الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(8) باب صوم من أدركه الفجر وهو جنب
[976]
عَن أَبِي بَكرٍ بن عبد الرحمن، قَالَ: سَمِعتُ أَبَا هُرَيرَةَ يَقُولُ، يَقُصُّ فِي قَصَصِهِ: مَن أَدرَكَهُ الفَجرُ جُنُبًا فَلَا صوم له قال: فَذَكَرتُ ذَلِكَ لِعَبدِ الرَّحمَنِ بنِ الحَارِثِ فَأَنكَرَ ذَلِكَ، فَانطَلَقَ عَبدُ الرَّحمَنِ، وَانطَلَقتُ مَعَهُ، حَتَّى دَخَلنَا عَلَى عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ فَسَأَلَهُمَا عَبدُ الرَّحمَنِ عَن ذَلِكَ،
ــ
(8)
ومن باب: صوم من أدركه الفجر وهو جنب
قوله: (سمعت أبا هريرة يقص)؛ أي: يتتبع الأحاديث والأخبار، ويذكرها، ويُعلِّم العِلم.
وقوله: (من أدركه الفجر جنبًا فلا صوم له)؛ هذه الفتيا من أبي هريرة، وهو قوله الأول.
وقد اختلف في ذلك: فروي عن الحسن بن صالح مثل قول أبي هريرة. وعن الحسن والنخعي: لا يجزئه إذا أصبح عالِمًا بجنابته، وإن لم يعلم أجزأه.
وروي عن الحسن والنخعي: لا يجزئه في الفرض، ويجزئه في النفل. وروي عن الحسنين: يصومه ويقضيه.
ومذهب الجمهور، وهو الصحيح: الأخذ بحديث أم سلمة وحديثي عائشة الآتيين. ومقتضاها: أن صوم الجنب صحيح. وهو الذي يفهم من ضرورة قوله تعالى: {فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُم وَكُلُوا وَاشرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيطُ الأَبيَضُ مِنَ الخَيطِ الأَسوَدِ مِنَ الفَجرِ} ؛ فإنه لما مدَّ إباحة الجماع إلى طلوع الفجر فبالضرورة يعلم: أن الفجر يطلع عليه وهو جنب، وإنما يتأتى الغسل بعد الفجر. وفي معنى هذه المسألة: الحائض تطهر قبل الفجر، وتترك التطهر حتى تصبح، فجمهورهم على وجوب تمام الصوم عليها وإجزائه، سواء تركته عمدًا، أو سهوًا. وشذَّ محمد بن مسلمة فقال: لا يجزئها، وعليها القضاء والكفارة. وهذا في المفرطة المتوانية، فأما التي رأت الطهر
قَالَ: فَكِلتَاهُمَا قَالَت: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصبِحُ جُنُبًا مِن غَيرِ حُلُمٍ، ثُمَّ يَصُومُ قَالَ: فَانطَلَقنَا حَتَّى دَخَلنَا عَلَى مَروَانَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ عَبدُ الرَّحمَنِ، فَقَالَ مَروَانُ: عَزَمتُ عَلَيكَ إِلَّا مَا ذَهَبتَ إِلَى أَبِي هُرَيرَةَ، فَرَدَدتَ عَلَيهِ مَا يَقُولُ. قَالَ: فَجِئنَا أَبَا هُرَيرَةَ، وَأَبُو بَكرٍ حَاضِرُ ذَلِكَ كُلِّهِ. قَالَ: فَذَكَرَ لَهُ عَبدُ الرَّحمَنِ، فَقَالَ أَبُو هُرَيرَةَ: أَهُمَا قَالَتَاهُ لك؟ قَال: نَعَم. قَالَ: هُمَا أَعلَمُ.
ــ
فبادرت، فطلع الفجر قبل تمامه، فقد قال مالك: هي كمن طلع عليها وهي حائض، يومها يوم فطر، وقاله عبد الملك. وقد ذكر بعضهم قول عبد الملك هذا في المتوانية. وهو أبعد من قول ابن مسلمة.
وقولهما: (كان يصبح جنبًا من غير حلم)؛ يفيد فائدتين:
إحداهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجامع ويؤخر غسله حتى يطلع الفجر، ليبين المشروعية، كما قال:(عمدًا فعلته يا عمر)(1).
وثانيهما: دفع توهم من يتوهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتلم في منامه، فإن الحلم من الشيطان (2)، والله قد عصمه منه.
وقول أبي هريرة: (هما أعلم)؛ يدل على رجوعه في قوله الأول. وقد صرَّح بالرِّجوع في آخر الحديث.
(1) رواه أحمد (5/ 350)، ومسلم (277)، وأبو داود (172)، والترمذي (11)، والنسائي (1/ 16) من حديث بريدة.
(2)
رواه أحمد (5/ 310)، والبخاري (6995)، ومسلم (2261/ 1 و 2)، وأبو داود (5021)، والترمذي (2277)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (897 و 900 و 901)، وابن ماجه (3909) من حديث أبي قتادة.
قال في فتح الباري (4/ 144): في قولها: "من غير احتلام": إشارة إلى جواز الاحتلام عليه، وإلا لما كان للاستثناء معنى.
ثُمَّ رَدَّ أَبُو هُرَيرَةَ مَا كَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ إِلَى الفَضلِ بنِ العَبَّاسِ. فَقَالَ أَبُو هُرَيرَةَ: سَمِعتُ ذَلِكَ مِن الفَضلِ، وَلَم أَسمَعهُ مِن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: فَرَجَعَ أَبُو هُرَيرَةَ عَمَّا كَانَ يَقُولُ فِي ذَلِكَ.
رواه البخاري (1925)، ومسلم (1109)(75).
[977]
وعن عَائِشَةَ قَالَت: قَد كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُدرِكُهُ الفَجرُ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ جُنُبٌ مِن غَيرِ حُلُمٍ فَيَغتَسِلُ وَيَصُوم.
رواه أحمد (6/ 289)، والبخاري (1926)، ومسلم (1109)(76)، والترمذي (779).
[978]
وعنها أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَستَفتِيهِ، وَهِيَ تَسمَعُ مِن وَرَاءِ البَابِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! تُدرِكُنِي الصَّلَاةُ وَأَنَا جُنُبٌ فَأَصُومُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَأَنَا تُدرِكُنِي الصَّلَاةُ وَأَنَا جُنُبٌ فَأَصُومُ فَقَالَ: لَستَ مِثلَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَد غَفَرَ اللَّهُ لك مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ
ــ
وقوله: (ثم رده إلى الفضل)؛ يعني بذلك: أنه سمعه من الفضل، كما قد نص عليه بعد. وفي النسائي (1): أنه سمعه من أسامة بن زيد. وهذا محمول على أنه سمعه منهما. وحديث الفضل وأسامة كان متقدِّمًا.
قال بعض العلماء: كان ذلك في أول الإسلام، في الوقت الذي كان الحكم فيه: أن إذا نام بالليل حرم عليه الأكل والشرب والنكاح أن يمد ذلك إلى طلوع الفجر، كما جاء في البخاري (2) من حديث البراء بن عازب في قصة قيس بن صِرمَة. وعلى الجملة:
(1) رواه النسائي في الكبرى (2931 و 2932).
(2)
رواه البخاري (1915).