المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(59) باب الترغيب في سكنى المدينة والصبر على لأوائها - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٣

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(9) كتاب الزكاة

- ‌(1) باب ما تجب فيه الزكاة، وكم مقدار ما يخرج

- ‌(2) باب ليس فيما اتُّخِذَ للقُنيَةً صدقة وتقديم الصدقة وتحمّلها عمن وجبت عليه

- ‌(3) باب الأمر بزكاة الفطر، وعمن تخرج، ومماذا تخرج، ومتى تخرج

- ‌(4) باب وجوب الزكاة في البقر والغنم، وإثم مانع الزكاة

- ‌(5) باب الحض على الصدقة والنفقة على العيال والأقربين

- ‌(6) باب فضل الصدقة على الزوج والولد اليتيم والأخوال

- ‌(7) باب الصدقة على الأم المشرِكة، وعن الأم الميتة

- ‌(8) باب الابتداء في الصدقة بالأهم فالأهم

- ‌(9) باب أعمال البر صدقات

- ‌(10) باب الدعاء للمنفق وعلى الممسك، والأمر بالمبادرة للصدقة قبل فَوتِها

- ‌(11) باب لا يقبل الله الصدقة إلا من الكسب الطيب

- ‌(12) باب الصدقة وقاية من النار

- ‌(13) باب حث الإمام الناس على الصدقة إذا عنت فاقة

- ‌(14) باب النهي عن لَمزِ المتصدِّق والترغيب في صدقة المِنحَة

- ‌(15) باب مثل المتصدق والبخيل، وقبول الصدقة تقع عند غير مستحق

- ‌(16) باب أجر الخازن الأمين والمرأة تتصدق من كسب زوجها والعبد من مال سيده

- ‌(17) باب أجر من أنفق شيئين في سبيل الله وعظم منزلة من اجتمعت فيه خصال من الخير

- ‌(18) باب من أحصى أُحصِي عليه والنهي عن احتقار قليل الصدقة وفضل إخفائها

- ‌(19) باب أي الصدقة أفضل وفضل اليد العليا والتعفف عن المسألة

- ‌(20) باب من أحق باسم المسكنة وكراهة المسألة للناس

- ‌(21) باب من تحل له المسألة

- ‌(22) باب إباحة الأخذ لمن أعطي من غير سؤال ولا استشراف

- ‌(23) باب كراهية الحرص على المال والعُمر

- ‌(24) باب الغنى غِنَى النفس وما يخاف من زهرة الدنيا وفضل التعفف والقناعة

- ‌(25) باب إعطاء السائل ولو أفحش في المسألة

- ‌(26) باب إعطاء المؤلفة قلوبهم

- ‌(27) باب يَجِبُ الرضا بما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما أعطى ويكفر من نَسبَ إليه جَورًا وذكر الخوارج

- ‌(28) باب لا تَحِلُّ الصدقة لمحمد ولا لآلِ محمد، ومن يستعمل على الصدقة

- ‌(29) ومن باب: الصدقة إذا بلغت محلها

- ‌(30) باب دعاء المصدق لِمن جاء بصدقته، والوصاة بالمصدق

- ‌(10) كتاب الصوم

- ‌(1) باب فضل شهر رمضان والصوم والفطر لرؤية الهلال

- ‌(2) باب لأهل كل بلد رؤيتهم عند التباعد وفي الهلال يرى كبيرا وشهران لا ينقصان والنهي عن أن يتقدم رمضان بصوم

- ‌(3) باب في قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيطُ الأَبيَضُ مِنَ الخَيطِ الأَسوَدِ} وقوله عليه الصلاة والسلام: إن بلالا ينادي بليل

- ‌(4) باب الحث على السحور، وتأخيره وتعجيل الإفطار

- ‌(5) باب إذا أقبل الليل وغابت الشمس أفطر الصائم

- ‌(6) باب النهي عن الوصال في الصوم

- ‌(7) بَابُ ما جاء فِي القُبلَة للصائم

- ‌(8) باب صوم من أدركه الفجر وهو جنب

- ‌(9) باب كفارة من أفطر متعمدا في رمضان

- ‌(10) باب جواز الصوم، والفطر في السفر والتخيير في ذلك

- ‌(11) باب من أجهده الصوم حتى خاف على نفسه وجب عليه الفطر

- ‌(12) باب الفطر أفضل لمن تأهب إلى لقاء العدو

- ‌(13) باب فضل صيام يوم عرفة وترك صيامه لمن كان بعرفة

- ‌(14) باب في صيام يوم عاشوراء وفضله

- ‌(15) باب النهي عن صيام يوم الفطر ويوم الأضحى وكراهية صوم أيام التشريق

- ‌(16) باب النهي عن اختصاص يوم الجمعة بصيام واختصاص ليلته بقيام

- ‌(17) باب نسخ الفدية، ومتى يقضى رمضان

- ‌(18) باب قضاء الصيام عن الميت

- ‌(19) باب فضل الصيام، والأمر بالتحفظ به من الجهل والرفث

- ‌(20) باب فيمن أصبح صائمًا متطوعا ثم يفطر وفيمن أكل ناسيا

- ‌(21) باب كيف كان صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم في التطوع

- ‌(22) باب كراهية سرد الصوم، وبيان أفضل الص

- ‌(23) باب فضل صوم ثلاثة أيام من كل شهر وسرر شعبان، وصوم المحرم وستة أيام من شوال

- ‌(11) أبواب الاعتكاف وليلة القدر

- ‌(1) باب لا اعتكاف إلا في مسجد وبصوم

- ‌(2) باب للمعتكف أن يختص بموضع من المسجد فيضرب خيمة ومتى يدخلها، واعتكاف النساء في المسجد وأن المعتكف لا يخرج من معتكفه إلا لحاجته الضرورية

- ‌(3) باب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان

- ‌(4) باب الأمر بالتماس ليلة القدر

- ‌(5) باب لَيلَةُ القَدرِ لَيلَةُ ثَلَاثُ وَعشرين

- ‌(6) باب ليلة القدر ليلة سبع وعشرين وما جاء في علاماتها

- ‌(12) كتاب الحج

- ‌(1) باب ما يجتنبه المحرم من اللباس والطيب

- ‌(2) باب المواقيت في الحج والعمرة

- ‌(3) باب الإحرام والتلبية

- ‌(4) باب بيان المحل الذي أهل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(5) باب تطيب المحرم قبل الإحرام

- ‌(6) باب ما جاء في الصيد، وفي لحمه للمحرم

- ‌(7) باب ما يقتل المحرم من الدواب

- ‌(8) باب الفدية للمحرم

- ‌(9) باب جواز مداواة المحرم بالحجامة وغيرها مما ليس فيه طيب

- ‌(10) باب غسل المحرم رأسه

- ‌(11) باب المحرم يموت، ما يفعل به؟ وهل للحاج أن يشترط

- ‌(12) باب يغتسل المحرم على كل حال ولو كان امرأة حائضا، وإرداف الحائض

- ‌(13) باب تفعل الحائض والنفساء جميع المناسك إلا الطواف بالبيت

- ‌(14) باب أنواع الإحرام ثلاثة

- ‌(15) باب ما جاء في فسخ الحج في العمرة وأن ذلك كان خاصا بهم

- ‌(16) باب يجزئ القارن بحجه وعمرته طواف واحد وسعي واحد

- ‌(17) باب في حجة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(18) باب في قوله تعالى: {أَفِيضُوا مِن حَيثُ أَفَاضَ النَّاسُ}

- ‌(19) باب الإهلال بما أهل به الإمام

- ‌(20) باب الاختلاف في أي أنواع الإحرام أفضل

- ‌(21) باب الهدي للمتمتع والقارن

- ‌(22) باب الاختلاف فيما به أحرم النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(23) باب الطواف عند القدوم

- ‌(24) باب إباحة العمرة في أشهر الحج

- ‌(25) باب تقليد الهدي وإشعاره عند الإحرام

- ‌(26) باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم وكم حج

- ‌(27) باب فضل العمرة في رمضان

- ‌(28) باب من أين دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة والمدينة، ومن أين خرج

- ‌(29) باب المبيت بذي طوى، والاغتسال قبل دخول مكة، وتعيين مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(30) باب الرمل في الطواف والسعي

- ‌(31) باب استلام الركنين اليمانيين وتقبيل الحجر الأسود

- ‌(32) باب الطواف على الراحلة لعذر، واستلام الركن بالمحجن

- ‌(33) باب في قوله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالمَروَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ

- ‌(34) باب متى يقطع الحاج التلبية

- ‌(35) باب ما يقال في الغدو من منى إلى عرفات

- ‌(36) باب الإفاضة من عرفة والصلاة بمزدلفة

- ‌(37) باب التغليس بصلاة الصبح بالمزدلفة والإفاضة منها، وتقديم الظغن والضعفة

- ‌(38) باب رمي جمرة العقبة

- ‌(39) باب في الحلاق والتقصير

- ‌(40) باب من حلق قبل النحر ونحر قبل الرمي

- ‌(41) باب طواف الإفاضة يوم النحر ونزول المحصب يوم النفر

- ‌(42) باب الرخصة في ترك البيتوتة بمنى لأهل السقاية

- ‌(43) باب التصدق بلحوم الهدايا وجلودها وأجلتها والاشتراك فيها

- ‌(44) باب من بعث بهدي لا يلزمه أن يجتنب ما يجتنبه المحرم، وفي ركوب الهدي

- ‌(45) باب ما عطب من هدي التطوع قبل محله

- ‌(46) باب ما جاء في طواف الوداع

- ‌(47) باب ما جاء في دخول النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة وفي صلاته فيها

- ‌(48) باب في نَقضِ الكَعبَةِ وَبِنَائِهَا

- ‌(49) باب الحج عن المعضوب والصبي

- ‌(50) باب فرض الحج مرة في العمر

- ‌(51) باب ما جاء أن المحرم من الاستطاعة

- ‌(52) باب ما يقال عند الخروج إلى السفر وعند الرجوع

- ‌(53) باب التعريس بذي الحليفة إذا صدر من الحج أو العمرة

- ‌(54) باب في فضل يوم عرفة ويوم الحج الأكبر

- ‌(55) باب ثواب الحجِّ والعمرة

- ‌(56) باب تَمَلُّك دُور مكة ورِباعها وكم كان مكث المهاجر بها

- ‌(57) باب تحريم مكة وصيدها وشجرها ولقطتها

- ‌(58) باب تحريم المدينة وصيدها وشجرها والدعاء لها

- ‌(59) باب الترغيب في سكنى المدينة والصبر على لأوائها

- ‌(60) باب المدينة لا يدخلها الطاعون ولا الدَّجال، وتنفي الأشرار

- ‌(61) باب إثم من أراد أهل المدينة بسوء والترغيب فيها عند فتح الأمصار

- ‌(62) باب فضل المنبر والقبر وما بينهما، وفضل أحد

- ‌(63) باب فضل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسجد الحرام، وما تشد الرحال إليه، والمسجد الذي أسس على التقوى، وإتيان قباء

- ‌(13) كتاب الجهاد والسير

- ‌(1) باب في التأمير على الجيوش والسرايا ووصيتهم، والدعوة قبل القتال

- ‌(2) باب النهي عن الغدر، وما جاء أن الحرب خدعة

- ‌(3) باب النهي عن تمنِّي لقاء العدو والصبر عند اللقاء والدعاء بالنصر

- ‌(4) باب النهي عن قتل النساء والصبيان وجواز ما يصاب منهم إذا بيتوا وقطع نخيلهم وتحريقها

- ‌(5) باب تخصيص هذه الأمة بتحليل الغنائم

- ‌(6) باب في قوله تعالى: {يَسأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ}

- ‌(7) باب للإمام أن يخص (ل اتل بالسَّلب

- ‌(8) باب لا يستحق القاتل السَّلب بنفس القتل

- ‌(9) باب في التنفيل بالأسارى، وفداء المسلمين بهم

- ‌(10) باب ما يخمس من الغنيمة وما لا يخمس وكم يسهم للفرس والرجل

- ‌(11) باب بيان ما يصرف فيه الفيء والخمس

- ‌(12) باب تصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم بما وصل إليه من الفيء ومن سهمه

- ‌(13) باب الإمام مُخيَّر في الأسارى وذكر وقعة يوم بدر، وتحليل الغنيمة

- ‌(14) باب في المن على الأسارى

- ‌(15) باب إجلاء اليهود والنصارى من المدينة ومن جزيرة العرب

- ‌(16) باب إذا نزل العدو على حكم الإمام فله أن يرد الحكم إلى غيره ممن له أهلية ذلك

- ‌(17) باب أخذ الطعام والعلوفة من غير تخميس

- ‌(18) باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام

- ‌(19) باب كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك يدعوهم

- ‌(20) باب في غزاة حنين وما تضمنته من الأحكام

- ‌(21) باب في محاصرة العدو، وجواز ضرب الأسير وطرف من غزوة الطائف

- ‌(22) باب ما جاء أن فتح مكة عنوة وقوله عليه الصلاة والسلام: لَا يَقتِلُ قُرَشِيٌّ صَبرًّا بَعدَ اليَومِ

- ‌(23) باب صلح الحديبية وقوله تعالى: {إِنَّا فَتَحنَا لَكَ فَتحًا مُبِينًا}

- ‌(24) باب في التحصين بالقلع والخنادق عند الضعف عن مقاومة العدو وطرف من غزوة الأحزاب

- ‌(25) باب في اقتحام الواحد على جمع العدو، وذكر غزوة أحد وما أصاب فيها النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(26) باب فيما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى قريش

- ‌(27) باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله وصبره على الجفاء والأذى

- ‌(28) باب جواز إعمال الحيلة في قتل الكفار وذكر قتل كعب بن الأشرف

- ‌(29) باب في غزوة خيبر وما اشتملت عليه من الأحكام

- ‌(30) باب في غزوة ذي قرد وما تضمنته من الأحكام

- ‌(31) باب خروج النساء في الغزو

- ‌(32) باب لا يسهم للنساء في الغنيمة بل يحذين منه

- ‌(33) باب عدد غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(34) باب في غزوة ذات الرِّقاع

- ‌(35) باب ترك الاستعانة بالمشركين

- ‌(36) باب السن الذي يجاز في القتال

- ‌(37) باب النهي عن أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو

- ‌(38) باب في المسابقة بالخيل، وأنها معقود في نواصيها الخير، وما يكره منها

- ‌(39) باب الترغيب في الجهاد وفضله

- ‌(40) باب فضل القتل في سبيل الله تعالى

- ‌(41) باب في قوله تعالى: {أَجَعَلتُم سِقَايَةَ الحَاجِّ وَعِمَارَةَ المَسجِدِ الحَرَامِ} الآية

- ‌(42) باب في رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة، وفيمن قتل كافرًا

- ‌(43) باب فضل الحمل في سبيل الله والجهاد ومن دل على خير

- ‌(44) باب في البعوث ونيابة الخارج عن القاعد وفيمن خلف غازيا في أهله بخير أو بشر

- ‌(45) باب في قوله تعالى: {لا يَستَوِي القَاعِدُونَ} الآية

- ‌(46) باب بعث العيون في الغزو وما جاء: أن الجنة تحت ظلال السيوف

- ‌(47) باب في قوله تعالى: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيهِ}

- ‌(48) باب الإخلاص وحسن النية في الجهاد

- ‌(49) باب إثم من لم يُخلص في الجهاد وأعمال البر

- ‌(50) باب الغنيمة نقصان من الأجر وفيمن مات ولم ينو الغزو وفيمن تمنى الشهادة

- ‌(51) باب الغزو في البحر

- ‌(52) باب في فضل الرِّباط، وكم الشهداء

- ‌(53) باب في قَولِهِ تَعَالَى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَا استَطَعتُم}

- ‌(54) باب في قوله عليه الصلاة والسلام: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين)

- ‌(55) باب من آداب السفر

الفصل: ‌(59) باب الترغيب في سكنى المدينة والصبر على لأوائها

(59) باب الترغيب في سكنى المدينة والصبر على لأوائها

[1228]

عَن أَبِي سَعِيدٍ مَولَى المَهرِيِّ أَنَّهُ أَصَابَهُم بِالمَدِينَةِ جَهدٌ وَشِدَّةٌ، وَأَنَّهُ أَتَى أَبَا سَعِيدٍ الخُدرِيَّ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي كَثِيرُ العِيَالِ، وَقَد أَصَابَتنَا شِدَّةٌ، فَأَرَدتُ أَن أَنقُلَ عِيَالِي إِلَى بَعضِ الرِّيفِ! فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: لَا تَفعَل، الزَم المَدِينَةَ، فَإِنَّا خَرَجنَا مَعَ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَظُنُّ أَنَّهُ قَالَ: حَتَّى قَدِمنَا عُسفَانَ - فَأَقَامَ بِهَا لَيَالِيَ، فَقَالَ النَّاسُ: وَاللَّهِ مَا نَحنُ هَاهُنَا فِي شَيءٍ وَإِنَّ عِيَالَنَا لَخُلُوفٌ مَا نَأمَنُ عَلَيهِم، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَا هَذَا الَّذِي يبَلَغَنِي مِن حَدِيثِكُم - مَا أَدرِي كَيفَ قَالَ - وَالَّذِي أَحلِفُ بِهِ - أَو وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ - لَقَد هَمَمتُ - أَو إِن شِئتُم، لَا أَدرِي أَيَّتَهُمَا قَالَ - لَآمُرَنَّ بِنَاقَتِي تُرحَلُ ثُمَّ لَا أَحُلُّ لَهَا عُقدَةً حَتَّى أَقدَمَ المَدِينَةَ. وَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّ إِبرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ

ــ

(59)

ومن باب: الترغيب في سكنى المدينة

قوله إن أهلنا لخلوف بضم الخاء المعجمة من فوقها؛ أي: لا حافظ لهم ولا حامي، يقال: حيٌّ خلوف - أي: غاب عنهم رجالهم.

وقوله لآمرنَّ بناقتي ترحَّل مشدَّدة الحاء؛ أي: يجعل عليها الرَّحل.

وقوله ثم لا أحل لها - أو عنها - عقدة؛ أي: أَصِلُ المشي والإسراع، وذلك لمحبته الكون (1) في المدينة وشدَّة شوقه إليها، وقد تقدَّم الكلام في المأزِمَين.

(1) أي: الوصول إليها والاستقرار فيها.

ص: 490

فَجَعَلَهَا حَرَمًا، وَإِنِّي حَرَّمتُ المَدِينَةَ حَرَامًا مَا بَينَ مَأزِمَيهَا؛ أَلَّا يُهرَاقَ فِيهَا دَمٌ، وَلَا يُحمَلَ فِيهَا سِلَاحٌ لِقِتَالٍ، وَلَا تُخبَطَ فِيهَا شَجَرَةٌ إِلَّا لِعَلفٍ، اللَّهُمَّ بَارِك لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، اللَّهُمَّ بَارِك لَنَا فِي صَاعِنَا، اللَّهُمَّ بَارِك لَنَا فِي مُدِّنَا، اللَّهُمَّ بَارِك لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، اللَّهُمَّ اجعَل مَعَ البَرَكَةِ بَرَكَتَينِ، وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا مِن المَدِينَةِ شِعبٌ وَلَا نَقبٌ إِلَّا عَلَيهِ مَلَكَانِ يَحرُسَانِهَا حَتَّى تَقدَمُوا إِلَيهَا.

ــ

وقوله لا يُحمل فيها سلاح، ولا تُخبط فيها شجرة، هذا كله يقضي بالتسوية (1) بين حرم المدينة وحرم مكة، وهو ردٌّ على أبي حنيفة على ما تقدَّم.

وقوله إلا لعلف، لم يذكر هذا الاستثناء في شجر مكة، وهو أيضا جار فيها ولا فرق بينهما، وكذلك ذكر في مكة إلا الإذخر ولم يذكره في المدينة، وهو أيضًا جارٍ فيها؛ إذ لا فرق بين الحرمين. والحاصل من الاستثنائين أن ما دعت الحاجة إليه من العلف والانتفاع بالحشيش جاز تناوله على وجه المس والرفق من غير عنف ولا كسر غصن، وهو حجة على من منع شيئًا من ذلك.

وقوله ما من المدينة شِعبٌ ولا نقبٌ إلا عليه ملكان يحرسانها، الشِعب - بكسر الشين: هو الطريق في الجبل، قاله يعقوب وغيره. والنقب - بفتح النون وضمها: هو الطريق على رأس الجبل. وقيل: هو الطريق ما بين الجبلين. وقال الأخفش: أنقاب المدينة طرقها وفجاجها. وما يهيجهم؛ أي: ما يحركهم. يقال: هاج الشيء وهجته، وهاجت الحرب وهاجها الناس؛ أي: حركوها وأثاروها. وبنو عبد الله بن غطفان كانوا يُسمَّون في الجاهلية بني عبد العزّى، سمَّاهم النبي صلى الله عليه وسلم بني عبد الله فسمتهم العرب بني محولة لتحويل اسمهم، وفي هذا ما يدل على أن حراسة الملائكة للمدينة إنما كان إذ ذاك في مدة غيبة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عنها نيابة عنهم.

(1) في (ز): يقتضي التسوية.

ص: 491

ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ: ارتَحِلُوا - فَارتَحَلنَا فَأَقبَلنَا إِلَى المَدِينَةِ، فَوَالَّذِي يَحلِفُ بِهِ - أَو نحلَفُ بِهِ، الشَّكُّ مِن حَمَّادٍ - مَا وَضَعنَا رِحَالَنَا حِينَ دَخَلنَا المَدِينَةَ حَتَّى أَغَارَ عَلَينَا بَنُو عَبيدِ اللَّهِ بنِ غَطَفَانَ، وَمَا يَهِيجُهُم قَبلَ ذَلِكَ شَيءٌ.

رواه أحمد (3/ 34 و 47)، ومسلم (1374)(475).

[1229]

وعنه أَنَّهُ جَاءَ أَبَا سَعِيدٍ الخُدرِيَّ لَيَالِي الحَرَّةِ فَاستَشَارَهُ فِي الجَلَاءِ مِن المَدِينَةِ، وَشَكَا إِلَيهِ أَسعَارَهَا وَكَثرَةَ عِيَالِهِ، وَأَخبَرَهُ أَلَّا صَبرَ لَهُ عَلَى جَهدِ المَدِينَةِ وَلَأوَائِهَا، فَقَالَ: إِنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا يَصبِرُ أَحَدٌ عَلَى لَأوَائِهَا وشدتها فَيَمُوتَ إِلَّا كُنتُ لَهُ شَفِيعًا - أَو

ــ

وقوله ليالي الحرة يعني به حرة المدينة، كان بها مقتلة عظيمة في أهل المدينة، كان سببها أن ابن الزبير وأكثر أهل الحجاز كرهوا بيعة يزيد بن معاوية، فلما مات معاوية وجَّه يزيدُ مسلمَ بنَ عقبة المدني في جيشٍ عظيم من أهل الشام فنزل بالمدينة فقاتل أهلها، فهزمهم وقتلهم بحرَّة المدينة قتلًا ذريعًا، واستباح المدينة ثلاثة أيام، فسميت وقعة الحرَّة بذلك، ثم إنه توجه بذلك الجيش يريد مكة، فمات مسلم بقديد، وولي الجيش الحصين بن نمير وسار إلى مكة، وحاصر ابن الزبير، وأحرقت الكعبة حتى انهدم جدارها وسقط سقفها، فبينما هم كذلك بلغهم موت يزيد فتفرقوا، وبقي ابن الزبير بمكة إلى زمان الحجاج وقتله لابن الزبير رضي الله عن ابن الزبير.

والجلاء - بفتح الجيم والمد - الانتقال من موضع إلى آخر، والجلاء - بكسر الجيم والمد - هو جلاء السيف والعروس، والجلا - بفتح الجيم والقصر - هو جلاء الجبهة وهو انحسار الشعر عنها، يقال: رجل أجلى وأجلح.

ص: 492

شَهِيدًا - يَومَ القِيَامَةِ إِذَا كَانَ مُسلِمًا.

رواه مسلم (1374)(477).

[1230]

وَعَن عَائِشَةَ قَالَت: قَدِمنَا المَدِينَةَ وَهِيَ وَبِيئَةٌ، فَاشتَكَى أَبُو بَكرٍ، وَاشتَكَى بِلَالٌ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَكوَى أَصحَابِهِ قَالَ: اللَّهُمَّ حَبِّب إِلَينَا المَدِينَةَ كَمَا حَبَّبتَ مَكَّةَ أَو أَشَدَّ، وَصَحِّحهَا وَبَارِك لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا، وَحَوِّل حُمَّاهَا إِلَى الجُحفَةِ.

رواه أحمد (6/ 56)، والبخاري (1889)، ومسلم (1376).

ــ

وقوله إذا كان مسلمًا يُقَيّد ما تقدَّم من مطلقات هذه الألفاظ، ويُنَبَّه على القاعدة المقرَّرة من أن الكافر لا تناله شفاعة شافع، كما قال الله تعالى مخبرًا عنهم:{فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} .

وقوله في المدينة وهي وبيئة بالهمزة من الوباء، وهو هنا شدَّة المرض والحمَّى، وكانوا لَمَّا قدموا المدينة لم توافقهم في صحتهم، فأصابتهم أمراض عظيمة ولقوا من حُمَّاها شدَّة، حتى دعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم وللمدينة فكشف الله ذلك ببركة دعائه، كما ذكر في هذا الحديث وفي غيره.

وقوله وحوَّل حُمَّاها إلى الجحفة، قد ذكرنا الجحفة في باب المواقيت، وإنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم بهذا رحمة لأهل المدينة ولأصحابه ونقمة من أهل الجحفة؛ فإنهم كانوا إذ ذاك كفارًا. قال الخطابي: كانوا يهودًا. وقيل: إنه لم يبق أحد من أهل الجحفة في ذلك الوقت إلا أخذته الحمَّى. وفيه الدعاء للمسلم وعلى الكافر، وهذا وما في معناه من أدعية النبي صلى الله عليه وسلم التي تفوق الحصر حجَّة على بعض المعتزلة القائلين لا فائدة في الدَّعاء مع سابق القدر، وعلى غلاة الصوفية القائلين إن الدعاء قادح في التوكل، وهذه كلها جهالات لا ينتحلها إلا جاهل غبيٌّ لظهور فسادها وقُبح ما يلزم عليها، ولبسط هذا موضع آخر.

ص: 493

[1231]

وعَن يُحَنَّسَ مَولَى الزُّبَيرِ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِندَ عَبدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ فِي الفِتنَةِ، فَأَتَتهُ مَولَاةٌ لَهُ تُسَلِّمُ عَلَيهِ، فَقَالَت: إِنِّي أَرَدتُ الخُرُوجَ يَا أَبَا عَبدِ الرَّحمَنِ! واشتَدَّ عَلَينَا الزَّمَانُ. فَقَالَ لَهَا عَبدُ اللَّهِ: اقعُدِي لَكَاعِ، فَإِنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا يَصبِرُ عَلَى لَأوَائِهَا وَشِدَّتِهَا أَحَدٌ إِلَّا كُنتُ لَهُ شَهِيدًا أَو شَفِيعًا يَومَ القِيَامَةِ.

رواه أحمد (2/ 113 و 119 و 133)، ومسلم (1377)(482)، والموطأ (2/ 885).

* * *

ــ

ويُحنِّسُ بضم الياء وكسر النون وتشديدها، رويناه، وهو المشهور. وقد ضبط عن أبي بحر يحنَّس بفتح النون.

وقول ابن عمر لمولاته اقعدي لكاع معناه لئيمة، من اللكع وهو اللآمة، وقيل: أخذ من الملاكيع، وهو الذي يخرج مع السَّلا من البطن، ولا يستعمل إلا في النداء، يقال للذكر: يا لكع. وللأنثى: يا لكاع. وقيل: يا لكعاء. وربما جاء في الشعر للضرورة في غير النداء، كما قال (1):

. . . . . . . . .

إلى بيت قَعِيدتُه لَكَاعِ (2)

وقد يقال للصغير، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للحسن حين طلبه أثمَّ لكع (3)؛ أي الصغير، وهذا من ابن عمر تبسط مع مولاته وإنكار عليها إرادة الخروج من المدينة.

(1) القائل: هو أبو الغريب النصري.

(2)

صدر البيت: أطوِّفُ ما أطؤف ثم آوي.

(3)

رواه البخاري (2122)، ومسلم (2421).

ص: 494