الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(10) باب ما يخمس من الغنيمة وما لا يخمس وكم يسهم للفرس والرجل
[1274]
عن أبي هُرَيرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُّمَا قَريَةٍ أَتَيتُمُوهَا، وَأَقَمتُم فِيهَا، فَسَهمُكُم فِيهَا، وَأَيُّمَا قَريَةٍ عَصَت اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنَّ خُمُسَهَا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ، ثُمَّ هِيَ لَكُم.
رواه أحمد (2/ 317)، ومسلم (1756)، وأبو داود (3036).
ــ
حجَّة على أبي حنيفة، حيث لم يجز للإمام المفاداة، ولا الفداء بالأسير، وعند مالك: أن الإمام مخيَّر في الأسارى بين خمس خصال: القتل، والاسترقاق، والمن، والفداء، والاستبقاء. وذلك هو الصحيح، بدليل قوله تعالى:{فَإِمَّا مَنًّا بَعدُ وَإِمَّا فِدَاءً} ولأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل كل ذلك، فكان الأسارى مخصوصين من حكم الغنيمة بالتخيير. والله تعالى أعلم.
(10)
ومن باب: ما يخمس من الغنيمة وما لا يخمس
قوله: (أيما قرية أتيتموها، وأقمتم فيها، فسهمكم فيها)؛ يعني بذلك - والله أعلم -: أن ما أجلي عنه العدو، أو صولحوا عليه، وحصل بأيدي المسلمين من غير قتال، فمن أقام فيه كان له سهم من العطاء. وليس المراد بالسَّهم هنا: أنها تخمس، فتقسم سهامًا؛ لأن هذا هو حكم القِسم الآخر الذي ذكره بعد هذا، حيث قال:(وأيما قرية عصت الله ورسوله فإن خمسها لله ورسوله، ثم هي لكم). تُقسم أخماسًا، فيكون الخمس لله ورسوله، وأربعة أخماسها لكم. يخاطب بذلك الغانمين. وهذا كما قال تعالى:{وَاعلَمُوا أَنَّمَا غَنِمتُم مِن شَيءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} الآية. ولم يختلف العلماء في أن أربعة أخماس
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الغنيمة تقسم بين الغانمين. وأعني بالغنيمة ما عدا الأرضين، فإن فيها خلافًا يذكر إن شاء الله تعالى.
وأما الأسرى ففيهم الخلاف المتقدم. وأما الخمس والفيء: فهل يقسم في أصناف، أو لا يقسم؟ وإنما هو موكول إلى نظر الإمام واجتهاده، فيأخذ منه حاجته من غير تقدير، ويعطي القرابة منه باجتهاده، ويصرف الباقي في مصالح المسلمين. وهذا هو مذهب مالك، وبه قال الخلفاء الأربعة، وبه عملوا، وعليه يدل قوله صلى الله عليه وسلم:(ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس)(1)، فإنه لم يقسمه أخماسًا، ولا أثلاثًا. وأما من قال: بأنه يقسم فقد اختلفوا، فمنهم من قال: يقسم (2) على ستة أسهم: سهم لله، وسهم للرسول، وهكذا بقية الأصناف المذكورة في الآية. ثم منهم من قال: إن سهم الله يدفع للكعبة. وبه قال طاوس، وأبو العالية. ومنهم من قال: للمحتاج. وأما سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان له في حياته، ثم هو للخليفة بعده. وقيل: يصرف في مصلحة الغزاة. وقيل: يرد على القرابة. وقال الشافعي: يقسم على خمسة. ورأى: أن سهم الله ورسوله واحد. ثم إنه يصرف في مصالح المسلمين. والأربعة الأخماس على الأربعة الأصناف المذكورين في الآية. وقال أبو حنيفة: يقسم على ثلاثة أسهم: سهم لليتامى، وسهم لابن السبيل، وسهم للمساكين، فأما سهم النبي صلى الله عليه وسلم وسهم القرابة، فقد سقط؛ لأنه إنما كان لهم لغنائهم ونصرتهم؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يأخذه لنبوته (3). وأما ذكر الله في أول الآية: فهو على جهة التشريف لنبيه صلى الله عليه وسلم لئلا يأنف من الأخذ. هذا نقل حُذاق المصنفين.
قلت: ولا شك في أن الآية ظاهرة في قسمة الخمس على ستة، ولولا
(1) رواه النسائي (7/ 131 و 132)، ومالك في الموطأ (2/ 457 و 458).
(2)
ما بين حاصرتين ساقط من (هـ).
(3)
ما بين حاصرتين ساقط من (ع).
[1275]
وعَن عُمَرَ قَالَ: كَانَت أَموَالُ بَنِي النَّضِيرِ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ، مِمَّا لَم يُوجِف عَلَيهِ المُسلِمُونَ بِخَيلٍ وَلَا رِكَابٍ، فَكَانَت لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَاصَّةً،
ــ
ما استدل به لمالك من عمل الخلفاء على خلاف ظاهرها، لكان الأولى التمسُك بظاهرها، لكنهم رضي الله عنهم هم أعرف بالمقال، وأقعد بالحال، لا سيما مع تكرار هذا الحكم عليهم، وكثرته فيهم. فإنهم لم يزالوا آخذين للغنائم، قاسمين لها طوال مدتهم؛ إذ هي عيشهم، ومنها رزقهم، وبها قام أمرهم؛ فكيف يخفى عليهم أمرها، أو يشذ عنهم حكم من أحكامها؟ هذا ما لا يظنُّه بهم من يعرفهم.
وقوله: (كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله)؛ أفاء: أي: رد على رسوله من أموال الكفار. وهذا يدل على: أن الأموال إنما كانت للمسلمين بالأصالة، ثم صارت للكفار بغير الوجوه الشرعية، فكأنهم لم يملكوا ملكًا صحيحًا، لا سيما إذا تنزلنا على أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، ومع ذلك فلهم شبهة الملك؛ إذ قد أضاف الله إليهم أموالًا؛ كما أضاف (1) إليهم أولادًا، فقال:{فَلا تُعجِبكَ أَموَالُهُم وَلا أَولادُهُم} وقد اتفق المسلمون على: أن الكافر إذا أسلم وبيده مال غير متعين للمسلمين كان له، لا ينتزعه أحدٌ منه بوجه من الوجوه. وسيأتي للمسألة مزيد بيان.
وقوله: (مما لم يوجف عليه)؛ أي: يسرع. والإيجاف: الإسراع، ووجيف الخيل: إسراعها. والرِّكاب: الإبل.
وقوله: (فكانت للنبي صلى الله عليه وسلم خاصَّة)؛ هذا الحديث حجَّة لمالك على: أن الفيء لا يقسم، وإنما هو موكول لاجتهاد الإمام، والخلاف الذي ذكرناه في الخمس هو الخلاف هنا، فمالك لا يقسمه، وأبو حنيفة يقسمه أثلاثًا، والشافعي أخماسًا.
(1) ساقط من (ع).
فَكَانَ يُنفِقُ عَلَى أَهلِهِ نَفَقَةَ سَنَةٍ، وَمَا بَقِيَ جَعَلَهُ فِي الكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
رواه البخاري (4885)، ومسلم (1757)(48).
[1276]
وعَن عَبدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ: أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قَسَمَ فِي النَّفَلِ لِلفَرَسِ سَهمَينِ وَلِلرَّجُلِ سَهمًا.
ــ
وقوله: (فكان ينفق على أهله نفقة سنة)؛ أي: يعطيهم قوت سنتهم، كما في البخاري:(أنه صلى الله عليه وسلم كان يبيع نخل بني النضير، ويحبس لأهله قوت سنتهم)(1). وأما لنفسه فما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه ادخر، ولا احتكر؛ وإنما كان يفعل ذلك بأهله قيامًا لهم بحقوقهم. ودفعًا لمطالبتهم، ومع ذلك فكان أهله يتصدقن، وقلما يمسكن شيئا، ولذلك ما قد كان (2) للنبي صلى الله عليه وسلم ربما ينزل به الضيف فيطلب (3) له شيئا في بيوت أزواجه، فلا يوجد عندهن شيء.
وفيه ما يدل على: جواز ادخار قوت العيال سنة، ولا خلاف فيه إذا كان من غلَّة المدخر، وأما إذا اشتراه من السُّوق، فأجازه قوم ومنعه آخرون إذا أضر بالناس. وهو مذهب مالك في الاحتكار مطلقًا.
و(الكراع): الخيل والإبل.
وقوله: (قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في النَّفل للفرس سهمين وللرجل سهمًا)، رواه العذري، والخشني: للراجل -بألف- وغيرهما: بغير ألف. و (النَّفل): الغنيمة هنا؛ لأنها هي التي تقسم على الفارس والراجل بالسهام.
وهذا الحديث حجَّة لمالك، والجمهور على: أنه يقسم للفرس وراكبه ثلاثة
(1) رواه البخاري (5357).
(2)
كذا في النسخ، وفي هذا التعبير ضعف. ولعل الصواب: كان النبي صلى الله عليه وسلم ربما ينزل. .
(3)
في (ع) و (ج): فينظر.
رواه أحمد (2/ 2)، والبخاري (2863)، ومسلم (1762)، وأبو داود (2733)، والترمذي (1554)، وابن ماجه (2854).
* * *
ــ
أسهم، وللراجل سهم، لا سيما على رواية:(وللرجل) فإنه يريد به راكب الفرس، وأن الألف واللام فيه للعهد. وقد روي من طريق صحيح عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسهم لرجل وفرسه ثلاثة أسهم، سهمًا له، ولفرسه سهمين. ذكره أبو داود (1). وفي البخاري عن ابن عمر: جعل للفرس سهمين ولصاحبه سهمًا (2). ومن جهة المعنى: إن مؤن الفارس أكثر (3)، وغناؤه أعظم، فمن المناسب أن يكون سهمه أكثر من سهم الرَّاجل. وشذ أبو حنيفة فقال: يقسم للفرس كما يقسم للرَّجل. ولا أثر له يعضده، ولا قياس يعتمده، ولذلك خالفه في ذلك كبراء أصحابه، كأبي يوسف، ومحمد بن الحسن، وغيرهما.
وقد ذكر أبو بكر بن أبي شيبة من حديث ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم للفارس سهمين، وللراجل سهمًا (4). والصحيح من حديث ابن عمر ما خرَّجه البخاري ومسلم، كما ذكرناه.
ثم اختلفوا هل يسهم (5) لأكثر من فرس واحد، أو لا يسهم إلا لواحد؟ فقال مالك: لا يسهم إلا لفرس واحد؛ لأنه لا يقاتل إلا على فرس واحد، وما عداه إنما هو قوة، واستظهار.
وقال الجمهور، وابن وهب، وابن جهم - من أصحاب مالك -: يقسم لفرسين، ولم يقل أحدٌ: أنه يسهم لأكثر من فرسين، إلا شيئا روي عن سليمان بن موسى - وهو الأشدق -: أنه يسهم لمن عنده أفراس، لكل فرس سهمان، وهو شاذ.
(1) رواه أبو داود (2733).
(2)
رواه البخاري (2863).
(3)
من (ج).
(4)
رواه ابن أبي شيبة (14/ 151).
(5)
في (ع) و (ج) و (ز): يقسم.