الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(3) باب النهي عن تمنِّي لقاء العدو والصبر عند اللقاء والدعاء بالنصر
[1258]
عَن أَبِي هُرَيرَةَ: أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تَمَنَّوا لِقَاءَ العَدُوِّ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُم فَاصبِرُوا.
رواه أحمد (2/ 523)، والبخاري (3026)، ومسلم (1741).
ــ
(3)
ومن باب: النهي عن تمنِّي لقاء العدو
قوله: (لا تتمنوا لقاء العدو)؛ قيل: إن فائدة هذا النهي ألَّا يُستخف أمر العدو، فيتساهل في الاستعداد له، والتحرز منه، وهذا لما فيه من المكاره، والمحن، والنكال، ولذلك قال متصلًا به:(واسألوا الله العافية). وقيل: لما يخاف من إدالة العدو، وظفره بالمسلمين. وقد ذكر في هذا الحديث:(فإنهم يظفرون (1) كما تنصرون). وقيل: لما يؤدي إليه من إذهاب حياة النفوس التي يزيد بها المؤمن خيرًا، ويرجى للكافر فيها أن يراجع. وكل ذلك محتمل. والله تعالى أعلم.
ولا يقال: فلقاء العدو وقتاله طاعة يحصل منه إما الظفر بالعدو، وإما الشهادة، فكيف ينهى عنه؟ وقد حضّ الشرع على تمنّي الشهادة، ورغَّب فيه، فقال:(من سأل الله الشهادة صادقًا من قلبه، بلغه الله منازل الشهداء، وإن مات على فراشه)(2)؟ ! لأنا نقول: لقاء العدو وإن كان جهادا وطاعة ومحصلًا لأحد الأمرين، فلم يُنه عن تمنيه من هذه الجهات، وإنما نهي عنه من جهات تلك الاحتمالات
(1) في (ز): ينصرون.
(2)
رواه أحمد (5/ 244)، ومسلم (1909)، وأبو داود (1520)، والترمذي (1653)، والنسائي (6/ 36 و 37) من حديث سهل بن حنيف.
[1259]
وعَن أَبِي النَّضرِ عن عَبدُ اللَّهِ بنُ أَبِي أَوفَى، أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي بَعضِ أَيَّامِهِ الَّتِي لَقِيَ فِيهَا العَدُوَّ، يَنتَظِرُ حَتَّى إِذَا مَالَت الشَّمسُ قَامَ فِيهِم،
ــ
المتقدِّمة، ثم هو ابتلاء، وامتحان لا يعرف عما تسفر (1) عاقبته، وقد لا تحصل فيه لا غنيمة ولا شهادة، بل ضد ذلك. وتحريره: أن تمني لقاء العدو المنهي عنه غير تمني الشهادة المرغب فيه؛ لأنه قد يحصل اللقاء ولا تحصل الشهادة، ولا الغنيمة، فانفصلا.
وقد فهم بعض العلماء من هذا الحديث كراهة المبارزة. وبها قال الحسن، وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال:(يا بني! لا تدع أحدًا إلى المبارزة، ومن دعاك إليها فاخرج إليه، فإنه باغ، وقد ضمن الله نصر من بُغي عليه)(2). وقال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه على جواز المبارزة، والدَّعوة إليها، وشرط بعضهم فيها إذن الإمام؛ وهو قول الثوري، والأوزاعي، وأحمد، وإسحاق. ولم يشترطه غيرهم. وهو قول مالك، والشافعي. واختلفوا، هل يعين المبارَز غيره أم لا؟ على قولين.
وقوله: (إنَّه صلى الله عليه وسلم كان ينتظر حتى إذا مالت الشمس)؛ يعني: أنه كان يؤخر القتال عن الهاجرة إلى أن تميل الشمس ليبرد الوقت على المقاتلة، ويخف عليهم حمل السلاح، التي يؤلم حملها في شدَّة الهاجرة؛ ولأن ذلك الوقت وقت الصلاة، وهو مظنَّة إجابة الدعاء. وقيل: بل كان يفعل ذلك لانتظار هبوب ريح النصر التي نُصر بها، كما قال:(نُصِرت بالصَّبا)(3)، وفي حديث آخر؛ أنه صلى الله عليه وسلم كان ينتظر حتى تزول الشمس، وتهب رياح النصر (4).
(1) في (ع): عمَّاذا استقرت، والمثبت من (ط) و (ز) و (ج) و (ل).
(2)
ذكره القاضي عياض في إكمال المعلم، انظر: إكمال إكمال المعلم للأُبيِّ (5/ 54).
(3)
رواه أحمد (1/ 324 و 341 و 355 و 373)، والبخاري (1035) من حديث ابن عباس، ورواه مسلم (372) من حديث أبي هريرة.
(4)
رواه أبو داود (2655)، والترمذي (1612) من حديث النعمان بن مُقَرّن.
فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، لَا تَتَمَنَّوا لِقَاءَ العَدُوِّ، وَاسأَلُوا اللَّهَ العَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُم فَاصبِرُوا، وَاعلَمُوا أَنَّ الجَنَّةَ تَحتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ. ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: اللَّهُمَّ مُنزِلَ الكِتَابِ، وَمُجرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الأَحزَابِ، اهزِمهُم وَانصُرنَا عَلَيهِم.
وَفِي رِوَايَةٍ: اللَّهُمَّ مُنزِلَ الكِتَابِ، سَرِيعَ الحِسَابِ، اهزِم الأَحزَابَ، اللَّهُمَّ اهزِمهُم وَزَلزِلهُم.
رواه أحمد (4/ 353)، والبخاري (2933)، ومسلم (1742)(20 و 21)، وأبو داود (2631).
ــ
وقوله: (اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب (1)، سريع الحساب)؛ دليل على جواز السَّجع في الدعاء إذا لم يتكلَّف. والأحزاب: جمع حزب. وهم الجمع والقطعة من الناس، ويعني بهم الذين تحزبوا عليه في المدينة فهزمهم الله تعالى بالريح. ووصف الله بأنه سريع الحساب؛ يعني به: يعلم الأعداد المتناهية وغيرها في آنٍ واحدٍ، فلا يحتاج في ذلك إلى فكرٍ ولا عقدٍ (2)؛ كما يفعله الحُسَّاب منَّا.
وقوله: (الجنَّة تحت ظلال السيوف)؛ هذا من الكلام النفيس البديع، الذي جمع ضروب البلاغة من جزالة اللفظ، وعذوبته، وحسن استعارته، وشمول المعاني الكثيرة، مع الألفاظ المعسولة (3) الوجيزة؛ بحيث تعجز الفصحاء اللسن البلغاء عن إيراد مثله، أو أن يأتوا بنظيره وشكله. فإنه استفيد منه مع وجازته الحضّ على الجهاد، والإخبار بالثواب عليه، والحضّ على مقاربة العدو،
(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).
(2)
في (ع) ذكر ولا عقل، والمثبت من باقي النسخ.
(3)
"الألفاظ المعسولة" يُقال: هو معسولُ الكلام؛ أي: حلو المنطق.
[1260]
وعَن أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ يَومَ أُحُدٍ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ إِن تَشَأ، لَا تُعبَد فِي الأَرضِ.
رواه أحمد (3/ 152)، ومسلم (1743).
* * *
ــ
واستعمال السّيوف، والاعتماد عليها، واجتماع المقاتلين حين الزحف، بعضهم لبعض، حتى تكون سيوفهم بعضها يقع على العدوّ، وبعضها يرتفع عنهم؛ حتى كأن السيوف أظلت الضاربين بها، ويعني: أن الضارب بالسيف في سبيل الله يدخله الله الجنة بذلك. وهذا كما قاله في الحديث الآخر: (الجنة تحت أقدام الأمهات)(1)؛ أي: من برَّ أمَّه، وقام بحقها، دخل الجنَّة.
وقوله يوم أحد: (اللهم إن تشأ لا تُعبد في الأرض)؛ هذا منه صلى الله عليه وسلم تسليم لأمر الله تعالى فيما شاء أن يفعله، وهو ردٌّ على غلاة المعتزلة؛ حيث قالوا: إن الشرَّ غير مراد لله تعالى. وقد ردَّ مذهبهم نصوص الكتاب، كقوله تعالى:{كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَن يَشَاءُ وَيَهدِي مَن يَشَاءُ} ومثلها كثير. وفي هذا الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال هذا الكلام يوم أحدٍ. والذي ذكره أهل السير: أن ذلك إنما قاله يوم بدرٍ. وكذلك وقع في بعض روايات مسلم، وسيأتي، ويحتمل: أن يكون قاله في اليومين معًا. والله تعالى أعلم.
* * *
(1) رواه القضاعي في مسند الشهاب (82)، والخطيب في: الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/ 289) من حديث أنس.
ورواه أحمد (3/ 429)، والنسائي (6/ 11)، وابن ماجه (2781)، والحاكم (4/ 151) بلفظ:"فالزمها فإن الجنة تحت رجليها" من حديث معاوية بن جاهمة.