الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَرفُث وَلَم يَفسُق رَجَعَ كَمَا وَلَدَتهُ أُمُّهُ.
وَفِي رِوَايَةٍ: مَن حَجَّ هَذا البيت.
رواه أحمد (2/ 484)، والبخاري (1820)، ومسلم (1350)، والترمذي (811)، والنسائي (5/ 114)، وابن ماجه (2889).
* * *
(56) باب تَمَلُّك دُور مكة ورِباعها وكم كان مكث المهاجر بها
؟
[1210]
عَن أُسَامَةَ بنِ زَيدِ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَنزِلُ فِي دَارِكَ
ــ
و(الرفث): الفحش من القول. وقيل: الجماع. قال الأزهري: هي كلمة جامعة لكل ما يريده الرجل من المرأة.
و(الفسوق): السِّباب (1) والمعاصي.
و(الجدال): المجادلة والمخاصمة فيما لا يجوز، قال الجوهري: المجادلة الخصومة المحكمة.
وقوله رجع كيوم ولدته أمُّه؛ أي بلا ذنب، وهذا يتضمن غفران الصغائر والكبائر والتبعات، وقد بيَّنَّا ذلك فيما تقدَّم من كتاب الصيام وغيره.
(56)
ومن باب: تَمَلُّك دُور مكة ورِباعها
قولُ أسامة للنبي صلى الله عليه وسلم أتنزل في دارك؛ ظاهر هذه الإضافة أنها كانت ملكه، ويدلُّ عليه أيضًا قوله وهل ترك لنا عقيل من رِباع أو دور، فأضافها
(1) في (ع): السيئات.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لنفسه، وظاهرُها الملك، فيكون عقيل اعتدى على دار النبي صلى الله عليه وسلم ورباعه فأخذها وتصرَّف فيها، كما فعل أبو سفيان بدور من هاجر من المؤمنين. قَالَ الدَّاوُدِيُّ: إِنَّ عُقَيلًا بَاعَ مَا كَانَ لِلنبي صلى الله عليه وسلم ولمن هاجر من بني عبد المطلب. فعلى هذا يكون تَركُ النبي صلى الله عليه وسلم تحرُّجًا من أن يرجع في شيء أُخرج منه لأجل الله تعالى. وقيل: إنَّه حكم لها بحكم البلد (1). وقد خرجت عن ملكه لما غنمها المسلمون - كما يقوله مالك والليث في هذه المسألة لا في هذا الحديث. وهذا فيه بُعد؛ لأنه يكون تعليله صلى الله عليه وسلم بأخذ عقيل لها ضائعًا، ويخرج أن يكون جوابًا عما سُئله. وقيل: كان أصلها لأبي طالب فأسكنه إيَّاها، فلما مات أبو طالب ورثه عقيل وطالب لكونهما مساويَين له في الكفر، ولم يرثه علي ولا جعفر لكونهما مسلمين، فأخذها عقيل لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم بحكم ميراثه من أبيه. وعلى هذا فيكون إضافتها إليه مجازية لأنه سكنها فقط، والقول الأول أولى.
وقد اختلف في مكة ودورها ورباعها؛ هل هي مملوكة لأحدٍ فيبيع ويكري؟ أو لا ملك لأحدٍ على شيء منها فلا يجوز فيها شيء من ذلك؟ وإلى الأول ذهب الشافعي وبعض السَّلف، وإلى الثاني ذهب أبو حنيفة والثوري، وتوسَّط مالك فكره ذلك، وللخلاف سببان:
أحدهما: هل فتح مكة كان عُنوة فتكون مغنومة، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقسمها وأقرها إلى أهلها ولمن جاء بعدهم، كما فعل عمر بالأرض المغنومة، فتبقى على ذلك لا تباع ولا تُشرى؟ وبأنها فتحت عُنوة - قال مالك وأبو حنيفة والأوزاعي، أو كان فتحها صُلحًا؟ وإليه ذهب الشافعي. فتبقى ديارهم بأيديهم وفي أملاكهم يتصرفون فيها كيف شاؤوا.
(1) في الأصول: الدار. والتصحيح من: إكمال إكمال المعلم للأبي (3/ 446).
بِمَكَّةَ؟ قَالَ: وَهَل تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مِن رِبَاعٍ أَو دُورٍ؟ وَكَانَ عَقِيلٌ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ هُوَ وَطَالِبٌ، وَلَم يَرِثهُ جَعفَرٌ وَلَا عَلِيٌّ شَيئًا لِأَنَّهُمَا كَانَا مُسلِمَينِ، وَكَانَ عَقِيلٌ وَطَالِبٌ كَافِرَينِ.
وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ ذَلك القول كان في حجته.
وفي أخرى أن ذلك زمن الفتح.
رواه أحمد (5/ 201)، والبخاري (3058)، ومسلم (1351) وأبو داود (2900)، وابن ماجه (3942).
[1211]
وعن العَلَاءَ بنَ الحَضرَمِيِّ قال: سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
ــ
والسبب الثاني: للنظر في قوله تعالى {سَوَاءً العَاكِفُ فِيهِ وَالبَادِ} ؛ هل الضمير راجع إلى المسجد الحرام أو إلى البلد؟ والظاهر الأول، وأن مكة فتحت عُنوة، وأنه صلى الله عليه وسلم أمَّنهم وأقرَّهم على أموالهم، وهو الصحيح من الأحاديث، والله تعالى أعلم. قال أبو عبيد: ولا نعلم مكة يشبهها شيء من البلاد.
قلت: وعلى قول مالك إنها مغنومة ينبغي أن يكون مذهبه كمذهب أبي حنيفة، لكنه راعى الخلاف على أصله في مراعاة الخلاف الظاهر، ويكون فائدة حكمه بالكراهة أن من باع شيئًا منها أو أَكرَاه لا يفسخ عقده ويُمضى، غير أنه لا يسوغ الإقدامُ عليه، والله تعالى أعلم.
وقوله هل ترك لنا عقيل من رباع أو دور؟ ، هذا الاستفهام معناه النفي؛ أي: ما ترك لنا شيئًا من ذلك. واختلف الرواة؛ هل كان هذا القول في فتح مكة أو في حجة الوداع؟ فروي عن الزهري كل ذلك، ويحتمل أن يكون تكرر هذا السؤال والجواب في الحالتين، وفيه بُعد.
يَقُولُ: لِلمُهَاجِرِ إِقَامَةُ ثَلَاثٍ بَعدَ الصَّدَرِ بِمَكَّةَ - كَأَنَّهُ يَقُولُ: لَا يَزِيدُ عَلَيهَا.
وفي أخرى: بعد قضاء نسكه.
رواه أحمد (4/ 339)، والبخاري (3933)، ومسلم (1352)(441 و 442)، وأبو داود (2022)، والترمذي (949)، والنسائي (3/ 122)، وابن ماجه (1073).
* * *
ــ
وقوله للمهاجر إقامة ثلاثٍ بعد الصدر بمكة، المهاجر هنا يعني به كل من هاجر من مكة إلى المدينة لنصرة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يعني به من هاجر من غيرها؛ لأن هذا الحديث خرج جوابًا عن سؤالهم حين تحرجوا من المقام بمكة، إذ كانوا تركوها لله تعالى، فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ورأى أن إقامة الثلاث ليست بإقامة. وقد تقدَّم احتجاج مالك بهذا على تحديد المدة الفاصلة بين الإقامة والسَّفر، وبهذا الحديث قال الجمهور، فحكموا بمنع المهاجر من أهل مكة من المقام بها بعد الفتح، وأجاز ذلك لهم جماعة بعد الفتح.
قلت: وهذا الخلاف وإن كان فيمن مضى حكمهم وانقرض عصرهم وهجرتهم الخاصة بهم، لكن يبنى عليه خلاف فيمن فرَّ بدينه عن موضع ما يخاف فتنته وترك فيه رباعًا، ثم ارتفعت تلك الفتنة؛ فهل يرجع لتلك الرِّباع أم لا؟ فنقول: إن كان ترك رباعه لوجه الله تعالى كما فعله المهاجرون فلا يرجع لشيء من ذلك، وإن كان إنما فرَّ بدينه ليسلمَ له ولم يخرج عن شيء من أملاكه فإنه يرجع إلى ذلك كله؛ إذ لم يزُل شيء من ذلك عن ملكه، والله تعالى أعلم