الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَبشِر نَحنُ مَعَكَ. قَالَ: ثُمَّ التَفَتَ عَن يَسَارِهِ فَقَالَ: يَا مَعشَرَ الأَنصَارِ فقَالُوا: لَبَّيكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبشِر نَحنُ مَعَكَ. قَالَ: وَهُوَ عَلَى بَغلَةٍ بَيضَاءَ. فَنَزَلَ فَقَالَ: أَنَا عَبدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ فَانهَزَمَ المُشرِكُونَ، وَأَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم غَنَائِمَ كَثِيرَةً، فَقَسَمَ فِي المُهَاجِرِينَ، وَالطُّلَقَاءِ، وَلَم يُعطِ الأَنصَارَ شَيئًا.
فقالت الأنصار: ما ذكرناه في باب إعطاء المؤلفة قلوبهم من كتاب الزكاة.
رواه أحمد (3/ 279 - 280)، والبخاري (4337)، ومسلم (1059) في الزكاة (135 و 136).
* * *
(21) باب في محاصرة العدو، وجواز ضرب الأسير وطرف من غزوة الطائف
[1295]
وعَن عَبدِ الرحمن بنِ عَمر قَالَ: حَاصَرَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم أَهلَ الطَّائِفِ، فَلَم يَنَل مِنهُم شَيئًا، فَقَالَ: إِنَّا قَافِلُونَ إِن شَاءَ اللَّهُ. قَالَ
ــ
أن رجع إليه المهاجرون والأنصار بنداء العباس حين نادى: يا أصحاب السمرة؛ كما تقدم. وقد تقدم في كتاب الزكاة الكلام على باقي ما في هذا الحديث.
(21)
ومن باب: محاصرة العدو
قوله: (حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف)؛ كان هذا الحصار بعد هزيمة هوازن، وذلك: أنه لجأ إليها فلّهم (1)، واجتمع بها شوكتهم ورماتهم مع رماة
(1)"الفل": المنهزم.
أَصحَابُهُ: نَرجِعُ وَلَم نَفتَتِحهُ؟ فَقَالَ لَهُم رَسُولُ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم: اغدُوا عَلَى القِتَالِ. فَغَدَوا عَلَيهِ، فَأَصَابَهُم جِرَاحٌ، فَقَالَ: لَهُم رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم: إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا. فَأَعجَبَهُم ذَلِكَ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم.
رواه أحمد (2/ 11)، والبخاري (4325)، ومسلم (1778).
[1296]
وعَن أَنَسٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم شَاوَرَ حِينَ بَلَغَهُ إِقبَالُ أَبِي سُفيَانَ قَالَ: فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكرٍ فَأَعرَضَ عَنهُ، ثُمَّ تَكَلَّمَ عُمَرُ فَأَعرَضَ عَنهُ،
ــ
ثقيف. وكان النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى جدهم وامتناعهم قال لأصحابه: (إنا قافلون غدًا إن شاء الله)؛ على جهة الرفق بهم، والشفقة عليهم، فعظم عليهم أن يرجعوا ولم يفتحوا ذلك الحصن. ورأوا أن هذا العرض من النبي صلى الله عليه وسلم على جهة (1) المشورة، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جدهم في هذا، وما ظهر لهم، قال لهم:(اغدوا على القتال)، فلما أصابتهم الجراح، وقتل منهم جماعة على ما ذكر أهل التواريخ، قال لهم:(إنا قافلون غدًا)؛ فأعجبهم ذلك لما أصابهم من شدة الحال، ولما لقوا، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى من اختلاف قولهم عند اختلاف الحالين، ورجوعهم إلى الرأي السديد، لكن بعد مشقة.
وفيه من الفقه: جواز محاصرة العدو، والتضييق عليهم، الإمام أصحابه، وعرضه عليهم ما في نفسه، وسلوكه بهم طريق الرفق والرحمة.
و(القافل) هو الراجع من السفر. والجماعة: القافلة. ولا يقال لهم في ابتداء سيرهم: قافلة. بل: رفقة.
ومشاورة النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه حين بلغه (2) إقبال أبي سفيان. وإعراضه عن
(1) في (ج): سبيل.
(2)
في (ج): بلغهم.
فَقَامَ سَعدُ بنُ عُبَادَةَ فَقَالَ: إِيَّانَا تُرِيدُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، لَو أَمَرتَنَا أَن نُخِيضَهَا البَحرَ لَأَخَضنَاهَا، وَلَو أَمَرتَنَا أَن نَضرِبَ أَكبَادَهَا إِلَى بَركِ الغِمَادِ لَفَعَلنَا. قَالَ: فَنَدَبَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم النَّاسَ، فَانطَلَقُوا حَتَّى نَزَلُوا بَدرًا، وَوَرَدَت عَلَيهِم رَوَايَا قُرَيشٍ، وَفِيهِم غُلَامٌ أَسوَدُ لِبَنِي الحَجَّاجِ فَأَخَذُوهُ، فَكَانَ أَصحَابُ رَسُولِ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم يَسأَلُونَهُ عَن أَبِي سُفيَانَ وَأَصحَابِهِ، فَيَقُولُ: مَا لِي عِلمٌ بِأَبِي سُفيَانَ، وَلَكِن هَذَا أَبُو جَهلٍ، وَعُتبَةُ، وَشَيبَةُ، وَأُمَيَّةُ بنُ خَلَفٍ في الناس. فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ ضَرَبُوهُ، فَقَالَ: نَعَم، أَنَا أُخبِرُكُم: هَذَا أَبُو سُفيَانَ، فَإِذَا تَرَكُوهُ فَسَأَلُوهُ فَقَالَ: مَا لِي بِأَبِي سُفيَانَ عِلمٌ، وَلَكِن هَذَا
ــ
تكليم المهاجرين إنما كان ليستخرج ما عند الأنصار من خروجهم معه للحرب، وذلك: أنهم إنما كانوا بايعوه ليمنعوه من الأحمر والأسود، ولم يأخذ عليهم أن يخرجوا معه، فأراد أن يعلم ما عندهم من ذلك، فعرض عليهم ذلك، فأجابوه بالجواب الذي ذكره سعد بن عبادة، الذي حصل لهم به المقام المحمود، والشرف المشهود.
و(بَرك الغِمَاد): موضع بأقاصى هجر، بينه وبينهم بُعد عظيم. والرواية المشهورة فيه (بَرك) بفتح الباء بواحدة وسكون الراء. و (الغِمَاد) بكسر الغين المعجمة. وقيده شيوخ أبي ذر في البخاري: بكسر الباء. وقال بعض اللغويين: هو الصواب. وضبطه الأصيلي: بفتح الراء وسكونها. أعني: راء (برك). وحكى ابن دريد: الكسر، والضم في غين (الغماد)، والصحيح المشهور؛ الأول.
وفي ضرب الصحابة للغلام، وإقرار النبي صلى الله عليه وسلم إيَّاهم عليه. ما يدل على جواز ضرب الأسير، وتعزير المتهم إذا كان هنالك سبب يقتضي ذلك، وأنه يضرب في التعزير فوق العشرة، خلافًا لمن أبى ذلك، وقال: لا يضرب فوق العشرة. وستأتي المسألة إن شاء الله تعالى.
أَبُو جَهلٍ، وَعُتبَةُ، وَشَيبَةُ، وَأُمَيَّةُ بنُ خَلَفٍ فِي النَّاسِ، فَإِذَا قَالَ هَذَا أَيضًا ضَرَبُوهُ وَرَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يُصَلِّي، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ انصَرَفَ. فقال: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، لَتَضرِبُونهُ إِذَا صَدَقَكُم وَتَترُكُونهُ إِذَا كَذَبَكُم. قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم: هَذَا مَصرَعُ فُلَانٍ. قَالَ: وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى الأَرضِ هَاهُنَا وهَاهُنَا، قَالَ: فَمَا مَاطَ أَحَدُهُم عَن مَوضِعِ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم.
رواه أحمد (3/ 219 - 220)، ومسلم (1779)، وأبو داود (2681).
* * *
ــ
واختلف في المتهم عند الضرب. فعند الشافعي وكثير من أصحابه: لا يقبل إقراره حتى يتمادى (1)؛ سواء عين ما أقر به من سرقة أو قتل، أو لم يعين. ومن أصحابنا من ألزمه ذلك إذا عين المقر به، وإن رجع عن إقراره. ومنهم من أجازه وإن لم يعين. ومنهم من منعه وإن تمادى عليه لأن خوفه أن يعاد عليه العذاب باق.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده! لتضربونه إذا صدقكم، وتتركونه إذا كذبكم)؛ إخبار عن غيب، فهو من أعلام نبوته، وكذلك قوله:(هذا مصرع فلان، وفلان)؛ إذ قد وقع ذلك، ووجد كما أخبر عنه.
وقوله: (فما ماط أحدهم موضع يده صلى الله عليه وسلم)؛ أي: ما تباعد. يقال: ماط الرجل: إذا تباعد، وأماط غيره: إذا باعده. وقيل: ماط الرجل، وأماط: إذا تباعد، لغتان.
(1) أي: يمضي في إقراره، ويُداوم عليه، ولا يرجع عنه.