الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(2) باب النهي عن الغدر، وما جاء أن الحرب خدعة
[1255]
عَن ابنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يَومَ القِيَامَةِ، يُرفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ، فَقِيلَ: هَذِهِ غَدرَةُ فُلَانِ ابنِ فُلَانٍ.
رواه أحمد (2/ 48)، والبخاري (6178)، ومسلم (1735)(9)، وأبو داود (2756)، والترمذي (1581).
[1256]
وعَن أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَومَ القِيَامَةِ، يُرفَعُ لَهُ بِقَدرِ غَدرتِهِ،
ــ
(2)
ومن باب: النهي عن الغدر
قوله: (لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع له)؛ هذا منه صلى الله عليه وسلم خطاب للعرب بنحو ما كانت تفعل، وذلك: أنهم يرفعون للوفاء راية بيضاء، وللغدر راية سوداء، ليشهروا به الوفي، فيعظموه، ويمدحوه، والغادر فيذموه، ويلوموه بغدره. وقد شاهدنا هذا فيهم عادة مستمرة إلى اليوم. فمقتضى هذا الحديث: أن الغادر يُفعل به مثل ذلك؛ ليشهر بالخيانة والغدر، فيذمه أهل الموقف، ولا يبعد أن يكون الوفي بالعهد يُرفع له لواء يُعرف به وفاؤه وبره، فيمدحه أهل الموقف، كما يرفع لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم لواء (1) الحمد فيحمده كل من في الموقف.
وقوله: (بقدر غدرته)؛ يعني: أنه إن كانت غدرته كبيرة عظيمة رفع له لواء كبير، عظيم، مرتفع، حتى يعرفه بذلك من قرب منه ومن بَعُد.
(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).
أَلَا وَلَا غَادِرَ أَعظَمُ غَدرًا مِن أَمِيرِ عَامَّةٍ.
وَفِي رِوَايَةٍ: لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ عند استه يَومَ القِيَامَةِ.
رواه مسلم (1738)(15 و 16).
ــ
وقوله: (عند استه)؛ معناه - والله أعلم -: عند مقعده؛ أي: يلزم اللواء به، بحيث لا يقدر على مفارقته (1)، ليمر به الناس فيروه، ويعرفوه، فيزداد خجلًا، وفضيحة عند كل من مرَّ به.
وقوله: (ولا غادر أعظم غدرًا من أمير عامة)؛ يعني: أن الغدر في حقه أفحش، والإثم عليه أعظم منه على غيره لعدم حاجته إلى ذلك. وهذا كما قاله صلى الله عليه وسلم في الملك الكذَّاب، كما تقدم في كتاب الإيمان (2). وأيضًا: فلما في غدر الأئمة من المفسدة، فإنهم إذا غدروا، وعلم ذلك منهم، لم يأمنهم العدوّ على عهدٍ، ولا صلح، فتشتد شوكته، ويعظم ضرره، ويكون ذلك منفرًا من الدخول في الدين، وموجبًا لذم أئمة المسلمين. وقد مال أكثر العلماء: إلى أنه لا يقاتل مع الأمير الغادر، بخلاف الخائن، والفاسق. وذهب بعضهم إلى الجهاد معه. والقولان في مذهبنا. والله تعالى أعلم.
فأما إذا قلنا (3): لم يكن للعدوّ عهد فينبغي أن يتحيّل على العدو بكل حيلة، وتدار عليهم كل خديعة، وعليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم:(الحرب خَدعة) بفتح الخاء، وسكون الدال، وهي لغة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي مصدر (خدع) المحدود بالتاء (4)؛ كغرفة، وخطوة - بالفتح فيهما -، ومعناه: أن الحرب تكون
(1) ساقط من (ع).
(2)
سبق تخريجه برقم (83).
(3)
من (ط) و (ل) و (ج).
(4)
ساقط من الأصول، واستدرك من: إكمال إكمال المعلم للأُبِّي (5/ 52).
[1257]
وعن أبي هريرة قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الحَربُ خَدعَةٌ.
رواه أحمد (2/ 312)، والبخاري (3029)، ومسلم (1740).
* * *
ــ
ذات خدعة. فوضع المصدر موضع الاسم. أي: ينبغي أن يستعمل فيها الخداع ولو مرَّة واحدة. ويحتمل: أن يكون معناه: أن الحرب تتراءى لأخفاء الناس بالصورة المستحسنة، ثم تتجلى عن صورة مستقبحة، كما قال الشاعر (1):
الحرب أول ما تكون فتية
…
تسعى ببزتها لكل جهول
وقال آخر:
والحرب لا يبقى لجا
…
حمها التخيل والمراح (2)
وفائدة الحديث على هذا: ما قاله في الحديث الآخر: (لا تتمنوا لقاء العدو، واسألوا الله العافية)(3).
وقد روي هذا الحرف (خُدعَة) بضم الخاء، وسكون الدال، وهو اسم ما يفعل به الخداع، كاللعبة لما يلعب به، والضُّحكة لما يضحك منه، فكأنه لما أوقع فيها الخداع خُدِعت هي في نفسها. وروي:(خُدَعة) بضم الخاء، وفتح الدال؛ أي: هي التي تفعل ذلك لتخدع أهلها، على ما تقدم. وفُعلة: تأتي بمعنى الفاعل، كضُحكة، وهُزأة، ولُمزة، للذي يفعل ذلك، والله تعالى أعلم.
(1) هو: عمرو بن معديكرب.
(2)
فى (ط) و (ل):
الحرب لا يبقى لجا
…
حمها التحيُّل والمِزاح
والجاحم: الموقد.
(3)
رواه أحمد (4/ 353)، والبخاري (2933)، ومسلم (1742)، وسيأتي بعد قليل.