الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(7) بَابُ ما جاء فِي القُبلَة للصائم
[974]
عَن عَائِشَةَ قَالَت: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُنِي وَهُوَ صَائِمٌ
ــ
(7)
وَمِن بَابِ: القبلة للصائم
قول عائشة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلني وهو صائم)؛ هذا الحديث، وحديث عمر (1) الآتي بعد هذا، وحديث عمر بن الخطاب حيث سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن القبلة؟ فقال له:(أرأيت لو تمضمضت من الماء وأنت صائم؟ ) قال: لا بأس به. قال: (فمه)(2)؛ يدل: على إباحة القبلة للصائم مطلقًا. وهو مذهب جماعة من الصحابة والتابعين، وأحمد، وإسحاق، وداود. وكرهها قوم مطلقًا. وهو مشهور مذهب مالك. وفرَّق قوم: فكرهوها للشاب، وأجازوها للشيخ؛ وهو مروي عن ابن عباس، وإليه ذهب أبو حنيفة، والشافعي، والثوري، والأوزاعي. وحكاه الخطابي عن مالك.
وقد روى ابن وهب عن مالك: أنه أباحها في النفل، ومنعها في الفرض. وسبب هذا الخلاف معارضة تلك الأحاديث لقاعدة سدِّ الذريعة. وذلك: أن القبلة قد يكون معها الإنزال؛ فيفسد الصوم، فينبغي أن يمنع ذلك حماية للباب.
ووجه الفرق بين الشيخ والشاب: أن المظنة في حق الشاب مُحَققة غالبًا، فيترتب الحكم عليها، ويشهد لصحة الفرق: ما رواه أبو داود من حديث قيس مولى تجيب (3): أن النبي صلى الله عليه وسلم أرخص في قبلة الصائم للشيخ ونهى عنها
(1) في الأصول: ابن عمر، وليس في صحيح مسلم ولا في التلخيص حديث لابن عمر في قُبْلة الصائم. وإنما الصحيح: عمر بن أبي سلمة، وهو الحديث الآتي بعد حديث عائشة، كما أشار المصنف رحمه الله.
(2)
رواه أحمد (1/ 21)، وأبو داود (2385).
(3)
قال في لسان الميزان (4/ 480): قال ابن حزم في المحلى: قيس مولى تجيب: مجهول.
وَأَيُّكُم يَملِكُ إِربَهُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَملِكُ إِربَهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ: وَلِكِنَّهُ أَملَكَكُم لِإِربِهِ.
وِفِي رِوَايَةٍ أُخرَى: كَانَ يُقبلُ فِي شَهرِ الصَّومِ.
رواه أحمد (6/ 400)، ومسلم (1106)(64 و 65 و 70) وابن ماجه (1684).
[975]
وعَن عُمَرَ بنِ أَبِي سَلَمَةَ، أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيُقَبِّلُ الصَّائِمُ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: سَل هَذِهِ - لِأُمِّ سَلَمَةَ - فَأَخبَرَتهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصنَعُ ذَلِكَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَد غَفَرَ اللَّهُ لك مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ
ــ
للشاب، وفي معناه عن أبي هريرة (1)، ولا يصح منها شيء.
وقولها: (وأيكم يملك إربه كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يملك إربه)؛ قد تقدم الكلام في الإرب، وأنه يقال: بفتح الهمزة وكسرها، وأن أصله: العضو. وهو هنا كناية عن الجماع. وهذا يدل: على أن مذهبها منع القبلة مطلقًا في حق غير النبي صلى الله عليه وسلم، وأنها فهمت خصوصيته بجواز ذلك، وهو خلاف ما في حديث أم سلمة، فإنه صلى الله عليه وسلم سوَّى بينه وبين غيره في إباحة ذلك. والأخذ بحديث أم سلمة أولى؛ لأنه مبين للقاعدة، ونص في الواقعة. وقول عائشة اجتهاد منها.
وقوله: (قد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك)؛ قول من خطر بباله: أنه يلزم من كونه مغفورًا له مسامحته في بعض الممنوعات، وهذا الخاطر مهما أصغي إليه
(1) رواه أبو داود (3387) من حديث أبي هريرة. وإسناده ضعيف.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَتقَاكُم لِلَّهِ وَأَخشَاكُم لَهُ.
رواه مسلم (1108).
* * *
ــ
لزم منه إسقاط التكاليف، وكذلك قد يقع مثله أيضًا عند سماع قوله صلى الله عليه وسلم في حق التائب بعد الثالثة:(اعمل (1) ما شئت فقد غفرت لك) (2). وهذا الخاطر باطل بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (إني لأتقاكم لله وأشدُّكم له خشية)، وبدليل الإجماع المعلوم: على أن التكاليف لا تسقط عمن حصلت له شروطها.
وإنما محمل هذه الظواهر الموجبة للغفران في المستقبل على المعونة على الطاعات، والحفظ عن المخالفات، بحيث لا تقع الذنوب منه فيما يأتي، ويصح أن يعبر عن هذا المعنى بالمغفرة؛ لأن المغفرة هي الستر، وهذا قد ستر بالطاعات عن المعاصي؛ بحيث لا تقع منه، أو لأن حاله حال المغفور له، من حيث إنه لا ذنب له، والله تعالى أعلم.
وقوله: (إني لأتقاكم لله وأخشاكم له)؛ أي: لأكثركم تقوى. وقد قدمنا: أن التقوى بمعنى الوقاية. والخشية: الخوف. وقد فرق بعض الناس بينهما. فقال: الخشية أشد الخوف. وقيل: الخوف: التطلع لنفس الضرر، والخشية: التطلع لفاعل الضرر. وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد الناس لله خشية؛ لأنه أعظمهم له معرفة.
* * *
(1) في (ع): افعل.
(2)
رواه أحمد (2/ 492)، ومسلم (758) من حديث أبي هريرة.