الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(3) باب الأمر بزكاة الفطر، وعمن تخرج، ومماذا تخرج، ومتى تخرج
؟
[853]
عَن ابنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَرَضَ زَكَاةَ الفِطرِ مِن رَمَضَانَ
ــ
(3)
ومن باب: الأمر بزكاة الفطر
قوله: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر؛ جمهور أئمة الفتوى على أنها واجبة، وهو المنصوص عن مالك؛ محتجين بقوله: فرض فإن عرفه الشرعي أوجب. وبأنها داخلة في عموم قوله تعالى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} وذهب بعض أهل العراق وبعض أصحاب مالك: إلى أنها سنَّة، ورأوا أن: فَرَضَ بمعنى: قَدَّرَ، وهو أصله في اللغة، كما قال تعالى:{أَو تَفرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} ولم يروها داخلة في عموم ما ذكر. وقال أبو حنيفة: هي واجبة وليست بفريضة؛ على مذهبه في الفرق بين الواجب والفرض.
وقوله: زكاة الفطر من رمضان؛ إشارة إلى وقت وجوبها. وقد اختلف فيه:
فعندنا وعند الشافعي: تجب بغروب الشمس من آخر رمضان. وقيل عنهما: بطلوع الفجر من يوم الفطر.
وذهب بعض المتأخرين من أصحابنا: إلى أنها تجب بطلوع الشمس من يوم الفطر، وسبب هذا الخلاف: أن الشرع قد أضاف هذه الزكاة للفطر، وهل هو الفطر المعتاد في سائر الشهور؟ فيكون الوجوب من وقت الغروب، أو الفطر المعتاد في كل يوم؟ فيكون من طلوع الشمس. أو المراد أول الفطر المأمور به يوم الفطر؟ فيكون من طلوع الفجر.
وقال ابن قتيبة: معنى صدقة الفطر؛ أي: صدقة النفوس، والفطرة: أصل الخلقة، وهذا بعيد، بل مردود بقوله:
عَلَى كُلِّ نَفسٍ مِنَ المُسلِمِينَ، حُرٍّ أَو عَبدٍ، أَو رَجُلٍ، أَوِ امرَأَةٍ؛ صَغِيرٍ أَو كَبِيرٍ.
وَفِي رِوَايَةٍ: فَرَضَ زَكَاةَ الفِطرِ مِن رَمَضَانَ عَلَى النَّاسِ، صَاعًا مِن تَمرٍ، أَو صَاعًا مِن شَعِيرٍ؛ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَو عَبدٍ، ذَكَرٍ أَو أُنثَى مِنَ المُسلِمِينَ.
رواه أحمد (3/ 63)، والبخاري (1504)، ومسلم (984)، وأبو داود (1611)، والترمذي (676)، والنسائي (5/ 48)، وابن ماجه (1826).
ــ
صدقة الفطر من رمضان، والأول أظهر.
وقوله: على كل نفس؛ يقتضي عموم النفوس أغنيائهم وفقرائهم. خلافًا لأصحاب الرأي في قولهم: لا تلزم من يحلّ له أخذها.
واختلف قول مالك وأصحابه في ذلك، ومشهور مذهبه: أنها تجب على من فضل عن قوته يوم الفطر بقدرها. ويدخل في ذلك العموم: الحاضر والبادي، خلافًا لليث، وربيعة والزهري وعطاء في قصر وجوبها على أهل الحواضر والقرى، دون أهل العمُود والخصوص (1).
وقوله: من المسلمين؛ دليل على أنها لا تخرج عن العبد الكافر، وهو قول الجمهور. وذهب الكوفيون وإسحاق وبعض السلف: إلى أنها تخرج عن العبيد الكفار.
وقد تأول الطحاوي قوله: من المسلمين: أنه عائدٌ إلى السادة المخرجين. وهذا لا يقتضيه مساق الحديث، فتأمله.
قلت: وظاهر هذا الحديث: أنه إنما قصد فيه إلى بيان مقدارها، ومن يقدر عليه، ولم يتعرض فيه لبيان من يخرجها عن نفسه ممن يخرجها عن غيره، بل
(1)"العمود": كل خباء يقوم على أعمدة كثيرة يقال لأهله: أهل العمود. والخصوص: جمع خُصّ، وهو بيت من شعر أو قصب.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
شمل الجميع؛ إذ قد ذكر فيهم العبد والصغير.
فأما الصغير: فلا خلاف عند من يقول: إنها تخرج بسببه؛ أنّ وليَّه هو الذي يخاطب بإخراجها؛ إذ الصبي لم يجر عليه بَعدُ قلم التكليف.
وأما العبد: فذهب الجمهور: إلى أنه ليس مخاطبًا بها؛ لأنه لا شيء له. ولو كان له مالٌ فسيده قادر على انتزاعه، خلافًا لداود، فإنه أوجبها على العبد؛ تمسكًا بلفظ العبد المذكور في الحديث هذا.
وقال: على السيد أن يتركه قبل الفطر فيكتسب ذلك القدر، وليس له منعه من ذلك في تلك المدة، كما لا يمنعه من صلاة الفرض.
ثم إذا تنزلنا على قول الجمهور في أنه لا يجب عليه شيء، فهل يخاطب سيده بإخراجها عنه أم لا؟ جمهورهم أيضًا: على أنه يجب ذلك عليه؛ لأنه تلزمه نفقته ومؤونته، وهذه من جملة المؤن، فإن المخاطَب بإخراجها المكلَّف الواجدَ لها حين الوجوب؛ عن نفسه وعن من تلزمه نفقته؛ بدليل ما رواه الدارقطني من حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاة الفطر عن الصغير والكبير، والحر والعبد، ممن تمونون (1).
والصحيح ما في الأصل من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر عن كل: صغير وكبير، وحرٍّ أو مملوك، فصرّح فيه بأنهم كانوا يخاطبون بإخراج زكاة الفطر عن غيرهم؛ وذلك الغير لا بدّ أن يكون بينه وبين المأمور بالإخراج ملابسة، وتلك الملابسة هي التي تكون مثل الملابسة التي تكون بين الصغير ووليه، والعبد وسيده، وهي القيام بما يحتاج إليه كل واحد منهما من المؤن.
وأما إخراجها عن الزوجة، فمذهب الجمهور أن ذلك يجب على الزوج. وقال الكوفيون: لا يلزم الرجل إخراجها عن زوجته، وإنما يلزمها هي أن تخرجها عن نفسها، وسببه ما تقدّم.
(1) رواه الدارقطني (2/ 139).
[854]
وعَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ قَالَ: كُنَّا نُخرِجُ، إِذ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الفِطرِ عَن كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، حُرٍّ أَو مَملُوكٍ، صَاعًا مِن طَعَامٍ، أَو صَاعًا مِن أَقِطٍ، أَو صَاعًا مِن شَعِيرٍ، أَو صَاعًا مِن تَمرٍ، أَو صَاعًا مِن زَبِيبٍ، فَلَم نَزَل نُخرِجُهُ حَتَّى قَدِمَ عَلَينَا مُعَاوِيَةُ بنُ أَبِي سُفيَانَ، حَاجًّا أَو مُعتَمِرًا فَكَلَّمَ النَّاسَ عَلَى المِنبَرِ، فَكَانَ فِيمَا كَلَّمَ بِهِ النَّاسَ أَن قَالَ: إِنِّي أَرَى أَنَّ مُدَّينِ مِن سَمرَاءِ الشَّامِ، تَعدِلُ صَاعًا مِن تَمرٍ، فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَمَّا أَنَا فَلا أَزَالُ أُخرِجُهُ كَمَا كُنتُ أُخرِجُهُ أَبَدًا مَا عِشتُ.
ــ
وقوله: صاعًا من طعام، أو صاعًا من أقط، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من زبيب؛ الطعام هنا: هو القمح؛ بدليل ذكر الشعير.
وقد رواه أبو داود وقال: (أو صاعًا من حنطة) مكان: (من طعام). وهو حجة على من قال: لا تخرج من البُرّ، وهو خلاف شاذٌّ، وهو مسبوق بإجماع السلف، وهو حجة على من يقول: إنه يُخرج من البر نصف صاع، وهم جماعة من السلف وأبو حنيفة، واحتجوا بأحاديث لم يصحّ عند أهل الحديث شيء منها. وقال الليث: مدان بمد هشام، والأوزاعي: مدّان بمد أهل بلده. والجمهور على التمسك بما ذكرناه.
وقوله: أو صاعًا من أقط؛ حجة لعامة أهل العلم على من منع إخراج الأقط فيها، وهو الحسن (1)، وهو أحد قولي الشافعي. وقَصَر أشهب إخراجها على هذه الأصناف الأربعة المذكورة في الحديث، واختلف فيه قول مالك، فالمشهور عنه: أنه ألحق بهذه الأربعة ما في معناها من المُقتَاتات؛ كالذرة، والدّخن والسُلت (2). وزاد ابن حبيب: العَلَس (3). واختلف عنه في القطنية
(1) ساقط من (هـ).
(2)
هو نوع من الشعير.
(3)
هو نوع من أنواع القمح، وقيل: هو العدس.
وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ: كُنَّا نُخرِجُ زَكَاةَ الفِطرِ مِن ثَلاثَةِ أَصنَافٍ: الأقِطِ، وَالتَمرٍ، وَالشَعِيرٍ.
رواه أحمد (3/ 98)، ومسلم (985)، وأبو داود (1616)، والنسائي (5/ 51 و 53)، وابن ماجه (1829).
[855]
وَعَنِ ابنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِإِخرَاجِ زَكَاةِ الفِطرِ أَن تُؤَدَّى قَبلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاةِ.
رواه أحمد (2/ 151 و 157)، والبخاري (1509)، ومسلم (986)، وأبو داود (1610)، والترمذي (677)، والنسائي (5/ 54).
* * *
ــ
، والسويق والتين إذا كان عيشًا لأهل البلد، وتفصيل هذا في الفقه.
وقوله: كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ مثل هذا ملحق بالمسند المرفوع عند المحققين من الأصوليين؛ لأن مثل هذا لا يأمر به غير النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يخفى مثله عنه، ولا يذكره الصحابي في معرض الاحتجاج، إلا وهو مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقد زاد في الرواية المتقدمة على هذه الثلاثة: الطعام، وصارت الأصناف المذكورة في الحديث أربعة.
وقول ابن عمر رضي الله عنه: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإخراج زكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة، يعني: إلى صلاة يوم عيد الفطر، وبهذا الحديث قال جمهور العلماء. واستحسنّوه ليستغني بها المساكين عن السؤال في ذلك اليوم. وقد رُوي مرفوعًا:(أغنوهم عن الطلب في هذا اليوم)(1). وكرهوا
(1) رواه الدارقطني (2/ 153)، والبيهقي (4/ 175) من حديث ابن عمر.