المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(13) باب فضل صيام يوم عرفة وترك صيامه لمن كان بعرفة - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٣

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(9) كتاب الزكاة

- ‌(1) باب ما تجب فيه الزكاة، وكم مقدار ما يخرج

- ‌(2) باب ليس فيما اتُّخِذَ للقُنيَةً صدقة وتقديم الصدقة وتحمّلها عمن وجبت عليه

- ‌(3) باب الأمر بزكاة الفطر، وعمن تخرج، ومماذا تخرج، ومتى تخرج

- ‌(4) باب وجوب الزكاة في البقر والغنم، وإثم مانع الزكاة

- ‌(5) باب الحض على الصدقة والنفقة على العيال والأقربين

- ‌(6) باب فضل الصدقة على الزوج والولد اليتيم والأخوال

- ‌(7) باب الصدقة على الأم المشرِكة، وعن الأم الميتة

- ‌(8) باب الابتداء في الصدقة بالأهم فالأهم

- ‌(9) باب أعمال البر صدقات

- ‌(10) باب الدعاء للمنفق وعلى الممسك، والأمر بالمبادرة للصدقة قبل فَوتِها

- ‌(11) باب لا يقبل الله الصدقة إلا من الكسب الطيب

- ‌(12) باب الصدقة وقاية من النار

- ‌(13) باب حث الإمام الناس على الصدقة إذا عنت فاقة

- ‌(14) باب النهي عن لَمزِ المتصدِّق والترغيب في صدقة المِنحَة

- ‌(15) باب مثل المتصدق والبخيل، وقبول الصدقة تقع عند غير مستحق

- ‌(16) باب أجر الخازن الأمين والمرأة تتصدق من كسب زوجها والعبد من مال سيده

- ‌(17) باب أجر من أنفق شيئين في سبيل الله وعظم منزلة من اجتمعت فيه خصال من الخير

- ‌(18) باب من أحصى أُحصِي عليه والنهي عن احتقار قليل الصدقة وفضل إخفائها

- ‌(19) باب أي الصدقة أفضل وفضل اليد العليا والتعفف عن المسألة

- ‌(20) باب من أحق باسم المسكنة وكراهة المسألة للناس

- ‌(21) باب من تحل له المسألة

- ‌(22) باب إباحة الأخذ لمن أعطي من غير سؤال ولا استشراف

- ‌(23) باب كراهية الحرص على المال والعُمر

- ‌(24) باب الغنى غِنَى النفس وما يخاف من زهرة الدنيا وفضل التعفف والقناعة

- ‌(25) باب إعطاء السائل ولو أفحش في المسألة

- ‌(26) باب إعطاء المؤلفة قلوبهم

- ‌(27) باب يَجِبُ الرضا بما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما أعطى ويكفر من نَسبَ إليه جَورًا وذكر الخوارج

- ‌(28) باب لا تَحِلُّ الصدقة لمحمد ولا لآلِ محمد، ومن يستعمل على الصدقة

- ‌(29) ومن باب: الصدقة إذا بلغت محلها

- ‌(30) باب دعاء المصدق لِمن جاء بصدقته، والوصاة بالمصدق

- ‌(10) كتاب الصوم

- ‌(1) باب فضل شهر رمضان والصوم والفطر لرؤية الهلال

- ‌(2) باب لأهل كل بلد رؤيتهم عند التباعد وفي الهلال يرى كبيرا وشهران لا ينقصان والنهي عن أن يتقدم رمضان بصوم

- ‌(3) باب في قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيطُ الأَبيَضُ مِنَ الخَيطِ الأَسوَدِ} وقوله عليه الصلاة والسلام: إن بلالا ينادي بليل

- ‌(4) باب الحث على السحور، وتأخيره وتعجيل الإفطار

- ‌(5) باب إذا أقبل الليل وغابت الشمس أفطر الصائم

- ‌(6) باب النهي عن الوصال في الصوم

- ‌(7) بَابُ ما جاء فِي القُبلَة للصائم

- ‌(8) باب صوم من أدركه الفجر وهو جنب

- ‌(9) باب كفارة من أفطر متعمدا في رمضان

- ‌(10) باب جواز الصوم، والفطر في السفر والتخيير في ذلك

- ‌(11) باب من أجهده الصوم حتى خاف على نفسه وجب عليه الفطر

- ‌(12) باب الفطر أفضل لمن تأهب إلى لقاء العدو

- ‌(13) باب فضل صيام يوم عرفة وترك صيامه لمن كان بعرفة

- ‌(14) باب في صيام يوم عاشوراء وفضله

- ‌(15) باب النهي عن صيام يوم الفطر ويوم الأضحى وكراهية صوم أيام التشريق

- ‌(16) باب النهي عن اختصاص يوم الجمعة بصيام واختصاص ليلته بقيام

- ‌(17) باب نسخ الفدية، ومتى يقضى رمضان

- ‌(18) باب قضاء الصيام عن الميت

- ‌(19) باب فضل الصيام، والأمر بالتحفظ به من الجهل والرفث

- ‌(20) باب فيمن أصبح صائمًا متطوعا ثم يفطر وفيمن أكل ناسيا

- ‌(21) باب كيف كان صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم في التطوع

- ‌(22) باب كراهية سرد الصوم، وبيان أفضل الص

- ‌(23) باب فضل صوم ثلاثة أيام من كل شهر وسرر شعبان، وصوم المحرم وستة أيام من شوال

- ‌(11) أبواب الاعتكاف وليلة القدر

- ‌(1) باب لا اعتكاف إلا في مسجد وبصوم

- ‌(2) باب للمعتكف أن يختص بموضع من المسجد فيضرب خيمة ومتى يدخلها، واعتكاف النساء في المسجد وأن المعتكف لا يخرج من معتكفه إلا لحاجته الضرورية

- ‌(3) باب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان

- ‌(4) باب الأمر بالتماس ليلة القدر

- ‌(5) باب لَيلَةُ القَدرِ لَيلَةُ ثَلَاثُ وَعشرين

- ‌(6) باب ليلة القدر ليلة سبع وعشرين وما جاء في علاماتها

- ‌(12) كتاب الحج

- ‌(1) باب ما يجتنبه المحرم من اللباس والطيب

- ‌(2) باب المواقيت في الحج والعمرة

- ‌(3) باب الإحرام والتلبية

- ‌(4) باب بيان المحل الذي أهل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(5) باب تطيب المحرم قبل الإحرام

- ‌(6) باب ما جاء في الصيد، وفي لحمه للمحرم

- ‌(7) باب ما يقتل المحرم من الدواب

- ‌(8) باب الفدية للمحرم

- ‌(9) باب جواز مداواة المحرم بالحجامة وغيرها مما ليس فيه طيب

- ‌(10) باب غسل المحرم رأسه

- ‌(11) باب المحرم يموت، ما يفعل به؟ وهل للحاج أن يشترط

- ‌(12) باب يغتسل المحرم على كل حال ولو كان امرأة حائضا، وإرداف الحائض

- ‌(13) باب تفعل الحائض والنفساء جميع المناسك إلا الطواف بالبيت

- ‌(14) باب أنواع الإحرام ثلاثة

- ‌(15) باب ما جاء في فسخ الحج في العمرة وأن ذلك كان خاصا بهم

- ‌(16) باب يجزئ القارن بحجه وعمرته طواف واحد وسعي واحد

- ‌(17) باب في حجة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(18) باب في قوله تعالى: {أَفِيضُوا مِن حَيثُ أَفَاضَ النَّاسُ}

- ‌(19) باب الإهلال بما أهل به الإمام

- ‌(20) باب الاختلاف في أي أنواع الإحرام أفضل

- ‌(21) باب الهدي للمتمتع والقارن

- ‌(22) باب الاختلاف فيما به أحرم النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(23) باب الطواف عند القدوم

- ‌(24) باب إباحة العمرة في أشهر الحج

- ‌(25) باب تقليد الهدي وإشعاره عند الإحرام

- ‌(26) باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم وكم حج

- ‌(27) باب فضل العمرة في رمضان

- ‌(28) باب من أين دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة والمدينة، ومن أين خرج

- ‌(29) باب المبيت بذي طوى، والاغتسال قبل دخول مكة، وتعيين مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(30) باب الرمل في الطواف والسعي

- ‌(31) باب استلام الركنين اليمانيين وتقبيل الحجر الأسود

- ‌(32) باب الطواف على الراحلة لعذر، واستلام الركن بالمحجن

- ‌(33) باب في قوله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالمَروَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ

- ‌(34) باب متى يقطع الحاج التلبية

- ‌(35) باب ما يقال في الغدو من منى إلى عرفات

- ‌(36) باب الإفاضة من عرفة والصلاة بمزدلفة

- ‌(37) باب التغليس بصلاة الصبح بالمزدلفة والإفاضة منها، وتقديم الظغن والضعفة

- ‌(38) باب رمي جمرة العقبة

- ‌(39) باب في الحلاق والتقصير

- ‌(40) باب من حلق قبل النحر ونحر قبل الرمي

- ‌(41) باب طواف الإفاضة يوم النحر ونزول المحصب يوم النفر

- ‌(42) باب الرخصة في ترك البيتوتة بمنى لأهل السقاية

- ‌(43) باب التصدق بلحوم الهدايا وجلودها وأجلتها والاشتراك فيها

- ‌(44) باب من بعث بهدي لا يلزمه أن يجتنب ما يجتنبه المحرم، وفي ركوب الهدي

- ‌(45) باب ما عطب من هدي التطوع قبل محله

- ‌(46) باب ما جاء في طواف الوداع

- ‌(47) باب ما جاء في دخول النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة وفي صلاته فيها

- ‌(48) باب في نَقضِ الكَعبَةِ وَبِنَائِهَا

- ‌(49) باب الحج عن المعضوب والصبي

- ‌(50) باب فرض الحج مرة في العمر

- ‌(51) باب ما جاء أن المحرم من الاستطاعة

- ‌(52) باب ما يقال عند الخروج إلى السفر وعند الرجوع

- ‌(53) باب التعريس بذي الحليفة إذا صدر من الحج أو العمرة

- ‌(54) باب في فضل يوم عرفة ويوم الحج الأكبر

- ‌(55) باب ثواب الحجِّ والعمرة

- ‌(56) باب تَمَلُّك دُور مكة ورِباعها وكم كان مكث المهاجر بها

- ‌(57) باب تحريم مكة وصيدها وشجرها ولقطتها

- ‌(58) باب تحريم المدينة وصيدها وشجرها والدعاء لها

- ‌(59) باب الترغيب في سكنى المدينة والصبر على لأوائها

- ‌(60) باب المدينة لا يدخلها الطاعون ولا الدَّجال، وتنفي الأشرار

- ‌(61) باب إثم من أراد أهل المدينة بسوء والترغيب فيها عند فتح الأمصار

- ‌(62) باب فضل المنبر والقبر وما بينهما، وفضل أحد

- ‌(63) باب فضل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسجد الحرام، وما تشد الرحال إليه، والمسجد الذي أسس على التقوى، وإتيان قباء

- ‌(13) كتاب الجهاد والسير

- ‌(1) باب في التأمير على الجيوش والسرايا ووصيتهم، والدعوة قبل القتال

- ‌(2) باب النهي عن الغدر، وما جاء أن الحرب خدعة

- ‌(3) باب النهي عن تمنِّي لقاء العدو والصبر عند اللقاء والدعاء بالنصر

- ‌(4) باب النهي عن قتل النساء والصبيان وجواز ما يصاب منهم إذا بيتوا وقطع نخيلهم وتحريقها

- ‌(5) باب تخصيص هذه الأمة بتحليل الغنائم

- ‌(6) باب في قوله تعالى: {يَسأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ}

- ‌(7) باب للإمام أن يخص (ل اتل بالسَّلب

- ‌(8) باب لا يستحق القاتل السَّلب بنفس القتل

- ‌(9) باب في التنفيل بالأسارى، وفداء المسلمين بهم

- ‌(10) باب ما يخمس من الغنيمة وما لا يخمس وكم يسهم للفرس والرجل

- ‌(11) باب بيان ما يصرف فيه الفيء والخمس

- ‌(12) باب تصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم بما وصل إليه من الفيء ومن سهمه

- ‌(13) باب الإمام مُخيَّر في الأسارى وذكر وقعة يوم بدر، وتحليل الغنيمة

- ‌(14) باب في المن على الأسارى

- ‌(15) باب إجلاء اليهود والنصارى من المدينة ومن جزيرة العرب

- ‌(16) باب إذا نزل العدو على حكم الإمام فله أن يرد الحكم إلى غيره ممن له أهلية ذلك

- ‌(17) باب أخذ الطعام والعلوفة من غير تخميس

- ‌(18) باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام

- ‌(19) باب كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك يدعوهم

- ‌(20) باب في غزاة حنين وما تضمنته من الأحكام

- ‌(21) باب في محاصرة العدو، وجواز ضرب الأسير وطرف من غزوة الطائف

- ‌(22) باب ما جاء أن فتح مكة عنوة وقوله عليه الصلاة والسلام: لَا يَقتِلُ قُرَشِيٌّ صَبرًّا بَعدَ اليَومِ

- ‌(23) باب صلح الحديبية وقوله تعالى: {إِنَّا فَتَحنَا لَكَ فَتحًا مُبِينًا}

- ‌(24) باب في التحصين بالقلع والخنادق عند الضعف عن مقاومة العدو وطرف من غزوة الأحزاب

- ‌(25) باب في اقتحام الواحد على جمع العدو، وذكر غزوة أحد وما أصاب فيها النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(26) باب فيما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى قريش

- ‌(27) باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله وصبره على الجفاء والأذى

- ‌(28) باب جواز إعمال الحيلة في قتل الكفار وذكر قتل كعب بن الأشرف

- ‌(29) باب في غزوة خيبر وما اشتملت عليه من الأحكام

- ‌(30) باب في غزوة ذي قرد وما تضمنته من الأحكام

- ‌(31) باب خروج النساء في الغزو

- ‌(32) باب لا يسهم للنساء في الغنيمة بل يحذين منه

- ‌(33) باب عدد غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(34) باب في غزوة ذات الرِّقاع

- ‌(35) باب ترك الاستعانة بالمشركين

- ‌(36) باب السن الذي يجاز في القتال

- ‌(37) باب النهي عن أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو

- ‌(38) باب في المسابقة بالخيل، وأنها معقود في نواصيها الخير، وما يكره منها

- ‌(39) باب الترغيب في الجهاد وفضله

- ‌(40) باب فضل القتل في سبيل الله تعالى

- ‌(41) باب في قوله تعالى: {أَجَعَلتُم سِقَايَةَ الحَاجِّ وَعِمَارَةَ المَسجِدِ الحَرَامِ} الآية

- ‌(42) باب في رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة، وفيمن قتل كافرًا

- ‌(43) باب فضل الحمل في سبيل الله والجهاد ومن دل على خير

- ‌(44) باب في البعوث ونيابة الخارج عن القاعد وفيمن خلف غازيا في أهله بخير أو بشر

- ‌(45) باب في قوله تعالى: {لا يَستَوِي القَاعِدُونَ} الآية

- ‌(46) باب بعث العيون في الغزو وما جاء: أن الجنة تحت ظلال السيوف

- ‌(47) باب في قوله تعالى: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيهِ}

- ‌(48) باب الإخلاص وحسن النية في الجهاد

- ‌(49) باب إثم من لم يُخلص في الجهاد وأعمال البر

- ‌(50) باب الغنيمة نقصان من الأجر وفيمن مات ولم ينو الغزو وفيمن تمنى الشهادة

- ‌(51) باب الغزو في البحر

- ‌(52) باب في فضل الرِّباط، وكم الشهداء

- ‌(53) باب في قَولِهِ تَعَالَى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَا استَطَعتُم}

- ‌(54) باب في قوله عليه الصلاة والسلام: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين)

- ‌(55) باب من آداب السفر

الفصل: ‌(13) باب فضل صيام يوم عرفة وترك صيامه لمن كان بعرفة

(13) باب فضل صيام يوم عرفة وترك صيامه لمن كان بعرفة

[992]

عَن أَبِي قَتَادَةَ الأَنصَارِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَن صَومِهِ، قَالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم،

ــ

(13)

ومن باب: فضل صيام يوم عرفة

قول أبي قتادة: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صومه فغضب)؛ غضبه عند هذا السؤال يحتمل أوجهًا:

أحدها: أنه فهم عن السائل: أنه إنما سأل عن صومه ليلتزمه، وربما يعجز عنه، فغضب لذلك، ولم يجبه.

وثانيها: أنه فهم أن السَّائل إنما سأل ليعلم مقدار ذلك فيزيد عليه، كما قد سأل نفر عن عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم فتقالّوها، وقالوا: قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك.

فقال أحدهم: أما أنا: فأصوم ولا أفطر. وقال الآخر: أما أنا: فأصلي الليل ولا أنام. وقال الآخر: أما أنا: فلا أنكح النساء. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما أنا فأصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأنكح النساء، فمن رغب عن سنَّتي فليس منِّي)(1).

وثالثها: لعلَّه إنما غضب لما يؤدي إليه من إظهار عمل السرّ، كما قال صلى الله عليه وسلم:(إن من شرِّ الناس المجاهرين)؛ قيل: ومن هم؟ قال: (الرجل يعمل العمل بالليل، فيقول: يا فلان! عملت البارحة كذا. فيبيت يستره ربُّه، ويصبح فيكشف ستر الله عنه)(2).

وقد ذكر في ذلك أوجه هذه أقربها، والله تعالى أعلم.

(1) رواه أحمد (3/ 241 و 285)، ومسلم (1401).

(2)

رواه أبو نعيم في الحلية (2/ 197).

ص: 185

فَقَالَ عُمَرُ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً، وَبَيعَتُنَا بَيعَةٌ.

زاد في رواية: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِن غَضَبِ اللَّهِ وَغَضَبِ رَسُولِهِ، فَجَعَلَ عُمَرُ يُرَدِّدُ هَذَا الكَلَامَ حَتَّى سَكَنَ غَضَبُهُ. قَالَ: فَسُئِلَ عَن صِيَامِ الدَّهرِ؟ فَقَالَ: لَا صَامَ وَلَا أَفطَرَ (أَو مَا صَامَ وَمَا أَفطَرَ) قَالَ: فَسُئِلَ عَن صيامِ يَومَينِ وَإِفطَارِ يَومين قَالَ: وَمَن يُطِيقُ ذَلِكَ؟ ! قَالَ: وَسُئِلَ عَن صَومِ يَومٍ وَإِفطَارِ يَومَينِ؟ قَالَ: لَيتَ أَنَّ اللَّهَ قَوَّانَا على ذَلِكَ، قَالَ: وَسُئِلَ عَن صَيامِ يَومٍ

ــ

وقول عمر: (رضينا. . . .) إلخ؛ يقتضي تسكين غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث: إنه يقتضي الطواعية الكلية، والانقياد التام، ويتضمن ذلك: مرنا بأمرك ننفذه على أي وجه، وفي أي محل، ومن حيث: التعوذ بالله وبرسوله، وهو الالتجاء إليهما، والاستجارة بهما من غضبهما.

وقد كان عمر رضي الله عنه جعل هذا الكلام هِجِّيراه (1) مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما غضب، فإنه قد روي: أنه قال له هذا الكلام مرارًا في مواطن متعددة.

وقوله صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن صيام الأبد فقال -: (لا صام ولا أفطر)؛ يحتمل أن يكون دعا عليه، لا أنه أخبر عنه، ويحتمل أن يكون خبرًا عن أنه لم يأت بشيء. ووجه ذلك: أن من سرد الصوم صار له عادة، ولم يجد له مشقة، فيعود النهار في حقه كالليل في حق غيره، فكأنه ما صام؛ إذ لم يجد ما يجده الصائم، ولا أفطر لصورة الصوم، وتكون (لا) بمعنى (ما)؛ كما قال تعالى:{فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى} وحمل كثير من العلماء هذا على ما إذا صام الأيام المحرمة، فأما لو أفطرها: فكرهه قوم، وأجازه آخرون. وقال أبو الطاهر بن بشير: وهو مستحب. وهذا أبعدها.

وقوله - وقد سئل عن صوم يوم وإفطار يومين: (ليت أن الله قوَّانا على ذلك)؛ يشكل مع وصاله، وقوله:(إني أبيت أطعم وأسقى). ويرتفع الإشكال: بأن

(1)"هجيراه": أي: دأبه وعادته مع الولع به.

ص: 186

وَإِفطَارِ يَومٍ؟ قَالَ: ذَلكَ صيامُ أَخِي دَاوُدَ، قَالَ: وَسُئِلَ عَن صَومِ يَومِ الإثنَينِ؟ قَالَ: ذَلكَ يَومٌ وُلِدتُ فِيهِ، وَيَوم بُعِثتُ (أَو أُنزِلَ عَلَيَّ فِيهِ) قَالَ: فَقَالَ: صَومُ ثَلَاثَةٍ مِن كُلِّ شَهرٍ، وَرَمَضَانَ إِلَى رَمَضَانَ صَومُ الدَّهرِ، قَالَ:

ــ

هذا كان منه صلى الله عليه وسلم في أوقات مختلفة: ففي وقت: يواصل الأيام بحكم القوَّة الإلهية. وفي آخر: يضعف؛ فيقول هذا بحكم الطباع البشرية. ويمكن أن يقال: تمنَّى ذلك دائمًا، بحيث لا يخل بحق من الحقوق التي يخل بها من أدام صومه: من القيام بحقوق الزوجات، واستبقاء القوة على الجهاد، وأعمال الطاعات، والله تعالى أعلم.

وقوله في يوم الإثنين: (فيه ولدتُّ، وفيه أنبئتُ، وفيه أُنزل عليَّ (1)). قلت: وفيه مات. وكل هذا دليل على فضل هذا اليوم مع ما قد ثبت: أنه صلى الله عليه وسلم كان يصوم يوم الخميس، ويقول فيه وفي يوم الإثنين:(إنهما يومان تعرض فيهما الأعمال على ربِّ العالمين، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم)(2).

وقوله: (صيام ثلاثة أيام من كل شهر، ورمضان إلى رمضان صوم الدهر)؛ هذا إنما كان لأن الحسنة بعشر أمثالها. فثلاث من كل شهر كالشهر بالتضعيف، ورمضان بغير تضعيف شهر، فيكمل دهر السنة. فإن اعتبر رمضان بتضعيفه كان بإزاء عشرة أشهر، فإذا أضيفت ستة أيام شوال كان له صوم ستين بالتضعيف.

وعلى مقتضى مساق هذا الحديث، وعلى ما تقرر من معناه: تستوي أيام الشهر كلها، ولا فرق بين أن يصوم هذه الثلاثة أيام أول الشهر، أو وسطه، أو آخره. وكذلك قالت عائشة: لم يكن يبالي من أي أيام الشهر كان يصومها (3). غير أن

(1) الحديث بهذا اللفظ ليس في التلخيص ولا في مسلم.

(2)

رواه الترمذي (747) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

(3)

رواه مسلم (1160)، وأبو داود (3453)، والترمذي (763).

ص: 187

وَسُئِلَ عَن صَومِ يَومِ عَرَفَةَ فَقَالَ: يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ وَالبَاقِيَةَ قَالَ: وَسُئِلَ عَن صَومِ يَومِ عَاشُورَاءَ. فَقَالَ: يُكَفِّرُ السَّنَةَ المَاضِيَةَ.

رواه أحمد (5/ 296 - 297)، ومسلم (1162)(196 و 197)، وأبو داود (2426)، والنسائي (4/ 207).

ــ

النسائي روى هذا الحديث عن جرير (1)، وقال فيه: صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر (2)، (أيام البيض) صبيحة ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة.

وهذا يقتضي تخصيص الثلاثة بأيام الليالي البيض، وهذا - والله تعالى أعلم - لأن الليالي البيض، وقت كمال القمر، ووسط الشهر، وخير الأمور أوساطها، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل:(هل صمت من سرة شعبان شيئًا؟ )(3). يعني: وسطه وفي رواية أخرى: (من سُرَر)، مكان (سُرة)، وسيأتي.

وقال ابن حبيب: تصام الثلاثة الأيام: أول يوم من الشهر، والعاشر، والعشرين. قال: وبلغني أن هذا صوم مالك.

وفي تسمية عرفة: بعرفة، قولان:

أحدهما: أن جبريل كان يُري إبراهيم المناسك، فيقول: عرفتُ، عرفتُ.

وثانيهما: أن آدم وحواء تعارفا هنالك.

وقوله في صيام يوم عرفة: (يكفر السنة التي قبله)؛ يعني السنة التي هو

(1) في الأصول: جابر، والتصحيح من مصدر التخريج وجامع الأصول (6/ 329).

(2)

رواه النسائي (4/ 222).

(3)

سيأتي برقم (1031) آخر باب صوم شعبان رقم (23).

ص: 188

[993]

وَعَن أُمِّ الفَضلِ بِنتِ الحَارِثِ، أَنَّ نَاسًا تَمَارَوا عِندَهَا يَومَ عَرَفَةَ فِي صِيَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ بَعضُهُم: هُوَ صَائِمٌ وَقَالَ بَعضُهُم: لَيسَ بِصَائِمٍ، فَأَرسَلتُ إِلَيهِ بِقَدَحِ لَبَنٍ، وَهُوَ وَاقفٌ عَلَى بَعِيرِهِ بِعَرَفَةَ فَشَرِبَهُ.

رواه أحمد (6/ 340)، والبخاري (1988)، ومسلم (1123)(110)، وأبو داود (2441).

* * *

ــ

فيها؛ لأنه في أواخر السَّنة، والتي بعدها: يعني التي تأتي متصلة بشهر يوم عرفة.

وعاشوراء: يكفر السَّنة التي بعده؛ لأنه في أوائل السَّنة الآتية.

وقول أم الفضل: (إن الناس تماروا يوم عرفة في صيام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة)؛ معنى تماروا: اختلفوا وتجادلوا. وسبب هذا الاختلاف: أنه تعارض عندهم ترغيب النبي صلى الله عليه وسلم في صوم يوم عرفة، وسبب الاشتغال بعبادة الحج. فشكُّوا في حاله، فارتفع الشك لما شرب، وفهم منه: أن صوم عرفة إنما يكون فيه ذلك الفضل بغير عرفة، وأن الأولى ترك صومه بعرفة؛ لمشقة عبادة الحج. وقد روى النسائي عن أبي هريرة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام يوم عرفة بعرفة (1). وهذا لما قلناه، والله تعالى أعلم.

* * *

(1) رواه النسائي (2830) في الكبرى.

ص: 189