الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَفِي رِوَايَةٍ: ثُمَّ جَبَذَهُ إِلَيهِ جَبذَةً رَجَعَ نَبِيُّ اللهِ فِي نَحرِ الأَعرَابِيِّ.
وَفِي رِوَايَةٍ: فَجَاذَبَهُ حَتَّى انشَقَّ البُردُ، وَحَتَّى بَقِيَت حَاشِيَتُهُ فِي عُنُقِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم.
رواه أحمد (3/ 152 و 210)، والبخاري (5809)، ومسلم (1057).
* * *
(26) باب إعطاء المؤلفة قلوبهم
1058 [925] عَنِ المِسوَرِ بنِ مَخرَمَةَ، قَالَ: قَدِمَت عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَقبِيَةٌ، فَقَالَ لِي أَبِي مَخرَمَةُ: انطَلِق بِنَا إِلَيهِ عَسَى أَن يُعطِيَنَا مِنه شَيئًا، قَالَ: فَقَامَ
ــ
الشديدة التي انشق البرد لها، وتأثر عنقه بسببها، حتى انفلت (1) عن وجهته، ورجع إلى نحر الأعرابي؛ دليل على أن الذي تَمَّ له من مقام الصبر والحلم ما تم لأحد، وهذا نظير صبره وحلمه يوم أحد؛ حيث كسرت رباعيته، وشج في وجهه، وصرع على جنبه، وهو في هذا الحال يقول:(اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)(2)، صلى الله عليه وسلم، وشرّف وكرّم.
(26)
ومن باب: إعطاء من يخاف على إيمانه
قوله: قدمت أقبية، فقال أبي: انطلق عسى أن يعطينا منه؛ كذا وقع من رواية: منه بضمير الواحد، وكأنه عائد على نوع الأقبية في المعنى. ووقع في رواية
(1) في (هـ) و (ط): انقلب.
(2)
رواه الطبراني (5694)، وابن حبان (973) من حديث سهل بن سعد.
أَبِي عَلَى البَابِ فَتَكَلَّمَ فَعَرَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَوتَهُ فَخَرَجَ وَمَعَهُ قَبَاءٌ، وَهُوَ يُرِيهِ مَحَاسِنَهُ وَهُوَ يَقُولُ:(خَبَأتُ هَذَا لك، خَبَأتُ هَذَا لَكَ).
وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيهِ فَقَالَ: (رَضِيَ مَخرَمَةُ).
وَقَد تَقَدَمَ قَولُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حديث سَعدٍ: (إَنِي لأُعطِي الرَجُلَ وَغَيرُهُ أَحَبُ إِلَيَّ مِنهُ خَشيَةَ أَن يُكَبُ فِي النَارِ عَلَى وَجهِه). تقدم تخريجه برقم (119).
رواه البخاري (2599)، ومسلم (1058)، وأبو داود (4028)، والترمذي (2818)، والنسائي (8/ 205).
[926]
وَعَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ، أَنَّ ناسًا مِنَ الأَنصَارِ قَالُوا يَومَ حُنَينٍ حِينَ أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِن أَموَالِ هَوَازِنَ مَا أَفَاءَ، فَطَفِقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم
ــ
أخرى: (منها) وهي الظاهرة.
والأقبية: جمع قباء، وهو فارسي معرَّب، وقيل: هو عربيّ، واشتقاقه: من القبو، وهو الضمُّ والجمع. حكاه أبو الفرج الجوزي عن شيخه أبي منصور اللغوي.
وقوله: حين أفاء الله؛ أي ردّ ورجع، والفيء: الرجوع، ومنه سُمّي الظل بعد الزوال: فيئًا؛ لأنه رجع من جانب المغرب إلى جانب المشرق.
وكأن الأموال التي بأيدي الكفار كانت بالأصالة للمؤمنين، إذ الإيمان هو الأصل، والكفر طارئ عليه، فغلب الكفار على تلك الأموال، فإذا غنم المسلمون منها شيئًا رجعت إلى نوع من كان ملك أصلها (1).
وقوله: فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي: جعل، وهي من أخوات كاد، إلا أنها
(1) في (هـ): يملكها.
يُعطِي رِجَالاً مِن قُرَيشٍ المِائَةَ مِنَ الإِبِلِ، فَقَالُوا: يَغفِرُ اللهُ لِرَسُولِ اللهِ يُعطِي قُرَيشًا وَيَترُكُنَا، وَسُيُوفُنَا تَقطُرُ مِن دِمَائِهِم.
قَالَ أَنَسُ بنُ مالكٍ: فَحُدِّثَ ذَلِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِن قَولِهِم، فَأَرسَلَ إِلَى الأَنصَارِ فَجَمَعَهُم فِي قُبَّةٍ مِن أَدَمٍ، فَلَمَّا اجتَمَعُوا جَاءَهُم رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:(مَا حديث بَلَغَنِي عَنكُم؟ ) فَقَالَ لَهُ فُقَهَاءُ الأَنصَارِ: أَمَّا ذَوُو رَأيِنَا يَا رَسُولَ اللهِ فَلَم يَقُولُوا شَيئًا، وَأَمَّا أُنَاسٌ مِنَّا حَدِيثَةٌ أَسنَانُهُم قَالُوا: يَغفِرُ اللهُ لِرَسُولِهِ يُعطِي قُرَيشًا وَيَترُكُنَا، وَسُيُوفُنَا تَقطُرُ مِن دِمَائِهِم، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:(فَإِنِّي أُعطِي رِجَالاً حَدِيثِي عَهدٍ بِكُفرٍ أَتَأَلَّفُهُم، أَفَلا تَرضَونَ أَن يَذهَبَ النَّاسُ بِالأَموَالِ وَتَرجِعُونَ إِلَى رِحَالِكُم بِرَسُولِ اللهِ؟ فَوَاللهِ لَمَا تَنقَلِبُونَ بِهِ خَيرٌ مِمَّا يَنقَلِبُونَ بِهِ).
فَقَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ! قَد رَضِينَا، قَالَ:(فَإِنَّكُم سَتَجِدُونَ أَثَرَةً شَدِيدَةً، فَاصبِرُوا حَتَّى تَلقَوُا اللهَ وَرَسُولَهُ، فَإِنِّي عَلَى الحَوضِ) قَالُوا: سَنَصبِرُ.
ــ
متصلة بالفعل الذي هو خبرها، وكاد مقاربة مفارقة. وقد تقدم الكلام عليها. والأدم: الجلد.
وقوله: (فإنكم ستجدون أثرة شديدة)، روي عن العذري والطبري، وهي روايتنا: أَثَرَة - بفتح الهمزة والثاء. قال أبو عبيد: أي: يُستَأثر عليكم فيفضل غيركم نفسه عليكم في الفيء. والأثرة: اسم من: آثر يؤثر إيثارًا. قال الأعشى:
استأثر الله بالبقاء وبالـ
…
ـعدل وولى الملامة الرجلا (1)
(1) في اللسان: الوفاء بدل: البقاء.
وَفِي رِوَايَةٍ: جَمَعَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الأَنصَارَ فَقَالَ: (أَفِيكُم أَحَدٌ مِن غَيرِكُم؟ ) فَقَالُوا: لا إِلا ابنُ أُختٍ لَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:(إِنَّ ابنَ أُختِ القَومِ مِنهُم)، فَقَالَ:(إِنَّ قُرَيشًا حديث عَهدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَمُصِيبَةٍ وَإِنِّي أَرَدتُ أَن أَجبُرَهُم وَأَتَأَلَّفَهُم، أَمَا تَرضَونَ أَن يَرجِعَ النَّاسُ بِالدُّنيَا وَتَرجِعُونَ بِرَسُولِ اللهِ إِلَى بُيُوتِكُم؟ لَو سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا، وَسَلَكَ الأَنصَارُ شِعبًا لَسَلَكتُ شِعبَ الأَنصَارِ).
وَفِي أُخرَى: فَانهَزَمَ المُشرِكُونَ وَأَصَابَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَنَائِمَ كَثِيرَةً، فَقَسَمَ فِي المُهَاجِرِينَ وَالطُّلَقَاءِ، وَلَم يُعطِ الأَنصَارَ شَيئًا، فَقَالَتِ الأَنصَارُ: إِذَا كَانَتِ الشِّدَّةُ فَنَحنُ نُدعَى وَيعطَى الغَنَائِمُ غَيرَنَا، فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَجَمَعَهُم فِي قُبَّةٍ، فَقَالَ: مَا حديث بَلَغَنِي عَنكُم؟ وَذَكَرَ نَحوِ مَا تَقَدَم.
رواه أحمد (3/ 246)، والبخاري (4331)، ومسلم (1059)، والترمذي (3901).
ــ
قال: وسمعت الأزهري يقول: الأثرة: الاستئثار. والجمع: الأُثُر.
وعند أبي بحر في هذا الحرف بضم الهمزة وسكون الثاء. وأصل الأثرة: الفضل. قال أبو عبيد: يقال: له عليّ أثرة؛ أي: فضل، ومعناها قريب من الأول. وقيد عن علي أبي الحسين بن سراج الوجهين.
والوادي: مجرى الماء المتسع (1). والشعب: الطريق في الجبل. والشعار: الثوب الذي يلي الجسد. والدثار: الذي يلي الشعار. ومعناه: أن الأنصار هم خاصته صلى الله عليه وسلم وبطانته. وليس كذلك غيرهم. والطُلَقاء: هم الذين
(1) ساقط من (ع).
[927]
وَمِن حديث عَبدِ اللهِ بنِ زَيدٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا فَتَحَ حُنَينًا قَسَمَ الغَنَائِمَ، فَأَعطَى المُؤَلَّفَةَ قُلُوبُهُم، فَبَلَغَهُ أَنَّ الأَنصَارَ يُحِبُّونَ أَن يُصِيبُوا مَا أَصَابَ النَّاسُ، فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَخَطَبَهُم، فَحَمِدَ اللهَ وَأَثنَى عَلَيهِ ثُمَّ:(قَالَ يَا مَعشَرَ الأَنصَارِ أَلَم أَجِدكُم ضُلالاً فَهَدَاكُمُ اللهُ بِي؟ وَعَالَةً فَأَغنَاكُمُ اللهُ بِي؟ وَمُتَفَرِّقِينَ فَجَمَعَكُمُ اللهُ بِي؟ وَيَقُولُونَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ. فَقَالَ: (أَلا تُجِيبُونِني؟ فَقَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ فَقَالَ: أَمَا إِنَّكُم لَو شِئتُم أَن تَقُولُوا كَذَا وَكَذَا، وَكَانَ مِنَ الأَمرِ كَذَا لأَشيَاءَ عَدَّدَهَا. زَعَمَ عَمرٌو أَن لا يَحفَظُهَا. فَقَالَ: (أَلا تَرضَونَ أَن يَذهَبَ النَّاسُ بِالشَّاءِ وَالإِبِلِ وَتَذهَبُونَ بِرَسُولِ اللهِ إِلَى رِحَالِكُم؟ الأَنصَارُ شِعَارٌ وَالنَّاسُ دِثَارٌ، وَلَولا الهِجرَةُ لَكُنتُ امرَأً مِنَ الأَنصَارِ، وَلَو سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَشِعبًا لَسَلَكتُ وَادِيَ الأَنصَارِ وَشِعبَهُم. إِنَّكُم سَتَلقَونَ بَعدِي أَثَرَةً فَاصبِرُوا حَتَّى تَلقَونِي عَلَى الحَوضِ).
رواه أحمد (4/ 42)، والبخاري (4330)، ومسلم (1061).
[928]
وَعَن عَبدِ اللهِ بِن مَسعُودٍ: لَمَّا كَانَ يَومُ حُنَينٍ آثَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَاسًا فِي القِسمَةِ، فَأَعطَى الأَقرَعَ بنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنَ الإِبِلِ، وَأَعطَى عُيَينَةَ مِثلَ ذَلِكَ. وَأَعطَى أُنَاسًا مِن أَشرَافِ العَرَبِ. وَآثَرَهُم يَومَئِذٍ فِي
ــ
مَنَّ عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، وخلَّى سبيلهم يوم فتح مكة. وأصله: أنه أطلقهم، بعدما حصلوا في وثاقه.
وقوله: (ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار)؛ أي: أتسمى باسمهم، وأنتسب إليهم، كما كانوا يتناسبون بالحلف. لكن خصوصية الهجرة ومرتبتها سبقت وعَلِقَت، فهي أعلى وأشرف، فلا تبدل بغيرها، ولا ينتفى منها من حصلت له.
القِسمَةِ، فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ لَقِسمَةٌ مَا عُدِلَ فِيهَا، وَمَا أُرِيدَ فِيهَا وَجهُ اللهِ. قَالَ: فَقُلتُ: وَاللهِ لأخبرن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَأَتَيتُهُ فَأَخبَرتُهُ بِمَا قَالَ،
ــ
وقول القائل: في قسمة النبي صلى الله عليه وسلم: هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، أو: ما عدل فيها؛ قول جاهل بحال النبي صلى الله عليه وسلم، غليظ الطبع، حريص، شره، منافق. وكان حقه أن يُقتل؛ لأنه آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ يُؤذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ} والعذاب في الدنيا هو: القتل، لكن لم يقتله النبي صلى الله عليه وسلم للمعنى الذي قاله، وهو من حديث جابر:(لا يتحدّث الناس: أن محمدًا يقتل أصحابه)(1)، ولهذه العلة امتنع النبي صلى الله عليه وسلم من قتل المنافقين، مع علمه بأعيان كثير منهم، وبنفاقهم. ولا يلتفت لقول من قال بإبداء علة أخرى؛ لأن حديث جابر وغيره نصٌّ في تلك العلة، وقد أُمِنت تلك العلة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا نفاق بعده، وإنما هو الزندقة، كذلك قال مالك رحمه الله، فمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو سبّه قتل ولا يستتاب، وهذا هو الحق والصواب.
واختلف في هذا العطاء الذي النبي صلى الله عليه وسلم لهؤلاء المؤلفة قلوبهم.
هل كان من الخمس؟ أو كان من صلب الغنيمة؟ والإجراء على أصول الشريعة أن يكون من الخمس، ومنه أكثر عطاياه صلى الله عليه وسلم. وقد قال صلى الله عليه وسلم:(ما لي مما أفاء الله عليكم إلا الخمس، والخمس مردود فيكم)(2).
والظاهر من مراجعة الأنصار، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:(ألا ترضون أن يرجع الناس بالشاء والبعير، وترجعون برسوله لله إلى رحالكم)؛ أنه كان من صلب الغنيمة، وأن ذلك إنما كان لما يعلم من رضا أصحابه بذلك، ولطيب قلوبهم به، أو يكون هذا مخصوصًا بتلك الواقعة، وله أن يفعل ما شاء في الأموال والرقاب.
والأصل: التمسك بقواعد الشريعة على ما تقررت، والله تعالى أعلم.
(1) رواه الترمذي (3315) وانظر: فتح الباري (10/ 231).
(2)
رواه مالك في الموطأ (2/ 457 و 458) مرسلًا، وقد وصله النسائي (7/ 131 - 132).