الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[946]
وَعَن أَبِي هُرَيرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أُتِيَ بِطَعَامٍ سَأَلَ عَنهُ، فَإِن كان هَدِيَّةٌ أَكَلَ مِنهَا، وَإِن قِيلَ: صَدَقَةٌ لَم يَأكُل مِنهَا.
رواه أحمد (2/ 492)، ومسلم (1077).
* * *
(30) باب دعاء المصدق لِمن جاء بصدقته، والوصاة بالمصدق
[947]
عَن عَبدُ اللهِ بنُ أَبِي أَوفَى قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ إِذَا أَتَاهُ قَومٌ
ــ
والثلاث القضيات التي كانت في بريرة إحداها: ما ذكره في هذه الطريق.
والثانية: قوله: (إنما الولاء لمن أعتق).
والثالثة: تخييرها في زوجها. وسيأتي الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى.
وكونه صلى الله عليه وسلم يسأل عن الطعام، هل هو صدقة أو هدية؟ يدل على أن للمتقي أن يسأل عما خفي عليه من أحوال الهدية والمُهدِي؛ حتى يكون على بصيرة من أمره، لكن هذا ما لم يؤذ المهدي والمُطعم، فإن أدّى إلى ذلك فالأولى ترك السؤال إلا عند الريبة.
وهذا الحديث يدل على أنه صلى الله عليه وسلم ما كان يأكل صدقة التطوّع، كما كان لا يأكل صدقة الواجب، وأنها لا تحلُّ له كما قدمنا.
(30)
ومن باب: الدعاء للمتصدق وإرضاء المصدق
لما أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بأخذ الصدقة من الأموال والدعاء للمتصدق بقوله تعالى: خُذ مِن أَموَالِهِم صَدَقَةً الآية، امتثل ذلك، فكان يدعو
بِصَدَقَتِهِم قَالَ: (اللهُمَّ صَلِّ عَلَيهِم فَأَتَاهُ أَبِو أَوفَى بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ: اللهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي أَوفَى).
رواه أحمد (4/ 353 و 355)، والبخاري (1497)، ومسلم (1078)، وأبو داود (1590)، والنسائي (2/ 152).
ــ
لمن أتاه بصدقته، ولذلك كان يقول لهم:(اللهم صلِّ عليهم)؛ أي: ارحمهم، وقال:(اللهم صلِّ على آلِ أبي أوفى).
وقال كثير من علمائنا: إنه أراد بآل أبي أوفى: نفس أبي أوفى، وجعلوا هذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم لأبي موسى:(لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود)(1)، وإنما أراد: داودَ نفسه، وهو محتمل لذلك. ويحتمل أن يريد به: مَن عمل مثل عمله من عشيرته وقرابته، فيكون مثل:(اللهم صل على محمد وعلى آل محمد)، والله تعالى أعلم.
وهل يتعدى الأمر لكل مصدق عند أخذه الصدقة؟ أو هو خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم؟ قولان لأهل العلم.
فذهب الجمهور: إلى أنهم يندبون إلى ذلك؛ للاقتداء بفعل النبي صلى الله عليه وسلم لما يحصل عند ذلك من تطييب قلوب المتصدقين.
وقال أهل الظاهر: هو واجب؛ أخدًا بظاهر قول الله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيهِم} ولا يسلم لهم ذلك؛ لأن قوله تعالى: {إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُم} يشعر بخصوصيته صلى الله عليه وسلم بالدعاء. وقوله تعالى: {إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُم} تعليل للأمر بالدعاء، لا لأخذ الصدقة، كما قد توهمه أهلُ الردة الذين تقدَّم ذكرهم في كتاب الإيمان.
وعلى هذا فلا يكون للظاهرية مُتمسَّكٌ في الآية، ويتجه قولُ
(1) رواه البخاري (5048)، ومسلم (793/ 236)، والترمذي (3855) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
[948]
وَعَن جَرِيرِ بنِ عَبدِ اللهِ قَالَ: جَاءَ نَاسٌ مِنَ الأَعرَابِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: إِنَّ أنَاسًا مِنَ المُصَدِّقِينَ يَأتُونَنَا فَيَظلِمُونَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:(أَرضُوا مُصَدِّقِيكُم).
قَالَ جَرِيرٌ: مَا صَدَرَ عَنِّي مُصَدِّقٌ مُنذُ سَمِعتُ هَذَا مِن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِلا هُوَ عَنِّي رَاضٍ.
وَفِي رِوَايَةٍ: (إِذَا أَتَاكُم المُصَدِّق فليَصِدُر عَنكُم وَهوَ عَنكُم رَاضٍ).
رواه أحمد (4/ 362)، ومسلم (989) و (989/ 177)، وأبو داود (1589)، والنسائي (5/ 31).
* * *
ــ
من ادّعى خصوصية ذلك بالنبي صلى الله عليه وسلم.
وقال كثير من المفسرين في معنى سَكَنٌ لَهُم؛ أي: طمأنينة وتثبيت وبركة وتزكية.
وقول جرير: جاء ناس من الأعراب؛ يريد: أهل البادية. وقد ذكرنا الفرق بين الأعرابي والعربي، ولا شك أن أهل البادية أهل جفاء وجهل غالبًا، ولذلك قال تعالى:{الأَعرَابُ أَشَدُّ كُفرًا وَنِفَاقًا وَأَجدَرُ أَلا يَعلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ} ، ولذلك نسبوا الظلم إلى مُصَدِّقي النبي صلى الله عليه وسلم، وإلى فضلاء أصحابه، فإنه ما كان يستعمل على ذلك إلا أعلم الناس وأعدلهم، لكن لجهل الأعراب بحدود الله ظنوا: أن ذلك القدر الذي كانوا يأخذونه منهم هو ظلم، فقال لهم صلى الله عليه وسلم:(أرضوا مصدِّقيكم وإن ظُلِمتم)؛ أي على زعمكم وظنكم، لا أن النبي صلى الله عليه وسلم سوّغ للعمال الظلم، وأمر الأعراب بالانقياد لذلك؛ لأنه كان يكون ذلك منه إقرارًا على
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
منكر، وإغراءً بالظلم، وذلك محال قطعًا.
وإنما سلك النبي صلى الله عليه وسلم مع هؤلاء هذا الطريق دون أن يبين لهم أن ذلك الذي أخذه المصدقون ليس ظلمًا؛ لأن هذا يحتاج إلى تطويل وتقرير، وقد لا يفهم ذلك أكثرهم.
وأيضًا فليحصل منهم الانقياد الكلي بالتسليم وترك الاعتراض الذي لا يحصل الإيمان إلا بعد حصوله، كما قال تعالى:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِم حَرَجًا مِمَّا قَضَيتَ وَيُسَلِّمُوا تَسلِيمًا} والله تعالى أعلم.
* * *