الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(13) باب حث الإمام الناس على الصدقة إذا عنت فاقة
[884]
عَن جَرِيرٍ قَالَ: كُنَّا عِندَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي صَدرِ النَّهَارِ قَالَ: فَجَاءَ قَومٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجتَابِي النِّمَارِ أَوِ العَبَاءِ، مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، عَامَّتُهُم مِن مُضَرَ، بَل كُلُّهُم مِن مُضَرَ، فَتَمَعَّرَ وَجهُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِمَا رَأَى
ــ
عنه. قلت: وهذا هو معناه في هذا الحديث. وقال الفراء: المشيح على معنيين: المقبل إليك، والمانع لما وراء ظهره.
(13)
ومن باب: حث الإمام الناس على الصدقة (1)
قوله: مجتابي العباء؛ أي: مقطوعي أوساط النمار. والاجتباب: التقطيع والخرق، ومنه قوله تعالى:{الَّذِينَ جَابُوا الصَّخرَ بِالوَادِ} ؛ أي: خرقوها. والنمار: جمع نمرة، هي: ثياب من صوف فيها تنمير. والعباء: جمع عباءة، وهي: أكسية غلاظ مخططة.
و(تمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛ تَغَيَّر لما شق عليه من فاقتهم. و (كومين) - بفتح الكاف -، هي الرواية؛ أي: صُبرَتين، وقد قيد كومين بضم الكاف.
قال أبو مروان بن سراج: هو بالضم اسم لما كُوَّم، وبالفتح: المرة الواحدة. والكَومَة: الصبرة، والكوم: العظيم من كل شيء، والكوم: المكان المرتفع كالرابية، والفتح هنا أولى؛ لأنه إنما شبَّه ما اجتمع هناك بالكوم الذي هو الرابية.
و(المذهبة)، الرواية الصحيحة المشهورة فيه هكذا - بالذال المعجمة، والباء المنقوطة بواحدة من
(1) ساقط من الأصول، ومستدرك من التلخيص.
بِهِم مِنَ الفَاقَةِ فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ فَأَمَرَ بِلالاً فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ فَقَالَ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم} الآيَةِ - إِلَى قَولِه {رَقِيبًا} وَالآيَةَ الَّتِي فِي الحَشرِ: {اتَّقُوا اللَّهَ وَلتَنظُر نَفسٌ مَا قَدَّمَت لِغَدٍ} تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِن دِينَارِهِ، مِن دِرهَمِهِ، مِن ثَوبِهِ، مِن صَاعِ بُرِّهِ مِن صَاعِ تَمرِهِ - حَتَّى قَالَ -: وَلَو بِشِقِّ تَمرَةٍ، قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأَنصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَت كَفُّهُ تَعجِزُ عَنهَا، بَل قَد عَجَزَت. قَالَ ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ حَتَّى رَأَيتُ كَومَينِ مِن طَعَامٍ وَثِيَابٍ، حَتَّى رَأَيتُ وَجهَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَهَلَّلُ كَأَنَّهُ مُذهَبَةٌ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مَن سَنَّ فِي الإِسلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ
ــ
أسفل - من الذهب. ويحتمل أن يريد بها: كأنه فضة مذهبة. كما قال الشاعر:
كأنها فضة [قد] مسها ذهب
ويعني به: تشبيه إشراق وجهه وتنويره، أو كأنه آلة مذهبة، كما يذهب من الجلود والسروج والأقداح وغير ذلك، ويجعل طرائق يتلو بعضها بعضا.
وقد وقع للحميدي في الجمع بين الصحيحين: مدهنة - بالدال المهملة والنون -. قال: والمدهن: نقرة في الجبل يستنقع فيها ماء المطر. والمدهن أيضًا: ما جعل فيه الدُّهن. والمدهنة من ذلك، شبَّه صفاء وجهه بإشراق السرور بصفاء هذا الماء المستنقع في الحجر، أو بصفاء الدهن.
وسروره صلى الله عليه وسلم بذلك فرح بما ظهر من فعل المسلمين، ومن سهولة البذل عليهم، ومبادرتهم لذلك، وبما كشف الله من فاقات أولئك المحاويج.
وقوله: (من سن في الإسلام سنّة حسنة)؛ أي: من فعل فعلاً جميلاً فاقتدي به فيه، وكذلك إذا فعل قبيحًا فاقتدي به فيه.
ويفيد الترغيب في الخير المتكرر أجره؛ بسبب الاقتداء والتحذير من الشر المتكرر إثمه بسبب الاقتداء.