الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(21) باب الهدي للمتمتع والقارن
[1099]
عن ابنَ عُمَرَ قَالَ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ بِالعُمرَةِ إِلَى الحَجِّ، وَأَهدَى وَسَاقَ مَعَهُ الهَديَ مِن ذِي الحُلَيفَةِ، وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَهَلَّ بِالعُمرَةِ، ثُمَّ أَهَلَّ بِالحَجِّ، وَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ
ــ
(21)
ومن باب: الهدي للمتمتع والقارن
قول ابن عمر: (تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج) هذا الذي روي هنا عن ابن عمر: من أنه صلى الله عليه وسلم تمتع، مخالفٌ لما جاء عنه في الرواية الأخرى من أنه أفرد الحج. واضطراب قوليه يدلُّ على أنه لم يكن عنده من تحقيق الأمر ما كان عند من جزم بالأمر، كما فعل أنس على ما تقدَّم؛ حيث قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لبيك بحجة وعمرة)(1).
ثم اعلم: أن كل الرواة الذين رووا إحرام النبي صلى الله عليه وسلم ليس منهم من قال: إنه صلى الله عليه وسلم حَلَّ من إحرامه ذلك حتى فرغ من عمل الحج، وإن كان قد أطلق عليه لفظ التمتُّع، بل قد قال ابن عمر في هذا الحديث: إنَّه صلى الله عليه وسلم بدأ بالعمرة، ثم أهل بالحج، ولم يقل: إنه حَلَّ من عمرته، بل قال في آخر الحديث: بعد أن فرغ من طواف القدوم، أنه صلى الله عليه وسلم لم يَحلُل من شيء حَرُمَ عليه حتى قضى حجَّه. وهذا نصٌّ في أنه لم يكن متمتعًا. فتعيَّن تأويل قوله: تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيحتملُ أن يكون معناه: قرن؛ لأن القارن يترفَّه بإسقاط أحد العملين، وهو الذي يدلُّ عليه قوله بعد هذا: فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج، ويحتمل أن يكون معناه: أنه صلى الله عليه وسلم لَمَّا أذن في التمتع أضافه إليه، وفيه بُعد.
وقوله: (فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج)؛ ظاهره: أنه أردف. وظاهر حديث
(1) رواه أحمد (3/ 282)، ومسلم (1251)، وأبو داود (1795)، والترمذي (821)، والنسائي (5/ 150)، وابن ماجه (2969).
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالعُمرَةِ إِلَى الحَجِّ. فَكَانَ مِن النَّاسِ مَن أَهدَى فَسَاقَ الهَديَ. وَمِنهُم مَن لَم يُهدِ، فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ: مَن كَانَ مِنكُم أَهدَى، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِن شَيءٍ حَرُمَ مِنهُ حَتَّى يَقضِيَ حَجَّهُ، وَمَن لَم يَكُن مِنكُم أَهدَى، فَليَطُف بِالبَيتِ وَبِالصَّفَا وَالمَروَةِ وَليُقَصِّر، وَليَحلِل، ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالحَجِّ وَليُهدِ. فَمَن لَم يَجِد هَديًا، فَليَصُم ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ،
ــ
أنس: أنه قرنهما معًا. فإنه حكى فيه لفظه فقال: سمعته يقول: (لبيك عمرة وحجًّا)، وقد استحب مالك للقارن أن يقدِّم العمرة في لفظه؛ اقتداء بهذه الأخبار.
وقوله للمتمتعين: (فمن لم يجد هَديًا فليصم ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع) هذا نصٌّ ما تضمنته آية المتعة. وقد اختلف في مواضع منها:
أوَّلها: قوله: {فَمَا استَيسَرَ مِنَ الهَديِ} ذهب جماعة من (1) السَّلف إلى أنه شاة، وهو قول مالك. وقالت جماعة أخرى: هو بقرة دون بقرة، وبدنة دون بدنة. وقيل: المراد بدنة، أو بقرة، أو شاة، أو شرك في دم.
وقوله: (فليصم ثلاثة أيام في الحج) ذهب مالك والشافعي إلى أن ذلك لا يكون إلا بعد الإحرام بالحج، وهو مقتضى الآية والحديث، وقال أبو حنيفة والثوري: يصحُّ صوم الثلاثة الأيام بعد الإحرام بالعمرة، وقبل الإحرام بالحج، ولا يصومها بعد أيام الحج، وهو مخالف لنصّ الكتاب والسُّنة. والاختيار عندنا: تقديم صومها في أوَّل الإحرام، وآخر وقتها: آخر أيام التشريق عندنا، وعند الشافعي. فمن فاته صومها في هذه الأيام صامها عندنا بَعدُ. وقال أبو حنيفة: آخر وقتها يوم عرفة، فمن لم يصمها إلى يوم عرفة فلا صيام عليه، ووجب عليه الهدي. وقال مثله الثوري؛ إذا ترك صيامها أيام الحج. وللشافعي قول كقول أبي حنيفة.
(1) إلى هنا ينتهي الانقطاع في النسخة (ع).
وَسَبعَةً إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهلِهِ، وَطَافَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ، وَاستَلَمَ الرُّكنَ أَوَّلَ شَيءٍ، ثُمَّ خَبَّ ثَلَاثَةَ أَطوَافٍ مِن السَّبعِ، وَمَشَى أَربَعَةَ أَطوَافٍ، ثُمَّ رَكَعَ حِينَ قَضَى طَوَافَهُ بِالبَيتِ عِندَ المَقَامِ رَكعَتَينِ، ثُمَّ سَلَّمَ فَانصَرَفَ، فَأَتَى الصَّفَا، فَطَافَ بِالصَّفَا وَالمَروَةِ سَبعَةَ أَطوَافٍ، ثُمَّ لَم يَحلِل مِن شَيءٍ حَرُمَ مِنهُ حَتَّى قَضَى حَجَّهُ، وَنَحَرَ هَديَهُ يَومَ النَّحرِ، وَأَفَاضَ فَطَافَ بِالبَيتِ، ثُمَّ حَلَّ مِن كُلِّ شَيءٍ حَرُمَ مِنهُ، وَفَعَلَ مِثلَ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَن أَهدَى فَسَاقَ الهَديَ مِن النَّاسِ.
رواه البخاري (1691)، ومسلم (1227)، وأبو داود (1805)، والنسائي (5/ 151 و 152).
[1100]
وعن حَفصَةُ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أَزوَاجَهُ أَن يَحلِلنَ عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ. قَالَت حَفصَةُ: فَقُلتُ: مَا يَمنَعُكَ أَن تَحِلَّ؟ قَالَ: إِنِّي لَبَّدتُ رَأسِي، وَقَلَّدتُ هَديِي فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنحَرَ هَديِي.
ــ
وقوله: (وسبعة أيام (1) إذا رجع)؛ حَمَله مالك والشافعي في أحد قوليهما على الرجوع من منى، وأنه يصومها إن شاء بمكة، أو ببلده. وهو قول أبي حنيفة. وللشافعي ومالك قول آخر: إنه الرجوع إلى بلده، ولا يصومها حتى يرجع إلى أهله.
وقول حفصة: (إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أزواجه أن يحللن عام حجَّة الوداع) إنما فعل ذلك صلى الله عليه وسلم ليسوِّي بينهن وبين من لم يسق الهدي من الناس؛ الذين أهلُّوا بالحج؛ لأن أزواجه صلى الله عليه وسلم لم يسقن الهدي.
وقولها: (ما يمنعك أن تحل؟ ) كذا في رواية ابن جريج عن نافع، عن
(1) هذه اللفظة ليست في صحيح مسلم ولا في التلخيص.
رواه أحمد (6/ 283 و 285)، والبخاري (1566)، ومسلم (1229)(179)، وأبو داود (1806)، والنسائي (5/ 136)، وابن ماجه (3046).
[1101]
وعَن نَافِعٍ: أَنَّ ابنَ عُمَرَ أَرَادَ الحَجَّ عَامَ نَزَلَ الحَجَّاجُ بِابنِ الزُّبَيرِ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ النَّاسَ كَانٌ بَينَهُم قِتَالٌ، وَإِنَّا نَخَافُ أَن يَصُدُّوكَ، فَقَالَ:
ــ
ابن عمر، عنها. ولم يذكر فيها:(من عمرتك) وذكره مالك وغيره عن نافع، ويظهر من قولها هذا: أنه صلى الله عليه وسلم أحرم بعمرة وحدها، كما سيأتي في حديث ابن عباس: أنه صلى الله عليه وسلم أحرم بعمرة (1)، وظاهر هذه الروايات حجة لمن قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان متمتعًا. وقد بينَّا صحيح ما أحرم به. وقد تأوَّل من قال: إنه صلى الله عليه وسلم كان قارنًا، هذه الروايات: بأن حفصة وابن عبَّاس عبَّرا بالإحرام بالعمرة عن القِرَان؛ لأنها السَّابقة في إحرام القارن، قولاً ونية، أو نية. ولا سيَّما على ما ظهر من حديث ابن عمر: أنه صلى الله عليه وسلم كان مردفًا، وهذا واضح. وأما من روى: أنه صلى الله عليه وسلم كان مفردًا بالحج فتأوَّل ذلك تأويلات بعيدة، أقربها: أن معنى قولها: (من عمرتك) أي: بعمرتك. كما قال تعالى: {يَحفَظُونَهُ مِن أَمرِ اللَّهِ} ؛ أي: بأمر الله. وكقوله: {مِن كُلِّ أَمرٍ} ؛ أي: بكل أمر. فكأنها قالت: ما يمنعك أن تحل بعمرة تصنعها؟ فأخبرها بسبب منعه (2) من ذلك. وقد ذكرنا ذلك المعنى مِرارًا. وقال محمد بن أبي صفرة: مالك يقول في هذا الحديث: (من عمرتك)، وغيره يقول:(من حجك).
وقوله: (إنَّ ابن عمر أراد الحج عام نزل الحجاج بابن الزبير) وكان من شأن ابن الزبير: أنَّه لما مات معاوية بن يزيد بن معاوية، ولم يستخلف، بقي الناس
(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).
(2)
في (هـ) و (ل): منعها.
{لَقَد كَانَ لَكُم فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ} أَصنَعُ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أُشهِدُكُم أَنِّي قَد أَوجَبتُ عُمرَةً، ثُمَّ خَرَجَ حَتَّى إِذَا كَانَ
ــ
لا خليفة لهم جمادين، وأيامًا من رجب من سنة أربع وستين، فاجتمع من كان بمكة من أهل الحل والعقد، فبايعوا عبد الله بن الزبير لتسع ليالٍ بقين من رجب من السنة المذكورة، واستوسق له سلطان الحجاز (1)، والعراق، وخراسان، وأعمال المشرق. وبايع أهل الشام ومصر مروان بن الحكم في شهر رجب المذكور، ثم لم يزل أمرهما كذلك إلى أن توفي مروان وولي ابنه عبد الملك، فمنع الناس من الحج لئلا يبايعوا ابن الزبير. ثم إنه جيَّش الجيوش إلى الحجاز، وأمَّرَ عليهم الحجَّاج، فقاتل أهل مكة، وحاصرهم إلى أن تغلَّب عليهم، وقتل ابن الزبير، وصلبه الحجَّاج، وذلك يوم الثلاثاء لثلاث ليالٍ، وقيل: لثلاث عشرة بقيت من جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين.
و(الأسوة): القدوة. يقال بضم الهمزة وكسرها. وقد قرئ بهما في قوله تعالى: {لَقَد كَانَ لَكُم فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسوَةٌ حَسَنَةٌ} .
و(الصدّ): المنع.
وقوله: (أصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم) يعني: أنه إن صدَّ عن البيت حل من إحرامه، كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بالحديبية؛ إذ صدَّه كفار قريش.
وقوله: (إني أوجبت عُمرة) إنما أخبرهم بذلك؛ ليقتدوا به في ذلك. و (أوجبت): التزمت (2) وأهللت.
(1) أي: اجتمع وانتظم.
(2)
في (ل) و (هـ): ألزمت.
بِظَاهِرِ البَيدَاءِ قَالَ: مَا شَأنُ الحَجِّ وَالعُمرَةِ إِلَّا وَاحِدٌ، أُشهِدُكُم أَنِّي قَد أَوجَبتُ حَجًّا مَعَ عُمرَتِي، وَأَهدَى هَديًا اشتَرَاهُ بِقُدَيدٍ، ثُمَّ انطَلَقَ يُهِلُّ بِهِمَا جَمِيعًا، حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ، فَطَافَ بِالبَيتِ وَبِالصَّفَا وَالمَروَةِ، وَلَم يَزِد عَلَى ذَلِكَ وَلَم يَنحَر، وَلَم يَحلِق، وَلَم يُقَصِّر وَلَم يَحلِل مِن شَيءٍ حَرُمَ مِنهُ، حَتَّى كَانَ يَومُ النَّحرِ فَنَحَرَ، وَحَلَقَ، وَرَأَى أَن قَد قَضَى طَوَافَ الحَجِّ، وَالعُمرَةِ بِطَوَافِهِ الأَوَّلِ.
ــ
وقوله: (ما شأن الحج والعمرة إلا واحد) أي: في حكم الصدِّ. يعني: أنه من صُدَّ عن البيت بعدوٍّ، فله أن يحل من إحرامه، سواء كان محرمًا بحج، أو عمرة، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم إنما صُدَّ عن عمرة؛ لكن لما كان الإحرام بالحج مساويًا للإحرام بالعمرة في الحكم حمله عليه.
وقوله: (أشهدكم أني قد أوجبت حجًّا مع عمرتي) يعني: أنه أردف الحج على عمرته المتقدَّمة، فصار قارنًا. وفيه حجة على جواز الإرداف. وهو مذهب الجمهور.
وقوله: (وأهدى هديًا اشتراه بقُديد) يعني: أنه قلَّده هناك وأشعره (1)، ويعني به: الهدي الذي وجب عليه لأجل قرانه.
وقوله: (حتى قدم مكة، فطاف بالبيت) يعني: طواف القدوم. وحصل منه: أنه لم يقع له ما توهمه من الصَّد. وفيه دليل: على جواز من توقع الصد، وتوهمه، بخلاف من تحققه، فإنه لا يكون له حكم المصدود على ما يأتي.
وقوله: (ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافه الأول) يعني: الطواف بين الصفا والمروة. وأما الطواف بالبيت: فلا يصح أن يُقال فيه: إنه اكتفى
(1) ساقط من (ظ).