الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَبُوكَ. . . وساق الحديث، وفيه: ثُمَّ أَقبَلنَا حَتَّى قَدِمنَا وَادِيَ القُرَى، فَقاَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنِّي مُسرِعٌ، فَمَن شَاءَ مِنكُم فَليُسرِع مَعِيَ، وَمَن شَاءَ فَليَمكُث. فَخَرَجنَا حَتَّى أَشرَفنَا عَلَى المَدِينَةِ، فَقَالَ: هَذِهِ طَابَةُ، وَهَذَا أُحُدٌ، وَهُوَ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ.
رواه أحمد (5/ 424)، والبخاري (4422)، ومسلم (1392).
* * *
(63) باب فضل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسجد الحرام، وما تشد الرحال إليه، والمسجد الذي أسس على التقوى، وإتيان قباء
[1246]
عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: صَلَاةٌ فِي مَسجِدِي هَذَا خَيرٌ مِن أَلفِ صَلَاةٍ فِي غَيرِهِ مِن المَسَاجِدِ، إِلَّا المَسجِدَ الحَرَامَ.
ــ
القيامة (1)، وإذا كان ذلك في أئمة العدل فأحرى الأنبياء، وإذا كان ذلك للأنبياء فأحرى وأولى بذلك نبينا صلى الله عليه وسلم، فيكون منبره بعينه، ويزاد فيه ويعظم ويرفع وينوَّر على قدر منزلته صلى الله عليه وسلم حتى لا يكون لأحدٍ في ذلك اليوم منبر أرفع منه؛ إذ ليس في القيامة أفضل منه صلى الله عليه وسلم.
(63)
ومن باب: فضل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسجد الحرام (2)
قوله صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة في غيره من المساجد، إلا المسجد الحرام، اختلف في استثناء المسجد الحرام؛ هل ذلك لأن المسجد
(1) رواه مسلم (1827).
(2)
هذا العنوان ساقط من الأصول، واستدرك من التلخيص.
وزاد في رواية: قَالَ رَسول الله صلى الله عليه وسلم: فإني آخر الأنبياء، وإن مسجدي آخر المساجد.
رواه أحمد (2/ 256)، والبخاري (1190)، ومسلم (1394)(506 و 507)، والترمذي (325)، والنسائي (2/ 35)، وابن ماجه (1404).
ــ
الحرام أفضل من مسجده صلى الله عليه وسلم؟ أو هو لأن المسجد الحرام أفضل من سائر المساجد غير مسجده صلى الله عليه وسلم فإنه أفضل المساجد كلها؟ وانجرَّ مع هذا الخلافِ الخلافُ فِي أي البلدين أفضل؛ مكة أو المدينة؟ فذهب عمر وبعض الصحابة ومالك وأكثر المدنيين إلى تفضيل المدينة، وحملوا الاستثناء على تفضيل الصلاة في مسجد المدينة بألف صلاة على سائر المساجد إلا المسجد الحرام فبأقلّ من الألف، واحتجُّوا بما قال عمر رضي الله عنه: صلاة في المسجد الحرام خير من مائة صلاة فيما سواه - ولا يقول عمر هذا من تلقاء نفسه ولا من اجتهاده؛ إذ لا يُتوصَّل إلى ذلك بالاجتهاد، فعلى هذا تكون فضيلة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسجد الحرام بتسعمائة وعلى غيره بألف.
وذهب الكوفيون والمكيُّون وابن وهب وابن حبيب من أصحابنا إلى تفضيل مسجد مكة (1)، واحتجُّوا بما زاده قاسم بن أصبغ وغيره في هذا الحديث من رواية عبد الله بن الزبير بعد قوله إلا المسجد الحرام، قال: وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة.
قلت: وقد روى هذا الحديث عبدُ بن حميد وقال فيه بمائة ألف صلاة، وهذه زيادات منكرة لم تشتهر عند الحفاظ ولا خرَّجها أهل الصحيح، والمشهور المعلوم الحديث من غير هذه الزيادات فلا يُعوَّل عليها، وينبغي أن يجرَّد النظر إلى الحديث المشهور وإلى لفظه. ولا شكَّ أن المسجد الحرام
(1) زيادة من (ع) و (ج).
[1247]
وعَن ابنِ عَبَّاسٍ أنَّ امرَأَةً اشتَكَت شَكوَى، فَقَالَت: إِن شَفَانِي اللَّهُ لَأَخرُجَنَّ فَلَأُصَلِّيَنَّ فِي بَيتِ المَقدِسِ! فَبَرَأَت، ثُمَّ تَجَهَّزَت تُرِيدُ الخُرُوجَ، فَجَاءَت مَيمُونَةَ زَوجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تُسَلِّمُ عَلَيهَا فَأَخبَرَتهَا ذَلِكَ، فَقَالَت: اجلِسِي فَكُلِي مَا صَنَعتِ، وَصَلِّي فِي مَسجِدِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَإِنِّي
ــ
مستثنى من قوله من المساجد، وهي بالاتفاق مفضولة، والمستثنى من المفضول مفضول إذا سكت عليه، فالمسجد الحرام مفضول، لكن لا يقال إنه مفضول بألف لأنه قد استثناه منها، فلا بدَّ أن يكون له مزيَّة على غيره من المساجد، لكن ما هي؟ لم يُعيَّنها الشرع فيتوقف فيها، أو يُعتمد على قول عمر آنفًا. ويدل على صحة ما قلناه زيادة عبد الله بن قارظ بعد قوله إلا المسجد الحرام: فإني آخر الأنبياء، ومسجدي آخر المساجد، فربط الكلام بفاء التعليل مشعرًا بأن مسجده إنما فضل على المساجد كلها لأنه متأخر عنها ومنسوب إلى نبي متأخر عن الأنبياء كلهم في الزمان، فتدبره فإنه واضح!
وقوله عن ابن عباس أن امرأة اشتكت شكوى، جميع رواة مسلم رووا هذا الحديث من طريق الليث عن نافع عن إبراهيم بن عبد الله بن معبد عن ابن عباس أن امرأة، وقال النسائي: روى هذا الحديث الليث عن نافع عن إبراهيم عن ميمونة ولم يذكر ابن عباس، وكذلك البخاري عن الليث ولم يذكر فيه ابن عباس، وقال بعضهم: صوابه إبراهيم بن عبد الله بن معبدٍ بن عباس أنه قال أن امرأة اشتكت، وعن ابن عباس خطأ، والصواب ابن بدل عن، والله أعلم.
وقول ميمونة للمرأة التي نذرت أن تصلي في بيت المقدس اجلسي وصلي في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، إنما أمرتها بذلك لأنها لو مشت إلى مسجد بيت المقدس فصلت فيه حصل لها أقل مما يحصل لها في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وضيعت على نفسها ألف صلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم مع ما يلحقها من مشقَّات
سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: صَلَاةٌ فِيهِ أَفضَلُ مِن أَلفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِن المَسَاجِدِ إِلَّا مَسجِدَ الكَعبَةِ.
رواه أحمد (6/ 333)، ومسلم (1396)، والنسائي (2/ 33).
[1248]
وعَن أبي هريرة يَبلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ؛ مَسجِدِي هَذَا، وَمَسجِدِ الحَرَامِ، وَمَسجِدِ الأَقصَى.
وَفِي رِوَايَةٍ: إِنَّمَا يُسَافِرُ إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدِ - وَذَكَرَهَا.
رواه أحمد (234)، والبخاري (1189)، ومسلم (1397)(511)، وأبو داود (2032)، والنسائي (2/ 37)، وابن ماجه (1409).
[1249]
وعنُ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: دَخَلتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيتِ
ــ
الأسفار وكثرة النفقات، فرفعت عنها الحرج وكثَّرت لها في الأجر. وعلى قياس هذا فعند مالك إذا نذر المدني الصلاة في مسجد مكة صلَّى في مسجد المدينة؛ لأنها أفضل عنده، ولو نذر المكي الصلاة في مسجد المدينة أتاه، ولو نذر كل واحدٌ منهما الصلاة في بيت المقدس صلَّى في مسجد بلده لأنه أفضل منه، قال الإمام أبو عبد الله: ذهب بعض شيوخنا إلى ما قالت ميمونة.
وقوله صلاة فيه أفضل من ألف صلاة فيما سواه؛ أي: في مسجد المدينة. واختلفوا؛ هل يراد بالصلاة هنا الفرض؟ أو هو عام في الفرض والنفل؟ وإلى الأول ذهب الطحاوي، وإلى الثاني ذهب مُطرِّف من أصحابنا.
وقوله لا تُشدُّ الرِّحال إلا إلى ثلاثة مساجد، قد قلنا: إن شدَّ الرِّحال كناية عن السفر البعيد، وقد فسَّر هذا المعنى في الرواية الأخرى التي قال فيها إنما يُسافر إلى ثلاثة مساجد، ولا شكَّ في أن هذه المساجد الثلاثة إنما خُصَّت بهذا لفضلها على سائر المساجد، فمن قال لله عليَّ صلاة في أحدها وهو في
بَعضِ نِسَائِهِ فَقُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ المَسجِدَينِ الَّذِي أُسِّسَ عَلَى التَّقوَى؟ قَالَ: فَأَخَذَ كَفًّا مِن حَصبَاءَ فَضَرَبَ بِهِ الأَرضَ، ثُمَّ قَالَ: هُوَ مَسجِدُكُم هَذَا - لِمَسجِدِ المَدِينَةِ.
رواه أحمد (3/ 8)، ومسلم (1398)، والترمذي (3099)، والنسائي (2/ 36).
ــ
غيرها فعليه إتيانها، بَعُدَ أو قَرُب، فإن (1) قال ماشيًا فلا يلزمه المشي - على المشهور - إلا في مسجد مكة خاصَّة، وأما المسجدان الآخران فالمشهور أنه لا يلزم المشي إليهما من نذره، ويأتيهما راكبًا. وقال ابن وهب: يأتيهما ماشيًا، كما سمَّى. وهو القياس؛ لأن المشي إلى مكة إنما يلزم من حيث كان قربة مُوصلة إلى عبادة تُفعل في مسجد له حرمة عظيمة، فكذلك يلزم كل مشي قربة بتلك الصفة، ولا يلزمه المشي إلى سائر المساجد؛ لأن البعيد منها قد نُهي عن السفر إليه، والقريبة منها متساوية الفضيلة، فيصلِّي حيث شاء منها. وقد قال بعض أصحابنا: إن كانت قريبة على أميال يسيرة فيأتيها، وإن نذر أن يأتيها ماشيًا أتى ماشيًا؛ لأن المشي إلى الصلاة طاعة تُرفع به الدرجات وتُحط به الخطايا. وقد ذهب القاضي إسماعيل إلى أن من قال: عليَّ المشي إلى المسجد الحرام أصلي فيه - فإنه يأتي راكبًا إن شاء، ويدخل مكة مُحرِمًا. وأحلَّ المساجد الثلاثة محلًا واحدًا، وسيأتي لهذا مزيد بيان في النَّذر إن شاء الله تعالى.
وقوله - وقد سُئل عن أي المسجدين الذي أسس على التقوى هو مسجدكم هذا - لمسجد المدينة يردّ قول ابن عباس إذ قال: إنَّه مسجد قباء. قال: لأنه أول مسجد بُني في الإسلام. وهذا السؤال صدر مِمَّن ظهرت (2) له
(1) ساقط من (ع).
(2)
في (ل) و (ج): حصلت.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
المساواة بين مسجدين معينين لهما مزية على غيرهما من المساجد بحيث يصلح أن يقال على كل واحدٍ منهما أسس على التقوى، وذلك أنه رأى مسجد قباء أول مسجد بناه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وذلك أنه لما هاجر صلى الله عليه وسلم نزل على بني عمرو بن عوف في قباء يوم الاثنين فأقام فيهم أيامًا وأسس فيها مسجد قباء، ثم إنه ارتحل عنهم يوم الجمعة إلى بني سالم بن عوف فصلَّى عندهم الجمعة، وهي أول جمعة جمعت في الإسلام، ثم إنه دخل المدينة فنزل على بني مالك بن النجار على أبي أيوب فأسس مسجده بالمربد الذي كان للغلامين اليتيمين، فاشتراه من الناظر لهم على ما تقدَّم في كتاب الصلاة، فلما تساوى المسجدان المذكوران في بناء النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لهما صار كل واحدٍ من المسجدين مؤسسًا على التقوى، فلما قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:{لَمَسجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقوَى مِن أَوَّلِ يَومٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ} أشكل التعيين، فسئل عن ذلك، فأجاب بأنه مسجد المدينة. فإن قيل: إذا كان كل واحد منهما أسس على التقوى، فما المزية التي أوجبت تعيين مسجد المدينة؟ قلنا: يمكن أن يقال إن بناء مسجد قباء لم يكن بأمرٍ جزم من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم، بل ندب إليه، أو كان رأيًا رآه، بخلاف مسجد المدينة فإنه أمر بذلك وجزم عليه، فأشبه (1) امتثالَ الواجب، فكان بذلك الاسم أحق. أو حصل له صلى الله عليه وسلم ولأصحابه رضي الله عنهم من الأحوال القلبية عند بنائه ما لم يحصل لهم عند غيره فكان أحق بذلك، والله أعلم.
ويلزم من تعيين النبي صلى الله عليه وسلم مسجده لأن يكون هو المراد بقوله تعالى: {لَمَسجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقوَى مِن أَوَّلِ يَومٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ} أن يكون الضمير في {فِيهِ رِجَالٌ} عائد على المسجد الذي أسس على التقوى؛ لأنه لم يتقدمه ظاهر غيره يعود عليه، وليس الأمر كذلك، بدليل ما رواه أبو داود من طريق صحيحة عن
(1) في (ع) و (ج): أسسه، والمثبت من باقي النسخ.
[1250]
وعَن ابنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يأتي قُبَاءً كل سبت رَاكِبًا وَمَاشِيًا.
رواه أحمد (2/ 58)، والبخاري (7326)، ومسلم (1399)(521)، والنسائي (2/ 37).
* * *
ــ
أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نزلت هذه الآية {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ المُطَّهِّرِينَ} في أهل قباء؛ لأنهم كانوا يستنجون بالماء (1)، فعلى هذا يكون الضمير في {فِيهِ رِجَالٌ} غير عائد على المسجد المذكور قبله، بل على مسجد قباء الذي دلت عليه الحال والمشاهدة عندهم، وأما عندنا فلولا هذا الحديث لحملناه على الأول. وعلى هذا يتعين على القارئ أن يقف على فِيهِ من قوله:{أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ} ويبتدئ: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا} ؛ ليحصل به التنبيه على ما ذكرناه، والله تعالى أعلم.
وفي إتيانه صلى الله عليه وسلم قباء كل سبت دليل على جواز تخصيص بعض الأيام ببعض الأعمال الصالحة والمداومة على ذلك، وأصل مذهب مالك كراهة تخصيص شيء من الأوقات بشيء من القُرب إلا ما ثبت به توقيف (2)، وقباء بينها وبين المدينة نحو الثلاثة أميال، فليست مما تشدُّ الرِّحال إليها، فلا يتناولها الحديث المتقدم، وكونه صلى الله عليه وسلم يأتيها راكبًا وماشيًا إنما كان ذلك بحسب ما اتفق له، وكان تعاهده لقباء لفضيلة مسجدها ولتفقد أهلها اعتناءً بهم وتشريفًا لهم، وليس في تعاهده صلى الله عليه وسلم مسجد قباء ما يدل على إلحاق مسجدها بالمساجد الثلاثة كما ذهب إليه محمد بن مسلمة كما قدَّمنا.
وقباء مُلحق ببعاث؛ لأنه من قَبَوت أو قَبيت، فليست همزته للتأنيث، بل للإلحاق، فلذلك صُرِف، والله تعالى أعلم.
* * *
(1) رواه أبو داود (44).
(2)
في (ع) و (ج): بدليل.