الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(37) باب التغليس بصلاة الصبح بالمزدلفة والإفاضة منها، وتقديم الظغن والضعفة
[1141]
عَن عَبدِ اللَّهِ، قَالَ: مَا رَأَيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى صَلَاةً إِلَّا لِمِيقَاتِهَا، إِلَّا صَلَاتَينِ: صَلَاةَ المَغرِبِ، وَالعِشَاءِ بِجَمعٍ، وَصَلَّى الفَجرَ يَومَئِذٍ قَبلَ مِيقَاتِهَا.
وَفِي رِوَايَةِ: قَبلَ وَقتِهَا بِغَلَسٍ.
رواه أحمد (1/ 434)، والبخاري (1682)، ومسلم (1289).
ــ
(37)
ومن باب: التغليس بصلاة الصبح بالمزدلفة
قول ابن مسعود: (إنه صلى الله عليه وسلم صلَّى الفجر يومئذ قبل ميقاتها) لا يفهم من ذلك: أنه يعني بذلك: أنه أوقع صلاة الصبح قبل طلوع الفجر، فإن ذلك باطل بالأدلة القاطعة؛ وإنما يعني بذلك: أنه صلى الله عليه وسلم أوقع الصبح يومئذ قبل الوقت الذي كان يوقعها فيه في غير ذلك اليوم، وذلك أنه صلى الله عليه وسلم (1) كان إذا أتاه المؤذن يخبره (2) بالفجر صلَّى ركعتي الفجر في بيته، وربما تأخر قليلاً ليجتمعوا، ثم يخرج فيصلي، ومع ذلك فكان يصلِّيها بغلس كما قال ابن عباس، وعائشة، وغيرهما. وأما في هذا اليوم: فكان الناس مجتمعين والفجر نصب أعينهم، فبأول طلوع الفجر ركع ركعتي الفجر، وشرع في صلاة الصبح، ولم يتربَّص لاجتماع الناس، وليتفرغوا للدعاء، فصار فعل هذه الصلاة في هذا اليوم قبل وقتها المعتاد.
و(حطم الناس): زحمتهم؛ لأن بعضهم يحطم بعضًا من أجل الزحام، وأصل الحطم: كسر الحطام،
(1) ساقط من (ع).
(2)
من هامش (هـ).
[1142]
وعَن عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَت: استَأذَنَت سَودَةُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيلَةَ المُزدَلِفَةِ، تَدفَعُ قَبلَهُ، وَقَبلَ حَطمَةِ النَّاسِ، وَكَانَت امرَأَةً ضخمة ثَبِطَةً، قَالَت: فَأَذِنَ لَهَا، فَخَرَجَت قَبلَ دَفعِةِ الناس، وَحَبَسَنَا حَتَّى أَصبَحنَا، فَدَفَعنَا بِدَفعِهِ، وَلَأَن أَكُونَ استَأذَنتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَمَا استَأذَنَتهُ سَودَةُ، فَأَكُونَ أَدفَعُ بِإِذنِهِ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِن مَفرُوحٍ بِهِ.
وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَت عَائِشَةَ: فَاستَأذَنَت سَودَةُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَن تُفِيضَ مِن جَمعٍ بِلَيلٍ. فَأَذِنَ لَهَا. وفيها وكانت عَائِشَةُ: لا تفيض إلا مع الإمام.
وفي أخرى: قَالَت عَائِشَةُ: وَدَدَتُ أني كنت استَأذَنتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا استَأذَنَتهُ سَودَةُ، فَأُصَلِّي الصُّبحَ بِمِنًى، فَأَرمِي الجَمرَةَ قَبلَ أَن يَأتِيَ النَّاسُ.
رواه البخاري (1680)، ومسلم (1290)، والنسائي (5/ 292)، وابن ماجه (3027).
ــ
وهو اليابس من الزرع وغيره.
و(الثبطة): الثقيلة، كأنها تثبط بالأرض؛ أي: تتثبت، وتتحبس.
و(المَفرُوح به): هو كل شيء مُعجِبٌ، له بالٌ، بحيث يُفرح به؛ كما قد جاء في غير موضع:(هو أحب إليَّ من حمر النعم).
و(الظعن): جمع ظعينة. وهن النساء في الهوادج. و (هنتاه): منادى: هنة؛ التي هي مؤنث هن؛ الذي هو كناية عن نكرة؛ كشيء، ونحوه. ولا يستعمل: هناه، ولا هنتاه إلا في النداء خاصة. ونون هنتاه ساكنة، وأصل هائه أن تكون ساكنة؛ لأنها للسكت، لكنهم قد شبهوها بالضمائر فأثبتوها في الوصل، وضموها، كما قال امرؤ القيس:
وقد رابَنِي قَولُها يا هَنا
…
هُ وَيحَكَ ألحَقتَ شَرًّا بِشَرِّ
فقولهم: يا هناه؛ كقولك: يا رجلُ. و: يا هنتاه؛ كـ: يا امرأة.
[1143]
وعن عَبدُ اللَّهِ مَولَى أَسمَاءَ، قَالَ: قَالَت لِي أَسمَاءُ: وَهِيَ عِندَ دَارِ المُزدَلِفَةِ: هَل غَابَ القَمَرُ؟ قُلتُ: لَا. فَصَلَّت سَاعَةً. ثُمَّ قَالَت:
ــ
وفي هذه الأحاديث ما يدل على أن الكون بالمزدلفة بعد الوقوف بعرفة من شعائر الحج، ومناسكه. ولا خلاف في ذلك؛ إلا خلافًا شاذًّا روي عن عطاء، والأوزاعي: أن جمعًا منزل كسائر منازل السَّفر، من شاء طواه، ومن شاء نزل به، ورحل متى شاء.
ثم اختلف القائلون: بأنه مشروع. فمنهم من ذهب إلى أنه ركن يبطل الحج بفواته. وإليه ذهب أبو عبيد القاسم بن سلام. وقال علقمة، والشعبي، والنخعي: من فاته جمع، ولم يقف به؛ فقد فاته الحج. والجمهور: على أنه يلزمه بفواته دم والحج صحيح.
ثم اختلف في القدر الذي يجزئ من ذلك. فقال الشافعي: إن خرج منها بعد نصف الليل فلا شيء عليه. وإن كان قبل ولم يعد إليها؛ افتدى بشاة. وقال مالك: من نزل بها؛ فلا دم عليه في أي وقت دفع منها، وإن مرّ ولم ينزل؛ فعليه الدم.
وأما الوقوف بالمشعر الحرام: فقد صار الشافعي، والنخعي، والأوزاعي: إلى أنه إن فاته الوقوف به؛ فقد فاته الحج. واختلف فيه عن الثوري. والجمهور: على أنه ليس بواجب. ثم اختلفوا. فقال الكوفيون، وفقهاء أصحاب الحديث: على تاركه دم. وذهب مالك: إلى أنه مستحب، ولا يجب بتركه دم.
وسبب هذا الخلاف معارضة ظاهر قوله تعالى: {فَإِذَا أَفَضتُم مِن عَرَفَاتٍ فَاذكُرُوا اللَّهَ عِندَ المَشعَرِ الحَرَامِ} ؛ لما ثبت من السنة في إذنه صلى الله عليه وسلم لضعفة أهله في الدفع من المزدلفة قبل طلوع الفجر إلى منى، ولم يأمرهم بالوقوف، ولا بالدم على الترك (1)، فدلّ ذلك على أنه ليس بواجب، ولا في تركه دم، وما أمر به عبد الله بن عمر مَن قدَّمه من ضعفة أهله من الوقوف عند المشعر الحرام، فذلك على جهة الاستحباب (2) منه، وهو حسنٌ لمن فعله. وهذه
(1) ما بين حاصرتين ساقط من (هـ).
(2)
في (هـ) و (ل): الاستحسان.
يَا بُنَيَّ هَل غَابَ القَمَرُ؟ قُلتُ: نَعَم قَالَت: ارحَل بنِي! فَارتَحَلنَا حَتَّى رَمَت الجَمرَةَ، ثُمَّ صَلَّت فِي مَنزِلِهَا. فَقُلتُ: لَهَا أَي هَنتَاه لَقَد غَلَّسنَا قَالَت: كَلَّا أَي بُنَيَّ! إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَذِنَ لِلظُّعُنِ.
رواه البخاري (1679)، ومسلم (1291)، وأبو داود (1943)، والنسائي (5/ 266).
[1144]
وعن أُمِّ حَبِيبَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ بِهَا مِن جَمعٍ بِلَيلٍ، وَفِي رِوَايَةِ: نُغَلِّسُ.
رواه مسلم (1292)(298 و 299)، والنسائي (5/ 262).
ــ
الأحاديث تدل على أن الدفع للضَّعفة من المزدلفة قبل طلوع الفجر رخصة، ولا خلاف في أن الأولى والأفضل المكث بالمزدلفة إلى أن يُصلِّى الفجر بها، ثم يقف بالمشعر الحرام، ثم يدفع منها بعد ذلك، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم. ثم هل تلك الرخصة تختص بالإمام أو تتعدى إلى غيره ممن يحتاج إلى ذلك؟ قولان عندنا. وابن عمر راوي الحديث فهم التعدِّي، وأن من احتاج إلى ذلك فعله، وهو الصحيح.
وقوله: (فارتحلت حتى رمت الجمرة، ثم صلت في منزلها)؛ يعني: صلاة الصبح. وظاهره: أن أسماء رمت الجمرة قبل طلوع الفجر. وهو متمسك الشافعي على قوله بجواز رمي الجمرة من نصف الليل. وذهب الثوري، والنخعي: إلى أنها لا ترمى إلا بعد طلوع الشمس؛ متمسكين بما في كتاب النسائي من حديث ابن عباس: أنه صلى الله عليه وسلم قدَّم ضعفة أهله، وأمرهم ألا يرموا حتى تطلع الشمس (1). وهو صحيح. ومذهب مالك: أن الرمي يحلُّ بطلوع الفجر. متمسِّكًا بقول عائشة:
(1) رواه النسائي (5/ 261).
[1145]
وعن ابنَ عَبَّاسٍ قَالَ: بَعَثَ بِي نبي اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِسَحَرٍ مِن جَمعٍ فِي ثَقَلِ نَبِيِّ اللَّهِ.
رواه البخاري (1677)، ومسلم (1294)، وأبو داود (1939)، والترمذي (892)، والنسائي (5/ 261)، وابن ماجه (3026).
[1146]
وعن سَالِمَ بنَ عَبدِ اللَّهِ، أَنَّ عَبدَ اللَّهِ بنَ عُمَرَ كَانَ يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهلِهِ، فَيَقِفُونَ عِندَ المَشعَرِ الحَرَامِ بِالمُزدَلِفَةِ بِاللَّيلِ، فَيَذكُرُونَ اللَّهَ مَا بَدَا لَهُم، ثُمَّ يَدفَعُونَ قَبلَ أَن يَقِفَ الإِمَامُ، وَقَبلَ أَن يَدفَعَ فَمِنهُم مَن يَقدَمُ مِنًى لِصَلَاةِ الفَجرِ، وَمِنهُم مَن يَقدَمُ بَعدَ ذَلِكَ، فَإِذَا قَدِمُوا رَمَوا الجَمرَةَ وَكَانَ ابنُ عُمَرَ يَقُولُ: أَرخَصَ فِي أُولَئِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
رواه البخاري (1676)، ومسلم (1295).
* * *
ــ
فأصلي الصبح بمنًى، وأرمي الجمرة (1). وبحديث ابن عمر، وإليه ذهب أحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي.
و(قول ابن عباس: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم من جمع في ثَقَله بسَحَر)؛ بغير صرف، وهو الصواب؛ لأنه سحر معينٌ. و (ثقل): بفتح الثاء والقاف: وهو الشيء الذي يثقل حامله (2).
* * *
(1) سبق تخريجه برقم (1442).
(2)
هنا نهاية النسخة الظاهرية.