الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(6) باب فضل الصدقة على الزوج والولد اليتيم والأخوال
[865]
عَن زَينَبَ امرَأَةِ عَبدِ اللهِ قَالَت: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (تَصَدَّقنَ يَا مَعشَرَ النِّسَاءِ وَلَو مِن حُلِيِّكُنَّ). قَالَت: فَرَجَعتُ إِلَى عَبدِ اللهِ فَقُلتُ: إِنَّكَ رَجُلٌ خَفِيفُ ذَاتِ اليَدِ، وَإِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَد أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ. فَأتهِ، فَاسأَلهُ فَإِن كَانَ ذَلِكَ يَجزِي عَنِّي، وَإِلا صَرَفتُهَا إِلَى غَيرِكُم. فَقَالَت:
ــ
(6)
ومن باب: فضل الصدقة على الزوج والولد
قوله صلى الله عليه وسلم: (تصدَّقنَ ولو من حُليِّكُنَّ)؛ احتج بظاهره من رأى أن الزكاة تجب في الحُليّ. ولا حجة فيه؛ لأنّا لا نُسَلّم أن هذه الصدقة هنا هي الواجبة بل التطوع؛ بدليل قوله: (ولو من حليكن)، فإنه ظاهر في الحث والحض على فعل الخير والمبالغة فيه؛ ألا ترى أنه قد سلك فيه مسلك قوله:(ردُّوا السائل ولو بظلف محرق)(1).
وقولها: (فإن كان ذلك يجزي عني وإلا صرفتها لغيركم)؛ لا يدل على أنها الصدقة الواجبة، وإنما ذلك لما وعظهن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:(تصدَّقن فإني أُرِيتُكن أكثر أهل النار (2)، بادرن هذا الأمر، وأخذن في التصدق؛ لتحصل لهن الوقاية من النار، فكأنها قالت: أَتَقِينِي هذه الصدقة من النار؟ وكأنها خافت إن تصدقت على زوجها ألا ينفعها ذلك، ولا يكون لها في ذلك أجر، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لهما في جوابهما:(لهما أجران) ولم يقل: يجزئ، [أو] لا يجزئ، والله أعلم.
وقد روي
(1) رواه أحمد (6/ 435)، والترمذي (1667)، والترمذي (665)، والنسائي (5/ 86).
(2)
رواه أحمد (1/ 376 و 423 و 425)، والنسائي في عشرة النساء (375)، وابن حبان (3323) من حديث ابن مسعود.
فَقَالَ لِي عَبدُ اللهِ: بَلِ ائتِيهِ أَنتِ، قَالَت: فَانطَلَقتُ فَإِذَا امرَأَةٌ مِنَ الأَنصَارِ بِبَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَاجَتِي حَاجَتُهَا قَالَت: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَد أُلقِيَت عَلَيهِ المَهَابَةُ. قَالَت: فَخَرَجَ عَلَينَا بِلالٌ، فَقُلنَا لَهُ: ائتِ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَخبِرهُ أَنَّ امرَأَتَينِ بِالبَابِ تَسأَلانِكَ: أَتُجزِئُ الصَّدَقَةُ عَنهُمَا عَلَى أَزوَاجِهِمَا وَعَلَى أَيتَامٍ فِي حُجُورِهِمَا؟ وَلا تُخبِرهُ مَن نَحنُ. قَالَت: فَدَخَلَ بِلالٌ عَلَى
ــ
في غير مسلم: أن امرأة عبد الله بن مسعود كانت صناعًا، وأنها قالت: يا رسول الله! إني ذاتُ صنعةٍ أبيع منها، وليس لزوجي ولا لولدي شيء، فهل لي فيهم من أجر؟ وفي أخرى: أنها أخذت حُلِيَّها لِتَتصَّدَّقَ به، وقالت: لعل الله ألا يجعلني من أهل النار (1). وهذا يدل على أنها كانت صدقة تطوّع.
وممن قال بوجوب الزكاة في الحلي - وإن كان للباس - عمر وابن مسعود في جماعة من الصحابة، وابن المسيب وابن سيرين والزهري في جماعة من التابعين، وقاله الكوفيون.
وممن قال: لا زكاة فيه: ابن عمر على خلاف عنه، وجابر، وعائشة، وغيرهم من الصحابة والتابعين، وهو قول مالك وأحمد وإسحاق، وأظهر قولي الشافعي. وفيه دليل على جواز المرأة من مالها بغير إذن زوجها، لكن فيما لا يجحف بحق الزوج مما يكون له بال، فأما ماله بال من مالها، فليس لها أن تخرجه بغير معاوضة، إلا بإذن الزوج، بدليل ما خرجه النسائي من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة أن تقضي في ذي بال من مالها إلا بإذن زوجها)(2)، نقلته من حفظ وسماع لا من كتاب. وهذا مذهب مالك. والذي له بال عنده: الثلث فصاعدا.
والحلي عندنا على ثلاثة أضرب:
متخذ للباس، فلا زكاة فيه.
ومتخذ للتجارة، أو على غير الوجه المُسَوَّغ؛ وفيه الزكاة.
ومتخذ للكرى، وفيه خلاف؛ لتردُّده بينهما.
(1) رواه أحمد (3/ 503).
(2)
لم نجده في السنن الكبرى ولا الصغرى (المجتبى).
رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:(مَن هُمَا؟ ) فَقَالَ: امرَأَةٌ مِنَ الأَنصَارِ وَزَينَبُ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (أَيُّ الزَّيَانِبِ؟ ) قَالَ: امرَأَةُ عَبدِ اللهِ بِن مَسعُود. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (لَهُمَا أَجرَانِ: أَجرُ القَرَابَةِ وَأَجرُ الصَّدَقَةِ).
رواه أحمد (3/ 502)، والبخاري (1466)، ومسلم (1000)، والنسائي (5/ 92 - 93).
ــ
وقوله صلى الله عليه وسلم: (لهما أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة)؛ أي: أجر صلة الرحم، وأجر منفعة الصدقة.
واختلف قول مالك في الصدقة الواجبة على القرابة غير الوالدين والولد، والزوجة، بالجواز والكراهية، ووجه هذه الكراهية مخافة الميل بالمدح بصلة الأرحام. فتفسد نية أداء الفرض، أو تضعف.
فأما الوالدان والولد الفقراء فلا تدفع الزكاة إليهم بالإجماع.
واختلفوا في المرأة: هل تُعطي منها زوجها؟ فأجازه الشافعي وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن، وأبو ثور، وأشهب؛ إذا لم يصرفها إليها فيما يلزمه لها، ولم يجزه مالك، ولا أبو حنيفة، واختلف فيه عن أحمد.
وليس إخبار بلال بالسائلتين اللتين [استكتمتاه] مَن هما بكشف أمانة سرٍّ؛ لوجهين:
الأول: أن بلالاً فهم أن ذلك ليس على الإلزام، وإنما كان ذلك منهما على أنهما رأتا أنه لا ضرورة تحوج إلى ذلك.
والثاني: أنه إنما أخبر بهما جوابًا لسؤال النبي صلى الله عليه وسلم، فرأى أن إجابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أهمُّ وأوجبُ من كتمان ما أمرتاه به. وهذا كله بناء على أنهما أمرتاه. ويحتمل أن يكون سؤالا للإسراع، ولا يجب إسعاف كل سؤال.
[866]
وَعَن أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَت: قُلتُ يَا رَسُولَ اللهِ! هَل لِي أَجرٌ فِي بَنِي أَبِي سَلَمَةَ؟ أُنفِقُ عَلَيهِم وَلَستُ بِتَارِكَتِهِم هَكَذَا وَهَكَذَا إِنَّمَا هُم بَنِيَّ فَقَالَ: (نَعَم، لك فِيهِم أَجرُ مَا أَنفَقتِ عَلَيهِم).
رواه أحمد (6/ 292 و 293)، والبخاري (1467)، ومسلم (1001).
[867]
وَعَن مَيمُونَةَ بِنتِ الحَارِثِ، أَنَّهَا أَعتَقَت وَلِيدَةً فِي زَمَانِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَذَكَرَت ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:(لَو أَعطَيتِهَا أَخوَالَكِ كَانَ أَعظَمَ لأَجرِكِ).
رواه أحمد (6/ 332)، والبخاري (2592)، ومسلم (999)(44).
* * *
ــ
وقوله: (لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك)؛ هذا يدل على أن الصدقة على الأقارب أفضل من عتق الرقاب. وهو قول مالك.
وتخصيص الأخوال؛ إما لأنهم من جهة الأم، وللأم ثلاثة أرباع البر، وإما لأنهم كانوا أحوج. وهكذا صحت الرواية في كتاب مسلم: أخوالك، ووقع في البخاري من رواية الأصيلي: أخواتك بالتاء بدل أخوالك، ولعلّه الأصحّ، بدليل رواية مالك في الموطأ:([أعطها] لأختكِ وصِلِيها بما ترعى عليها، فهو خير لك).
* * *