الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(30) باب الرمل في الطواف والسعي
[1120]
عَن ابنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا طَافَ بِالبَيتِ الطَّوَافَ الأَوَّلَ، خَبَّ ثَلَاثًا، وَمَشَى أَربَعًا، وَكَانَ يَسعَى بِبَطنِ المَسِيلِ إِذَا طَافَ بَينَ الصَّفَا وَالمَروَةِ، وَكَانَ ابنُ عُمَرَ يَفعَلُ ذَلِكَ.
وَفِي رِوَايَةٍ: كَانَ إذا طاف في الحج والعمرة، أول ما يقدم، فإنه
ــ
(30)
ومن باب: الرَّمل في الطواف
(الرَّمَل): بتحريك الميم، وفتحها، و (الخبب): شدة الحركة في المشي. ومنه: الرمل في الأعاريض، وهو القصير منها. قال الجوهري: هو كالوثب الخفيف. وهو السَّعي أيضًا. وقد بين في الحديث سَبب مشروعيته. وتبيَّن أيضًا من مداومة النبي صلى الله عليه وسلم: أنه ثابت دائمًا، وإن ارتفع أصل سبب مشروعيته. وهو سنة عند الفقهاء أجمعين. وروي في ذلك خلاف عن بعض الصحابة، وأن المشي أفضل. وهم محجوجون بفعل النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع. وهو في ثلاثة أشواط، يبدأ من الحجر، ويختم به، كما جاء في حديث ابن عمر، وغيره.
وقول ابن عمر رضي الله عنهما: (كان إذا طاف الطواف الأوَّل خبَّ ثلاثًا) دليل: على أن مشروعية الرَّمل إنما هو عند القدوم؛ حاجًّا كان، أو معتمرًا. وإن غير ذلك من الأطواف لا يشرع فيها الرَّمل، ويخاطب به المكيُّون وغيرهم إلا شيئًا روي عن ابن عمر: أنه لا يخاطب به مكيٍّ. ولا تخاطب به النساء اتفاقًا لما علمته في مشقته عليهن (1)؛ ولأنه يظهر منهن ما يجب ستره؛ كالرِّدف، والنَّهد، وغير ذلك.
(1) في (ظ): فيما علمته لمشقته عليهن.
يسعى ثلاثة أطواف بالبيت، ثم يمشي أربعا، ثم يصلي سجدتين، ثم يطوف بين الصفا والمروة.
وفي أخرى قَالَ: رَملَ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحجر إلى الحجر ثلاثا، ومشى أربعا.
رواه أحمد (2/ 30)، والبخاري (1603)، ومسلم (1261)(230) و (1262)(233)، وأبو داود (1893)، والنسائي (5/ 229 - 230)، وابن ماجه (2950).
[1121]
وعَن أَبِي الطُّفَيلِ، قَالَ: قُلتُ لِابنِ عَبَّاسٍ: أَرَأَيتَ هَذَا الرَّمَلَ بِالبَيتِ ثَلَاثَةَ أَطوَافٍ، وَمَشيَ أَربَعَةِ أَطوَافٍ. أَسُنَّةٌ هُوَ؟ فَإِنَّ قَومَكَ يَزعُمُونَ أَنَّهُ سُنَّةٌ. قَالَ: فَقَالَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا. قَالَ: قُلتُ: مَا صَدَقُوا وَكَذَبُوا؟ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدِمَ مَكَّةَ. فَقَالَ المُشرِكُونَ: إِنَّ مُحَمَّدًا وَأَصحَابَهُ لَا يَستَطِيعُونَ أَن يَطُوفُوا بِالبَيتِ مِن الهُزَالِ، وَكَانُوا يَحسُدُونَهُ، قَالَ: فَأَمَرَهُم رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَن يَرمُلُوا ثَلَاثًا، وَيَمشُوا أَربَعًا. قَالَ: قُلتُ لَهُ: أَخبِرنِي عَن الطَّوَافِ بَينَ الصَّفَا وَالمَروَةِ رَاكِبًا. أَسُنَّةٌ هُوَ؟ فَإِنَّ قَومَكَ يَزعُمُونَ أَنَّهُ سُنَّةٌ، قَالَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا. قَالَ: قُلتُ: وَمَا قَولُكَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا؟
ــ
وقول ابن عباس: (صدقوا وكذبوا) يعني: أنهم أصابوا من وجه، وغلطوا من وجه. فأصابوا من حيث إنهم نسبوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وغلطوا من حيث ظنوا أن تلك أمور راتبة، لازمة؛ وإنما كان ذلك لأسباب نبَّه عليها فيما ذكر من الحديث. ويظهر من مساق كلام ابن عباس أنها ليست بسنن راتبة عنده، فارتفعت بارتفاع أسبابها. وهذا لا يمكن أن يُقال في الرَّمل في الطواف والسَّعي؛ إذ قد فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع فقد تلك الأسباب. فينبغي أن يُقال: هو سُنة مطلقًا، كما هو مذهب الجماهير.
قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَثُرَ عَلَيهِ النَّاسُ يَقُولُونَ: هَذَا مُحَمَّدٌ. هَذَا مُحَمَّدٌ. حَتَّى خَرَجَ العَوَاتِقُ مِن البُيُوتِ. قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُضرَبُ النَّاسُ بَينَ يَدَيهِ. فَلَمَّا كَثُرَ عَلَيهِ رَكِبَ، وَالمَشيُ وَالسَّعيُ أَفضَلُ.
وَفِي رِوَايَةٍ: قُلتُ لِابنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ قَومَكَ يَزعُمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَمَلَ بِالبَيتِ وَبَينَ الصَّفَا وَالمَروَةِ وَهِيَ سُنَّةٌ. قَالَ: صَدَقُوا وَكَذَبُوا.
رواه مسلم (1264)، وأبو داود (1885)، وابن ماجه (2953).
[1122]
وعَن ابنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصحَابُهُ مَكَّةَ، وَقَد وَهَنَتهُم حُمَّى يَثرِبَ. قَالَ المُشرِكُونَ: إِنَّهُ يَقدَمُ عَلَيكُم غَدًا قَومٌ قَد وَهَنَتهُم الحُمَّى وَلَقُوا مِنهَا شِدَّةً، فَجَلَسُوا مِمَّا يَلِي الحِجرَ، فَأَمَرَهُم النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَن يَرمُلُوا ثَلَاثَةَ أَشوَاطٍ، وَيَمشُوا مَا بَينَ الرُّكنَينِ، لِيَرَى المُشرِكُونَ جَلَدَهُم، فَقَالَ المُشرِكُونَ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ زَعَمتُم أَنَّ الحُمَّى قَد وَهَنَتهُم، هَؤُلَاءِ أَجلَدُ مِن كَذَا وَكَذَا. قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: وَلَم يَمنَعهُ أَن يَأمُرَهُم أَن يَرمُلُوا الأَشوَاطَ كُلَّهَا، إِلَّا الإِبقَاءُ عَلَيهِم.
ــ
وقولهم: (وهَنَتهُم حُمَّى يثرب) أي: أضعفتهم، وهو ثلاثي. وقد يقال: رباعيًّا. قال الفراء: يُقال: وهنه الله، وأوهنه الله.
و(يثرب): اسم المدينة في الجاهلية، واسُتجد لها في الإسلام: المدينة، وطيبة. وسيأتي لذلك مزيد بيان. و (الجلَد): التَّجَلُّد والقوة.
و(الأشواط): الأطواف. وقد تقدم ذكر من كره لفظ الشوط، والأشواط.
وقوله: (فلم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط إلا الإبقاءُ عليهم) روايتنا: الإبقاءُ - بالرفع - على أنه فاعل يمنعهم. ويجوز نصبه على أن يكون مفعولاً من أجله، ويكون في:(يمنعهم)؛ ضمير عائد على النبي صلى الله عليه وسلم هو فاعلُه. فتأمَّله.