الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(23) باب كراهية الحرص على المال والعُمر
[914]
عَن أَبِي هُرَيرَةَ؛ أَنَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (قَلبُ الشَّيخِ شَابٌّ عَلَى حُبِّ اثنَتَينِ: طُولُ الحَيَاةِ، وَحُبُّ المَالِ).
رواه أحمد (2/ 335 و 338)، والبخاري (6420)، ومسلم (1046)، والترمذي (2338)، وابن ماجه (4233).
[915]
وَعَن أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (يَهرَمُ ابنُ آدَمَ وَتَشِبُّ مِنهُ اثنَتَانِ: الحِرصُ عَلَى المَالِ وَالحِرصُ عَلَى العُمُرِ).
رواه أحمد (3/ 192 و 256)، والبخاري (6421)، ومسلم (1047)، والترمذي (2455)، وابن ماجه (4234).
ــ
(23)
ومن باب: كراهية الحرص على المال والعمر
أحاديث هذا الباب كلها متواردة على الإخبار عمّا جُبِل الإنسان عليه؛ من حب المال، والحرص على البقاء في الدنيا، وعلى أن ذينك ليسا بمحمودين؛ بل مذمومين، ويحقق الذمّ في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:(ويتوب الله على من تاب). وقد نص الله تعالى على ذم ذلك في قوله: {وَلَتَجِدَنَّهُم أَحرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ} ؛ وغيره مما في معناه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (ما ذئبان جائعان أرسلا في زريبة غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه)(1)، وقد تقدّم: أن القراء في الصدر الأول هم كانوا الفقهاء؛ لأنهم كانوا يتفقهون في القرآن، وحديث أبي موسى هذا يدلّ عليه.
(1) سبق تخريجه (82).
[916]
وَعَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (لَو كَانَ لابنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِن مَالٍ لابتَغَى وَادِيًا ثَالِثًا، وَلا يَملأُ جَوفَ ابنِ آدَمَ إِلا التُّرَابُ، وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَن تَابَ).
رواه أحمد (3/ 243)، والبخاري (6439)، ومسلم (1048)، والترمذي (2337).
[917]
وَعَن أَبِي مُوسَى الأَشعَرِيُّ، أَنَهُ بَعَثَ إِلَى قُرَّاءِ البَصرَةِ، فَدَخَلَ عَلَيهِ ثَلاثُمَائَةِ رَجُلٍ قَد قَرَءُوا القُرآنَ، فَقَالَ: أَنتُم خِيَارُ أَهلِ البَصرَةِ وَقُرَّاؤُهُم، فَاتلُوهُ وَلا يَطُولَنَّ عَلَيكُمُ الأَمَدُ، فَتَقسُوَ قُلُوبُكُم كَمَا قَسَت قُلُوبُ مَن كَانَ قَبلَكُم، وَإِنَّا كُنَّا نَقرَأُ سُورَةً كُنَّا نُشَبِّهُهَا فِي الطُّولِ وَالشِّدَّةِ بِبَرَاءَةَ فَأُنسِيتُهَا؛ غَيرَ أَنِّي قَد حَفِظتُ مِنهَا: (لَو كَانَ لابنِ آدَمَ وَادِيَانِ مِن مَالٍ
ــ
وقوله: ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم؛ يعني به: لا تستطيبوا (1) مدة البقاء في الدنيا، فإن ذلك مفسد للقلوب بما يجرُّه إليها من الحرص والقسوة، حتى لا تلين لذكر الله، ولا تنتفع بموعظة ولا زجر، كما قال صلى الله عليه وسلم:(إن أخوف (2) ما أخاف على أمتي اتباع الهوى، وطول الأمل، فاتباع الهوى يصرف قلوبكم عن الحق، وطول الأمل يصرف هممكم إلى الدنيا، وما بعدهما لأحد خير من دنيا ولا آخرة) (3).
وقوله: كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدّة ببراءة فأنسيتها، وهذا ضرب من النسخ، فإن النسخ على ما نقله علماؤنا على ثلاثة أضرب:
(1) في (ع) و (ظ): تستطيلوا، والمثبت من (هـ).
(2)
في (هـ) و (ظ): أشدّ.
(3)
رواه ابن عدي في الكامل (1831)، وانظر: إتحاف السادة المتقين (10/ 237).
لابتَغَى وَادِيًا ثَالِثًا، وَلا يَملأُ جَوفَ ابنِ آدَمَ إِلا التُّرَابُ)، وَكُنَّا نَقرَأُ سُورَةً كُنَّا نُشَبِّهُهَا بِإِحدَى المُسَبِّحَاتِ فَأُنسِيتُهَا؛ غَيرَ أَنِّي حَفِظتُ مِنهَا: يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة.
رواه مسلم (1051).
* * *
ــ
أحدها: نسخ الحكم وبقاء التلاوة.
والثاني: عكسه، وهو: نسخ التلاوة وبقاء الحكم.
والثالث: نسخ الحكم والتلاوة، وهو كرفع هاتين السورتين اللتين ذكرهما أبو موسى، فإنهما رُفِعَ حُكمَهُما وتلاوتُهما. وهذا النحو من النسخ هو الذي ذكر الله تعالى حيث قال:{مَا نَنسَخ مِن آيَةٍ أَو نُنسِهَا} ؛ على قراءة من قرأها بضم النون، وكسر السين. وكذلك قوله تعالى:{سَنُقرِئُكَ فَلا تَنسَى * إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ} وهاتان السورتان مما قد شاء الله تعالى أن يُنسِيَه بعد أن أنزله، وهذا لأن الله تعالى فعال لما يريد، قادر على ما يشاء؛ إذ كل ذلك ممكن.
ولا يتوهم متوهم من هذا وشبهه أن القرآن قد ضاع منه شيء، فإن ذلك باطل؛ بدليل قوله تعالى:{إِنَّا نَحنُ نَزَّلنَا الذِّكرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} وبأن إجماع الصحابة ومن بعدهم انعقد على أن القرآن الذي تعبدنا بتلاوته وبأحكامه هو ما ثبت بين دفتي المصحف من غير زيادة ولا نقصان، كما قررناه في أصول الفقه.
وقوله تعالى: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفعَلُونَ} هو استفهام على حجة الإنكار والتوبيخ، على أن يقول الإنسان عن نفسه من الخير ما لا يفعله. أما في الماضي: فيكون كذابًا، أو في المستقبل: فيكون خُلفًا، وكلاهما مذموم. وهذا في قوله تعالى:{كَبُرَ مَقتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفعَلُونَ}