الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(7) باب ما يقتل المحرم من الدواب
[1068]
عَن عَائِشَةَ عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: خَمسٌ فَوَاسِقُ يُقتَلنَ فِي الحِلِّ وَالحَرَمِ:
ــ
(7)
ومن باب: ما يقتل المحرم من الدَّواب
قوله: (خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم)، وقد تقدم: أن الفسق لغة هو الخروج مطلقًا. وهو في لسان الشرع: اسم ذم؛ إذ هو خروج عن الطاعة، أو عن الحرمة. وتسميته صلى الله عليه وسلم هذه الخمس فواسق: لأنهن خرجن عن الحرمة التي لغيرهن من الحيوانات، لا سيما على المحرم، وفي الحرم، وفي الصلاة. ويحتمل أن يقال: سميت فواسق: لخروجهن من حجرتهن لإضرار بني آدم، وأذاهم.
وهذا الحديث روي من طرق متعددة، فذكر في بعضها لفظ:(خمس)، ولم يذكره في بعضها. فالألفاظ التي ذكر فيها:(خمس) لم تزد، غير أنه ذكر في بعضها: الحية، وفي بعضها: العقرب بدل الحية. وهي في كل ذلك خمس. وأما التي لم يذكر فيها لفظ الخمس، فجمع فيها بين العقرب والحية. فصارت ستًّا. وفي غير كتاب مسلم ذكر الأفعى، فعددها لذلك بعضهم سبعًا، وليس كذلك؛ لأن الحية تناولت الأفعى وغيرها من جنسها، وإنما هو خلاف لفظي.
والصحيح: أنها ست، كما جاء في الطريق التي لا حصر فيها.
قال القاضي أبو الفضل: لا خلاف بين العلماء في استعمال الحديث، وجواز قتل ما ذكر فيه للمحرم، إلا شذوذًا، روي عن علي رضي الله عنه أنه لا يقتل الغراب، لكن يرمى. ولا يصح عنه. وحكي عن النخعي: أنه لا يقتل المحرم الفأرة، فإن قتلها فداها. وهذا خلاف النص.
واختلف العلماء: هل المراد بما سُمي في الحديث أعيانها، أم التنبيه على المعاني المتأذي بها منها؟ قال الإمام أبو عبد الله: فمالك، والشافعي يريان الحكم يتعلق بمعاني هذه الخمس دون أسمائها، وأنها إنما ذكرت لينبه بها على ما شركها في
الحَيَّةُ، وَالغُرَابُ، الأَبقَعُ، وَالفَأرَةُ، وَالكَلبُ العَقُورُ، وَالحُدَيَّا.
وَفِي رِوَايَةٍ: العَقرَبُ مَكَانَ الحية.
رواه أحمد (6/ 259)، والبخاري (3314)، ومسلم (1198)(67 و 68)، والنسائي (5/ 208)، وابن ماجه (3087).
[1069]
وعن ابن عمر عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: خَمسٌ لَا جُنَاحَ عَلَى مَن قَتَلَهُنَّ فِي الحَرَمِ وَالإِحرَامِ: الفَأرَةُ، وَالغُرَابُ، وَالحِدَأَةُ، وَالعَقرَبُ، وَالكَلبُ العَقُورُ.
رواه البخاري (1826)، ومسلم (1199)، وأبو داود (1846)، والنسائي (5/ 187 - 188)، وابن ماجه (3088).
ــ
العلَّة. فقال الشافعي: العلَّة أن لحومها لا تؤكل، وكذلك: كل ما لا يؤكل لحمه من الصيد. ورأى مالك: أن العلَّة كونها مضرة، وأنه إنما ذكر الكلب العقور لينبه به على ما يضر بالأجسام على جهة الاختلاس، وذكر الحدأة والغراب للتنبيه على ما يضر بالأموال اختفاءً.
وقد اختلف في المراد بالكلب العقور. فقيل: هو الكلب المألوف. وقيل: المراد به كل ما يفترس؛ لأنه يسمِّى في اللغة: كلبًا. ومذهب مالك أن ما لا يبتدئ جنسه بالأذى - كسباع الطير - لا يقتل إلا أن يخافه المرء على نفسه، فتؤدي مدافعته إلى قتله، فلا شيء عليه. وأما قتل صغار ما يجوز قتل كباره؛ فلا يجوز على قول. وعلى هذا: لو قتلها؛ فهل عليه جزاء أم لا؟ فقولان.
وقوله: (الغراب الأبقع)؛ تقييد لمطلق الروايات الأخر التي ليس فيها الأبقع. وبذلك قالت طائفة، فلا يجيزون إلا قتل الأبقع، وهو الذي في بطنه وظهره بياض. وغير هذه الطائفة رأوا جواز قتل الأبقع وغيره من الغربان. ورأوا أن ذكر الأبقع إنما جرى لأنه الأغلب عندهم.
و(الحدأة) بكسر الحاء، مهموز،
[1070]
وعنه قال: حَدَّثَتنِي إِحدَى نِسوَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَأمُرُ بِقَتلِ الكَلبِ العَقُورِ وَالفَأرَةِ وَالحُدَيَّا وَالغُرَابِ وَالحَيَّةِ قَالَ: وَفِي الصَّلَاةِ أَيضًا.
رواه مسلم (1200)(75).
* * *
ــ
والجمع: حِداء: مقصور، مهموز. وكذا في بعض الروايات. وأما رواية:(الحديا)؛ فقال ثابت: صوابه: الهمز على معنى التذكير، وإلا فحقيقته: الحديئة، وكذا قيده في صحيح البخاري. أو:(الحدية) على التسهيل. وقول القاسم في الأم: تقتل بصغر لها؛ أي: بمذلة وقهر، كما قال تعالى:{وَهُم صَاغِرُونَ}
و(العقور) في وصف الكلب: هو الذي يعقر كثيرًا؛ أي: يجرح. يقال: سرج معقر: إذا كان يجرح الدابة. قال الشاعر (1):
. . . . . . فتنفست (2)
…
كتنفس الظبي العقير
أي: المجروح. وقيل: الدَّهِش. وقد استدل مالك، والشافعي، وأصحابهما بإباحة قتل هذه الفواسق في الحرم؛ على أن الحرم لا يعيذ عاصيًا ولا فارًا بحدٍّ. وذهب أبو حنيفة إلى الفرق بين ما اجترحه فيه مما يوجب القتل، فيقام فيه، وبين ما اجترحه خارجًا فيلجأ إلى الخروج، بأن يضيق عليه حتى يخرج، فيقام عليه خارجه. وسيأتي لهذا مزيد بيان إن شاء الله تعالى.
وقوله: (وفي الصلاة أيضًا)؛ يعني: أنه يجوز لمن كان في الصلاة أن يقتل هذه الدواب في الصلاة، ولا يخرج عن الصلاة بقتلها؛ اللهم إلا أن يحتاج في محاولة ذلك إلى عمل كثير يخرج به عن سنة الصلاة وهيئتها، فإن فعل ذلك استأنف صلاته.
(1) هو المنَخَّلُ اليشكري.
(2)
أول البيت: فلثمتها فتنفست.