المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(23) باب صلح الحديبية وقوله تعالى: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا} - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٣

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(9) كتاب الزكاة

- ‌(1) باب ما تجب فيه الزكاة، وكم مقدار ما يخرج

- ‌(2) باب ليس فيما اتُّخِذَ للقُنيَةً صدقة وتقديم الصدقة وتحمّلها عمن وجبت عليه

- ‌(3) باب الأمر بزكاة الفطر، وعمن تخرج، ومماذا تخرج، ومتى تخرج

- ‌(4) باب وجوب الزكاة في البقر والغنم، وإثم مانع الزكاة

- ‌(5) باب الحض على الصدقة والنفقة على العيال والأقربين

- ‌(6) باب فضل الصدقة على الزوج والولد اليتيم والأخوال

- ‌(7) باب الصدقة على الأم المشرِكة، وعن الأم الميتة

- ‌(8) باب الابتداء في الصدقة بالأهم فالأهم

- ‌(9) باب أعمال البر صدقات

- ‌(10) باب الدعاء للمنفق وعلى الممسك، والأمر بالمبادرة للصدقة قبل فَوتِها

- ‌(11) باب لا يقبل الله الصدقة إلا من الكسب الطيب

- ‌(12) باب الصدقة وقاية من النار

- ‌(13) باب حث الإمام الناس على الصدقة إذا عنت فاقة

- ‌(14) باب النهي عن لَمزِ المتصدِّق والترغيب في صدقة المِنحَة

- ‌(15) باب مثل المتصدق والبخيل، وقبول الصدقة تقع عند غير مستحق

- ‌(16) باب أجر الخازن الأمين والمرأة تتصدق من كسب زوجها والعبد من مال سيده

- ‌(17) باب أجر من أنفق شيئين في سبيل الله وعظم منزلة من اجتمعت فيه خصال من الخير

- ‌(18) باب من أحصى أُحصِي عليه والنهي عن احتقار قليل الصدقة وفضل إخفائها

- ‌(19) باب أي الصدقة أفضل وفضل اليد العليا والتعفف عن المسألة

- ‌(20) باب من أحق باسم المسكنة وكراهة المسألة للناس

- ‌(21) باب من تحل له المسألة

- ‌(22) باب إباحة الأخذ لمن أعطي من غير سؤال ولا استشراف

- ‌(23) باب كراهية الحرص على المال والعُمر

- ‌(24) باب الغنى غِنَى النفس وما يخاف من زهرة الدنيا وفضل التعفف والقناعة

- ‌(25) باب إعطاء السائل ولو أفحش في المسألة

- ‌(26) باب إعطاء المؤلفة قلوبهم

- ‌(27) باب يَجِبُ الرضا بما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما أعطى ويكفر من نَسبَ إليه جَورًا وذكر الخوارج

- ‌(28) باب لا تَحِلُّ الصدقة لمحمد ولا لآلِ محمد، ومن يستعمل على الصدقة

- ‌(29) ومن باب: الصدقة إذا بلغت محلها

- ‌(30) باب دعاء المصدق لِمن جاء بصدقته، والوصاة بالمصدق

- ‌(10) كتاب الصوم

- ‌(1) باب فضل شهر رمضان والصوم والفطر لرؤية الهلال

- ‌(2) باب لأهل كل بلد رؤيتهم عند التباعد وفي الهلال يرى كبيرا وشهران لا ينقصان والنهي عن أن يتقدم رمضان بصوم

- ‌(3) باب في قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيطُ الأَبيَضُ مِنَ الخَيطِ الأَسوَدِ} وقوله عليه الصلاة والسلام: إن بلالا ينادي بليل

- ‌(4) باب الحث على السحور، وتأخيره وتعجيل الإفطار

- ‌(5) باب إذا أقبل الليل وغابت الشمس أفطر الصائم

- ‌(6) باب النهي عن الوصال في الصوم

- ‌(7) بَابُ ما جاء فِي القُبلَة للصائم

- ‌(8) باب صوم من أدركه الفجر وهو جنب

- ‌(9) باب كفارة من أفطر متعمدا في رمضان

- ‌(10) باب جواز الصوم، والفطر في السفر والتخيير في ذلك

- ‌(11) باب من أجهده الصوم حتى خاف على نفسه وجب عليه الفطر

- ‌(12) باب الفطر أفضل لمن تأهب إلى لقاء العدو

- ‌(13) باب فضل صيام يوم عرفة وترك صيامه لمن كان بعرفة

- ‌(14) باب في صيام يوم عاشوراء وفضله

- ‌(15) باب النهي عن صيام يوم الفطر ويوم الأضحى وكراهية صوم أيام التشريق

- ‌(16) باب النهي عن اختصاص يوم الجمعة بصيام واختصاص ليلته بقيام

- ‌(17) باب نسخ الفدية، ومتى يقضى رمضان

- ‌(18) باب قضاء الصيام عن الميت

- ‌(19) باب فضل الصيام، والأمر بالتحفظ به من الجهل والرفث

- ‌(20) باب فيمن أصبح صائمًا متطوعا ثم يفطر وفيمن أكل ناسيا

- ‌(21) باب كيف كان صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم في التطوع

- ‌(22) باب كراهية سرد الصوم، وبيان أفضل الص

- ‌(23) باب فضل صوم ثلاثة أيام من كل شهر وسرر شعبان، وصوم المحرم وستة أيام من شوال

- ‌(11) أبواب الاعتكاف وليلة القدر

- ‌(1) باب لا اعتكاف إلا في مسجد وبصوم

- ‌(2) باب للمعتكف أن يختص بموضع من المسجد فيضرب خيمة ومتى يدخلها، واعتكاف النساء في المسجد وأن المعتكف لا يخرج من معتكفه إلا لحاجته الضرورية

- ‌(3) باب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان

- ‌(4) باب الأمر بالتماس ليلة القدر

- ‌(5) باب لَيلَةُ القَدرِ لَيلَةُ ثَلَاثُ وَعشرين

- ‌(6) باب ليلة القدر ليلة سبع وعشرين وما جاء في علاماتها

- ‌(12) كتاب الحج

- ‌(1) باب ما يجتنبه المحرم من اللباس والطيب

- ‌(2) باب المواقيت في الحج والعمرة

- ‌(3) باب الإحرام والتلبية

- ‌(4) باب بيان المحل الذي أهل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(5) باب تطيب المحرم قبل الإحرام

- ‌(6) باب ما جاء في الصيد، وفي لحمه للمحرم

- ‌(7) باب ما يقتل المحرم من الدواب

- ‌(8) باب الفدية للمحرم

- ‌(9) باب جواز مداواة المحرم بالحجامة وغيرها مما ليس فيه طيب

- ‌(10) باب غسل المحرم رأسه

- ‌(11) باب المحرم يموت، ما يفعل به؟ وهل للحاج أن يشترط

- ‌(12) باب يغتسل المحرم على كل حال ولو كان امرأة حائضا، وإرداف الحائض

- ‌(13) باب تفعل الحائض والنفساء جميع المناسك إلا الطواف بالبيت

- ‌(14) باب أنواع الإحرام ثلاثة

- ‌(15) باب ما جاء في فسخ الحج في العمرة وأن ذلك كان خاصا بهم

- ‌(16) باب يجزئ القارن بحجه وعمرته طواف واحد وسعي واحد

- ‌(17) باب في حجة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(18) باب في قوله تعالى: {أَفِيضُوا مِن حَيثُ أَفَاضَ النَّاسُ}

- ‌(19) باب الإهلال بما أهل به الإمام

- ‌(20) باب الاختلاف في أي أنواع الإحرام أفضل

- ‌(21) باب الهدي للمتمتع والقارن

- ‌(22) باب الاختلاف فيما به أحرم النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(23) باب الطواف عند القدوم

- ‌(24) باب إباحة العمرة في أشهر الحج

- ‌(25) باب تقليد الهدي وإشعاره عند الإحرام

- ‌(26) باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم وكم حج

- ‌(27) باب فضل العمرة في رمضان

- ‌(28) باب من أين دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة والمدينة، ومن أين خرج

- ‌(29) باب المبيت بذي طوى، والاغتسال قبل دخول مكة، وتعيين مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(30) باب الرمل في الطواف والسعي

- ‌(31) باب استلام الركنين اليمانيين وتقبيل الحجر الأسود

- ‌(32) باب الطواف على الراحلة لعذر، واستلام الركن بالمحجن

- ‌(33) باب في قوله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالمَروَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ

- ‌(34) باب متى يقطع الحاج التلبية

- ‌(35) باب ما يقال في الغدو من منى إلى عرفات

- ‌(36) باب الإفاضة من عرفة والصلاة بمزدلفة

- ‌(37) باب التغليس بصلاة الصبح بالمزدلفة والإفاضة منها، وتقديم الظغن والضعفة

- ‌(38) باب رمي جمرة العقبة

- ‌(39) باب في الحلاق والتقصير

- ‌(40) باب من حلق قبل النحر ونحر قبل الرمي

- ‌(41) باب طواف الإفاضة يوم النحر ونزول المحصب يوم النفر

- ‌(42) باب الرخصة في ترك البيتوتة بمنى لأهل السقاية

- ‌(43) باب التصدق بلحوم الهدايا وجلودها وأجلتها والاشتراك فيها

- ‌(44) باب من بعث بهدي لا يلزمه أن يجتنب ما يجتنبه المحرم، وفي ركوب الهدي

- ‌(45) باب ما عطب من هدي التطوع قبل محله

- ‌(46) باب ما جاء في طواف الوداع

- ‌(47) باب ما جاء في دخول النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة وفي صلاته فيها

- ‌(48) باب في نَقضِ الكَعبَةِ وَبِنَائِهَا

- ‌(49) باب الحج عن المعضوب والصبي

- ‌(50) باب فرض الحج مرة في العمر

- ‌(51) باب ما جاء أن المحرم من الاستطاعة

- ‌(52) باب ما يقال عند الخروج إلى السفر وعند الرجوع

- ‌(53) باب التعريس بذي الحليفة إذا صدر من الحج أو العمرة

- ‌(54) باب في فضل يوم عرفة ويوم الحج الأكبر

- ‌(55) باب ثواب الحجِّ والعمرة

- ‌(56) باب تَمَلُّك دُور مكة ورِباعها وكم كان مكث المهاجر بها

- ‌(57) باب تحريم مكة وصيدها وشجرها ولقطتها

- ‌(58) باب تحريم المدينة وصيدها وشجرها والدعاء لها

- ‌(59) باب الترغيب في سكنى المدينة والصبر على لأوائها

- ‌(60) باب المدينة لا يدخلها الطاعون ولا الدَّجال، وتنفي الأشرار

- ‌(61) باب إثم من أراد أهل المدينة بسوء والترغيب فيها عند فتح الأمصار

- ‌(62) باب فضل المنبر والقبر وما بينهما، وفضل أحد

- ‌(63) باب فضل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسجد الحرام، وما تشد الرحال إليه، والمسجد الذي أسس على التقوى، وإتيان قباء

- ‌(13) كتاب الجهاد والسير

- ‌(1) باب في التأمير على الجيوش والسرايا ووصيتهم، والدعوة قبل القتال

- ‌(2) باب النهي عن الغدر، وما جاء أن الحرب خدعة

- ‌(3) باب النهي عن تمنِّي لقاء العدو والصبر عند اللقاء والدعاء بالنصر

- ‌(4) باب النهي عن قتل النساء والصبيان وجواز ما يصاب منهم إذا بيتوا وقطع نخيلهم وتحريقها

- ‌(5) باب تخصيص هذه الأمة بتحليل الغنائم

- ‌(6) باب في قوله تعالى: {يَسأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ}

- ‌(7) باب للإمام أن يخص (ل اتل بالسَّلب

- ‌(8) باب لا يستحق القاتل السَّلب بنفس القتل

- ‌(9) باب في التنفيل بالأسارى، وفداء المسلمين بهم

- ‌(10) باب ما يخمس من الغنيمة وما لا يخمس وكم يسهم للفرس والرجل

- ‌(11) باب بيان ما يصرف فيه الفيء والخمس

- ‌(12) باب تصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم بما وصل إليه من الفيء ومن سهمه

- ‌(13) باب الإمام مُخيَّر في الأسارى وذكر وقعة يوم بدر، وتحليل الغنيمة

- ‌(14) باب في المن على الأسارى

- ‌(15) باب إجلاء اليهود والنصارى من المدينة ومن جزيرة العرب

- ‌(16) باب إذا نزل العدو على حكم الإمام فله أن يرد الحكم إلى غيره ممن له أهلية ذلك

- ‌(17) باب أخذ الطعام والعلوفة من غير تخميس

- ‌(18) باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام

- ‌(19) باب كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك يدعوهم

- ‌(20) باب في غزاة حنين وما تضمنته من الأحكام

- ‌(21) باب في محاصرة العدو، وجواز ضرب الأسير وطرف من غزوة الطائف

- ‌(22) باب ما جاء أن فتح مكة عنوة وقوله عليه الصلاة والسلام: لَا يَقتِلُ قُرَشِيٌّ صَبرًّا بَعدَ اليَومِ

- ‌(23) باب صلح الحديبية وقوله تعالى: {إِنَّا فَتَحنَا لَكَ فَتحًا مُبِينًا}

- ‌(24) باب في التحصين بالقلع والخنادق عند الضعف عن مقاومة العدو وطرف من غزوة الأحزاب

- ‌(25) باب في اقتحام الواحد على جمع العدو، وذكر غزوة أحد وما أصاب فيها النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(26) باب فيما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى قريش

- ‌(27) باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله وصبره على الجفاء والأذى

- ‌(28) باب جواز إعمال الحيلة في قتل الكفار وذكر قتل كعب بن الأشرف

- ‌(29) باب في غزوة خيبر وما اشتملت عليه من الأحكام

- ‌(30) باب في غزوة ذي قرد وما تضمنته من الأحكام

- ‌(31) باب خروج النساء في الغزو

- ‌(32) باب لا يسهم للنساء في الغنيمة بل يحذين منه

- ‌(33) باب عدد غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(34) باب في غزوة ذات الرِّقاع

- ‌(35) باب ترك الاستعانة بالمشركين

- ‌(36) باب السن الذي يجاز في القتال

- ‌(37) باب النهي عن أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو

- ‌(38) باب في المسابقة بالخيل، وأنها معقود في نواصيها الخير، وما يكره منها

- ‌(39) باب الترغيب في الجهاد وفضله

- ‌(40) باب فضل القتل في سبيل الله تعالى

- ‌(41) باب في قوله تعالى: {أَجَعَلتُم سِقَايَةَ الحَاجِّ وَعِمَارَةَ المَسجِدِ الحَرَامِ} الآية

- ‌(42) باب في رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة، وفيمن قتل كافرًا

- ‌(43) باب فضل الحمل في سبيل الله والجهاد ومن دل على خير

- ‌(44) باب في البعوث ونيابة الخارج عن القاعد وفيمن خلف غازيا في أهله بخير أو بشر

- ‌(45) باب في قوله تعالى: {لا يَستَوِي القَاعِدُونَ} الآية

- ‌(46) باب بعث العيون في الغزو وما جاء: أن الجنة تحت ظلال السيوف

- ‌(47) باب في قوله تعالى: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيهِ}

- ‌(48) باب الإخلاص وحسن النية في الجهاد

- ‌(49) باب إثم من لم يُخلص في الجهاد وأعمال البر

- ‌(50) باب الغنيمة نقصان من الأجر وفيمن مات ولم ينو الغزو وفيمن تمنى الشهادة

- ‌(51) باب الغزو في البحر

- ‌(52) باب في فضل الرِّباط، وكم الشهداء

- ‌(53) باب في قَولِهِ تَعَالَى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَا استَطَعتُم}

- ‌(54) باب في قوله عليه الصلاة والسلام: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين)

- ‌(55) باب من آداب السفر

الفصل: ‌(23) باب صلح الحديبية وقوله تعالى: {إنا فتحنا لك فتحا مبينا}

(23) باب صلح الحديبية وقوله تعالى: {إِنَّا فَتَحنَا لَكَ فَتحًا مُبِينًا}

[1300]

عَن البَرَاءِ قَالَ: لَمَّا أُحصِرَ - يعني: النَّبِيُّ-صلى الله عليه وسلم عِندَ البَيتِ، صَالَحَهُ أَهلُ مَكَّةَ عَلَى أَن يَدخُلَهَا فَيُقِيمَ بِهَا ثَلَاثًا، وَلَا يَدخُلَهَا إِلَّا بِجُلُبَّانِ السِّلَاحِ: السَّيفِ وَقِرَابِهِ، وَلَا يَخرُجَ بِأَحَدٍ مَعَهُ مِن أَهلِهَا، وَلَا يَمنَعَ أَحَدًا يَمكُثُ بِهَا مِمَّن كَانَ مَعَهُ، قَالَ لِعَلِيٍّ: اكتُب الشَّرطَ بَينَنَا: بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا مَا قَاضَى عَلَيهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. فَقَالَ لَهُ المُشرِكُونَ: لَو

ــ

(23)

ومن باب: صلح الحديبية

(جُلُبان السلاح) بضم الجيم واللام. وذكره الهروي: بإسكان اللام. وصوَّبه ثابت. وهو مثل الجلبان من القطاني، وقاله بعض المتقنين بالراء:(جربان) بدل اللام. وجربان السيف والقميص. وفي البخاري: بجلب السلاح. ولعله جمع جلبان. وقد فسر الجلبان في الحديث: بالسيف وما هو فيه، وهو شبه الجراب من الأدم، يوضع فيه السيف مغمودًا، ويطرح فيه السوط. وفائدة اشتراطهم ذلك: أن لا يدخل عليهم على حالة المحاربين وهيئتهم، فيظن أنه دخلها عليهم قهرًا.

وقوله: (هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله)؛ أي: ما صالح عليه. وهو حجَّة لأرباب الوثائق على افتتاحهم الوثائق التي لها بال بهذا، كقولهم: هذا ما اشترى، وهذا ما أعتق، وهذا ما أصدق. وعلى تقديم الرجل الكبير في صدر الوثيقة، بائعًا كان، أو مبتاعًا.

و(يمحاها): يذهبها ويزيلها؛ يعني: الكلمة التي نازعه فيها. يقال: محوت الشيء، ومحيته، أمحوه، وأمحاه، محوًا، ومحيًا.

وامتناع علي رضي الله عنه من المحو مع أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك: إنما كان لأنه لم يفهم من ذلك الأمر الجزم، ولا الإيجاب. وإنما فهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بذلك

ص: 635

نَعلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ تَابَعنَاكَ، - وفي رواية: بايعناك - وَلَكِن اكتُب: مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ اللَّهِ. فَأَمَرَ عَلِيًّا أَن يَمحَاهَا، فَقَالَ عَلِيٌّ: لَا وَاللَّهِ، لَا أَمحَاهَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَرِنِي مَكَانَهَا. فَأَرَاهُ مَكَانَهَا. فَمَحَاهَا، وَكَتَبَ: ابنُ عَبدِ اللَّهِ. فَأَقَامَ بِهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَلَمَّا أَن كَانَ اليَومُ الثَّالِثِ قَالَوا لِعَلِيٍّ: هَذَا آخِرُ يَومٍ مِن شَرطِ صَاحِبِكَ فَأمُرهُ فَليَخرُج، فَأَخبَرَهُ بِذَلِكَ. فَقَالَ: نَعَم، فَخَرَجَ.

رواه أحمد (4/ 289 - 291)، والبخاري (2698)، ومسلم (1783)(92)، وأبو داود (1832).

ــ

على جهة المصلحة في موافقتهم على ما طلبوه، لكن خفي على علي وعمر وغيرهما وجه المصلحة في ذلك؛ ولذلك عظمت عليهم تلك الحال، واشتدت عليهم حتى قال عمر ما قال: وحلف علي: ألا يمحو ما أمره بمحوه تعظيمًا لمحو اسم الرسالة عن النبي صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم في كل ذلك (1) مقبل على ما أراه الله، وممتثل أمر الله تعالى ساكن الجأش، واثقًا بأن الله لا يضيعه، وأن الله سيجعل لهم في ذلك خيرًا وفرجًا، ولذلك كان حال أبي بكر من سكون الجأش، والثقة بالله؟ حتى قال لعمر ما قال، مما يدل على موافقته رسول الله صلى الله عليه وسلم ظاهرًا، وباطنًا، حتى نصَّ على عمر ما قاله له رسول الله صلى الله عليه وسلم حرفًا، حرفًا، حسب ما نصه في حديث سهل بن حنيف.

وقوله: (أرني مكانها، فأراه، فمحاها وكتب)؛ ظاهر هذا: أنه صلى الله عليه وسلم محى تلك الكلمة التي هي (رسول الله صلى الله عليه وسلم) بيده، وكتب مكانها:(ابن عبد الله)، وقد رواه البخاري بأظهر من هذا فقال: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب، فكتب. وزاد في طريق

(1) ساقط من (ع).

ص: 636

[1301]

وعَن أَنَسٍ: أَنَّ قُرَيشًا صَالَحُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِيهِم سُهَيلُ بنُ عَمرٍو، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ: اكتُب: بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ. قَالَ سُهَيلٌ: أَمَّا بِسمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم، فَمَا نَدرِي بِسمِ اللَّهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ،

ــ

أخرى: (ولا يحسن أن يكتب). فقال جماعة بجواز هذا الظاهر عليه، وأنه كتب بيده. منهم: السمناني، وأبو ذر، والباجي. ورأوا: أن ذلك غير قادح في كونه: أمِّيًا، ولا معارض لقوله تعالى:{وَمَا كُنتَ تَتلُو مِن قَبلِهِ مِن كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ} ولا لقوله: (إنا أمة أميِّة، لا نكتب ولا نحسب)(1)؛ بل رأوه زيادة في معجزاته، واستظهارًا على صدقه، وصحة رسالته. وذلك: أنه كتب من غير تعلم الكتابة، ولا تعاط لأسبابها، فكان ذلك خارقًا للعادة، كما أنه صلى الله عليه وسلم عَلِم عِلم الأولين والآخرين من غير تعلُّم، ولا اكتساب، فكان ذلك أبلغ في معجزاته، وأعظم في فضائله، هذا لو فرض أنه علم الكتابة كلها، وداوم عليها، فكيف ولم يرو عنه قط أنه كتب في غير ذلك الموطن الخاص، بل لم يفارق ما كان عليه من عدم معرفته بالكتابة حالة كتابته تلك، وإنما أجرى الله تعالى على يده، وقلمه حركات كانت عنها خطوط مفهومها:(ابن عبد الله) لمن قرأها (2)، ثم هل كان عالِمًا في تلك الحال بنظم تلك الحروف الخاصة؛ كل ذلك محتمل. وعلى التقديرين: فلا يزول عنه اسم الأمي بذلك؛ ولذلك قال الراوي عنه في هذه الحالة: (ولا يحسن أن يكتب). فبقي عليه اسم الأمي مع كونه قال: (كتب). وقد أنكر هذا كثير من متفقهة الأندلس وغيرهم، وشدّدوا النكير فيه، ونسبوا قائله إلى الكفر. وذلك دليل: على عدم العلوم النظرية، وعدم التوقف في تكفير المسلمين، ولم يتفطنوا لأن تكفير المسلم كقتله،

(1) رواه أحمد (2/ 43 و 52)، ومسلم (761)، وأبو داود (2319)، والنسائي (5/ 139).

(2)

ساقط من (ع).

ص: 637

وَلَكِن اكتُب مَا نَعرِفُ: بِاسمِكَ اللَّهُمَّ. فَقَالَ: اكتُب: مِن مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ. قَالَوا: لَو عَلِمنَا أَنَّكَ رَسُولُه لَاتَّبَعنَاكَ، وَلَكِن اكتُب: اسمَكَ وَاسمَ أَبِيكَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: اكتُب مِن مُحَمَّدِ بنِ عَبدِ اللَّهِ. فَاشتَرَطُوا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَن مَن جَاءَ مِنكُم لَم نَرُدَّهُ عَلَيكُم، وَمَن جَاءَ مِنَّا رَدَدتُمُوهُ عَلَينَا. فَقَالَوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَكتُبُ هَذَا؟ قَالَ: نَعَم، إِنَّهُ مَن ذَهَبَ إِلَيهِم فَأَبعَدَهُ اللَّهُ، وَمَن جَاءَنَا مِنهُم سَيَجعَلُ اللَّهُ لَهُ فَرَجًا وَمَخرَجًا.

رواه أحمد (3/ 268)، ومسلم (1784).

ــ

على ما جاء عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح، لا سيما رمي من شهد له أهل عصره بالعلم، والفضل، والإمامة.

على أن المسألة ليست قطعية، بل مستندها ظواهر أخبار آحاد صحيحة، غير أن العقل لا يحيلها، وليس في الشريعة قاطع يحيل وقوعها على ما تقدَّم.

وقوله في الرواية الأخرى لعلي: (اكتب: من محمد بن عبد الله)؛ ليس معارضًا للرواية التي تقدَّم ذكرها؛ إذ ليس فيها: أن عليًّا كتب بيده، وإنما فيها: أنه صلى الله عليه وسلم أمره بالكتابة كما أمره بالمحو، فلم يمح علي، ولم يكتب، فلما امتنع علي منهما جميعًا للوجه الذي ذكرناه، قال له صلى الله عليه وسلم:(أرني مكانها)؛ فأراه إيَّاه، فمحاه النبي صلى الله عليه وسلم، وكتب بيده، على ما تقرر من المذهب الأول. وعليه تجتمع الروايات المختلفة.

وقوله: (فاشترطوا عليه: أن من جاء منكم لم نرده، ومن جاء منا رددتموه علينا)؛ لا خلاف بين الرواة والمتأولين: أن الرجال داخلون في هذا اللفظ العام، واختلفوا: هل دخل فيهم النساء؟ فمنهم من منع ذلك، واستدل بما جاء في البخاري في كتاب: الشروط، في هذا الحديث، وهو أنه قال: ولا يأتيك منا رجل

ص: 638

[1302]

وعَن أَبِي وَائِلٍ قَالَ: قَامَ سَهلُ بنُ حُنَيفٍ يَومَ صِفِّينَ فَقَالَ: يا أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّهِمُوا أَنفُسَكُم، لَقَد كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم يَومَ الحُدَيبِيَةِ، وَلَو نَرَى قِتَالًا لَقَاتَلنَا. وَذَلِكَ فِي الصُّلحِ الَّذِي كَانَ بَينَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبَينَ

ــ

على دينك إلا رددته إلينا (1). وهذا نص، وعلى هذا: فلا يحتاج إلى اعتذار عن حبس النبي صلى الله عليه وسلم النساء اللاتي أسلمن وهاجرن إلى المدينة. ولا أن نقول في قوله تعالى: {فَلا تَرجِعُوهُنَّ إِلَى الكُفَّارِ} أنه ناسخ. والأكثر على أنهن دخلن في ذلك العموم. وقد روي أن سبيعة بنت الحارث الأسلمي جاء زوجها صيفي يطلبها، وكانت أسلمت، وهاجرت. وكذلك أم كلثوم بنت عقبة، فجاء زوجها: مسافر يطلبها بالشرط، فأنزل الله تعالى الآية في النهي عن ردهن، ورأوا: أن هذه الآية ناسخة لما تقرر بالشرط المتقدَّم؛ الذي هو: ردهن إلى الكفار. والطريقة الأولى أحسن، وأبعد عن الإشكال؛ إذ لم يدخلن في الشرط.

ثم اختلفوا: فيما إذا صولح العدو على مثل هذا الشرط. فذهب الكوفيون: إلى أن ذلك لا يجوز؛ لا في الرجال ولا في النساء. ورأوا: أن كل ذلك منسوخ.

ونحوه حكى مكي في الناسخ والمنسوخ له عن المذهب. وذهب مالك في المشهور عنه، وحكي عن أصحاب الشافعي جواز ذلك، ولزومه في الرجال دون النساء، لكن بشرط أن يكونوا مأمونين على دمه (2).

وقيل: إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لضعف المسلمين عن مقاومة عدوهم في ذلك الوقت، وذلك لأنه إنما رد من رد ممن جاء مسلمًا لآبائهم، وذوي أرحامهم؛ لعطفهم عليهم، ولحبهم فيهم، ولصحة إسلام من أسلم منهم، وللذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم من حال من رد: أنه سيجعل الله له فرجًا ومخرجًا، وكذلك كان. وكل هذه الأمور معدومة في حق غيره صلى الله عليه وسلم، فلا يحتج بتلك القضية على جواز ذلك. والله تعالى أعلم.

(1) رواه البخاري (2731 و 2732).

(2)

في (ز): دينه.

ص: 639

المُشرِكِينَ، فَجَاءَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَسنَا عَلَى حَقٍّ وَهُم عَلَى بَاطِلٍ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: أَلَيسَ قَتلَانَا فِي الجَنَّةِ وَقَتلَاهُم فِي النَّارِ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: ففيم نُعطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا؟ وَنَرجِعُ وَلَمَّا يَحكُمِ اللَّهُ بَينَنَا وَبَينَهُم؟ فقال: يَا بنَ الخَطَّابِ، إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَلَن يُضَيِّعَنِي اللَّهُ أَبَدًا. قَالَ: فَانطَلَقَ عُمَرُ فَلَم يَصبِر مُتَغَيِّظًا، فَأَتَى أَبَا بَكرٍ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكرٍ، أَلَسنَا عَلَى حَقٍّ وَهُم عَلَى بَاطِلٍ؟ قَالَ: بَلَى.

ــ

وقول سهل بن حنيف: (أيها الناس اتهموا أنفسكم)، وفي الأخرى:(رأيكم)؛ يعني به: التثبت فيما كانوا فيه، والتصبر، وألا يستعجلوا في أمورهم. ووجه استدلاله بها: أن تلك الحالة كان ظاهرها مكروهًا لهم، صعبًا عليهم، فلما تثبتوا في أمرهم، وأطاعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الله لهم من أمرهم فرجًا ومخرجًا، فكأنه يقول لهم: إن صبرتم على المكروه، وتثبتم في أمركم، واتقيتم الله، جعل الله لكم من هذه الفتن مخرجًا، كما جعله لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية.

وقال القاضي عياض: إنما قال ذلك سهل بن حنيف لما ظهر في أصحاب علي من كراهة شأن التحكيم، ومراوضة الصلح، وكان الظفر لهم، حتى رفع لهم أهل الشام المصاحف، ودعوهم إليها، ورغبوا في المصالحة.

وقول عمر: (لم نعطي الدنية في ديننا)؛ يعني بالدنية: الحالة الخسيسة، ويعني به: الصلح على ما شرطوا. ولم يكن ذلك من عمر شكًّا، ولا معارضة، بل كان استكشافًا لما خفي عنه، وحثًّا على قتال أهل الكفر، وإذلالهم، وحرصًا على ظهور المسلمين على عدوهم. وهذا على مقتضى ما كان عنده من القوة في دين الله، والجرأة والشجاعة التي خصَّه الله بها. وجواب النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر بما جاوباه به يدل: على أن عندهما من علم باطنة ذلك، وعاقبة أمره ما ليس عند عمر، ولذلك لم يسكن عمر حتى بشره النبي صلى الله عليه وسلم بالفتح، فسكن جأشه، وطابت نفسه.

ص: 640

قَالَ: أَلَيسَ قَتلَانَا فِي الجَنَّةِ وَقَتلَاهُم فِي النَّارِ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَعَلَامَ نُعطِي الدَّنِيَّةَ فِي دِينِنَا؟ وَنَرجِعُ وَلَمَّا يَحكُمِ اللَّهُ بَينَنَا وَبَينَهُم؟ قَالَ: يَا بنَ الخَطَّابِ، إِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَن يُضَيِّعَهُ اللَّهُ أَبَدًا. قَالَ: فَنَزَلَ القُرآنُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالفَتحِ، فَأَرسَلَ إِلَى عُمَرَ فَأَقرَأَهُ إِيَّاهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوفَتحٌ هُوَ؟ قَالَ: نَعَم. فَطَابَت نَفسُهُ وَرَجَعَ.

وَفِي رِوَاية: قال: أَيُّهَا النَّاسُ، اتَّهِمُوا رَأيَكُم، وَاللَّهِ لَقَد رَأَيتُنِي يَومَ أَبِي جَندَلٍ، وَلَو أَنِّي أَستَطِيعُ أَن أَرُدَّ أَمرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَرَدَدتُهُ، وَاللَّهِ مَا وَضَعنَا سُيُوفَنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا إِلَى أَمرٍ قَطُّ إِلَّا أَسهَلنَ بِنَا إِلَى أَمرٍ نَعرِفُهُ، إِلَّا أَمرَكُم هَذَا.

ــ

وقول سهل بن حنيف: (ما وضعنا سيوفنا على عواتقنا إلى أمر قط إلا أسهلن بنا إلى أمر نعرفه، إلا أمركم هذا)؛ وضعنا: رفعنا هنا؛ أي: وضعناها على عواتقنا. والعواتق: جمع عاتق، وهو من المنكب وما يليه إلى العنق، وهو الكاهل، والكتد، والثبج (1).

و(أسهلن)؛ أي: حملتنا إلى مر سهل، وهو من: أسهل: إذا دخل سهلًا من الأرض، كأنجد، وأشأم، وأعرق: إذا دخل تلك المواضع.

ويعني بهذا الكلام: أن كل قتال قاتل فيه ما رفع سيفه فيه إلا عن بصيرة لعاقبة أمره، فسهل عليه بسببها ما يلقاه من مشقات الحروب، غير تلك الأمور التي كانوا فيها، فكانوا كلما لاح لهم فيها مصلحة وعاقبة حسنة ظهر لهم نقيضها. ويدل على صحة هذا قوله:(ما فتحنا منها من خصم إلا انفجر علينا منه خصم). أصل الخصم: طرف الشيء وجانبه الذي يؤخذ به. وخصم الراوية: طرفها. وخُصم العِدل: جانبه الذي يؤخذ به.

(1)"الكَتِد": مجتمع الكتفين من الإنسان والفرس. و"الثَّبَج": ما بين الكاهل إلى الظهر.

وقيل: ثبج كلِّ شيء: وسطه.

ص: 641

وَفِي أُخرَى: ما فتحنا من خصم إلا انفجر علينا منه خصم.

رواه أحمد (4/ 328 - 331)، والبخاري (1731) و (2732)، ومسلم (1785)(94 و 95 و 96)، وأبو داود (2765).

[1303]

وعن أَنَسَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَت: {إِنَّا فَتَحنَا لَكَ فَتحًا مُبِينًا} إِلَى قَولِهِ: {فَوزًا عَظِيمًا} مَرجِعَهُ مِن الحُدَيبِيَةِ، وَهُم مخَالِطُهُم الحُزنُ وَالكَآبَةُ، وَقَد نَحَرَ الهَديَ بِالحُدَيبِيَةِ، قال لَقَد نزِلَت عَلَيَّ آيَةٌ هِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِن الدُّنيَا جَمِيعًا.

رواه أحمد (3/ 122)، والبخاري (4172)، ومسلم (1786)، والترمذي (3263).

* * *

ــ

وقوله: (ما فتحنا) وَهمٌ من بعض الرواة، وصوابه:(ما سددنا)؛ لأنه مقابل: (انفجر علينا)، وكذا وقع في البخاري:(سددنا) مكان: (فتحنا).

وهذا الحديث يدل على جواز على ما شرطه العدو عند ضعف المسلمين عن مقاومة عدوهم، وعند الحاجة إلى ذلك، ولا خلاف في جواز الصلح عند ذلك، إلا ما ذكر من الخلاف في رد من جاء مسلمًا، وكذلك لو صولحوا على مال يؤخذ منهم، فأما إن لم تدع حاجة، ولا ضرورة إلى ذلك، ولم يكن للعدو قوة إلا لما بذلوه من المال. فأجاز ذلك جماعة منهم: الأوزاعي. ومنع ذلك مالك وأصحابه، وعلماء المدينة.

واختلف في مقدار مدة الصلح حيث يجوز. فقال مالك: ذلك مفوّض إلى اجتهاد الإمام. وحدّ الشافعي أكثره بعشرة أعوام (1) بناءً منه على صلح الحديبية

(1) في (ج): سنين.

ص: 642