المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(1) باب ما يجتنبه المحرم من اللباس والطيب - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٣

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(9) كتاب الزكاة

- ‌(1) باب ما تجب فيه الزكاة، وكم مقدار ما يخرج

- ‌(2) باب ليس فيما اتُّخِذَ للقُنيَةً صدقة وتقديم الصدقة وتحمّلها عمن وجبت عليه

- ‌(3) باب الأمر بزكاة الفطر، وعمن تخرج، ومماذا تخرج، ومتى تخرج

- ‌(4) باب وجوب الزكاة في البقر والغنم، وإثم مانع الزكاة

- ‌(5) باب الحض على الصدقة والنفقة على العيال والأقربين

- ‌(6) باب فضل الصدقة على الزوج والولد اليتيم والأخوال

- ‌(7) باب الصدقة على الأم المشرِكة، وعن الأم الميتة

- ‌(8) باب الابتداء في الصدقة بالأهم فالأهم

- ‌(9) باب أعمال البر صدقات

- ‌(10) باب الدعاء للمنفق وعلى الممسك، والأمر بالمبادرة للصدقة قبل فَوتِها

- ‌(11) باب لا يقبل الله الصدقة إلا من الكسب الطيب

- ‌(12) باب الصدقة وقاية من النار

- ‌(13) باب حث الإمام الناس على الصدقة إذا عنت فاقة

- ‌(14) باب النهي عن لَمزِ المتصدِّق والترغيب في صدقة المِنحَة

- ‌(15) باب مثل المتصدق والبخيل، وقبول الصدقة تقع عند غير مستحق

- ‌(16) باب أجر الخازن الأمين والمرأة تتصدق من كسب زوجها والعبد من مال سيده

- ‌(17) باب أجر من أنفق شيئين في سبيل الله وعظم منزلة من اجتمعت فيه خصال من الخير

- ‌(18) باب من أحصى أُحصِي عليه والنهي عن احتقار قليل الصدقة وفضل إخفائها

- ‌(19) باب أي الصدقة أفضل وفضل اليد العليا والتعفف عن المسألة

- ‌(20) باب من أحق باسم المسكنة وكراهة المسألة للناس

- ‌(21) باب من تحل له المسألة

- ‌(22) باب إباحة الأخذ لمن أعطي من غير سؤال ولا استشراف

- ‌(23) باب كراهية الحرص على المال والعُمر

- ‌(24) باب الغنى غِنَى النفس وما يخاف من زهرة الدنيا وفضل التعفف والقناعة

- ‌(25) باب إعطاء السائل ولو أفحش في المسألة

- ‌(26) باب إعطاء المؤلفة قلوبهم

- ‌(27) باب يَجِبُ الرضا بما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما أعطى ويكفر من نَسبَ إليه جَورًا وذكر الخوارج

- ‌(28) باب لا تَحِلُّ الصدقة لمحمد ولا لآلِ محمد، ومن يستعمل على الصدقة

- ‌(29) ومن باب: الصدقة إذا بلغت محلها

- ‌(30) باب دعاء المصدق لِمن جاء بصدقته، والوصاة بالمصدق

- ‌(10) كتاب الصوم

- ‌(1) باب فضل شهر رمضان والصوم والفطر لرؤية الهلال

- ‌(2) باب لأهل كل بلد رؤيتهم عند التباعد وفي الهلال يرى كبيرا وشهران لا ينقصان والنهي عن أن يتقدم رمضان بصوم

- ‌(3) باب في قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيطُ الأَبيَضُ مِنَ الخَيطِ الأَسوَدِ} وقوله عليه الصلاة والسلام: إن بلالا ينادي بليل

- ‌(4) باب الحث على السحور، وتأخيره وتعجيل الإفطار

- ‌(5) باب إذا أقبل الليل وغابت الشمس أفطر الصائم

- ‌(6) باب النهي عن الوصال في الصوم

- ‌(7) بَابُ ما جاء فِي القُبلَة للصائم

- ‌(8) باب صوم من أدركه الفجر وهو جنب

- ‌(9) باب كفارة من أفطر متعمدا في رمضان

- ‌(10) باب جواز الصوم، والفطر في السفر والتخيير في ذلك

- ‌(11) باب من أجهده الصوم حتى خاف على نفسه وجب عليه الفطر

- ‌(12) باب الفطر أفضل لمن تأهب إلى لقاء العدو

- ‌(13) باب فضل صيام يوم عرفة وترك صيامه لمن كان بعرفة

- ‌(14) باب في صيام يوم عاشوراء وفضله

- ‌(15) باب النهي عن صيام يوم الفطر ويوم الأضحى وكراهية صوم أيام التشريق

- ‌(16) باب النهي عن اختصاص يوم الجمعة بصيام واختصاص ليلته بقيام

- ‌(17) باب نسخ الفدية، ومتى يقضى رمضان

- ‌(18) باب قضاء الصيام عن الميت

- ‌(19) باب فضل الصيام، والأمر بالتحفظ به من الجهل والرفث

- ‌(20) باب فيمن أصبح صائمًا متطوعا ثم يفطر وفيمن أكل ناسيا

- ‌(21) باب كيف كان صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم في التطوع

- ‌(22) باب كراهية سرد الصوم، وبيان أفضل الص

- ‌(23) باب فضل صوم ثلاثة أيام من كل شهر وسرر شعبان، وصوم المحرم وستة أيام من شوال

- ‌(11) أبواب الاعتكاف وليلة القدر

- ‌(1) باب لا اعتكاف إلا في مسجد وبصوم

- ‌(2) باب للمعتكف أن يختص بموضع من المسجد فيضرب خيمة ومتى يدخلها، واعتكاف النساء في المسجد وأن المعتكف لا يخرج من معتكفه إلا لحاجته الضرورية

- ‌(3) باب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان

- ‌(4) باب الأمر بالتماس ليلة القدر

- ‌(5) باب لَيلَةُ القَدرِ لَيلَةُ ثَلَاثُ وَعشرين

- ‌(6) باب ليلة القدر ليلة سبع وعشرين وما جاء في علاماتها

- ‌(12) كتاب الحج

- ‌(1) باب ما يجتنبه المحرم من اللباس والطيب

- ‌(2) باب المواقيت في الحج والعمرة

- ‌(3) باب الإحرام والتلبية

- ‌(4) باب بيان المحل الذي أهل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(5) باب تطيب المحرم قبل الإحرام

- ‌(6) باب ما جاء في الصيد، وفي لحمه للمحرم

- ‌(7) باب ما يقتل المحرم من الدواب

- ‌(8) باب الفدية للمحرم

- ‌(9) باب جواز مداواة المحرم بالحجامة وغيرها مما ليس فيه طيب

- ‌(10) باب غسل المحرم رأسه

- ‌(11) باب المحرم يموت، ما يفعل به؟ وهل للحاج أن يشترط

- ‌(12) باب يغتسل المحرم على كل حال ولو كان امرأة حائضا، وإرداف الحائض

- ‌(13) باب تفعل الحائض والنفساء جميع المناسك إلا الطواف بالبيت

- ‌(14) باب أنواع الإحرام ثلاثة

- ‌(15) باب ما جاء في فسخ الحج في العمرة وأن ذلك كان خاصا بهم

- ‌(16) باب يجزئ القارن بحجه وعمرته طواف واحد وسعي واحد

- ‌(17) باب في حجة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(18) باب في قوله تعالى: {أَفِيضُوا مِن حَيثُ أَفَاضَ النَّاسُ}

- ‌(19) باب الإهلال بما أهل به الإمام

- ‌(20) باب الاختلاف في أي أنواع الإحرام أفضل

- ‌(21) باب الهدي للمتمتع والقارن

- ‌(22) باب الاختلاف فيما به أحرم النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(23) باب الطواف عند القدوم

- ‌(24) باب إباحة العمرة في أشهر الحج

- ‌(25) باب تقليد الهدي وإشعاره عند الإحرام

- ‌(26) باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم وكم حج

- ‌(27) باب فضل العمرة في رمضان

- ‌(28) باب من أين دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة والمدينة، ومن أين خرج

- ‌(29) باب المبيت بذي طوى، والاغتسال قبل دخول مكة، وتعيين مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(30) باب الرمل في الطواف والسعي

- ‌(31) باب استلام الركنين اليمانيين وتقبيل الحجر الأسود

- ‌(32) باب الطواف على الراحلة لعذر، واستلام الركن بالمحجن

- ‌(33) باب في قوله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالمَروَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ

- ‌(34) باب متى يقطع الحاج التلبية

- ‌(35) باب ما يقال في الغدو من منى إلى عرفات

- ‌(36) باب الإفاضة من عرفة والصلاة بمزدلفة

- ‌(37) باب التغليس بصلاة الصبح بالمزدلفة والإفاضة منها، وتقديم الظغن والضعفة

- ‌(38) باب رمي جمرة العقبة

- ‌(39) باب في الحلاق والتقصير

- ‌(40) باب من حلق قبل النحر ونحر قبل الرمي

- ‌(41) باب طواف الإفاضة يوم النحر ونزول المحصب يوم النفر

- ‌(42) باب الرخصة في ترك البيتوتة بمنى لأهل السقاية

- ‌(43) باب التصدق بلحوم الهدايا وجلودها وأجلتها والاشتراك فيها

- ‌(44) باب من بعث بهدي لا يلزمه أن يجتنب ما يجتنبه المحرم، وفي ركوب الهدي

- ‌(45) باب ما عطب من هدي التطوع قبل محله

- ‌(46) باب ما جاء في طواف الوداع

- ‌(47) باب ما جاء في دخول النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة وفي صلاته فيها

- ‌(48) باب في نَقضِ الكَعبَةِ وَبِنَائِهَا

- ‌(49) باب الحج عن المعضوب والصبي

- ‌(50) باب فرض الحج مرة في العمر

- ‌(51) باب ما جاء أن المحرم من الاستطاعة

- ‌(52) باب ما يقال عند الخروج إلى السفر وعند الرجوع

- ‌(53) باب التعريس بذي الحليفة إذا صدر من الحج أو العمرة

- ‌(54) باب في فضل يوم عرفة ويوم الحج الأكبر

- ‌(55) باب ثواب الحجِّ والعمرة

- ‌(56) باب تَمَلُّك دُور مكة ورِباعها وكم كان مكث المهاجر بها

- ‌(57) باب تحريم مكة وصيدها وشجرها ولقطتها

- ‌(58) باب تحريم المدينة وصيدها وشجرها والدعاء لها

- ‌(59) باب الترغيب في سكنى المدينة والصبر على لأوائها

- ‌(60) باب المدينة لا يدخلها الطاعون ولا الدَّجال، وتنفي الأشرار

- ‌(61) باب إثم من أراد أهل المدينة بسوء والترغيب فيها عند فتح الأمصار

- ‌(62) باب فضل المنبر والقبر وما بينهما، وفضل أحد

- ‌(63) باب فضل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسجد الحرام، وما تشد الرحال إليه، والمسجد الذي أسس على التقوى، وإتيان قباء

- ‌(13) كتاب الجهاد والسير

- ‌(1) باب في التأمير على الجيوش والسرايا ووصيتهم، والدعوة قبل القتال

- ‌(2) باب النهي عن الغدر، وما جاء أن الحرب خدعة

- ‌(3) باب النهي عن تمنِّي لقاء العدو والصبر عند اللقاء والدعاء بالنصر

- ‌(4) باب النهي عن قتل النساء والصبيان وجواز ما يصاب منهم إذا بيتوا وقطع نخيلهم وتحريقها

- ‌(5) باب تخصيص هذه الأمة بتحليل الغنائم

- ‌(6) باب في قوله تعالى: {يَسأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ}

- ‌(7) باب للإمام أن يخص (ل اتل بالسَّلب

- ‌(8) باب لا يستحق القاتل السَّلب بنفس القتل

- ‌(9) باب في التنفيل بالأسارى، وفداء المسلمين بهم

- ‌(10) باب ما يخمس من الغنيمة وما لا يخمس وكم يسهم للفرس والرجل

- ‌(11) باب بيان ما يصرف فيه الفيء والخمس

- ‌(12) باب تصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم بما وصل إليه من الفيء ومن سهمه

- ‌(13) باب الإمام مُخيَّر في الأسارى وذكر وقعة يوم بدر، وتحليل الغنيمة

- ‌(14) باب في المن على الأسارى

- ‌(15) باب إجلاء اليهود والنصارى من المدينة ومن جزيرة العرب

- ‌(16) باب إذا نزل العدو على حكم الإمام فله أن يرد الحكم إلى غيره ممن له أهلية ذلك

- ‌(17) باب أخذ الطعام والعلوفة من غير تخميس

- ‌(18) باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام

- ‌(19) باب كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك يدعوهم

- ‌(20) باب في غزاة حنين وما تضمنته من الأحكام

- ‌(21) باب في محاصرة العدو، وجواز ضرب الأسير وطرف من غزوة الطائف

- ‌(22) باب ما جاء أن فتح مكة عنوة وقوله عليه الصلاة والسلام: لَا يَقتِلُ قُرَشِيٌّ صَبرًّا بَعدَ اليَومِ

- ‌(23) باب صلح الحديبية وقوله تعالى: {إِنَّا فَتَحنَا لَكَ فَتحًا مُبِينًا}

- ‌(24) باب في التحصين بالقلع والخنادق عند الضعف عن مقاومة العدو وطرف من غزوة الأحزاب

- ‌(25) باب في اقتحام الواحد على جمع العدو، وذكر غزوة أحد وما أصاب فيها النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(26) باب فيما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى قريش

- ‌(27) باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله وصبره على الجفاء والأذى

- ‌(28) باب جواز إعمال الحيلة في قتل الكفار وذكر قتل كعب بن الأشرف

- ‌(29) باب في غزوة خيبر وما اشتملت عليه من الأحكام

- ‌(30) باب في غزوة ذي قرد وما تضمنته من الأحكام

- ‌(31) باب خروج النساء في الغزو

- ‌(32) باب لا يسهم للنساء في الغنيمة بل يحذين منه

- ‌(33) باب عدد غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(34) باب في غزوة ذات الرِّقاع

- ‌(35) باب ترك الاستعانة بالمشركين

- ‌(36) باب السن الذي يجاز في القتال

- ‌(37) باب النهي عن أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو

- ‌(38) باب في المسابقة بالخيل، وأنها معقود في نواصيها الخير، وما يكره منها

- ‌(39) باب الترغيب في الجهاد وفضله

- ‌(40) باب فضل القتل في سبيل الله تعالى

- ‌(41) باب في قوله تعالى: {أَجَعَلتُم سِقَايَةَ الحَاجِّ وَعِمَارَةَ المَسجِدِ الحَرَامِ} الآية

- ‌(42) باب في رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة، وفيمن قتل كافرًا

- ‌(43) باب فضل الحمل في سبيل الله والجهاد ومن دل على خير

- ‌(44) باب في البعوث ونيابة الخارج عن القاعد وفيمن خلف غازيا في أهله بخير أو بشر

- ‌(45) باب في قوله تعالى: {لا يَستَوِي القَاعِدُونَ} الآية

- ‌(46) باب بعث العيون في الغزو وما جاء: أن الجنة تحت ظلال السيوف

- ‌(47) باب في قوله تعالى: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيهِ}

- ‌(48) باب الإخلاص وحسن النية في الجهاد

- ‌(49) باب إثم من لم يُخلص في الجهاد وأعمال البر

- ‌(50) باب الغنيمة نقصان من الأجر وفيمن مات ولم ينو الغزو وفيمن تمنى الشهادة

- ‌(51) باب الغزو في البحر

- ‌(52) باب في فضل الرِّباط، وكم الشهداء

- ‌(53) باب في قَولِهِ تَعَالَى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَا استَطَعتُم}

- ‌(54) باب في قوله عليه الصلاة والسلام: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين)

- ‌(55) باب من آداب السفر

الفصل: ‌(1) باب ما يجتنبه المحرم من اللباس والطيب

(12) كتاب الحج

(1) باب ما يجتنبه المحرم من اللباس والطيب

[1047]

عَن ابنِ عُمَرَ أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا يَلبَسُ المُحرِمُ مِن الثِّيَابِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تَلبَسُوا القُمُصَ وَلَا العَمَائِمَ

ــ

(12)

كتاب الحج

قد تقدَّم الكلام على الحج من حيث اللغة والعُرف في أول كتاب الإيمان، واختلف في زمان فرض الحج؛ فقيل: سنة خمس من الهجرة. وقيل: سنة تسع، وهو الصحيح؛ لأن فتح مكة كان في التاسع عشر من رمضان سنة ثماني سنين من الهجرة، وحجُّ بالناس في تلك السنة عتَّاب بن أسيد، ووقف بالمسلمين، ووقف المشركون على ما كانوا يفعلون في الجاهلية، فلما كانت سنة تسع فرض الحج، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر فحجَّ بالناس تلك السنة، ثم أتبعه علي بن أبي طالب بسورة براءة، فقرأها على الناس في الموسم، ونبذ للناس عهدهم، ونادى في الناس: ألَاّ يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عُريان. ووافقت حجة أبي بكر في تلك السنة أن كانت في شهر ذي القعدة؛ على ما كانوا يديرون الحج في كل شهر من شهور السنة، فلما كانت سنة عشر حجَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم حجَّته المسماة: بحجة الوداع، على ما يأتي في حديث جابر وغيره. ووافق النبي صلى الله عليه وسلم تلك السنة أن وقع الحج في ذي الحجة، في زمانه ووقته الأصلي الذي فرضه الله

ص: 255

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

فيه، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:(إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض)(1)، وسيأتي لهذا مزيد بيان.

وأجمع المسلمون على وجوب الحج في الجملة، وأنه مرَّة في العمر. ولوجوبه شروط؛ وهي: العقل، والبلوغ، والاستطاعة، على ما يأتي تفصيلها. وهذه الشروط هي المتفق عليها، فأما الإسلام فقد اختلف العلماء فيه: هل هو من شروط الوجوب؟ أو من شروط الأداء؟ وأما الحرية: فالجمهور على اشتراطها في الوجوب، وفيها خلاف.

واختلف أصحابُ مالك، والشافعي في وجوب الحج: هل هو على الفور، أو على التراخي، فذهب العراقيون من أصحابنا: إلى أنه على الفور. وهو قول المزني، وأبي يوسف. وذهب أكثر المغاربة، وبعض العراقيين: إلى أنه على التراخي. وهو قول محمد بن الحسن. وكلهم اتفقوا: على أنه يجوز تأخيره السنة والسنتين.

وسبب الخلاف اختلافهم في مطلق الأمر؛ هل يقتضي الفور، أو لا يقتضيه؟ وهذا الأصل تنكشف حقيقته في علم الأصول. وأيضًا: فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخَّر الحج سنة بعد إيجابه؛ كما قدمنا.

(1)

ومن باب: ما يجتنبه المحرم من اللباس

قوله وقد سُئل عما يَلبسه المُحرِم من الثياب -: (لا تلبسوا القمص. . .) الحديث؛ إنما أجاب صلى الله عليه وسلم بما لا يُلبَس، وإن كان قد سُئل عما يَلبس؛ لأن لا يَلبَس المُحرِم منحصر، وما يَلبَسه غير منحصر، فعدل إلى المنحصر فأجابه به، وقد أجمع المسلمون على أن ما ذكره في هذا الحديث لا يلبسه المحرم مع الرفاهية والإمكان، وقد نبَّه صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بالقميص والسراويل: على كل مخيط، وبالعمائم والبَرَانِس: على كل ما يغطي الرأس؛ مخيطًا كان أو غيره، وبالخفاف:

(1) رواه أحمد (5/ 37)، والبخاري (105)، ومسلم (1679).

ص: 256

وَلَا السَّرَاوِيلَاتِ وَلَا البَرَانِسَ، وَلَا الخِفَافَ، إِلَّا أَحَدٌ لَا يَجِدُ النَّعلَينِ فَليَلبَس خُفَّينِ، وَليَقطَعهُمَا أَسفَلَ مِن الكَعبَينِ، وَلَا تَلبَسُوا مِن الثِّيَابِ شَيئًا مَسَّهُ الزَّعفَرَانُ، وَلَا الوَرسُ.

رواه أحمد (2/ 3 و 47)، والبخاري (133)، ومسلم (1177)(1)، وأبو داود (1737)، والترمذي (831)، والنسائي (5/ 22)، وابن ماجه (2914).

ــ

على كل ما يستر الرِّجل مما يلبس عليها، وإنَّ لباس هذه الأمور جائز في غير الإحرام.

وقوله: (إلا أحدٌ لا يجد النعلين فليلبس الخُفّين، وليقطعهما أسفل من الكعبين)؛ هذا الحديث ردٌّ على من قال: إن المحرم لا يقطع الخفين لأنه إضاعة مال، وهذا مِن هذا القائل حكم بالعموم على الخصوص، وهو عكس ما يجب؛ إذ هو: إعمال المرجوح وإسقاط الرَّاجح، وهو فاسد بالإجماع، ثم من قال بإباحة قطع الخُفّ، فإذا لبسه فهل تلزمه فدية، أم لا تلزمه؟ قولان:

الأول: لأبي حنيفة. والثاني: لمالك، وهو الأولى؛ لأنه لو لزمته لبيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم للسَّائل حين سأله؛ إذ ذاك محل البيان ووقته، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة بالإجماع، وأيضًا فحينئذ يكون قطع الخُفّ لا معنى له؛ إذ الفدية ملازمة بلباسه غير مقطوع، فأما لو لبس الخُفّين المقطوعين مع وجود النعل للزمه الفدية بلبسهما، فإنه إنما أباح الشارع له لباسهما مقطوعين بشرط عدم النعلين، فلِبسُهُما كذلك غير جائز، هذا قول مالك، واختلف فيه قول الشافعي.

وقوله: (ولا تلبسوا من الثياب شيئًا مسَّه الزعفران ولا الورس)؛ هذا مما أجمعت الأمَّة عليه؛ لأن الزَّعفَران والوَرس من الطيب، واستعمالهما ينافي بذاذة الحاجِّ، وشعثه المطلوب منه، وأيضًا فإنهما من مقدمات الوطء ومهيجاته، والمحرم ممنوع من الوطء ومقدماته، ويستوي في المنع منهما: الرِّجال والنِّساء،

ص: 257

[1048]

وَعَن ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَخطُبُ يَقُولُ: السَّرَاوِيلُ لِمَن لَا يَجِد الإِزَارَ، وَالخُفَّانِ لِمَن لا يَجِد النَّعلَينِ يَعنِي: المُحرِمَ.

رواه مسلم (1178)(4)، وأبو داود (1829)، والنسائي (5/ 132 - 133).

[1049]

وَعَن يَعلَى بن أمية، وقال لِعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ: لَيتَنِي أَرَى

ــ

وعلى لابس ذلك الفدية عند مالك، وأبي حنيفة، ولم يرها الثوري، ولا الشافعي، وإسحاق، وأحمد إذا لبس ذلك ناسيًا، فأما المعصفر فرآه الثوري وأبو حنيفة طيبًا كالمزعفر، ولم يره مالك، ولا الشافعي طيبًا، وكره مالك المقدَّم منه، واختلف عنه: هل على لابسه فدية، أم لا؟ وأجاز مالك سائر الثياب المصبَّغة بغير هذه المذكورات، وكرهها بعضهم لمن يُقتدى به.

وقوله: (السراويل لمن لم يجد الإزار، والخفان لمن لم يجد النعلين)، قال بظاهره أحمد بن حنبل، فأباح لباس الخُفّ والسَّراويل لمن لم (1) يجد النعلين والإزار غير مقطوعين، والجمهور على أنه لا يلبسهما حتى يقطع الخُفّ، ويفتق السِّراويل، ويصيره كالإزار، فأما لو لبسها كذلك للزمته الفدية، ودليل صحة هذا التأويل: قوله فيما تقدم في الخُفّ: (وليقطعهما أسفل من الكعبين)، والأصل المقرر: حمل المطلق على المقيد، ولا سيما إذا اتحدت القضية، وحكم السراويل في الفتق ملحق بالخُفّ في القطع؛ لمساقهما مقترنين في الحديث، ولاستوائهما في الشرط، ولشهادة المعنى لذلك، وقد تقدم في كتاب الصلاة: أن الورس: نبات أصفر يصبغ به.

(1) في (ظ): لا.

ص: 258

نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ يُنزَلُ عَلَيهِ، فَلَمَّا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالجِعرَانَةِ وَعَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثَوبٌ قَد أُظِلَّ بِهِ عَلَيهِ، مَعَهُ فيه نَاسٌ مِن أَصحَابِهِ، فِيهِم عُمَرُ إِذ جَاءَهُ رَجُلٌ عَلَيهِ جُبَّةُ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! كَيفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحرَمَ بِعُمرَةٍ فِي جُبَّةٍ بَعدَ مَا تَضَمَّخَ بِطِيبٍ؟ فَنَظَرَ إِلَيهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَاعَةً ثُمَّ سَكَتَ، فَجَاءَهُ الوَحيُ. فَأَشَارَ عُمَرُ بِيَدِهِ إِلَى يَعلَى بنِ أُمَيَّةَ: تَعَالَ فَجَاءَ يَعلَى فَأَدخَلَ رَأسَهُ فَإِذَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُحمَرُّ الوَجهِ يَغِطُّ سَاعَةً، ثُمَّ سُرِّيَ عَنهُ، فَقَالَ: أَينَ الَّذِي يسَأَلَنِي عَن العُمرَةِ آنِفًا؟ فَالتُمِسَ الرَّجُلُ فَجِيءَ بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَمَّا الطِّيبُ الَّذِي بِكَ

ــ

و(الجعرانة): ميقات من مواقيت العمرة، وفيه لغتان: التشديد في الراء، والكسر في العين، والتخفيف في الراء والإسكان في العين.

و(المتضمخ): المتدهن بالطيب. و (الخلوق): بفتح الخاء: أخلاط من الطيب تجمع بالزعفران. و (الغَطُّ والغَطِيط): هو صوت النفس المتردد الذي يخرج من النائم، وهو البُهرُ الذي كان يغشاه عند معاينة المَلَك، وكانت تلك الحالة أشدُّ الوحي عليه. و (سُرِّيَ عنه): كُشِف عنه. و (آنفًا)؛ أي: الساعة. و (يلتمس): يطلب.

وقوله: (أما الطيب فاغسله)؛ دليل على منع المُحرِم من استعمال الطيب في جسده، ووجه هذا المنع أن الطيب داعية من دواعي النكاح - على ما قدمناه -، ولا خلاف في منعه من الطيب بعد تلبسه بالإحرام، واختلف في استعماله قبل الإحرام، واستدامته بعد الإحرام: فمنعه مالك تمسّكًا بهذا الحديث، وأجاز ذلك الشافعي تمسكًا بحديث عائشة؛ قالت: كنت أطيِّب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم (1). وفي أخرى: كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم (2)، واعتذر عن الحديث الأول بأن قال: إنما أمره بغسل ما عليه منه

(1) رواه أحمد (6/ 39 و 181)، والبخاري (1754)، ومسلم (1189).

(2)

رواه أحمد (6/ 109)، ومسلم (1190/ 41)، وابن ماجه (2927).

ص: 259

فَاغسِلهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَأَمَّا الجُبَّةُ فَانزِعهَا، ثُمَّ اصنَع فِي عُمرَتِكَ مَا تَصنَعُ فِي حَجِّكَ. وقد رواه من طرق، ولم يذكر في شيء منها ثلاث مرات.

ــ

لأن ذلك الطيب كان زعفرانًا، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرَّجل عن المَّزَعُفُر، وإن لم يكن مُحرِمًا. وهذا التأويل يأباه مساق الحديث، فتأمله. وقد تأول أصحابنا حديث عائشة تأويلات؛ أقربها تأويلان:

أحدهما: أن ذلك الوبيص الذي أبصرته عائشة إنما كان بقايا دهن ذلك الطيب، تعذَّر قلعها، فبقيت بعد أن غُسِلت.

وثانيهما: قاله أبو الفرج من أصحابنا: إن ذلك من خواصه صلى الله عليه وسلم؛ لأن المحرم إنما مُنِع من الطيب لئلا يدعوه إلى الجماع، والنبي صلى الله عليه وسلم أملك الناس لإِربِه؛ كما قالت عائشة رضي الله عنها، وقد ظهرت خصائصه في باب النكاح كثيرًا.

وقوله: (فاغسله ثلاث مرات)؛ دليل على المبالغة في غسله، حتى يذهب ريحه، وأثره، لا أن ثلاثًا حدٌّ في هذا الباب. ويحتمل: أن ثلاثًا راجع إلى تكرار قوله: (فاغسله)، فكأنه قال: اغسله، اغسله، اغسله. يدل على صحته ما قد روي من عادته صلى الله عليه وسلم في كلامه، فإنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا.

وقوله: (وأما الجبة فانزعها)؛ ردٌّ على الشعبي، والنخعي حيث قالا: إن ذلك الثوب يُشق؛ لأنه إذا خلعه من رأسه غطى رأسه، والمحرم ممنوع من تغطية رأسه. وهذا ليس بشيء؛ لأنا لا نسلم أن هذه التغطية منهي عنها؛ لأنه لا ينفك عن المنهي إلا بها، فصار هذا الخَلع مأمورًا به، فلا يكون هو الذي نُهي عنه المحرم. ويجري هذا مجرى من حَلَفَ ألا يلبس ثوبًا هو لابسه، ولا يركب دابَّة هو راكب ا. وأيضًا: فإن هذه التغطية لا ينتفع بها، فلا تكون هي المنهي عنها للمحرم، فإنه إنما نهي عن تغطية ينتفع بها على ما يأتي إن شاء الله تعالى.

وقوله: (ثم اصنع في عمرتك ما تصنع في حجك)؛ هذا اللفظ جاء في أكثر

ص: 260

وَفِي رِوَايَةٍ: فَقَالَ السائل: إِنِّي أَحرَمتُ بِالعُمرَةِ وَعَلَيَّ هَذَا، وَأَنَا مُتَضَمِّخٌ بِالخَلُوقِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَا كُنتَ صَانِعًا فِي حَجِّكَ؟ فقَالَ: أَنزِعُ عَنِّي هَذه الثِّيَابَ، وَأَغسِلُ عَنِّي هَذَا الخَلُوقَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَا كُنتَ صَانِعًا فِي حَجِّكَ فَاصنَعهُ فِي عُمرَتِكَ.

رواه أحمد (4/ 222)، والبخاري (1536)، ومسلم (1180)، وأبو داود (1819)، والترمذي (836)، والنسائي (5/ 130 و 132).

* * *

ــ

الروايات غير مبين المراد، ناقصًا، مقلوبًا. وقد تَخَبَّط فيه كثير ممن تأوَّله على انفراده. والذي يوضح المراد منه على غايته رواية ابن أبي عمر في الأم؛ وفيها: أن الرجل السَّائل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إني أحرمت بالعمرة وعليّ هذا، وأنا مُتَضَمِّخ بالخلوق. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:(ما كنت صانعًا في حجك؟ ) قال: أنزع عني هذه الثياب، وأغسل عني هذا الخلوق. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:(ما كنت صانعًا في حجك، فاصنعه في عمرتك)(1). وهذا سياق حسن. ومعنى واضح، تلخيصه: أن الرجل كان يعرف: أن المحرم بالحج يجتنب المخيط، والطيب. وظن: أن حكم المحرم بالعمرة ليس كذلك، فلبس، وتطيب، ثم أحرم وهو كذلك، ثم وقع في نفسه من ذلك شيء، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك؛ فقال له:(ما كنت صانعًا في حجك فاصنعه في عمرتك)؛ يعني: من اجتناب ما كنت تَجتَنِبُه فيه. وهذا معنى واضح، ومساق حسن للحديث، فَليُغتَبَط به. وقد يستدل به للشافعي على قوله: إنه لا فدية على المتضمخ المحرم، ولا على اللابس؛ إذ لم يرو في طريقٍ من طرق هذا الحديث: أنه صلى الله عليه وسلم أمره بفدية. وقد اعتذر من يُلزِمه الفدية على ذلك عن هذا الحديث، وهو أبو حنيفة، فإنه يُلزمها إياه مطلقًا. ومالك، وهو يلزمها إياه إذا انتفع بذلك،

(1) الحديث في صحيح مسلم (1180)(7).

ص: 261