الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(10) كتاب الصوم
(1) باب فضل شهر رمضان والصوم والفطر لرؤية الهلال
[949]
عَن أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ
ــ
(10)
كتاب الصيام
قد تقدَّم الكلام على الصوم اللغوي، وأنه الإمساك مطلقًا، وهو في العرف الشرعي: إمساك مخصوص عن أشياء مخصوصة في زمان مخصوص، بشرط مخصوص. وهذه القيود تحتاج إلى تفصيل يذكر في كتب الفقه. وعلى الجملة: فهذه القيود منها متفق عليه، ومنها مختلف فيه. فأما حدَّه على مذهب مالك: فهو إمساك جميع أجزاء اليوم عن أمور مخصوصة، بنيّة موقعة قبل الفجر.
(1)
ومن باب: فضل شهر رمضان (1)
قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا جاء رمضان)؛ دليل على من قال: لا يقال إلا شهر رمضان، متمسكًا بأنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقولوا: رمضان؛ فإن رمضان اسمٌ من أسماء
(1) ما بين حاصرتين ليس في الأصول، واستدرك من التلخيص.
فُتِّحَت أَبوَابُ الجَنَّةِ وَغُلِّقَت أَبوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَت الشَّيَاطِينُ.
رواه أحمد (2/ 357)، والبخاري (1898)، ومسلم (1079).
ــ
الله تعالى) (1)؛ وليس بصحيح، فإنه من حديث: أبي معشر نجيح؛ وهو ضعيف.
و(رمضان): مأخوذ من: رَمَضَ الصائم، يرمض: إذا حَرَّ جوفه من شدة العطش. والرَّمضاء: شدَّة الحر؛ قاله أبو عبيد الهروي.
وقوله: (فُتِّحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين)، فتحت: بتخفيف التاء، وتشديدها. ويصح حمله على الحقيقة، ويكون معناه: أن الجنة قد فتحت وزخرفت لمن مات في شهر رمضان؛ لفضيلة هذه العبادة الواقعة فيه، وغلقت عنهم أبواب النَّار؛ فلا يدخلها منهم أحدٌ مات فيه. وصفدت الشياطين: غُلِّت وقُيِّدت. والصفد: الغل، وذلك لئلا تفسد الشياطين على الصائمين.
فإن قيل: فنرى الشرور والمعاصي تقع في رمضان كثيرًا؛ فلو كانت الشياطين مصفدة لما وقع شرٌ؟ فالجواب من أوجه:
أحدها: إنما تغل عن الصائمين الصوم الذي حُوفظ على شروطه، ورُوعيت آدابه، أما ما لم يحافظ عليه فلا يغل عن فاعله الشيطان.
والثاني: أنا لو سلمنا أنها صُفِّدت عن كل صائم، لكن لا يلزم من تصفيد جميع الشياطين، ألا يقع شر؛ لأن لوقوع الشر أسبابًا أخر غير الشياطين، وهي: النفوس الخبيثة، والعادات الرَّكيكة، والشياطين الإنسية.
والثالث: أن يكون هذا الإخبار عن غالب الشياطين (2)، والمردة منهم، وأما من ليس من المردة فقد لا يصفد. والمقصود: تقليل الشرور. وهذا موجود في شهر رمضان؛ لأن وقوع الشرور والفواحش فيه قليل بالنسبة إلى غيره من الشهور.
(1) رواه البيهقي (4/ 201). وانظره في الأذكار برقم (992).
(2)
ما بين حاصرتين، ساقط من (ع).
[950]
وَعَن ابنِ عُمَرَ عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ ذَكَرَ رَمَضَانَ فَقَالَ: لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوا الهِلَالَ، وَلَا تُفطِرُوا حَتَّى تَرَوهُ، فَإِن أُغمِيَ عَلَيكُم فَاقدرُوا لَهُ.
رواه البخاري (1907)، ومسلم (1080)(9).
ــ
وقيل: إن فتح أبواب الجنة وإغلاق أبواب النار علامة على دخول هذا الشهر العظيم للملائكة وأهل الجنة؛ حتى يستشعروا عظمة هذا الشهر (1)، وجلالته.
ويحتمل أن يقال: إن هذه الأبواب المفتحة في هذا الشهر هي: ما شرع الله فيه من العبادات، والأذكار، والصَّلوات، والتلاوة؛ إذ هي كلها تؤدي إلى فتح أبواب الجنة للعاملين فيه، وغلق أبواب النار عنهم.
وتصفيد الشياطين: عبارة عن كسر شهوات النفوس التي بسببها تتوصل الشياطين إلى الإغواء والإضلال، ويشهد لهذا قوله:(الصوم جُنَّة)(2)، وقوله:(إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فضيقوا مجاريه بالجوع والعطش)(3)، على ما قد ذكر، وقد تقدَّم اشتقاق الشيطان.
وقوله: (فإن أُغمي عليكم فاقدروا له)، في أُغمي ضمير يعود على الهلال، فهو المغمى عليه لا الناظرون. وتقديره: فإن أغمي الهلال عليكم. وأصل الإغماء: التغطية، والغم. ومنه: المغمى عليه؛ كأنه غطي عقله عن مصالحه. ويقال: أغمي الهلال، وغمي - مشدد الميم - وكلاهما مبني لما لم يُسم فاعله. ويقال أيضًا: غمَّ، مبنيًا لما لم يُسم فاعله مشددًا. وكذلك جاءت رواية أبي هريرة. فعلى هذا يقال: أُغمي، وغُمِّي - مخففًا ومشددًا، رباعيًّا وثلاثيًّا -، وغُمَّ، فهي أربع
(1) ما بين حاصرتين ساقط من (هـ).
(2)
رواه أحمد (4/ 22 و 217)، والنسائي (4/ 167)، وابن خزيمة (2125)، وابن حبان (3649) من حديث عثمان بن أبي العاص.
(3)
رواه أحمد (3/ 156 و 258)، والدارمي (2/ 320).
[951]
وعَنه عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكتُبُ وَلَا نَحسُبُ، الشَّهرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا وَعَقَدَ الإِبهَامَ فِي الثَّالِثَةِ وَالشَّهرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا (يَعنِي تَمَامَ الثَلَاثِينَ).
رواه أحمد (2/ 43 و 52)، ومسلم (1080)(15)، وأبو داود (2319)، والنسائي (5/ 139).
[952]
وعَن أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: صُومُوا لِرُؤيَتِهِ وَأَفطِرُوا لِرُؤيَتِهِ، فَإِن غُمّ عَلَيكُم فَأَكمِلُوا العَدَدَ.
ــ
لغات. ويقال: قد غامت السَّماء، تغيم، غيمومة، فهي غائمة، وغيمة، وأغامت، وتغيمت، وغيمت، وأغمت، وغمت.
وفي حديث أبي هريرة: (فإن غمي)؛ أي: خفي. يقال: غمي عليَّ الخبر؛ أي: خفي. وقيل: هو مأخوذ من الغماء، وهو السَّحاب الرقيق. وقد وقع للبخاري:(غَبِي) - بالباء، وفتح الغين -؛ أي: خفي. ومنه الغباوة.
وقوله: (فاقدروا له)؛ أي: قدِّروا تمام الشهر بالعدد ثلاثين يومًا. يقال: قدَّرت الشيء أقدُرُه وأقدِره - بالتخفيف - بمعنى: قدَّرته (بالتشديد)؛ كما تقدَّم في أول كتاب الإيمان. وهذا مذهب الجمهور في معنى هذا الحديث. وقد دلَّ على صحة ما رواه أبو هريرة مكان: فاقدروا له: (فأكملوا العدَّة ثلاثين).
وهذا الحديث حجة على من حمل: (فاقدروا له) على معنى: تقدير المنازل القمرية، واعتبار حسابها، وإليه صار ابن قتيبة من اللغويين، ومطرف بن عبد الله بن الشخير من كبراء التابعين.
ومن الحجة أيضًا على هؤلاء قوله صلى الله عليه وسلم: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب)، فألغى الحساب، ولم يجعله طريقًا لذلك.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)؛ يقتضي لزوم حكم الصوم
وفي لفظ آخر: فَإِن غُمِّيَ عَلَيكُم الشَّهرُ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ.
رواه أحمد (2/ 454 و 456)، والبخاري (1909)، ومسلم (1081)(18)، والنسائي (4/ 133).
ــ
والفطر لمن صحت له الرؤية، سواء شورك في رؤيته، أو انفرد بها. وهو مذهب الجمهور. وذهب عطاء وإسحاق: إلى أنه لا يلزمه حكم شيء من ذلك إذا انفرد بالرؤية. وهذا الحديث ردٌّ عليهما.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب (1))؛ أي: لم نكلف في تعرف مواقيت صومنا ولا عباداتنا ما نحتاج فيه إلى معرفة حساب ولا كتابة، وإنما ربطت عباداتنا بأعلام واضحة، وأمور ظاهرة، يستوي في معرفة ذلك الحُسَّاب وغيرهم. ثم تمم هذا المعنى وكمَّله حيث بيَّنه بإشارته بيديه، ولم يتلفظ بعبارة عنه نزولاً إلى ما يفهمه الخُرصُ (2) والعجم. وحصل من إشارته بيديه ثلاث مرات: أن الشهر يكون ثلاثين، ومن خَنسِهِ (3) إِبهامه في الثالثة: أن الشهر يكون تسعًا وعشرين؛ كما قد نصَّ عليه في الحديث الآخر.
وعلى هذا الحديث: من نذر أن يصوم شهرًا غير معين؛ فله أن يصوم تسعًا وعشرين؛ لأن ذلك يقال عليه: شهر، كما أن من نذر صلاة أجزأه من ذلك ركعتان؛ لأنه أقل ما يصدق عليه الاسم. وكذلك من نذر صومًا فصام يومًا أجزأه. وهو خلاف ما ذهب إليه مالك. فإنه قال: لا يجزئه إذا صامه بالأيام إلا ثلاثون يومًا؛ فإن صامه بالهلال فعلى ما يكون ذلك الشهر من رؤية هلاله.
(1) هذا الحديث لا يفيد إلزام المسلمين أن يبقوا أميِّين، بل يقرِّر واقعًا وُجد آنذاك.
والآيات والأحاديث الحاضَّةُ على العلم تدلُّ على طَلَب التَّغيير لذلك الوَاقع؛ كقوله تعالى: {اقرأ} وقوله صلى الله عليه وسلم: "طلب العلم فريضة".
(2)
هكذا في الأصول، ولعله: الخُرْس، جمع أخرس.
(3)
"خنسه": قبضه.
[953]
وعَن عَائِشَةَ قَالَت: لَمَّا مَضَت تِسعٌ وَعِشرُونَ لَيلَةً أَعُدُّهُنَّ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَت: بَدَأَ بِي فَقُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَقسَمتَ أَلَّا تَدخُلَ عَلَينَا شَهرًا وَإِنَّكَ دَخَلتَ مِن تِسعٍ وَعِشرِينَ أَعُدُّهُنَّ. قَالَ: إِنَّ الشَّهرَ تِسعٌ وَعِشرُونَ.
رواه أحمد (1/ 33 - 34)، والبخاري مختصرًا (89)، ومسلم (1475)(35)، والترمذي (3318)، والنسائي (4/ 137 - 138).
ــ
وفيه من الفقه: أن يوم الشك محكوم له بأنه من شعبان، وأنه لا يجوز صومه عن رمضان؛ لأنه علق صوم رمضان بالرؤية، ولَم فلا.
وقول عائشة: (لما مضت تسع وعشرون ليلة)؛ هذا الحديث هو جزء من حديث طويل يتضمن: أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم كثرن عليه، وطالبنه بتوسعة النفقة، واجتمعن في ذلك، وخضن فيه، فوجد عليهن، فأدبهن بأن أقسم ألا يدخل عليهن شهرًا، فاعتزلهن في غرفة تسعًا وعشرين، فدخل عليه عمر فكلمه في ذلك، وتلطف فيه، إلى أن زالت موجدته عليهن، وأنزل الله آية التخيير، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة ثلاثين، فبدأ بعائشة، فذكرته بمقتضى يمينه، وأنه أقسم على شهر ظانَّةً أن الشهر لا يكون أقل من ثلاثين، فبيَّن لها النبي صلى الله عليه وسلم أن الشهر يكون تسعًا وعشرين (1)، وظاهره: أنه اعتزلهن في أول ليلة من ذلك الشهر، وأن ذلك الشهر كان تسعًا وعشرين، ويشهد له قوله:(إن الشهر تسع وعشرون)؛ أي: هذا الشهر؛ لأنه هو المتكلم فيه. ويحتمل أن يكون اعتبر أول زمان اعتزاله بالأيام، وكمل تسعًا وعشرين بالعدد، واكتفى بأقل ما ينطلق عليه اسم الشهر. وعليه يخرج الخلاف فيمن نذر صوم شهر غير معين، فصامه بالعدد؛ فهل يصوم ثلاثين؟ أو
(1) انظر الحديث بطوله في صحيح مسلم (1479).