الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَطيَبُ رِيحًا مِنكَ. قَالَ: فَغَضِبَ لِعَبدِ اللَّهِ رَجُلٌ مِن قَومِهِ، قَالَ: فَغَضِبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنهُمَا أَصحَابُهُ، قَالَ: فَكَانَ بَينَهُم ضَربٌ بِالجَرِيدِ وَبِالأَيدِي وَبِالنِّعَالِ، قَالَ: فَبَلَغَنَا أَنَّهَا نَزَلَت فِيهِم: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤمِنِينَ اقتَتَلُوا فَأَصلِحُوا بَينَهُمَا}
رواه البخاري (2691)، ومسلم (1799).
* * *
(28) باب جواز إعمال الحيلة في قتل الكفار وذكر قتل كعب بن الأشرف
[1317]
عن جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم: مَن لِكَعبِ بنِ الأَشرَفِ؟ فَإِنَّهُ قَد آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ. فَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ مَسلَمَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
ــ
وقول سعد للنبي صلى الله عليه وسلم: (ما قال في عبد الله)؛ إنما كان على جهة الاستلطاف والاستمالة ليستخرج منه ما كان في خلقه الكريم من العفو والصفح عن الجهال، فلا جرم عفا حتى تم له ما أراد، وصفا وصبر حتى ظفر-صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين (1).
(28)
ومن باب: إعمال الحيلة في قتل الكفار
قوله: (من لكعب بن الأشرف)؛ كعب هذا: رجل من بني نبهان من طيء، وأمه من بني النضير، وكان شاعرًا، وكان قد عاهده النبي صلى الله عليه وسلم أن لا يعين عليه،
(1) ما بين حاصرتين زيادة في (ع).
أَتُحِبُّ أَن أَقتُلَهُ؟ قَالَ: نَعَم. قَالَ: ائذَن لِي فَلأَقُل. قَالَ: قُل. فَأَتَاهُ،
ــ
ولا يتعرض لأذاه، ولا لأذى المسلمين، فنقض العهد، وانطلق إلى مكة إثر وقعة بدر، فجعل يبكِّي من قتل من الكفار، ويحرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الذي أغرى قريشًا وغيرهم حتى اجتمعوا لغزوة أحد، ثم إنه رجع إلى بلده، فجعل يهجو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويؤذيه، والمسلمين. فحينئذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(من لكعب بن الأشرف، فإنه قد آذى الله ورسوله)، فأغرى بقتله، ونبه على علة ذلك، وأنه مستحق للقتل. ولا يظن أحد: أنه قتل غدرًا. فمن قال ذلك قتل، كما فعله علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وذلك أن رجلًا قال ذلك في مجلسه، فأمر علي بضرب عنقه. وقال آخر: في مجلس معاوية، فأنكر ذلك محمد بن مسلمة، وأنكر على معاوية سكوته، وحلف ألا يظله وإيَّاه سقف أبدًا، ولا يخلو بقائلها إلا قتله.
قلت: ويظهر لي: أنه يقتل، ولا يستتاب؛ لأن ذلك زندقة إن نسب الغدر للنبي صلى الله عليه وسلم. فأما لو نسبه للمباشرين لقتله بحيث يقول: إنهم أمنوه، ثم غدروه. لكانت هذه النسبة كذبًا محضًا؛ لأنه ليس في كلامهم معه ما يدل على أنهم أمنوه، ولا صرحوا له بذلك، ولو فعلوا ذلك لما كان أمانًا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما وجههم لقتله لا لتأمينه، ولا يجار على الله، ولا على رسوله. ولو كان ذلك لأدى لإسقاط الحدود، وذلك لا يجوز بالإجماع. وعلى هذا فيكون في قتل من نسب ذلك إليهم نظر، وتردد. وسببه: هل يلزم من نسبة الغدر لهم نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قد صوَّب فعلهم، ورضي به، فيلزم منه: أنه قد رضي بالغدر؟ ومن صرح بذلك قُتل -أو لا يلزم ذلك؛ لأنه لم يصرح به؛ وإنما هو لازم على قوله - ولعله لو تنبه لذلك الإلزام لم يصرح بنسبة الغدر إليهم، ويكون هذا من باب التكفير بالمآل، وقد اختلف فيه. والصحيح: أنه لا يكفر بالمآل، ولا بما يلزم على المذاهب، إلا إذا صرح بالقول اللازم. وإذا قلنا: إنه لا يقتل فإنه لا بد من تنكيل ذلك القائل، وعقوبته بالسجن، والضرب الشديد، والإهانة العظيمة.
فَقَالَ لَهُ، وَذَكَرَ مَا بَينَهُمَا، وَقَالَ: إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَد أَرَادَ صَدَقَةً، وَقَد عَنَّانَا، فَلَمَّا سَمِعَهُ قَالَ: وَأَيضًا وَاللَّهِ لَتَمَلُّنَّهُ، قَالَ: إِنَّا قَد اتَّبَعنَاهُ الآنَ وَنَكرَهُ أَن نَدَعَهُ حَتَّى نَنظُرَ إِلَى أَيِّ شَيءٍ يَصِيرُ أَمرُهُ، قَالَ: وَقَد أَرَدتُ أَن تُسلِفَنِي سَلَفًا، قَالَ: فَمَا تَرهَنُنِي؟ تَرهَنُنِي نِسَاءَكُم، قَالَ: أَنتَ أَجمَلُ العَرَبِ، أَنَرهَنُكَ نِسَاءَنَا؟ قَالَ: تَرهَنُونِي أَولَادَكُم، قَالَ: يُسَبُّ ابنُ أَحَدِنَا فَيُقَالَ: رُهِنَ فِي وَسقَينِ مِن تَمرٍ، وَلَكِن نَرهَنُكَ اللَّأمَةَ. (يَعنِي السِّلَاحَ) قَالَ: نَعَم. وَوَاعَدَهُ أَن يَأتِيَهُ بِالحَارِثِ، وَأَبِي عَبسِ بنِ جَبرٍ، وَعَبَّادِ بنِ بِشرٍ، قَالَ: فَجَاؤوا فَدَعَوهُ لَيلًا، فَنَزَلَ إِلَيهِم.
وفي رواية: قَالَت امرَأَتُهُ: إِنِّي لَأَسمَعُ صَوتًا كَأَنَّهُ صَوتُ دَمٍ، قَالَ:
ــ
وقوله: (إن هذا الرجل قد أراد صدقة، وقد عنانا)؛ هذا الكلام ليس فيه تصريح بأمان، بل هو كلام ظهر لكعب منه: أن محمد بن مسلمة ليس محققًا، ولا مخلصًا في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ولا في الكون معه، ولذلك أجابه بقوله: وأيضًا والله لتمَلُّنَّه. وكلام محمد من باب المعاريض، وليس فيه من الكذب، ولا من باب الباطل شيء، بل هو كلام حق، فإن محمدا صلى الله عليه وسلم رجل، لكن أي رجل، وقد أراد صدقةً من أمته، وأوجبها عليهم، وقد عنَّاهم بالتكاليف. أي: أتعبهم، لكن تعبًا حصل لهم به خير الدنيا والآخرة. وإذا تأملت كلام محمد هذا؛ علمت أن محمد بن مسلمة من أقدر الناس على البلاغة، واستعمال المعاريض، وعلى إعمال الحيلة، وأنه من أكمل الناس عقلًا ورأيًا.
وقوله: (يسبُّ ابن أحدنا) من السَّب، وهو الصواب، وصحيح الرواية، وقد قيده الطبري:(يَشِبُّ) من الشباب، بالشين المعجمة، وهو تصحيف؛ وإنما عيَّن السلاح للرهن؛ لئلا ينكرها إذا جاؤوا بها.
وقول امرأة كعب: (إني لأسمع صوتًا كأنه صوت دم)؛ أي: صوت طالب
إِنَّمَا هَذَا مُحَمَّدُ، وَرَضِيعُهُ، وَأَبُو نَائِلَةَ، إِنَّ الكَرِيمَ لَو دُعِيَ إِلَى طَعنَةٍ لَيلًا لَأَجَابَ، قَالَ مُحَمَّدٌ: إِنِّي إِذَا جَاءَ فَسَوفَ أَمُدُّ يَدِي إِلَى رَأسِهِ، فَإِذَا استَمكَنتُ مِنهُ فَدُونَكُم، قَالَ: فَلَمَّا نَزَلَ، نَزَلَ وَهُوَ مُتَوَشِّحٌ، فَقَالَ: نَجِدُ
ــ
دم. كانت هذه المرأة من شياطين الإنس، أو تكلم على لسانها شيطان، كما قال تعالى:{وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَولِيَائِهِم لِيُجَادِلُوكُم} وإلا فمن أين أدركت هذا؟ بل هذا من نوع ما وقع للزَّباء في قصتها مع قصير حين جاءها بالصَّناديق فيها الرِّجال، فأوهمها أن فيها تجارة، فلما رأتها أنشدت:
مَا لِلجِمالِ مَشيُهَا وَئيدا؟
…
أجَندَلًا (1) يَحمِلنَ أم حَدِيدا؟
أمِ صَرَفَانًا (2) بَارِدًا شَدِيدا؟
…
أمِ الرِّجَالُ جُثَّمًا قُعُودا؟
وكذلك كان.
وقوله: (إنما هو محمد ورضيعه وأبو نائلة)؛ هكذا صحت الرواية فيه على أن أبا نائلة غير رضيع محمد. وقد رواه أهل السير بإسقاط الواو على أنه بدل من (رضيعه). وفي البخاري: (ورضيعي أبو نائلة) على أن يكون أبو نائلة رضيع كعب. والمعروف بأنه رضيع محمد. والله تعالى أعلم.
وقوله: (نزل وهو متوشح)؛ أي: بثوب جعله على أحد منكبيه، وأخرج الآخر. و (دونكم) منصوب على الإغراء؛ أي: بادروا إلى قتله، ولازموه.
(1)"الجندل": الحجارة والصخر.
(2)
"الصرفان": هو ضرب من أجود أنواع التمر، وهو أيضًا: الرصاص القلعي، وهو كذلك: الموت.