديث، وسيأتي إن شاء الله تعالى. ولا يلتفت إلى قول من قال: إن هذا الذي ذكره من الدَّين إنما كان قبل قوله صلى الله عليه وسلم: (من ترك دينًا أو ضياعًا فعليَّ)(4)، الحديث؛ يشير بذلك إلى أن ذلك المعنى منسوخ. فإنه قول باطل
(1) في (ع): الأوقات.
(2)
رواه البخاري (527)، ومسلم (85) من حديث عبد الله بن مسعود.
(3)
رواه أحمد (2/ 235)، ومسلم (2582)، والترمذي (2420).
(4)
رواه البخاري (5371)، ومسلم (1619)، والترمذي (1070)، والنسائي (4/ 66).
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَعَم، إِن قُتِلتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَنتَ صَابِرٌ مُحتَسِبٌ، مُقبِلٌ غَيرُ مُدبِرٍ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كَيفَ قُلتَ؟ . قَالَ: أَرَأَيتَ إِن قُتِلتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَعَم، وَأَنتَ صَابِرٌ مُحتَسِبٌ، مُقبِلٌ غَيرُ مُدبِرٍ، إِلَّا الدَّينَ، فَإِنَّ جِبرِيلَ قَالَ لِي ذَلِكَ.
رواه مسلم (1885)(117)، والترمذي (1712)، والنسائي (6/ 34).
[1350]
وعَن عَبدِ اللَّهِ بنِ عَمرِو: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: القَتلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُكَفِّرُ كُلَّ شَيءٍ إِلَّا الدَّينَ.
رواه مسلم (1886)(120).
ــ
مفسوخ؛ فإن المقصود من هذا الحديث بيان أحكام الديون في الدنيا، وذلك: أنه كان من أحكامها دوام المطالبة، وإن كان الإعسار. وقال بعض الرواة: إن الحر كان يباع في الدين. وامتنع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة على من مات وعليه دينار ولم يجد وفاءً له. فهذه الأحكام وأشباهها هي التي يمكن أن تنسخ، والحديث الأول لم يتعرض لهذه الأحكام؛ وإنما تعرض لمغفرة الذنوب فقط. هذا إذا قلنا: إن هذا ناسخ. فأما إذا حققنا النظر فيه فلا يكون ناسخًا، وإنما غايته: أن تحمل النبي صلى الله عليه وسلم على مقتضى كرم خلقه عن المعسر دينه، وسدّ ضيعة الضائع. وقد دل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بعينه:(أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، وأنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم)(1)؛ فعلى هذا يكون هذا التحمل خصوصًا به، أو من جملة تبرعاته لما وسّع الله عليه، وعلى المسلمين. وقد قيل في معنى هذا الحديث: إن معنى ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بذلك من مال الخمس والفيء ليبين: أن للغارمين ولأهل الحاجة حقًّا في بيت مال المسلمين، وإن الناظر لهم يجب عليه القيام بذلك لهم، والله تعالى أعلم.
(1) هو الحديث السابق.
[1351]
وعَن مَسرُوقٍ قَالَ: سَأَلنَا عَبدَ اللَّهِ عَن هَذِهِ الآيَةِ: {وَلا
ــ
وفيه من الفقه: جواز تأخير الاستثناء قدرًا قليلًا؛ لأنه أطلق أولًا، فلما ولى دعاه، فذكر له الاستثناء، وقد يجاب عنه: بأنه لما أراد أن يستثني أعاد اللفظ الأوّل، ووصل الاستثناء به في الحال، فلا يجوز التأخير، ويدل على ذلك: أن الاستثناء والتخصيص وغيرهما الصادرة عنه صلى الله عليه وسلم كلٌّ من عند الله، لا من عند النبي صلى الله عليه وسلم بالاجتهاد، وقد تقدَّم الاختلاف في هذا الأصل.
وقول مسروق: (سألنا عبد الله عن هذه الآية)؛ هو عبد الله بن مسعود، وهكذا في رواية أبي بحر:(سألنا عبد الله بن مسعود)، ومن قال فيه: عبد الله بن عمرو فقد أخطأ.
وقول عبد الله: (أما إنا سألنا عن ذلك فقال)؛ كذا صحَّت الرواية، ولم يذكر فيها (رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وهو المراد منها قطعًا. ألا ترى قوله:(فقال)؛ وأسند الفعل إلى ضميره، وإنما سكت عنه للعلم به، فهو مرفوع، وليس هذا المعنى الذي في هذا الحديث مما يتوصل إليه بعقل ولا قياس، وإنما يُتوصل إليه بالوحي، فلا يُقال: هو موقوف على عبد الله بن مسعود.
وقد تضمَّن هذا الحديث تفسير قوله تعالى: {بَل أَحيَاءٌ عِندَ رَبِّهِم يُرزَقُونَ} وأن معنى حياة الشهداء: أن لأرواحهم من خصوص الكرامة ما ليس لغيرهم، بأن جعلت في جوف طير، كما في هذا الحديث، أو في حواصل طير خضر، كما في الحديث الآخر، صيانة لتلك الأرواح، ومبالغة في إكرامها، لإطلاعها على ما في الجنة من المحاسن والنعم، كما يطلع الراكب المظلل عليه بالهودج الشفاف؛ الذي لا يحجب عما وراءه. ثم يدركون في تلك الحال التي يسرحون فيها من روائح الجنة، وطيبها، ونعيمها، وسرورها ما يليق بالأرواح مما ترتزق وتنتعش به. وأما اللذات الجسمانية فإذا أعيدت تلك الأرواح إلى أجسادها استوفت من النعيم جميع ما أعدَّ الله تعالى لها، ثم إن أرواحهم بعد سرحها في
تَحسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَموَاتًا بَل أَحيَاءٌ عِندَ رَبِّهِم يُرزَقُونَ} فقَالَ: أَمَا إِنَّا سَأَلنَا عَن ذَلِكَ فَقَالَ: إن أَروَاحُهُم فِي جَوفِ طَيرٍ
ــ
الجنة ترجع تلك الطير بهم إلى مواضع مكرَّمة مشرَّفة منوَّرة عبّر عنها بالقناديل؛ لكثرة أنوارها، وشدّتها. والله تعالى أعلم.
وهذه الكرامات كلها مخصوصة بالشهداء كما دلت عليه الآية وهذا الحديث، وأما حديث مالك الذي قال فيه:(إنما نسمة المؤمن طائر يعلّق في ثمر الجنة)(1)؛ فالمراد بالمؤمن هنا: الشهيد.
والحديثان واحد في المعنى، وهو من باب حمل المطلق على المقيد. وقد دل على صحة هذا قوله في الحديث الآخر:(إذا مات الإنسان عرض عليه مقعده بالغداة والعشي من الجنة والنار، فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة)(2)؛ فالمؤمن غير الشهيد هو الذي يُعرض عليه مقعده من الجنة وهو في موضعه من القبر أو الصور، أو حيث شاء الله تعالى غير سارح في الجنة، ولا داخل فيها؛ وإنما يدرك منزلته فيها بخلاف الشهيد؛ فإنه يباشر ذلك ويشاهده وهو فيها، على ما تقدَّم، وكذلك أرواح الكفار تشاهد ما أعد الله لها من العذاب عند عرض ذلك عليها، كما قال تعالى في آل فرعون:{النَّارُ يُعرَضُونَ عَلَيهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَومَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدخِلُوا آلَ فِرعَونَ أَشَدَّ العَذَابِ} وعند هذا العرض تدرك روح الكافر من الألم، والتخويف، والحزن، والعذاب بالانتظار ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. فنسأل الله العافية. كما أنه يحصل للمؤمن عند عرض الجنة من الفرح، والسرور، والتنعم بانتظار المحبوب ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. فإذا أعيدت الأرواح إلى الأجساد استكمل كل فريق منهم ما أعد الله له. وبهذا الذي ذكرناه تلتئم الأحاديث، وتتفق. والله الموفق.
(1) رواه مالك في الموطأ (1/ 240).
(2)
رواه أحمد (5/ 51)، والبخاري (6515)، والنسائي (4/ 107)، وابن ماجه (4270).
خُضرٍ، لَهَا قَنَادِيلُ مُعَلَّقَةٌ بِالعَرشِ، تَسرَحُ في الجَنَّةِ حَيثُ شَاءَت، ثُمَّ تَأوِي
ــ
وقد حصل من مجموع الكتاب والسنة. أن الأرواح باقية بعد الموت، وأنها متنعمة، أو معذبة إلى يوم القيامة.
وقد اختلف الناس في الأرواح قديمًا وحديثًا ما هي؟ وعلى أي حال هي؟ اختلافًا كثيرًا، واضطربوا فيها اضطرابًا شديدًا؛ الواقف عليه يتحقق أن الكل منهم على غير بصيرة منها؛ وإنما هي أقوال صادرة عن ظنون متقاربة (1)، ولا يشك في أنه مما انفرد الله تعالى بعلم حقيقته. وعلى هذا المعنى حمل أكثر المفسرين قوله تعالى:{قُلِ الرُّوحُ مِن أَمرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِنَ العِلمِ إِلا قَلِيلا} فليقطع العاقل طمعه من علم حقيقته، ولينظر هل ورد في الأقوال الصادقة ما يدل على شيء من صفته؟ وعند تصفح ذلك، واستقراء ما هنالك يحصل للباحث: أن الروح أمر (2) ينفخ في الجسد، ويقبض منه، ويتوفى بالنوم والموت، ويؤمن، ويكفر، ويعلم، ويجهل، ويفرح، ويحزن، ويتنعم، ويتألم، ويخرج، ويدخل، والإنسان يجد من ذاته بضرورته قابلًا للعلوم وأضدادها، وللفكر وأضدادها، ولغير ذلك من المعاني، فيحصل من مجموع تلك الأمور على القطع: أن الروح ليس من قبيل الأعراض لاستحالة كل ما ذكر عليها، فيلزم أن يكون الروح من قبيل ما يقوم بنفسه، وأنه قابل للأعراض.
وهل هو متحيز أو ليس بمتحيز؟ ذهبت طوائف من الأوائل، ومن نحا نحوهم من الإسلاميين، إلى أنه قائم بنفسه غير متحيز. وذهب أكثر أهل الإسلام إلى أن ذلك من أوصاف الحق سبحانه وتعالى الخاصة به، وأنه لا تصح مشاركته في ذلك لأدلة تذكر في علم الكلام، وأن الروح قائم بنفسه متحيز، فهو من قبيل الجواهر.
ثم اختلف، هل هو يقبل الانقسام فيكون جسمًا أو لا يقبله فيكون جوهرًا
(1) في الأصول: متقابلة، وما أثبتناه من: إكمال إكمال المعلم للأُبِّي.
(2)
ليست في الأصول، واستدركت من: إكمال إكمال المعلم للأُبِّي.
إِلَى تِلكَ القَنَادِيلِ، فَاطَّلَعَ إِلَيهِم رَبُّهُم عز وجل اطِّلَاعَةً فَقَالَ: هَل تَشتَهُونَ شَيئًا؟ قَالَوا: أَيَّ شَيءٍ نَشتَهِي؟ وَنَحنُ نَسرَحُ مِن الجَنَّةِ حَيثُ شِئنَا؟ ! فَفَعَلَ بِهِم ذلك ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا رَأَوا أَنَّهُم لَن يُترَكُوا مِن أَن يُسأَلُوا قَالَوا:
ــ
فردًا؟ فذهبت طائفة من جلّة علماء أهل السنة إلى أنه جسم لطيف مشابك لجميع أجزاء البدن، أجرى الله العادة ببقائه في الجسم ما دام حيًّا، فإذا أراد الله تعالى إماتة الحيوان نزعه منه، وأزال اتصاله بالحياة، وأعقبها بالموت. وأطبق معظم المتكلمين من أهل السنة على أنه جزء فرد من أجزاء القلب، أو غيره مما يكون في الإنسان، أجرى الله العادة بحياة ذلك الجسم ما دام ذلك الجزء متصلًا به. والله تعالى أعلم، وأحكم، والتسليم أولى وأسلم.
والذي اتفق أهل التحقيق عليه: أنه محدث مخترع؛ لأنه متغير، وكل متغير محدث على ما يُعرف في موضعه، ولا يلتفت لقول من قال: إن الروح قديم؛ إذ لا قديم إلا الله تعالى، على ما يُعرف في موضعه، ولا يلتفت أيضًا لقول التناسخية القائلين بأن الأرواح تنتقل إلى أجساد أخر، فأهل السعادة ينقلون إلى أجساد حسنة مشرقة مرفهة، فتتنعم بها، كما جاء في هذه الأحاديث، وأهل الشقاء تنقل أرواحهم إلى أجسام خسيسة قبيحة، فتعذب فيها، حتى إذا استوفت أمد عقابها رجعت إلى أحسن بنية، وهكذا أبدًا. وهذا معنى الإعادة والثواب والعقاب عندهم. وهو قول مناقض لما جاءت به الشريعة، ولما أجمعت الأمة عليه، ومعتقده يكفر قطعًا، فإنه أنكر ما علم قطعًا من إخبار الله تعالى، وإخبار نبيه صلى الله عليه وسلم عن أمور الآخرة، وعن تفاصيل أحوالها، وأن الأمر ليس على شيء مما قالوه. فالتناسخ والقول به باطل، محال عقلًا، على ما يُعرف في علم الكلام.
وقوله: (فاطلع إليهم ربهم اطلاعة)؛ أي: تجلى لهم برفع حجبهم، وكلمهم مشافهة بغير واسطة، مبالغة في الإكرام، وتتميمًا للإنعام.
يَا رَبِّ نُرِيدُ أَن تَرُدَّ أَروَاحَنَا فِي أَجسَادِنَا، حَتَّى نُقتَلَ فِي سَبِيلِكَ مَرَّةً أُخرَى، فَلَمَّا رَأَى أَن لَيسَ لَهُم حَاجَةٌ تُرِكُوا.
رواه مسلم (1887)، والترمذي (3014 و 3015).
[1352]
وعَن جَابِرٍ قال: قَالَ رَجُلٌ يوم أحد: أَينَ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِن قُتِلتُ؟ قَالَ: فِي الجَنَّةِ. فَأَلقَى تَمَرَاتٍ كُنَّ فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ.
رواه أحمد (3/ 308)، والبخاري (4046)، ومسلم (1899)، والنسائي (6/ 33).
[1353]
وعَن البَرَاءِ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِن بَنِي النَّبِيتِ -قَبِيلٍ مِن الأَنصَارِ- فَقَالَ: أَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّكَ عَبدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ تَقَدَّمَ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ، فَقَالَ النَّبِيُّ-صلى الله عليه وسلم: عَمِلَ هَذَا يَسِيرًا وَأُجِرَ كَثِيرًا.
رواه البخاري (2808)، ومسلم (1900).
* * *
ــ
وقولهم: (نريدُ أن تَرُدَّ أرواحَنا في أجسادنا)؛ دليل على أن مُجرَّد الأرواح هي المتكلِّمة، ويدلُ على: أن الروحَ ليس بِعَرَض خلافًا لمن ذهب إلى ذلك. وفيه ردٌّ على التناسخية، وأن أجوافَ الطير ليست أجسادًا لها، وإنما هي مُودعة فيها على سبيل الحفظ والصيانة والإكرام، على ما قدَّمناه. وهذا كلُه يدلُّ على أن لمنزلة الشهادة من خصوص الإكرام ما ليس لغيرها من أعمال البِرّ، كما قال في الحديث الآخر:(ليس أحد له عند الله خير يتمنى أن يرجعَ إلى الدنيا إلا الشهيد؛ لما يرى من فضل الشهادة (1)) (2).
(1) ساقط من (ع) و (ج) واستدرك من (ج 2).
(2)
رواه الترمذي (1640 - 1643).