الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(12) باب تصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم بما وصل إليه من الفيء ومن سهمه
[1278]
عَن عَائِشَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَرسَلَت إِلَى أَبِي بَكرٍ الصِّدِّيقِ تَسأَلُهُ مِيرَاثَهَا مِن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيهِ بِالمَدِينَةِ من الفيء، وَفَدَكٍ، وَمَا بَقِيَ مِن خُمسِ خَيبَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
ــ
(12)
ومن باب: تصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم بما وصل إليه من الفيء والخمس
سيأتي العذر لفاطمة عن طلبها ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا.
وقوله: (مما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك)؛ كانت الأراضي التي تصدق بها رسول الله صلى الله عليه وسلم تصيرت إليه بثلاثة طرق:
أحدها: ما وصى له به عند موته مُخَيريق اليهودي لما أسلم يوم أحد، وكانت سبعة حوائط في بني النضير. وما أعطاه الأنصار من أرضيهم.
والثاني: حقه من الفيء من سائر أرض بني النضير، حين أجلاهم، وكذلك نصف أرض فدك، صالح أهلها على النصف بعد حنين، وكذلك ثلث أرض وادي القرى، صالح عليه يهود، وكذلك حصنان من حصون خيبر: الوطيح، والسلالم: أحدهما صلح، وأجلى أهلها.
والثالث: سهمه من خمس خيبر، وما افتتح منه عنوة، وهو حصن الكتيبة، خرج كله في خمس الغنيمة منها، وأقسم الناس سائرها؛ حكاه أبو الفضل عياض.
فهذه الأراضي التي وصلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يأخذ منها حاجة عياله، ويصرف الباقي في مصالح المسلمين. وهي التي تصدق بها، حيث قال: (ما تركت
قَالَ: لَا نُورَثُ، مَا تَرَكنَا صَدَقَةٌ. إِنَّمَا يَأكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا المَالِ، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَا أُغَيِّرُ شَيئًا مِن صَدَقَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَن حَالِهَا الَّتِي كَانَت عَلَيهَا فِي عَهدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَأَعمَلَنَّ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَبَى أَبُو بَكرٍ أَن يَدفَعَ إِلَى فَاطِمَةَ شَيئًا، فَوَجَدَت فَاطِمَةُ عَلَى أَبِي بَكرٍ فِي ذَلِكَ، قَالَ: فَهَجَرَتهُ، فَلَم تُكَلِّمهُ حَتَّى تُوُفِّيَت، وَعَاشَت بَعدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
ــ
بعد نفقة نسائي، ومؤونة (1) عاملي فهو صدقة) (2). فلما مات صلى الله عليه وسلم عمل فيه أبو بكر رضي الله عنه كذلك، ثم عمر، ثم عثمان، غير أنه يُروى: أن عثمان أقطع مروان فدك، وهو مما نُقم على عثمان. قال الخطابي: لعل عثمان تأول قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أطعم الله نبيًا طُعمةً فهي للذي يقوم من بعده)(3)، فلما استغنى عثمان عنها بماله، جعلها لأقربائه.
قلت: وأولى من هذا: أن يقال: لعل عثمان دفعها له على جهة المساقاة، وخفي وجه ذلك على الراوي، فقال: أقطع. والله تعالى أعلم.
وقوله: (إنما يأكل آل محمد في هذا المال)؛ يعني هنا بآل محمد: نساءه، كما قال في الحديث الآخر:(ما تركت بعد نفقة نسائي).
وقوله: (فأبى أبو بكر أن يدفع لفاطمة شيئا، فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك، فهجرته، فلم تكلمه)؛ لا يظن بفاطمة رضي الله عنها أنها اتهمت أبا بكر فيما ذكره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنها رضي الله عنها عظم عليها ترك العمل بالقاعدة الكلية، المقررة بالميراث، المنصوصة في القرآن، وجوّزت السهو والغلط على أبي بكر، ثم إنها لم تلتق بأبي بكر لشغلها بمصيبتها برسول الله صلى الله عليه وسلم،
(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).
(2)
رواه مسلم (1760).
(3)
رواه البيهقي في السنن الكبرى (6/ 301 و 303).
سِتَّةَ أَشهُرٍ، فَلَمَّا تُوُفِّيَت دَفَنَهَا زَوجُهَا عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ لَيلًا، وَلَم يُؤذِن بِهَا أَبَا بَكرٍ، وَصَلَّى عَلَيهَا عَلِيٌّ، وَكَانَ لِعَلِيٍّ مِن النَّاسِ جِهَةٌ حَيَاةَ فَاطِمَةَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَت استَنكَرَ عَلِيٌّ وُجُوهَ النَّاسِ، فَالتَمَسَ مُصَالَحَةَ أَبِي بَكرٍ وَمُبَايَعَتَهُ، وَلَم يَكُن بَايَعَ تِلكَ الأَشهُرَ، فَأَرسَلَ إِلَى أَبِي بَكرٍ: أَن ائتِنَا وَلَا يَأتِنَا مَعَكَ أَحَدٌ
ــ
ولملازمتها بيتها، فعبَّر الراوي عن ذلك بالهجران، وإلا فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث)(1)، وهي أعلم الناس بما يحل من ذلك ويحرم، وأبعد الناس عن مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كيف لا يكون كذلك وهي بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسيدة نساء أهل الجنة؟
ودفنُ علي لفاطمة ليلًا، يحتمل أن يكون ذلك مبالغة في صيانتها، وكونه لم يؤذن أبا بكر بها؛ لعله إنما لم يفعل ذلك لأن غيرَه قد كفاه ذلك، أو خاف أن يكون ذلك من باب النعي المنهي عنه، وليس في الخبر ما يدل على: أن أبا بكر لم يعلم بموتها، ولا صلَّى عليها، ولا شاهد جنازتها، بل اللائق بهم، المناسب لأحوالهم حضور جنازتها، واغتنام بركتها، ولا تسمع أكاذيب الرَّافضة المبطلين، الضالين، المضلين.
وقوله: (وكان لعلي من الناس جهة حياة فاطمة)؛ جهة؛ أي: جاه واحترام، كان الناس يحترمون عليًّا في حياتها كرامة لها؛ لأنها بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مباشر لها، فلما ماتت وهو لم يبايع أبا بكر، انصرف الناس عن ذلك الاحترام، ليدخل فيما دخل فيه الناس، ولا يفرق جماعتهم. ألا ترى أنه لما بايع أبا بكر أقبل الناس عليه بكل إكرام وإعظام؟ !
وقوله: (ولم يكن علي بايع تلك الأشهر)؛ يعني: الستة الأشهر التي عاشتها
(1) رواه أحمد (5/ 422)، والبخاري (6077)، ومسلم (2560)، وأبو داود (4911)، والترمذي (1932).
كَرَاهِيَةَ مَحضَرِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، فَقَالَ عُمَرُ لِأَبِي بَكرٍ: وَاللَّهِ لَا تَدخُل عَلَيهِم وَحدَكَ، فَقَالَ أَبُو بَكرٍ: وَمَا عَسَاهُم أَن يَفعَلُوا بِي؟ إِنِّي وَاللَّهِ لَآتِيَنَّهُم، فَدَخَلَ عَلَيهِم أَبُو بَكرٍ، فَتَشَهَّدَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّا قَد عَرَفنَا يَا أَبَا بَكرٍ فَضِيلَتَكَ، وَمَا أَعطَاكَ اللَّهُ، وَلَم نَنفَس عَلَيكَ خَيرًا سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيكَ، وَلَكِنَّكَ استَبدَدتَ عَلَينَا بِالأَمرِ، وَكُنَّا نَحنُ نَرَى لَنَا حَقًّا لِقَرَابَتِنَا مِن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَم يَزَل يُكَلِّمُ أَبَا بَكرٍ حَتَّى فَاضَت عَينَا أَبِي بَكرٍ، فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكرٍ قَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَبُّ إِلَيَّ أَن أَصِلَ مِن قَرَابَتِي، وَأَمَّا الَّذِي شَجَرَ بَينِي وَبَينَكُم مِن هَذِهِ الأَموَالِ، فَإِنِّي لَم آلُ فِيهَا عَن الحَقِّ، وَلَم أَترُك أَمرًا رَأَيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصنَعُهُ فِيهَا إِلَّا صَنَعتُهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ لِأَبِي بَكرٍ: مَوعِدُكَ العَشِيَّةُ لِلبَيعَةِ، فَلَمَّا صَلَّى أَبُو بَكرٍ صَلَاةَ الظُّهرِ، رَقِيَ عَلَى المِنبَرِ، فَتَشَهَّدَ وَذَكَرَ شَأنَ عَلِيٍّ وَتَخَلُّفَهُ عَن البَيعَةِ، وَعُذرَهُ بِالَّذِي اعتَذَرَ إِلَيهِ، ثُمَّ استَغفَرَ وَتَشَهَّدَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ، فَعَظَّمَ حَقَّ أَبِي بَكرٍ، وَأَنَّهُ لَم يَحمِلهُ عَلَى الَّذِي صَنَعَ نَفَاسَةً عَلَى أَبِي بَكرٍ، وَلَا إِنكَارًا لِلَّذِي فَضَّلَهُ اللَّهُ بِهِ، وَلَكِنَّا كُنَّا نَرَى لَنَا فِي الأَمرِ نَصِيبًا، فَاستُبِدَّ عَلَينَا بِهِ، فَوَجَدنَا فِي أَنفُسِنَا، فَسُرَّ بِذَلِكَ المُسلِمُونَ. وَقَالَوا: أَصَبتَ، فَكَانَ المُسلِمُونَ إِلَى عَلِيٍّ قَرِيبًا حِينَ رَاجَعَ الأَمرَ المَعرُوفَ.
ــ
فاطمة رضي الله عنها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يظن بعلي أنه خالف الناس في البيعة، لكنه تأخر عن الناس لمانعٍ منعه، وهو الموجدة التي وجدها حيث استُبِدَّ بمثل هذا الأمر العظيم، ولم يُنتظر مع أنه كان أحق الناس بحضوره، وبمشورته لكن العذر للمبايعين لأبي بكر على ذلك الاستعجال مخافة ثوران الفتنة بين المهاجرين والأنصار، كما هو معروف في حديث السقيفة، فسابقوا الفتنة، فلم يتأت لهم انتظاره لذلك، وقد جرى بينهم في هذا المجلس من المحاورة
وَفَي رِوَايِةٍ: وَكَانَت فَاطِمَةُ تَسأَلُ أَبَا بَكرٍ نَصِيبَهَا مِمَّا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِن خَيبَرَ، وَفَدَكٍ، وَصَدَقَتِهِ بِالمَدِينَةِ، فَأَبَى أَبُو بَكرٍ عَلَيهَا ذَلِكَ، وَقَالَ: لَستُ تَارِكًا شَيئًا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعمَلُ بِهِ إِلَّا عَمِلتُ بِهِ، إِنِّي أَخشَى إِن تَرَكتُ شَيئًا مِن أَمرِهِ أَن أَزِيغَ، فَأَمَّا صَدَقَتُهُ بِالمَدِينَةِ فَدَفَعَهَا عُمَرُ إِلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ، فَغَلَبَهُ عَلَيهَا عَلِيٌّ، وَأَمَّا خَيبَرُ وَفَدَكُ، فَأَمسَكَهُمَا عُمَرُ، وَقَالَ: هُمَا صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَانَتَا لِحُقُوقِهِ الَّتِي تَعرُوهُ، وَنَوَائِبِهِ، وَأَمرُهُمَا إِلَى مَن وَلِيَ الأَمرَ، قَالَ: فَهُمَا عَلَى ذَلِكَ إِلَى اليَومِ.
رواه أحمد (1/ 10)، والبخاري (4245) و (4241)، ومسلم (1759)(52 و 54)، وأبو داود (2968).
* * *
ــ
والمكالمة، والإنصاف ما يدل: على معرفة بعضهم بفضل بعض، وأن قلوبهم متفقة على احترام بعضهم لبعض، ومحبة بعضهم لبعضٍ ما يشرق به الرافضي اللعين، وتُشرق قلوب أهل الدِّين.
والنفاسة هنا: الحسد. و (أزيغ): أميل عن الحق.
وقوله: (فغلبه عليها علي)؛ يعني: على الولاية عليها، والقيام بها. وكأن العباس رأى عليًّا أقوى عليها، وأضلع بها، فلم يعرض له بسببها، فعبَّر الراوي عن هذا بالغلبة، وفيه بُعد.
و(تعروه): تنزل به.
وقوله: (قال: فهما على ذلك إلى اليوم)؛ يعني: إلى يوم حدَّث الراوي بهذا الحديث، وقد ذكرنا زيادة البُرقاني في هذا المعنى.
وفي هذا الحديث أبواب من الفقه لا تخفى.