الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(38) باب رمي جمرة العقبة
[1147]
عَن عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ يَزِيدَ قَالَ: رَمَى عَبدُ اللَّهِ بنُ مَسعُودٍ جَمرَةَ العَقَبَةِ مِن بَطنِ الوَادِي، بِسَبعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ.
زَادَ فِي رِوَايَةٍ: وَجَعَلَ البيت عن يساره، ومنى عن يمينه - قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ نَاسًا يَرمُونَهَا مِن فَوقِهَا. فَقَالَ عَبدُ اللَّهِ بنُ مَسعُودٍ: هَذَا وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيرُهُ مَقَامُ الَّذِي أُنزِلَت عَلَيهِ سُورَةُ البَقَرَةِ.
رواه أحمد (1/ 415)، والبخاري (1748)، ومسلم (1296)(305 و 307)، وأبو داود (1974)، والترمذي (901)، والنسائي (5/ 273).
ــ
(38)
ومن باب: رمي جمرة العقبة
الجمهور: على أن رمي جمرة العقبة سُنَّة مؤكدة، يجب بتركها دم، وذهب عبد الملك: إلى أنها ركن من أركان الحج، وعليه: فإن تَرَكَها بَطل حجّه كسائر الأركان. ولا خلاف في أنها ترمى بسبع يوم النحر قبل الزوال، ولا خلاف في استحباب رميها - على ما في حديث ابن مسعود - من بطن الوادي، والبيت عن يساره، ومنى عن يمينه، وإن رميها من غير ذلك جائز إذا رمى في موضع الرَّمي. وقد روي: أن عمر جاء فوجد الزحام، فرماها من فوقها. ولا خلاف في استحباب التكبير مع كل حصاة، غير أنه حكى الطبري عن بعض الناس أنه قال: إنما جُعل الرمي حفظًا للتكبير، فلو ترك الرمي تارك وكبَّر أجزأه، وروي نحوه عن عائشة رضي الله عنها. وهو خلاف شاذّ. وكان ابن عمر، وابن مسعود يقولان عند رمي الجمار: اللهم اجعله حجًّا مبرورًا، وذنبًا مغفورًا. وتُرمى سائر الجمار ما عدا جمرة العقبة من فوقها. وكل جمرة ترمي بسبع، فمن رماها بأقل، وفاته جَبر ذلك
[1148]
وعن جَابِر بن عبد الله قال: رَأَيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَرمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَومَ النَّحرِ، وَيَقُولُ لنا: خذوا عني مَنَاسِكَكُم، فَإِنِّي لَا أَدرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعدَ حَجَّتِي هَذِهِ.
رواه مسلم (1297)، وأبو داود (1970)، والنسائي (5/ 270).
ــ
كان عليه دم عند مالك، والأوزاعي، وذهب الشافعي وأبو ثور: إلى أن على تارك حصاة مدًّا من طعام، وفي اثنتين مُدَّان، وفي ثلاث فأكثر دم. وقال أبو حنيفة وصاحباه: لو ترك أقل من نصف الجمرات الثلاث ففي كل حصاة نصف صاع، وإن كان أكثر من نصفها فعليه دم. وقال مالك: إن نسي جمرة تامة أو الجمار كلها فعليه بدنة، فإن لم يجد فبقرة، فإن لم يجد فشاة. وقال عطاء فيمن رمى بخمس، ومجاهد فيمن رمى بست: لا شيء عليه. واتفقوا: على أنه بخروج أيام التشريق يفوت الرَّمي إلا ما قاله أبو مصعب: أنه يرمي ما ذكر كمن نسي صلاة؛ يصليها متى ما ذكرها.
و(قوله لنا: (خذوا مناسككم)؛ صحيح روايتنا فيه: (لنا) بلام الجر المفتوحة، والنون، وهو الأفصح. وقد روي:(لتأخذوا) بكسر اللام للأمر، وبالتاء باثنتين من فوقها، وهي لغة شاذة. وقد قرأ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم:{فَبِذَلِكَ فَليَفرَحُوا} (1) وهو أمر للاقتداء به، وحوالة على فعله الذي وقع به البيان لمجملات الحج في كتاب الله. وهذا كقوله لما صلى:(صلُّوا كما رأيتموني أصلي)(2). ويلزم من هذين الأمرين: أن يكون الأصل في أفعال الصلاة والحج
(1) قال النحاس: سبيل الأمر أن يكون باللام ليكون معه حرف جازم، كما أن مع النهي حرفًا، إلا أنهم يحذفونها من الأمر للمخاطب استغناءً بمخاطبته، وربما جاؤوا به على الأصل كما في هذه القراءة. (تفسير القرطبي 8/ 354).
(2)
رواه أحمد (5/ 53)، والبخاري (685)، ومسلم (674)، والنسائي (2/ 9).
[1149]
وعَن أُمِّ الحُصَينِ قالت: حَجَجتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَجَّةَ الوَدَاعِ، فَرَأَيتُهُ حِينَ رَمَى جَمرَةَ العَقَبَةِ، وَانصَرَفَ، وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ، وَمَعَهُ بِلَالٌ، وَأُسَامَةُ: أَحَدُهُمَا يَقُودُ بِهِ رَاحِلَتَهُ، وَالآخَرُ يَرفَعُ ثَوبَهُ عَلَى رَأسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِن الشَّمسِ، قَالَت: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَولاً كَثِيرًا، ثُمَّ
ــ
الوجوب؛ إلا ما خرج بدليلٍ؛ كما ذهب إليه أهل الظاهر، وحكي عن الشافعي.
وكونه صلى الله عليه وسلم رمى راكبًا لِيُظهر للناس فعله على ما قررناه في طوافه، وسعيه في حديث جابر.
و(قوله: (والآخر يرفع ثوبه على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشمس)؛ تعلق بهذا من جوَّز المحرم، وقد تقدَّم (1)، وكره مالك ذلك، وأجاب بعض أصحابه عن هذا الحديث: بأن هذا القدر لا يكاد يدوم. كما أجاز مالك للمحرم أن يستظل بيده. وقال: ما أيسر ما يذهب ذلك، وقد روي: أن عمر رضي الله عنه رأى رجلاً جعل ظلاً على مَحمَلِه؛ فقال: أضح لمن أحرمت له، أي: ابرز إلى الضحاء. وقال الرياشيّ: رأيت أحمد بن المعدِّل في يوم شديد الحرِّ، فقلت: يا أبا الفضل! هلا استظللت! فإن في ذلك توسعة فيه، فأنشد:
ضَحِيتُ لَهُ كَي أستَظِلَّ بِظِلِّهِ
…
إذا الظِّلُّ أضحَى في القِيَامَةِ قَالِصا
فَوَا أَسَفا إن كان سَعيُكَ ضَائِعًا
…
وواحَسرَتا إن كان أجرُكَ ناقِصًا
قال صاحب الأفعال: يقال: ضحيت، وضحوت، ضحيًا، وضحوًا: برزت للشمس. وضحيت، ضحًا: أصابتني الشمس. قال الله تعالى: {وَأَنَّكَ لا تَظمَأُ فِيهَا وَلا تَضحَى}
(1) في (ج): المحرم راكبًا كما تقدَّم.
سَمِعتُهُ يَقُولُ: إِن استعمل عَلَيكُم عَبدٌ مُجَدَّعٌ (حَسِبتُهَا قَالَت) يَقُودُكُم بِكِتَابِ اللَّهِ فَاسمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا.
رواه أحمد (6/ 402)، ومسلم (1298)(311)، والترمذي (1706)، والنسائي (7/ 154)، وابن ماجه (1861).
[1150]
وعن جَابِرَ بنَ عَبدِ اللَّهِ قال: رَأَيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَمَى الجَمرَةَ بِمِثلِ حَصَى الخَذفِ.
رواه مسلم (1299)، والترمذي (897)، والنسائي (5/ 278).
[1151]
وعنه قَالَ: رَمَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الجَمرَةَ يَومَ النَّحرِ ضُحًى
ــ
وقوله: (وإن استُعمل عليكم عبدٌ مجدَّعٌ): أي: مقطوع الأنف أو الأطراف. والجدع: القطع. والعبد الذي يكون في هذه الضعة هو في نهاية الضعة والخِسَّة. ويفهم منه: وجوب الطاعة لمن ولي شيئًا من أمور المسلمين إذا عدل فيهم. ولا تنزع يد من طاعته، ولا ينظر إلى نسبه ومنصبه، فيما عدا الإمامة الكبرى.
و(قوله: (رمى الجمرة بمثل حصى الخذف)؛ قد تقدَّم: أن معنى الخذف: رمي الحصى الصغار. واختلف في مقدارها. وكلهم يكرهون الكبار؛ لما جاء عنه صلى الله عليه وسلم: أنه قال في هذا: (إيَّاكم والغلوّ في الدِّين)(1). وأكثر ما قيل في ذلك: ما روي عن ابن عباس: أن حصاه كان مثل البندقة. وقال عطاء: مثل طرف الإصبع. وقال الشافعي: أصغر من الأنملة طولاً وعرضًا. وروي عن ابن عمر: مثل بعر الغنم. وروي عن مالك: أكبر من ذلك أعجب إلي.
و(قوله: رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة يوم النحر ضحًى)؛ لا خلاف في أن هذا
(1) رواه النسائي (5/ 268) من حديث ابن عباس.
وَأَمَّا بَعدُ فَإِذَا زَالَت الشَّمسُ.
رواه البخاري تعليقًا (3/ 579)، ومسلم (1299)(314)، وأبو داود (1971)، والترمذي (894)، والنسائي (5/ 270)، وابن ماجه (3053).
[1152]
وعَنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الِاستِجمَارُ تَوٌّ، وَرَميُ
ــ
هو الوقت الأحسن لرميها. واختلف فيمن رماها قبل طلوع الفجر. وقد تقدم من مذهب الشافعي رحمه الله جواز ذلك. وبه قال عطاء بن أبي رباح، وابن أبي مليكة، وعكرمة بن خالد. وقال مالك وجماعة معه: إن ذلك لا يجزئ، وإن فعله أعاد الرمي. فأمَّا بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس فقد تقدَّم مَن قال بجواز ذلك، وذكرنا حديث ابن عباس في المنع من ذلك، غير أن أبا بكر بن المنذر قال: من رماها بعد طلوع الفجر، وقبل طلوع الشمس فلا إعادة عليه، ولا أعلم أحدًا قال: لا يجزئه. فيلزم من هذا: أن الاتفاق قد حصل على أن ذلك إن وقع أجزأ، فيكون محمل النهي عن ذلك في حديث ابن عباس على كراهة الإقدام عليه في ذلك الوقت.
و(قوله: وأما بعد فإذا زالت الشمس)؛ يعني: بعد جمرة العقبة. وهذا كقول (1) كافة العلماء والسلف، غير أن طاوسًا وعطاءً قالا: يجزئه في الثلاثة الأيام قبل الزوال. وقال أبو حنيفة وإسحاق: يجزئ (2) في اليوم الثالث الرمي قبل الزوال. وهذا الحديث حجة عليهم.
وقوله: (الاستجمار توٌّ)؛ قد تقدَّم في كتاب الطهارة: أن الاستجمار يُقال على استعمال الحجارة في محل الغائط والبول، ويقال على استعمال مجمرة
(1) في (هـ) و (ل): قول.
(2)
في النسخ: يجوز، والمثبت من (ج).