الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي رواية: الشِّكَالُ: أَن يَكُونَ الفَرَسُ فِي رِجلِهِ اليُمنَى بَيَاضٌ، وَفِي يَدِهِ اليُسرَى، أَو فِي يَدِهِ اليُمنَى وَرِجلِهِ اليُسرَى.
رواه أحمد (2/ 250)، ومسلم (1875)(101 و 102)، وأبو داود (2547)، والترمذي (1698)، والنسائي (6/ 219).
* * *
(39) باب الترغيب في الجهاد وفضله
[1341]
عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: تَضَمَّنَ اللَّهُ لِمَن خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ، لَا يُخرِجُهُ إِلَّا جِهَاد فِي سَبِيلِي، وَإِيمَان بِي، وَتَصدِيقٌ بِرَسُولِي، فَهُوَ عَلَيَّ ضَامِنٌ أَن أُدخِلَهُ الجَنَّةَ، أَو أَرجِعَهُ إِلَى مَسكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ
ــ
المخالف، فإن صح أن ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم فهو حق. والله تعالى أعلم.
وإن كان ذلك من قول بعض الرواة فالمعروف عند اللغويين ما قدَّمته من قول أبي عبيد.
(39)
ومن باب: الترغيب في الجهاد
قوله: (فهو عليّ ضامن)؛ قيل فيه: هو بمعنى مضمون. كما قالوا: ماء دافق؛ أي: مدفوق (1)، و: لا عاصم اليوم؛ أي: معصوم. وقيل معناه: ذو ضمان. كما قال في الحديث الآخر: (تكفل الله)؛ أي: ضمن. وهذا كله عبارة عن أن هذا الجزاء لا بد منه؛ إذ قد سبق هذا في علمه ونافذ حكمه. وعن هذا المعنى عبَّر بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشتَرَى مِنَ المُؤمِنِينَ أَنفُسَهُم وَأَموَالَهُم} الآية؛ لأن من اشترى شيئا تعين عليه ثمنه، وكذلك من ضمنه.
وقوله: (أن أدخله الجنة، أو أرجعه إلى مسكنه)؛ يعني: أن الله تعالى
(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).
مِنهُ نَائِلًا مَا نَالَ مِن أَجرٍ أَو غَنِيمَةٍ، وَالَّذِي نَفسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! مَا مِن كَلمٍ يُكلَمُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِلَّا جَاءَ يَومَ القِيَامَةِ كَهَيئَتِهِ حِينَ كُلِمَ. . .
ــ
ضمن له إحدى الحسنيين؛ إما الشهادة، فيصير إلى الجنة حيًّا يرزق فيها، وإما الرجوع إلى وطنه بالأجر والغنيمة.
وقوله: (نائلا ما نال من أجر أو غنيمة)؛ كذا لأكثر الرواة، بـ (أو) وهي هنا بمعنى الواو الجامعة على مذهب الكوفيين، وأنشدوا:
نال الخلافة أو كانت له قدرًا
…
كما أتى ربه موسى على قدر (1)
وقد دلَّ على هذا المعنى رواية أبي داود لهذه اللفظة، فإنه قال فيها:(من أجر وغنيمة) بالواو الجامعة. وقد رواه بعض رواة كتاب مسلم بالواو. وذهب بعض العلماء إلى أنها (أو) على بابها لأحد الشيئين، وليست بمعنى الواو. وقال: إن الحاصل لمن لم يستشهد من الجهاد أحد الأمرين: إما الأجر؛ إن لم يغنم، وإما الغنيمة ولا أجر. وهذا ليس بصحيح؛ لما يأتي من حديث عبد الله بن عمرو: أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من غازية تغزو فيصيبوا ويغنموا إلا تعجلوا ثلثي أجورهم من الآخرة، ويبقى لهم الثلث)(2)، وهذا نص في أنَّه يحصل له مجموع الأجر والغنيمة. فالوجه: التأويل الأول. والله تعالى أعلم.
وقوله: (ما من كلم يكلم في سبيل الله)؛ أي: ما من جرح يجرح في الجهاد الذي يبتغى به وجه الله.
وقوله: (إلا جاء يوم القيامة كهيئته حين كلم)؛ فيه دليل: على أن الشهيد لا يغسل. وهو قول الجمهور. وقد تقدم في الجنائز.
(1) هذا البيت لجرير بن عطية، يمدح الخليفة عمر بن عبد العزيز.
(2)
رواه مسلم (1906)، وأبو داود (2497)، والنسائي (6/ 17 و 18)، وابن ماجه (2785).
لَونُهُ لَونُ دَمٍ، وَرِيحُهُ ريح مِسكٌ، وَالَّذِي نَفسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَولَا أَن يَشُقَّ عَلَى المُسلِمِينَ، مَا قَعَدتُ خِلَافَ سَرِيَّةٍ تَغزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَبَدًا، وَلَكِن لَا أَجِدُ سَعَةً فَأَحمِلَهُم، وَلَا يَجِدُونَ سَعَةً، وَيَشُقُّ عَلَيهِم أَن يَتَخَلَّفُوا عَنِّي، وَالَّذِي نَفسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ! لَوَدِدتُ أَن أَغزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأُقتَلُ، ثُمَّ أَغزُو فَأُقتَلُ، ثُمَّ أَغزُو فَأُقتَلُ.
رواه مسلم (1876)(103)، والنسائي (8/ 119).
[1342]
وعَنه: عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَن جَاهَدَ فِي سَبِيلِهِ لَا يُخرِجُهُ مِن بَيتِهِ إِلَّا جِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ، وَتَصدِيقُ كَلِمَتِهِ، بِأَن يُدخِلَهُ الجَنَّةَ، أَو
ــ
وقوله: (لونه لون دم، وريحه ريح مسك)، وفي الرواية الأخرى:(وجرحه يثعب دمًا)؛ أي: يسيل. وقد يستدل بهذا الحديث على أن تغير ريح الماء بالمخالط النجس لا يخرجه عن أصله، كما لم يخرج الدم عن كونه دمًا استحالة رائحته إلى رائحة المسك، وهو قول عبد الملك في رائحة الماء أنها لا تفسده، ولا تخرجه عن أصله. وقد استدل به أيضًا على نقيض ذلك، وهو: أن تغير الرائحة يخرجه عن أصله، كما هو مذهب الجمهور. ووجه هذا الاستدلال: أن الدم لما استحالت رائحته إلى رائحة المسك خرج عن كونه مستخبثًا نجسًا، فإنه صار مسكًا، وإن المسك بعض دم الغزال، فكذلك الماء إذا تغيرت رائحته. وأخرج البخاري هذا الحديث في: المياه. وتؤول له كلا التأويلين.
وقوله: (والله أعلم بمن يكلم في سبيله)؛ تنبيه على: وجوب الإخلاص في الجهاد، وتنويه بالمخلص فيه، واستبعاد للإخلاص، وإشعار بقلته.
وقوله: (وتصديق كلماته)؛ بالجمع. وفي غير كتاب مسلم: (كلمته)(1).
(1) كما في البخاري (3123).
يَرجِعَهُ إِلَى مَسكَنِهِ الَّذِي خَرَجَ مِنهُ مَعَ مَا نَالَ مِن أَجرٍ أَو غَنِيمَةٍ.
رواه أحمد (2/ 399)، والبخاري (3123)، ومسلم (1876)(104)، والنسائي (6/ 16).
[1343]
وعَنه: عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يُكلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَعلَمُ بِمَن يُكلَمُ فِي سَبِيلِهِ- إِلَّا جَاءَ يَومَ القِيَامَةِ وَجُرحُهُ يَثعَبُ، اللَّونُ لَونُ الدَمٍ، وَالرِّيحُ رِيحُ المِسكٍ.
رواه مسلم (1876)(105).
[1344]
وعَنه قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ-صلى الله عليه وسلم: مَا يَعدِلُ الجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا تَستَطِيعُونَهُ. قَالَ: فَأَعَادُوا عَلَيهِ مَرَّتَينِ أَو ثَلَاثًا، كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ:
ــ
وكل متقارب في المعنى؛ يعني به: كلام الله تعالى الذي أخبر به عن ثواب الجهاد، وفضل الشهادة.
وسُمي الشهيد شهيدًا؛ لأنه حي يرزق، ويشاهد الجنة، وما أكرمه الله تعالى به. وقيل: لأنه ممن يشهد على الأمم يوم القيامة. وقيل: لأن الله تعالى وملائكته شهدوا له بالرضا والرضوان. فعلى هذا يكون فعيل بمعنى: مفعول؛ أي: مشهود له. وعلى التأويلين الأولين بمعنى: فاعل.
وقوله: (ما يعدل)؛ أي: ما يعادله ويماثله في الثواب عند الله تعالى؟
وقوله: (لا تستطيعونه)؛ أي: لا تطيقون أن تفعلوا ما يساوي ثواب الجهاد. ووجهه: أن كل ما يصدر من المجاهد في حالتي نومه ويقظته، وسكونه وحركته هو عمل صالح يكتب له ثوابه دائمًا، بدوام أفعاله، إذ لا يتأتى لغيره فيه؛ لأنه على كل حال في الجهاد، وملابس أحواله، وذلك: أن المجاهد إما أن ينال من العدو، أو يغيظه، أو يروّعه، أو يكثر سواد المسلمين، أو يصيبه نصب أو مخمصة. وكل ذلك أعمال كثيرة لها أجور عظيمة، كما قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُم
لَا تَستَطِيعُونَهُ. قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: مَثَلُ المُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ القَائِمِ القَانِتِ بِآيَاتِ اللَّهِ، لَا يَفتُرُ مِن صِيَامٍ وَلَا صَلَاةٍ، حَتَّى يَرجِعَ المُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
رواه مسلم (1878)، والنسائي (6/ 19).
[1345]
وعَن أَنَسِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَغَدوَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَو رَوحَةٌ، خَيرٌ مِن الدُّنيَا وَمَا فِيهَا.
رواه أحمد (3/ 132)، والبخاري (2792)، ومسلم (1880)، والترمذي (1651)، وابن ماجه (2757).
ــ
لا يُصِيبُهُم ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوطِئًا يَغِيظُ الكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِن عَدُوٍّ نَيلا إِلا كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجرَ المُحسِنِينَ} وعلى هذا نبه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم، القائم، القانت بآيات الله، لا يفتر من صيام ولا صلاة حتى يرجع المجاهد في سبيل الله)(1). فشبه المستغرق في أفضل العبادات التي هي الصوم والصلاة، الخاشع فيها؛ الذي لا يفتر بالمجاهد؛ لذلك المعنى الذي ذكرنا.
و(القائم)؛ يعني به: في الصلاة. و (القانت): الخاشع فيها.
و(الغدوة) - بفتح الغين-: واحدة المشي في الغدوِّ. وبضم الغين: وهو البكور. و (الروحة): المشية في الرواح، وهو الرجوع بالعشيّ. وأول العشي: الزوال. وقد تقدَّم هذا في الجمعة.
وقوله: (خير من الدنيا وما فيها)، وفي الرواية الأخرى:(مما طلعت عليه الشمس)؛ يعني: أن الثواب الحاصل على مشية واحدة في الجهاد خير لصاحبه من
(1) رواه البخاري (2787)، والنسائي (6/ 18).
[1346]
وفي حديث أبي أيوب: خَيرٌ مِمَّا طَلَعَت عَلَيهِ الشَّمسُ أوَ غَرَبَت.
رواه مسلم (1883).
[1347]
وعَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ، مَن رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِسلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، وَجَبَت لَهُ الجَنَّةُ. فَعَجِبَ لَهَا أَبُو سَعِيدٍ، فَقَالَ: أَعِدهَا عَلَيَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَفَعَلَ، ثُمَّ قَالَ: وَأُخرَى يُرفَعُ بِهَا العَبدُ مِائَةَ دَرَجَةٍ فِي الجَنَّةِ، مَا بَينَ كُلِّ دَرَجَتَينِ كَمَا
ــ
الدنيا كلها لو جمعت له بحذافيرها. وهذا كما قال في الحديث الآخر: (وموضع قوس أحدكم أو سوطه في الجنة خير من الدنيا وما فيها)(1). هذا منه صلى الله عليه وسلم إنما هو على ما استقر في النفوس من تعظيم ملك الدنيا. وأما على التحقيق فلا تدخل الجنة تحت (أفعل) إلا كما يقال: العسل أحلى من الخل. وقد قيل: إن معنى ذلك- والله أعلم- أن ثواب الغدوة والروحة أفضل من الدنيا وما فيها لو ملكها مالك، فأنفقها في وجوه البر والطاعة غير الجهاد. وهذا أليق، والأول أسبق.
وقوله: (من رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمدٍ رسولًا، وجبت له الجنَّة)؛ أي: من مات على ذلك فلا بدَّ له من دخول الجنَّة قطعًا، ولو دخل النار في كبائر عليه فمآله إلى الجنة على كل حال.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (وأخرى يرفع بها العبد مائة درجة)؛ أي: خصلة أخرى. والدرجة: المنزلة الرفيعة، ويراد بها غرف الجنة ومراتبها؛ التي أعلاها الفردوس، كما جاء في الحديث. ولا يظن من هذا: أن درجات الجنة محصورة بهذا العدد،
(1) رواه أحمد (3/ 263 - 264)، والبخاري (6568)، والترمذي (1651).
بَينَ السَّمَاءِ وَالأَرضِ. قَالَ: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
رواه أحمد (3/ 14)، ومسلم (1884)، والنسائي (6/ 19).
* * *
ــ
بل هي أكثر من ذلك، ولا يُعلم حصرها ولا عددها إلا الله تعالى، ألا تراه قد قال في الحديث الآخر:(يقال لصاحب القرآن: اقرأ وارق، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها)(1)؛ فهذا يدل: على أن في الجنة درجات على عدد آي القرآن، وهي نيف على ستة آلاف آية، فإذا اجتمعت للإنسان فضيلة الجهاد مع فضيلة القرآن، جمعت له تلك الدرجات كلها. وهكذا ما زادت أعماله زادت درجاته. والله تعالى أعلم (2).
* * *
(1) رواه أحمد (2/ 192)، وأبو داود (1464)، والترمذي (2914).
(2)
زاد في (ج 2):
قال شيخنا أبو محمد عبد العظيم المنذري:
(قوله "مئة درجة") يحتمل أن يكون الحديث على ظاهره، وأن الدرجات: المنازل التي بعضها أرفع من بعض في الظاهر، وكذلك منازل الجنة، كما جاء في أصحاب الغرف أنهم يراهم من هو أسفل منهم، كالكوكب الدُّريِّ، ويحتمل أن يكون المراد الرفعة المعنوية من عظيمِ الأجسام، وكثرة النعيم، وأن أنواع النعيم على المجاهد، وثوابه، يتفاضل تفاضلًا كثيرًا، ومثل ذلك تفاضله في البعد بما بين السماء والأرض من البعد. ورجَّح بعضُهم الأول.