الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(21) باب من تحل له المسألة
؟
[911]
عَن قَبِيصَةَ بنِ مُخَارِقٍ الهِلالِيِّ قَالَ: تَحَمَّلتُ حَمَالَةً فَأَتَيتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَسأَلُهُ فِيهَا فَقَالَ: (أَقِم حَتَّى تَأتِيَنَا الصَّدَقَةُ فَنَأمُرَ لك بِهَا قَالَ: ثُمَّ قَالَ يَا قَبِيصَةُ: (إِنَّ المَسأَلَةَ لا تَحِلُّ إِلا لأَحَدِ ثَلاثَةٍ: رَجُلٍ تَحَمَّلَ
ــ
(21)
ومن باب: من تحلُّ له المسألة
قوله: تحمّلت حمالة؛ أي: ألزمتها نفسي. والحمالة: ما لزم الإنسان تحمله من غرم أو دية.
وكانت العرب إذا وقعت بينهم ثائرة اقتضت غرمًا في دية أو غيرها، قام أحدهم فتبرّع بالتزام ذلك، والقيام به؛ حتى ترتفع تلك الثائرة، ولا شكّ أن هذا من مكارم الأخلاق، ولا يصدر مثله إلا عن سادات الناس وخيارهم. وكانت العرب لكرمها إذا علمت بأن أحدًا تحمّل حمالة بادروا إلى معونته، وأعطوه ما يتمّ به وجه مكرمته، وتبرأ به ذمته، ولو سأل المتحمل في تلك الحمالة لم يُعَد ذلك نقصًا، بل شرفًا وفخرًا، ولذلك سأل هذا الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حمالته التي تحمّلها على عاداتهم، فأجابه صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بحكم المعونة على المكرمة، ووعده النبي صلى الله عليه وسلم بمال من الصدقة؛ لأنه غارم من جملة الغارمين المذكورين في آية الصدقات.
وقوله: (إن المسألة لا تحل [إلا] لأحد ثلاثة)؛ لما قرّر النبي صلى الله عليه وسلم منع قاعدة المسألة من الناس، بما تقدّم من الأحاديث، وبمبايعتهم على ذلك، وكانت الحاجات والفاقات تنزل بهم، فيحتاجون إلى السؤال، بيّن لهم النبي صلى الله عليه وسلم من يَخرج من عموم تلك القاعدة، وهم هؤلاء الثلاثة.
والجائحة: ما اجتاحت المال وأتلفته إتلافًا ظاهرًا، كالسيل والمطر والحرق والسرق وغلبة العدو، وغير ذلك مما يكون إتلافه للمال ظاهرًا.
والفاقة: الفقر. والقوام - بكسر القاف -: ما يقوم به
حَمَالَةً فَحَلَّت لَهُ المَسأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمسِكُ، وَرَجُلٌ أَصَابَتهُ جَائِحَةٌ اجتَاحَت مَالَهُ، فَحَلَّت لَهُ المَسأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِن عَيشٍ، أَو قَالَ: سِدَادًا مِن عَيشٍ، وَرَجُلٌ أَصَابَتهُ فَاقَةٌ، حَتَّى يَقُومَ ثَلاثَةٌ مِن ذَوِي الحِجَى مِن قَومِهِ: لَقَد أَصَابَت فُلانًا فَاقَةٌ فَحَلَّت لَهُ المَسأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِن عَيشٍ، أَو قَالَ: سِدَادًا مِن عَيشٍ فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ المَسأَلَةِ، يَا قَبِيصَةُ! سُحتًا يَأكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحتًا).
ــ
العيش، وبفتحها: الاعتدال. والسِّداد - بكسر السين -: ما يُسدّ به الشيء، كسد القارورة، وبفتحها: الإصابة.
وقوله: (حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحِجَى من قومه: لقد أصابت فلانًا فاقة)؛ أي: يقوم ثلاثة فيقولون: لقد أصابت فلانا فاقة، وفي كتاب أبي داود: حتى يقول باللام من القول، فلا يحتاج إلى تقدير محذوف.
والحجى: العقل. واشترطه؛ لأن من عدمه لا يحصل بقوله ثقة، ولا يصلح للشهادة، أو لعلّه عبّر به عما يشترط في المخبر والشاهد من الأمور التي توجب الثقة بأقوالهم، ويكون الموصوف بها عدلاً مرضيًا.
وقوله: (من قومه)؛ لأنهم أعلم بدخيلة أمره، واستظهر بالثالث ليلحق بالمنتشر. ولم يحتج فيمن أصابته الجائحة إلى مثل هذا؛ لظهور أمر الجائحة، فأما الفاقة فتخفى.
وقوله: (حتى يصيبها ثم يمسك، وحتى يصيب قوامًا)؛ فيه حد الإباحة إلى زوال الموجب لها، ثم عوده إلى الأصل السابق الممنوع.
وقوله: (فما سواهن من المسألة سحت)، السُّحت: الحرام، وسمي به؛ لأنه يسحت ويمحق، وفيه لغتان: سكون الحاء وضمها.
وروايتنا في سحت الأول الرفع على أنه خبر المبتدأ الذي هو ما الموصولة.
وقد وقع لبعضهم سحتًا