الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[1218]
وعن عَمرِو بنِ حُرَيثٍ قَالَ: كَأَنِّي أَنظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَيهِ عِمَامَةٌ سَودَاءُ قَد أَرخَى طَرَفَيهَا بَينَ كَتِفَيهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ: يَخطُبُ النَّاسَ.
رواه مسلم (1359).
* * *
(58) باب تحريم المدينة وصيدها وشجرها والدعاء لها
[1219]
عن عَبدِ اللَّهِ بنِ زَيدِ بنِ عَاصِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ إِبرَاهِيمَ عليه السلام حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لهَا، وَإِنِّي حَرَّمتُ المَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إِبرَاهِيمُ مَكَّةَ، وَإِنِّي دَعَوتُ فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا بِمِثلَي مَا دَعَا بِهِ إِبرَاهِيمُ لِأَهلِ مَكَّةَ.
ــ
لقوله إنه دخل ذلك اليوم وعليه المغفر؛ لإمكان أن تكون العمامة تحت المغفر وقاية من صدأ الحديد وشعثه، أو يكون نزع المغفر عند انقياد أهل مكة ولبس العمامة، والله تعالى أعلم.
(58)
ومن باب: تحريم المدينة
قوله صلى الله عليه وسلم إن إبراهيم حرَّم مكة؛ أي: بلَّغ حكم تحريمها. وعلى ذلك يحمل قول نبينا صلى الله عليه وسلم وإني أحرِّم ما بين لابتي المدينة، وَقَد دَلَّ عَلَى صِحَّةِ هَذَا التَّأوِيلِ قَولُهُ صلى الله عليه وسلم إن الله حرَّم مكة ولم يحرّمها الناس.
وقوله وإني دعوتُ في صاعها ومُدِّها بمثلي ما دعا به إبراهيم لأهل
رواه أحمد (4/ 40)، والبخاريُّ (2129)، ومسلم (1360)(454).
[1220]
وعن عَامِرُ بنُ سَعدٍ، عَن أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَينَ لَابَتَي المَدِينَةِ أَن يُقطَعَ عِضَاهُهَا أَو يُقتَلَ صَيدُهَا.
ــ
مكة؛ تفسيره ما جاء في حديث أنس، وهو قوله: اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما بمكة من البركة.
وقوله في صاعها ومُدِّها؛ أي: في ذي صاعها وذي مدَّها، يعني: فيما يُكال بالصَّاع والمدِّ. ووجهُ البركة تكثير ذلك وتضعيفه في الوجود أو في الشبع، وقد فعل (1) الله تعالى كل ذلك بالمدينة، فانجلب الناس إليها من كل أرض وبلد، وصارت مستقر ملوكٍ، وجلبت إليها الأرزاق، وكثرت فيها مع قلة أكل أهلها وترك نهمهم، وإنما هي وجبة واحدة يأكلون فيها العُلقة (2) من الطعام والكفِّ من التمر ويُكتفى به، ثم لا يلزم أن يكون ذلك فيها دائمًا ولا في كل شخص، بل تتحقق إجابة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إذا وجد ذلك في أزمان أو في غالب أشخاص، والله تعالى أعلم.
وقوله إني أحرِّم ما بين لابتي المدينة أن يُقطع عضاهها، أو يُقتل صيدها، اللابة: الأرض ذات الحجارة، وهي الحرَّة، وجمعها في القلة: لاباتٌ، وفي الكثرة: لابٌ، ولوبٌ. كـ (قارة) و (قور) و (ساحة) و (سوح) و (باحة) و (بوح)، قاله ابن الأنباري (3). اللابتان: الحرتان الشرقية والغربية، وللمدينة لابتان في القبلة والجرف، وترجع إليهما الشرقية والغربية (4)، قال الهروي:
(1) في (ع): جعل.
(2)
"العُلْقة": ما يتبلّغ به من الطعام.
(3)
في (هـ) بياض وفي (ز): ابن حبيب، وفي (ع) و (ج): ابن فلان، والمثبت من (ل).
(4)
ما بين حاصرتين ساقط من (ع).
وَقَالَ: المَدِينَةُ خَيرٌ لَهُم لَو كَانُوا يَعلَمُونَ،
ــ
يقال: ما بين لابتيها أجهل من فلان؛ أي: ما بين طرفيها - يعني المدينة.
وهذا الحديث نصٌّ في تحريم صيد المدينة وقطع شجرها، وهو حجة للجمهور على أبي حنيفة وأصحابه في إباحة ذلك، وإنكارهم على من قال بتحريم المدينة بناء منهم على أصلهم في ردِّهم أخبار الآحاد فيما تعم به البلوى، وقد تكلَّمنا معهم في هذا الأصل في باب أحداث الوضوء، ولو سلم لهم ذلك جدلًا فتحريم المدينة قد انتشر عند أهل المدينة والمحدِّثين وناقلي الأخبار حتى صار ذلك معلومًا عندهم بحيث لا يشكون فيه، والذي قصَّر بأبي حنيفة وأصحابه في ذلك قلَّة اشتغالهم بالحديث ونقل الأخبار، وإلا فما الفرق بين الأحاديث الشاهدة بتحريم مكة وبين الشاهدة بتحريم المدينة في الشهرة، ولو بحثوا عنها وأمعنوا فيه حصل لهم منها مثل الحاصل لهم من أحاديث مكة.
والجمهور على أن صيدها لا جزاء فيه؛ لعدم النص في ذلك، ولم يتحققوا جامعًا بين الصَّيدين فلم يُلحقوه به، وقد قال بوجوب الجزاء فيه ابن أبي ذئب وابن أبي ليلى وابن نافع من أصحابنا، واختلف قول الشافعي في ذلك. فأما الشجر: فيحرم قطعه منها أيضًا، وهو محمول على مثل ما حمل عليه شجر مكة، وهو ما لم يُعالج إنباتَه الآدمي، ويدل على صحة ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع نخل المسجد (1)، وقد ذكر ابن نافع عن مالك أنه قال: إنما نهي عن قطع شجر المدينة لئلا تتوحش وليبقى فيها شجرها؛ ليستأنس ويستظل به مَن هاجر إليها.
قلت: وعلى هذا فلا يُقطع منها نخل ولا غيره، وحينئذ تزول خصوصية ذكر العضاه وهو شجر البادية الذي ينبت لا بصنع آدمي، والأول أولى، والله تعالى أعلم.
وقوله والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون؛ يعني: للمرتحلين عنها إلى
(1) رواه البخاري (428)، ومسلم (524).
لَا يَدَعُهَا أَحَدٌ رَغبَةً عَنهَا إِلَّا أَبدَلَ اللَّهُ فِيهَا مَن هُوَ خَيرٌ مِنهُ، وَلَا يَثبُتُ أَحَدٌ عَلَى لَأوَائِهَا وَجَهدِهَا إِلَّا كُنتُ لَهُ شَفِيعًا أَو شَهِيدًا يَومَ القِيَامَةِ.
ــ
غيرها، ويفسِّر هذا حديث سفيان بن زهير الآتي بعد هذا إن شاء الله تعالى.
وقوله لا يدعها أحد رغبة عنها إلا أبدل فيها من هو خير منه. . . إلى آخر الحديث، رغبة عنها أي كراهية لها، يقال: رغبت في الشيء - أحببته، ورغبت عنه: كرهته.
وفي معنى هذا الحديث قولان؛
أحدهما: أن ذلك مخصوص بمدة حياته.
والثاني: أنه دائم أبدًا.
ويشهد له قوله في حديث آخر يأتي على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه وقريبه هلم إلى الرخاء! والمدينة خير لهم (1)، وذكر ما تقدَّم (2).
وقوله لا يثبت أحدٌ على لأوائها وشدَّتها، اللأواء - ممدود: هو الجوع وشدَّة الكسب فيها والمشقات. ويحتمل أن يعود الضمير في شدَّتها على اللأواء فإنها مؤنثة، وعلى المدينة، والأول أقرب.
وقوله إلا كنت له شفيعًا أو شهيدًا، زعم قوم أن أو هنا شكٌّ من بعض الرواة وليس بصحيح، فإنه قد رواه جماعة من الصحابة ومِن الرواة كذلك على لفظ واحد، ولو كان شكًّا لاستحال أن يتفق الكل عليه، وإنما أو هنا للتقسيم والتنويع، كما قال الشاعر:
فقالوا لنا ثِنتانِ لا بُدَّ مِنهُما
…
صدور رِماح أُشرِعت أو سَلاسِلُ
ويكون المعنى: إن الصابر على شدة المدينة صنفان؛ من يشفع له النبي صلى الله عليه وسلم
(1) رواه مسلم (1381)، وأحمد (2/ 439).
(2)
في (هـ) و (ز): لو كانوا يعلمون بدل (وذكر ما تقدم).
وَفِي رِوَايَةٍ: وَلَا يُرِيدُ أَحَدٌ أَهلَ المَدِينَةِ بِسُوءٍ إِلَّا أَذَابَهُ اللَّهُ فِي النَّارِ ذَوبَ الرَّصَاصِ أَو ذَوبَ المِلحِ فِي المَاءِ.
رواه أحمد (1/ 169)، ومسلم (1363).
[1221]
وعنه أَنَّ سَعدًا رَكِبَ إِلَى قَصرِهِ بِالعَقِيقِ فَوَجَدَ عَبدًا يَقطَعُ شَجَرًا أَو يَخبِطُهُ، فَسَلَبَهُ، فَلَمَّا رَجَعَ سَعدٌ جَاءَ أَهلُ العَبدِ فَكَلَّمُوهُ أَن يَرُدَّ عَلَى غُلَامِهِم أَو عَلَيهِم مَا أَخَذَ مِن غُلَامِهِم، فَقَالَ: مَعَاذَ اللَّهِ أَن أَرُدَّ شَيئًا نَفَّلَنِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم! وَأَبَى أَن يَرُدَّ عَلَيهِم.
رواه أحمد (1/ 168)، ومسلم (1364).
ــ
من العصاة، ومن يشهد له بما نال فيها من الشدَّة ليوفَّى أجره. وشفاعته صلى الله عليه وسلم وإن كانت عامة للعصاة من أمته إلا أن العصاة من أهل المدينة لهم زيادة خصوص منها، وذلك - والله تعالى أعلم - بأن يشفع لهم قبل أن يعذبوا بخلاف غيرهم، أو يشفع في ترفيع درجاتهم أو في السَّبق إلى الجنة، أو فيما شاء الله من ذلك.
وقوله ولا يريد أحد أهل المدينة بسوء إلا أذابه الله في النار، ظاهر هذا أن الله يعاقبه بذلك في النار، ويحتمل أن يكون ذلك كناية عن إهلاكه في الدُّنيا أو عن توهين أمره وطمس كلمته كما قد فعل الله ذلك بمن غزاها وقاتل أهلها فيمن تقدَّم؛ كمسلم بن عقبة إذ أهلكه الله منصرفه عنها، وكإهلاك يزيد بن معاوية إثر إغزائه أهل المدينة، إلى غير ذلك.
والعقيق موضع بينه وبين المدينة عشرة أميال، وبه مات سعد، وحُمل إلى المدينة فصلي عليه ودفن فيها.
والسَّلب بفتح اللام: الشيء المسلوب؛ أي المأخوذ، وبإسكانها المصدر. ونفلنيه: أعطانيه نافلة.
[1222]
وعَن سَهلِ بنِ حُنَيفٍ قَالَ: أَهوَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ إِلَى المَدِينَةِ فَقَالَ: إِنَّهَا حَرَمٌ آمِنٌ.
رواه أحمد (3/ 486)، ومسلم (1375).
[1223]
وعن أَنَسَ بنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لِأَبِي طَلحَةَ التَمِس لِي غُلَامًا مِن غِلمَانِكُم يَخدُمُنِي! فَخَرَجَ بِي أَبُو طَلحَةَ يُردِفُنِي وَرَاءَهُ، فَكُنتُ أَخدُمُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُلَّمَا نَزَلَ، قَالَ: ثُمَّ أَقبَلَ حَتَّى إِذَا بَدَا لَهُ أُحُدٌ
ــ
وأصل النافلة الزيادة، وإنما فعل سعد هذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك في حق مَن صاد في حرم المدينة، كما رواه أبو داود من حديث سعد أيضًا، وذكر نحو حديث مسلم في الشجر ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أخذ أحدًا بصيد في حرم المدينة فليسلبه (1)، وكأن سعدًا قاس قطع شجرها على صيدها بجامع كونهما محرمين بحرمة الموضع، وهذا كله مبالغة في الرَّدع والزجر لا أنها حدود ثابتة في كل أحدٍ وفي كل وقت، وامتناعه من رد السَّلب لأنه رأى أن ذلك أدخل في باب الإنكار والتشديد، ولتنتشر القضية في الناس فيكفوا عن الصيد وقطع الشجر.
وقوله إنها حرم آمن، يروى آمن بمدة بعد الهمزة وكسر الميم على النعت لـ حرم؛ أي: من أن تغزوه قريش، كما قال يوم الأحزاب: لن تغزوكم قريش بعد اليوم (2)، أو من الدجال، أو الطاعون، أو آمن صيدُها وشجرها، ويروى بغير مدٍّ وإسكان الميم، وهو مصدر؛ أي: ذات أمن - كما يقال: امرأة عَدلٌ.
(1) رواه أبو داود (2037).
(2)
رواه البيهقي في دلائل النبوة (3/ 458).
قَالَ: هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ. فَلَمَّا أَشرَفَ عَلَى المَدِينَةِ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَينَ جَبَلَيهَا، مِثلَ مَا حَرَّمَ بِهِ إِبرَاهِيمُ مَكَّةَ، اللَّهُمَّ بَارِك لَهُم فِي مُدِّهِم وَصَاعِهِم.
رواه أحمد (3/ 159)، والبخاري (5425)، ومسلم (1365).
ــ
وقوله لأُحُدٍ هذا جبل يحبنا ونحبه، ذهب بعض الناس إلى أن هذا الحديث محمول على حقيقته وأن الجبل خُلِق فيه حياة ومحبَّة حقيقية، وقال: هو من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا لا يصدر عن مُحقق؛ إذ ليس في اللفظ ما يدل على ما ذكروا، والأصل بقاء الأمور على مستمر عاداتها حتى يدل قاطع على انخراقها لنبي أو ولي على ما تقرر في علم الكلام.
والذي يصح أن يُحمل عليه الحديث أن يقال: إن ذلك من باب المجاز المستعمل؛ فإما من باب الحذف، فكأنه قال: يحبنا أهله، كما قال:{وَاسأَلِ القَريَةَ} وهذا المعنى موجود في كلام العرب وفي أشعارهم كثيرًا، كقوله:
أَمُرُّ على الدِّيارِ دِيارِ ليلى
…
أُقَبِّلُ ذا الجِدارَ وذا الجِدارا
وما تلك الدِّيارُ شَغَفنَ قَلبِي
…
ولكن حُبُّ مَن سَكَنَ الدِّيارا
وإمَّا مِن باب الاستعارة؛ أي: لو كان ممن يعقل لأحبنا. أو على جهة مطابقة اللفظ اللفظ، أو لأنه استُشهد به من أحبَّه النبي صلى الله عليه وسلم كحمزة وغيره من الشهداء الذين استشهدوا به يوم أحد رضي الله عنهم.
وقوله صلى الله عليه وسلم اللهم إني أُحرِّم ما بين جَبَلَيها - وفي لفظ آخر: مَأزِمَيها بكسر الزاي وفتح الميم الثانية؛ بمعنى: جبليها - على ما قاله ابن شعبان، قال
[1224]
وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اجعل بالمدينة ضعفي ما بمكة من البركة.
رواه أحمد (3/ 142)، والبخاري (1885)، ومسلم (1369).
[1225]
وعن عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: مَن زَعَمَ أَنَّ عِندَنَا شَيئًا نَقرَؤُهُ إِلَّا كِتَابَ اللَّهِ وَهَذِهِ الصَّحِيفَةَ -قَالَ: وَصَحِيفَةٌ مُعَلَّقَةٌ فِي قِرَابِ سَيفِهِ- فَقَد كَذَبَ! فِيهَا: أَسنَانُ الإِبِلِ، وَأَشيَاءُ مِن الجِرَاحَاتِ، وَفِيهَا: قَالَ
ــ
ابن دريد: المأزم (1) المتضايق، ومنه: مأزمي منى، وهذا يقرب من تفسير ابن شعبان (2)، لأن المتضايق منقطع الجبال بعضها من بعض، وهما المعبّر عنهما بـ اللابتان.
ومقدار حرم المدينة ما قاله أبو هريرة أنه صلى الله عليه وسلم جعل اثني عشر ميلًا حول المدينة حمى.
وقوله المدينة حرام (3)، ما بين عير إلى ثور (4)، كذا رواية الرواة من عير إلى ثور، وللعذري عائر بدل عير، وقد أنكر الزبيري مصعب وغيره هاتين الكلمتين فقالوا: ليس بالمدينة عير ولا ثور. وقالوا: إنما ثور بمكة. وقال الزبيري: عير جبل بمكة. وأكثر رواة البخاري ذكروا عيرًا، وأما ثور فمنهم من كنَّى عنه بـ كذا ومنهم من ترك مكانه بياضًا؛ إذ اعتقدوا الخطأ في ذكره - قاله
(1) ساقط من (هـ) و (ل).
(2)
من (ج).
(3)
ساقط من (ع).
(4)
زيادة من (هـ).
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: المَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَينَ عَيرٍ إِلَى ثَورٍ، فَمَن أَحدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَو آوَى مُحدِثًا فَعَلَيهِ لَعنَةُ اللَّهِ وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجمَعِينَ، لَا يَقبَلُ اللَّهُ مِنهُ يَومَ القِيَامَةِ صَرفًا وَلَا عَدلًا، وَذِمَّةُ المُسلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسعَى بِهَا أَدنَاهُم، وَمَن ادَّعَى إِلَى
ــ
عياض. وقال بعضهم: ثور وهمٌ من بعض الرواة. قال أبو عبيد: كأن الحديث أصله من عير إلى أُحد، والله أعلم.
وقوله فمن أحدث فيها حدثًا؛ يعني: من أحدث ما يخالف الشرع من بدعة أو معصية أو ظلم، كما قال: من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو ردٌّ (1).
وقوله أو آوى محدثًا؛ أي: ضمَّه إليه ومنعه مِمَّن له عليه حقٌّ ونصره، ويقال أوى بالقصر والمد متعديًا ولازمًا، والقصر في اللازم أكثر، والمد في المتعدي أكثر.
وقوله فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لعنة الله: طرده للملعون وإبعاده عن رحمته. ولعنة الملائكة والناس: الإبعاد، والدعاء بالإبعاد. وهؤلاء هم اللاعنون، كما قال الله تعالى:{أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلعَنُهُمُ اللاعِنُونَ} والصرف: التوبة، والعدل: الفدية - قاله الأصمعي. وقيل: الصرف الفريضة، والعدل: التطوع - وعَكَس ذلك الحسن. وقيل: الصرف الحيلة والكسب، والعدل: المثل - كما قال الله تعالى: {أَو عَدلُ ذَلِكَ صِيَامًا} ويقال في العدل بمعنى المثل: عَدلٌ وعِدلٌ، كسلم وسِلم.
وقوله وذمة المسلمين واحدة؛ أي: من عَقَد من المسلمين أمانًا أو عهدًا لأحدٍ من العدو لم يحل لأحدٍ أن ينقضه.
والذمة: العهد - وهو لفظ مشترك بين أمورٍ مُتعددة.
(1) رواه أحمد (6/ 240)، والبخاري (2697)، ومسلم (1718)(17).
غَيرِ أَبِيهِ أَو انتَمَى إِلَى غَيرِ مَوَالِيهِ فَعَلَيهِ لَعنَةُ اللَّهِ وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجمَعِينَ، لَا يَقبَلُ اللَّهُ مِنهُ يَومَ القِيَامَةِ لا صَرفًا وَلَا عَدلًا.
وَزَادَ فِي رواية: فَمَن أَخفَرَ مُسلِمًا فَعَلَيهِ لَعنَةُ اللَّهِ وَالمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجمَعِينَ، لَا يُقبَلُ مِنهُ يَومَ القِيَامَةِ صَرفٌ وَلَا عَدلٌ.
رواه أحمد (1/ 126)، والبخاري (1870)، ومسلم (1370)، وأبو داود (2034)، والترمذي (2128).
[1226]
وعَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا بَينَ لَابَتَيِ المَدِينَةِ -قَالَ أَبُو هُرَيرَةَ: فَلَو وَجَدتُ الظِّبَاءَ مَا بَينَ لَابَتَيهَا مَا ذَعَرتُهَا- وَجَعَلَ اثنَي عَشَرَ مِيلًا حَولَ المَدِينَةِ حِمًى.
رواه البخاري (1873)، ومسلم (1372)، والترمذي (3917).
ــ
وقوله يسعى بذمتهم أدناهم؛ أي أقلُّهم منزلةً في الدُّنيا وأضعفهم، وهو حجة لمن أجاز أمان العبد والمرأة على ما سيأتي في الجهاد إن شاء الله تعالى.
وقوله فمن أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله؛ أي نَقَضَ عهده، يقال: أخفرت الرجل إخفارًا - إذا غدرته، وخفرته إذا أجرته، خفارة.
ومجيءُ الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأول الثَّمر مبادرة بهديه ما يستظرف واغتنامٌ لدعائه وبركته، ولذلك كان صلى الله عليه وسلم إذا أخذ أول ذلك الثمر وضعه على وجهه، كما رواه بعض الرواة عن مالك (1) في هذا الحديث من الزيادة.
(1) رواه مالك (2/ 885).
[1227]
وعنه قَالَ: كَانَ النَّاسُ إِذَا رَأَوا أَوَّلَ الثَّمَرِ جَاؤوا بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا أَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: اللَّهُمَّ بَارِك لَنَا فِي ثَمَرِنَا، وَبَارِك لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، وَبَارِك لَنَا فِي صَاعِنَا، وَبَارِك لَنَا فِي مُدِّنَا، اللَّهُمَّ إِنَّ إِبرَاهِيمَ عَبدُكَ وَخَلِيلُكَ وَنَبِيُّكَ، وَإِنِّي عَبدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَإِنَّهُ دَعَاكَ لِمَكَّةَ، وَإِنِّي أَدعُوكَ لِلمَدِينَةِ بِمِثلِ مَا دَعَاكَ لِمَكَّةَ وَمِثلِهِ مَعَهُ. قَالَ: ثُمَّ يَدعُو أَصغَرَ وَلِيدٍ لَهُ فَيُعطِيهِ ذَلِكَ الثَّمَرَ.
وَفِي رِوَايَةٍ: أَصغَرُ مَن يَحضِرُهُ مِنَ الولِدَانِ.
رواه مسلم (1373)، والترمذي (3454)، والنسائي في اليوم والليلة (302)، وابن ماجه (3329).
* * *
ــ
وتخصيص النبي صلى الله عليه وسلم بذلك الثمر أصغر وليدٍ يراه لأنه أقل صبرًا ممن هو أكبر منه وأكثر جزعًا وأشدُ فرحًا، وهذا من حسن سياسته صلى الله عليه وسلم ومعاملته للكبار والصِّغار، وقيل: إن ذلك من باب التفاؤل بنمو الصغير وزيادته كنحو الثمرة وزيادتها.
* * *