المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(24) باب في التحصين بالقلع والخنادق عند الضعف عن مقاومة العدو وطرف من غزوة الأحزاب - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٣

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(9) كتاب الزكاة

- ‌(1) باب ما تجب فيه الزكاة، وكم مقدار ما يخرج

- ‌(2) باب ليس فيما اتُّخِذَ للقُنيَةً صدقة وتقديم الصدقة وتحمّلها عمن وجبت عليه

- ‌(3) باب الأمر بزكاة الفطر، وعمن تخرج، ومماذا تخرج، ومتى تخرج

- ‌(4) باب وجوب الزكاة في البقر والغنم، وإثم مانع الزكاة

- ‌(5) باب الحض على الصدقة والنفقة على العيال والأقربين

- ‌(6) باب فضل الصدقة على الزوج والولد اليتيم والأخوال

- ‌(7) باب الصدقة على الأم المشرِكة، وعن الأم الميتة

- ‌(8) باب الابتداء في الصدقة بالأهم فالأهم

- ‌(9) باب أعمال البر صدقات

- ‌(10) باب الدعاء للمنفق وعلى الممسك، والأمر بالمبادرة للصدقة قبل فَوتِها

- ‌(11) باب لا يقبل الله الصدقة إلا من الكسب الطيب

- ‌(12) باب الصدقة وقاية من النار

- ‌(13) باب حث الإمام الناس على الصدقة إذا عنت فاقة

- ‌(14) باب النهي عن لَمزِ المتصدِّق والترغيب في صدقة المِنحَة

- ‌(15) باب مثل المتصدق والبخيل، وقبول الصدقة تقع عند غير مستحق

- ‌(16) باب أجر الخازن الأمين والمرأة تتصدق من كسب زوجها والعبد من مال سيده

- ‌(17) باب أجر من أنفق شيئين في سبيل الله وعظم منزلة من اجتمعت فيه خصال من الخير

- ‌(18) باب من أحصى أُحصِي عليه والنهي عن احتقار قليل الصدقة وفضل إخفائها

- ‌(19) باب أي الصدقة أفضل وفضل اليد العليا والتعفف عن المسألة

- ‌(20) باب من أحق باسم المسكنة وكراهة المسألة للناس

- ‌(21) باب من تحل له المسألة

- ‌(22) باب إباحة الأخذ لمن أعطي من غير سؤال ولا استشراف

- ‌(23) باب كراهية الحرص على المال والعُمر

- ‌(24) باب الغنى غِنَى النفس وما يخاف من زهرة الدنيا وفضل التعفف والقناعة

- ‌(25) باب إعطاء السائل ولو أفحش في المسألة

- ‌(26) باب إعطاء المؤلفة قلوبهم

- ‌(27) باب يَجِبُ الرضا بما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما أعطى ويكفر من نَسبَ إليه جَورًا وذكر الخوارج

- ‌(28) باب لا تَحِلُّ الصدقة لمحمد ولا لآلِ محمد، ومن يستعمل على الصدقة

- ‌(29) ومن باب: الصدقة إذا بلغت محلها

- ‌(30) باب دعاء المصدق لِمن جاء بصدقته، والوصاة بالمصدق

- ‌(10) كتاب الصوم

- ‌(1) باب فضل شهر رمضان والصوم والفطر لرؤية الهلال

- ‌(2) باب لأهل كل بلد رؤيتهم عند التباعد وفي الهلال يرى كبيرا وشهران لا ينقصان والنهي عن أن يتقدم رمضان بصوم

- ‌(3) باب في قوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيطُ الأَبيَضُ مِنَ الخَيطِ الأَسوَدِ} وقوله عليه الصلاة والسلام: إن بلالا ينادي بليل

- ‌(4) باب الحث على السحور، وتأخيره وتعجيل الإفطار

- ‌(5) باب إذا أقبل الليل وغابت الشمس أفطر الصائم

- ‌(6) باب النهي عن الوصال في الصوم

- ‌(7) بَابُ ما جاء فِي القُبلَة للصائم

- ‌(8) باب صوم من أدركه الفجر وهو جنب

- ‌(9) باب كفارة من أفطر متعمدا في رمضان

- ‌(10) باب جواز الصوم، والفطر في السفر والتخيير في ذلك

- ‌(11) باب من أجهده الصوم حتى خاف على نفسه وجب عليه الفطر

- ‌(12) باب الفطر أفضل لمن تأهب إلى لقاء العدو

- ‌(13) باب فضل صيام يوم عرفة وترك صيامه لمن كان بعرفة

- ‌(14) باب في صيام يوم عاشوراء وفضله

- ‌(15) باب النهي عن صيام يوم الفطر ويوم الأضحى وكراهية صوم أيام التشريق

- ‌(16) باب النهي عن اختصاص يوم الجمعة بصيام واختصاص ليلته بقيام

- ‌(17) باب نسخ الفدية، ومتى يقضى رمضان

- ‌(18) باب قضاء الصيام عن الميت

- ‌(19) باب فضل الصيام، والأمر بالتحفظ به من الجهل والرفث

- ‌(20) باب فيمن أصبح صائمًا متطوعا ثم يفطر وفيمن أكل ناسيا

- ‌(21) باب كيف كان صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم في التطوع

- ‌(22) باب كراهية سرد الصوم، وبيان أفضل الص

- ‌(23) باب فضل صوم ثلاثة أيام من كل شهر وسرر شعبان، وصوم المحرم وستة أيام من شوال

- ‌(11) أبواب الاعتكاف وليلة القدر

- ‌(1) باب لا اعتكاف إلا في مسجد وبصوم

- ‌(2) باب للمعتكف أن يختص بموضع من المسجد فيضرب خيمة ومتى يدخلها، واعتكاف النساء في المسجد وأن المعتكف لا يخرج من معتكفه إلا لحاجته الضرورية

- ‌(3) باب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان

- ‌(4) باب الأمر بالتماس ليلة القدر

- ‌(5) باب لَيلَةُ القَدرِ لَيلَةُ ثَلَاثُ وَعشرين

- ‌(6) باب ليلة القدر ليلة سبع وعشرين وما جاء في علاماتها

- ‌(12) كتاب الحج

- ‌(1) باب ما يجتنبه المحرم من اللباس والطيب

- ‌(2) باب المواقيت في الحج والعمرة

- ‌(3) باب الإحرام والتلبية

- ‌(4) باب بيان المحل الذي أهل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(5) باب تطيب المحرم قبل الإحرام

- ‌(6) باب ما جاء في الصيد، وفي لحمه للمحرم

- ‌(7) باب ما يقتل المحرم من الدواب

- ‌(8) باب الفدية للمحرم

- ‌(9) باب جواز مداواة المحرم بالحجامة وغيرها مما ليس فيه طيب

- ‌(10) باب غسل المحرم رأسه

- ‌(11) باب المحرم يموت، ما يفعل به؟ وهل للحاج أن يشترط

- ‌(12) باب يغتسل المحرم على كل حال ولو كان امرأة حائضا، وإرداف الحائض

- ‌(13) باب تفعل الحائض والنفساء جميع المناسك إلا الطواف بالبيت

- ‌(14) باب أنواع الإحرام ثلاثة

- ‌(15) باب ما جاء في فسخ الحج في العمرة وأن ذلك كان خاصا بهم

- ‌(16) باب يجزئ القارن بحجه وعمرته طواف واحد وسعي واحد

- ‌(17) باب في حجة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(18) باب في قوله تعالى: {أَفِيضُوا مِن حَيثُ أَفَاضَ النَّاسُ}

- ‌(19) باب الإهلال بما أهل به الإمام

- ‌(20) باب الاختلاف في أي أنواع الإحرام أفضل

- ‌(21) باب الهدي للمتمتع والقارن

- ‌(22) باب الاختلاف فيما به أحرم النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(23) باب الطواف عند القدوم

- ‌(24) باب إباحة العمرة في أشهر الحج

- ‌(25) باب تقليد الهدي وإشعاره عند الإحرام

- ‌(26) باب كم اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم وكم حج

- ‌(27) باب فضل العمرة في رمضان

- ‌(28) باب من أين دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة والمدينة، ومن أين خرج

- ‌(29) باب المبيت بذي طوى، والاغتسال قبل دخول مكة، وتعيين مصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(30) باب الرمل في الطواف والسعي

- ‌(31) باب استلام الركنين اليمانيين وتقبيل الحجر الأسود

- ‌(32) باب الطواف على الراحلة لعذر، واستلام الركن بالمحجن

- ‌(33) باب في قوله تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالمَروَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ

- ‌(34) باب متى يقطع الحاج التلبية

- ‌(35) باب ما يقال في الغدو من منى إلى عرفات

- ‌(36) باب الإفاضة من عرفة والصلاة بمزدلفة

- ‌(37) باب التغليس بصلاة الصبح بالمزدلفة والإفاضة منها، وتقديم الظغن والضعفة

- ‌(38) باب رمي جمرة العقبة

- ‌(39) باب في الحلاق والتقصير

- ‌(40) باب من حلق قبل النحر ونحر قبل الرمي

- ‌(41) باب طواف الإفاضة يوم النحر ونزول المحصب يوم النفر

- ‌(42) باب الرخصة في ترك البيتوتة بمنى لأهل السقاية

- ‌(43) باب التصدق بلحوم الهدايا وجلودها وأجلتها والاشتراك فيها

- ‌(44) باب من بعث بهدي لا يلزمه أن يجتنب ما يجتنبه المحرم، وفي ركوب الهدي

- ‌(45) باب ما عطب من هدي التطوع قبل محله

- ‌(46) باب ما جاء في طواف الوداع

- ‌(47) باب ما جاء في دخول النبي صلى الله عليه وسلم الكعبة وفي صلاته فيها

- ‌(48) باب في نَقضِ الكَعبَةِ وَبِنَائِهَا

- ‌(49) باب الحج عن المعضوب والصبي

- ‌(50) باب فرض الحج مرة في العمر

- ‌(51) باب ما جاء أن المحرم من الاستطاعة

- ‌(52) باب ما يقال عند الخروج إلى السفر وعند الرجوع

- ‌(53) باب التعريس بذي الحليفة إذا صدر من الحج أو العمرة

- ‌(54) باب في فضل يوم عرفة ويوم الحج الأكبر

- ‌(55) باب ثواب الحجِّ والعمرة

- ‌(56) باب تَمَلُّك دُور مكة ورِباعها وكم كان مكث المهاجر بها

- ‌(57) باب تحريم مكة وصيدها وشجرها ولقطتها

- ‌(58) باب تحريم المدينة وصيدها وشجرها والدعاء لها

- ‌(59) باب الترغيب في سكنى المدينة والصبر على لأوائها

- ‌(60) باب المدينة لا يدخلها الطاعون ولا الدَّجال، وتنفي الأشرار

- ‌(61) باب إثم من أراد أهل المدينة بسوء والترغيب فيها عند فتح الأمصار

- ‌(62) باب فضل المنبر والقبر وما بينهما، وفضل أحد

- ‌(63) باب فضل مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسجد الحرام، وما تشد الرحال إليه، والمسجد الذي أسس على التقوى، وإتيان قباء

- ‌(13) كتاب الجهاد والسير

- ‌(1) باب في التأمير على الجيوش والسرايا ووصيتهم، والدعوة قبل القتال

- ‌(2) باب النهي عن الغدر، وما جاء أن الحرب خدعة

- ‌(3) باب النهي عن تمنِّي لقاء العدو والصبر عند اللقاء والدعاء بالنصر

- ‌(4) باب النهي عن قتل النساء والصبيان وجواز ما يصاب منهم إذا بيتوا وقطع نخيلهم وتحريقها

- ‌(5) باب تخصيص هذه الأمة بتحليل الغنائم

- ‌(6) باب في قوله تعالى: {يَسأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ}

- ‌(7) باب للإمام أن يخص (ل اتل بالسَّلب

- ‌(8) باب لا يستحق القاتل السَّلب بنفس القتل

- ‌(9) باب في التنفيل بالأسارى، وفداء المسلمين بهم

- ‌(10) باب ما يخمس من الغنيمة وما لا يخمس وكم يسهم للفرس والرجل

- ‌(11) باب بيان ما يصرف فيه الفيء والخمس

- ‌(12) باب تصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم بما وصل إليه من الفيء ومن سهمه

- ‌(13) باب الإمام مُخيَّر في الأسارى وذكر وقعة يوم بدر، وتحليل الغنيمة

- ‌(14) باب في المن على الأسارى

- ‌(15) باب إجلاء اليهود والنصارى من المدينة ومن جزيرة العرب

- ‌(16) باب إذا نزل العدو على حكم الإمام فله أن يرد الحكم إلى غيره ممن له أهلية ذلك

- ‌(17) باب أخذ الطعام والعلوفة من غير تخميس

- ‌(18) باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام

- ‌(19) باب كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك يدعوهم

- ‌(20) باب في غزاة حنين وما تضمنته من الأحكام

- ‌(21) باب في محاصرة العدو، وجواز ضرب الأسير وطرف من غزوة الطائف

- ‌(22) باب ما جاء أن فتح مكة عنوة وقوله عليه الصلاة والسلام: لَا يَقتِلُ قُرَشِيٌّ صَبرًّا بَعدَ اليَومِ

- ‌(23) باب صلح الحديبية وقوله تعالى: {إِنَّا فَتَحنَا لَكَ فَتحًا مُبِينًا}

- ‌(24) باب في التحصين بالقلع والخنادق عند الضعف عن مقاومة العدو وطرف من غزوة الأحزاب

- ‌(25) باب في اقتحام الواحد على جمع العدو، وذكر غزوة أحد وما أصاب فيها النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(26) باب فيما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى قريش

- ‌(27) باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله وصبره على الجفاء والأذى

- ‌(28) باب جواز إعمال الحيلة في قتل الكفار وذكر قتل كعب بن الأشرف

- ‌(29) باب في غزوة خيبر وما اشتملت عليه من الأحكام

- ‌(30) باب في غزوة ذي قرد وما تضمنته من الأحكام

- ‌(31) باب خروج النساء في الغزو

- ‌(32) باب لا يسهم للنساء في الغنيمة بل يحذين منه

- ‌(33) باب عدد غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌(34) باب في غزوة ذات الرِّقاع

- ‌(35) باب ترك الاستعانة بالمشركين

- ‌(36) باب السن الذي يجاز في القتال

- ‌(37) باب النهي عن أن يسافر بالقرآن إلى أرض العدو

- ‌(38) باب في المسابقة بالخيل، وأنها معقود في نواصيها الخير، وما يكره منها

- ‌(39) باب الترغيب في الجهاد وفضله

- ‌(40) باب فضل القتل في سبيل الله تعالى

- ‌(41) باب في قوله تعالى: {أَجَعَلتُم سِقَايَةَ الحَاجِّ وَعِمَارَةَ المَسجِدِ الحَرَامِ} الآية

- ‌(42) باب في رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة، وفيمن قتل كافرًا

- ‌(43) باب فضل الحمل في سبيل الله والجهاد ومن دل على خير

- ‌(44) باب في البعوث ونيابة الخارج عن القاعد وفيمن خلف غازيا في أهله بخير أو بشر

- ‌(45) باب في قوله تعالى: {لا يَستَوِي القَاعِدُونَ} الآية

- ‌(46) باب بعث العيون في الغزو وما جاء: أن الجنة تحت ظلال السيوف

- ‌(47) باب في قوله تعالى: {رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيهِ}

- ‌(48) باب الإخلاص وحسن النية في الجهاد

- ‌(49) باب إثم من لم يُخلص في الجهاد وأعمال البر

- ‌(50) باب الغنيمة نقصان من الأجر وفيمن مات ولم ينو الغزو وفيمن تمنى الشهادة

- ‌(51) باب الغزو في البحر

- ‌(52) باب في فضل الرِّباط، وكم الشهداء

- ‌(53) باب في قَولِهِ تَعَالَى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَا استَطَعتُم}

- ‌(54) باب في قوله عليه الصلاة والسلام: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين)

- ‌(55) باب من آداب السفر

الفصل: ‌(24) باب في التحصين بالقلع والخنادق عند الضعف عن مقاومة العدو وطرف من غزوة الأحزاب

إِذَا بُشِّرَ بِعَذَابِ اللهِ وَسَخَطِهِ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ وَكَرِهَ اللهُ لِقَاءَهُ.

وَفِي أُخرَى: وَالمَوتُ قَبلَ لِقَاءِ اللهِ.

رواه أحمد (6/ 44 و 55)، والبخاري (6507)، ومسلم (2684)(15 و 16)، والترمذي (1067)، والنسائي (4/ 10)، وابن ماجه (4264).

* * *

ــ

في طريق آخر فقال: ولقاء الله بعد الموت.

وفي هذا الحديث ما يدلّ على أنه لا يخرج أحدٌ من هذه الدار حتى يعلم ما له عند الله تعالى من خير أو شر، وقد قيل ذلك في قوله تعالى:{لَهُمُ البُشرَى فِي الحَيَاةِ الدُّنيَا}

وهذه الكراهية للموت هي الكراهية الطبيعية التي هي راجعة إلى النفرة عن المكروه والضرر واستصعاب ذلك على النفوس، ولا شك في وجدانها لكلِّ أحد، غير أن مَن رزقه الله تعالى ذوقًا من محبته أو انكشف له شيء من جمال حضرته غلب عليه ما يجده من خالص محبته، فقال عند أزوف رحلته مخاطبًا للموت وسكرته كما قال معاذ رضي الله عنه: حبيبٌ جاء على فاقة، لا أفلح اليوم من ندم!

وكان يقول عند اشتداد السكرات: اخنُقنِي خنقَك، فوَحقِّكَ إن قلبي ليحبُّك!

* * *

ص: 644

(24) باب في التحصين بالقلع والخنادق عند الضعف عن مقاومة العدو وطرف من غزوة الأحزاب

[1304]

عن البَرَاءَ بن عازب قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَومَ الأَحزَابِ يَنقُلُ التُّرَابَ مَعَنَا، وَلَقَد وَارَى التُّرَابُ بَيَاضَ بَطنِهِ وَهُوَ يَقُولُ:

ــ

فإنه كان عشر سنين، واختلف فيها، فقال عروة بن الزبير: كانت أربع سنين. وقال ابن جريج: ثلاث سنين. والأول أشهر.

(24)

ومن باب: التحصين وحفر الخنادق

الأحزاب: جمع حزب، وهو الجماعة من الناس، والجملة من الشيء. وتحزب الناس: اجتمعوا. والحزب من القرآن: جملة مجتمعة منه.

ويوم الأحزاب: عبارة عن غزوة الأحزاب، وهي غزوة الخندق. وكانت في السنة الخامسة من الهجرة في شهر شوال، وكان سببها: أن نفرًا من رؤساء اليهود انطلقوا إلى مكة مؤلبين على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومشجعين عليه، فجمعوا الجموع، وحزبوا الأحزاب، فاجتمعت قريش وقادتها، وغطفان وقادتها، وفزارة وقادتها، وغيرهم من أخلاط الناس. وخرجوا بحدهم وجدهم في عشرة آلاف حتى نزلوا المدينة، ولما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم شاور أصحابه، فأشار سلمان بالخندق، فحفروا الخندق، وتحصنوا به، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بمن معه من المسلمين في ثلاثة آلاف، فبرز، وأقام على الخندق، وجاءت الأحزاب، ونزلت من الجانب الآخر، ولم يكن بينهم حرب إلا الرمي بالنبل، غير أن فوارس من قريش اقتحموا الخندق، فخرج عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه في فرسان من المسلمين، فأخذوا عليهم الثغرة التي اقتحموا منها، فقتل عليٌّ عمرو بن ود مبارزةً، واقتحم الآخرون

ص: 643

وَاللَّهِ لَولَا الله مَا اهتَدَينَا

وَلَا تَصَدَّقنَا وَلَا صَلَّينَا

فَأَنزِلَن سَكِينَةً عَلَينَا

إِنَّ الأُلَى قَد بَغوا عَلَينَا

زَادَ فِي رواية: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للمهاجرين والأنصار.

رواه البخاري (4104)، ومسلم (1803)، والرواية الثانية عند مسلم (1804) من حديث سهل بن سعد.

ــ

بخيلهم الخندق منهزمين إلى قومهم. ونقضت قريظة ما كان بينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعاونوا الأحزاب عليه، واشتد البلاء على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ جاء عدوهم من فوقهم، ومن أسفل منهم، فأقام المسلمون على تلك الحال قريبًا من شهر إلى أن خذل الله بين قريش وبين بني قريظة على يدي نعيم بن مسعود الأشجعي (1)، فاختلفوا، وأرسل الله عليهم ريحًا عاصفةً في ليال شديدة البرد، فجعلت تقلب آنيتهم، وتطفئ نيرانهم، وتكفأ قدورهم، حتى أشرفوا على الهلاك. فارتحلوا متفرقين في كل وجه، لا يلوي أحدٌ على أحدٍ. وكفى الله المؤمنين القتال. ثم إن رسول الله خرج إلى بني قريظة، فحاصرهم حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ، كما تقدم.

وقوله: (فأنزلن سكينة علينا)؛ السكينة: السكون، والثبات، والطمأنينة.

وقوله: (إن الأولى)؛ كذا صحَّت الرواية الأولى بالقصر، فيحتمل أن يريد به مؤنث الأول، ويكون معناه: إن الجماعة السابقة بالشر بغوا علينا. ويحتمل أن تكون (الألى) هي الموصولة بمعنى الذين، كما قال:

ويأشبني فيها الألى لا يلونها

ولو علموا لم يأشبوني بباطل

(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).

ص: 644

[1305]

وعَن أَنَسٍ: أَنَّ أَصحَابَ مُحَمَّدٍ كَانُوا يَقُولُونَ يَومَ الخَندَقِ:

نَحنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدًا

عَلَى الجهاد مَا بَقِينَا أَبَدًا

ــ

وقال ابن دريد:

إن الألى فارقت عن غير قلًى

ما زاغ قلبي عنهم ولا هفا

ويكون خبر (إن) محذوفًا، تقديره: إن الذين بغوا علينا ظالمون. وقيل: إن هذا تصحيف من بعض الرواة، وإن صوابه:(أولاء) ممدود، التي لإشارة الجماعة. وهذا صحيح من جهة المعنى والوزن. والله تعالى أعلم.

وغير خاف ما في هذا الحديث من الفقه؛ من جواز التحصن، والاحتراز من المكروهات، والأخذ بالحزم، والعمل في العادات بمقتضاها، وأن ذلك كله غير قادح في التوكل، ولا منقص منه (1)، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم على كمال المعرفة بالله تعالى، والتوكل عليه، والتسليم لأمره، ومع ذلك فلم يطرح الأسباب، ولا مقتضى العادات على ما يراه جُهّال المتزهدين أهل الدّعاوى الممخرقين.

وقد يستدل بإنشاد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه هذه الأسجاع وأشباهها أهل المجون والبدع من المتصوّفة على إباحة ما أحدثوه من السَّماع المشتمل على مناكر لا يرضى بها أهل المروءات -فكيف بأهل الديانات؟ ! - كالطارات، والشبابات، واجتماع المغاني وأهل الفساد والشبَّان، والغناء بالألحان، والرقص بالأكمام، وضرب الأقدام، كما يفعله الفسقة المُجَّان. ومجموع ذلك يعلم فساده وكونه معصية من ضرورة الأديان، فلا يحتاج في إبطاله إلى إقامة دليل ولا برهان. وقد كتبنا في ذلك جزءًا حسنًا سميناه: كشف القناع عن حكم مسائل الوجد والسَّماع.

وقولهم: (نحن الذين بايعوا محمدًا

على الجهاد ما بقينا أبدًا)؛ تذكير منهم

(1) في (ج): له.

ص: 645

وَالنَّبِيُّ- صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:

اللَّهُمَّ إِنَّ الخَيرَ خَيرَ الآخِرَه

فَاغفِر للأَنصَارَ وَالمُهَاجِرَة.

رواه البخاري (2834)، ومسلم (1805)(130)، والترمذي (3856).

[1306]

وَعَن إِبرَاهِيمَ التَّيمِيِّ، عَن أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا عِندَ حُذَيفَةَ، فَقَالَ رَجُلٌ: لَو أَدرَكتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَاتَلتُ مَعَهُ فَأَبلَيتُ. فَقَالَ حُذَيفَةُ: أَنتَ كُنتَ تَفعَلُ ذَلِكَ؟ ! لَقَد رَأَيتُنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيلَةَ الأَحزَابِ وَأَخَذَتنَا رِيحٌ

ــ

لأنفسهم بعهد البيعة، وتجديد منهم لها، وإخبار منهم له بالوفاء بمقتضاها. ولما سمع منهم ذلك أجابهم ببشارة:(لا عيش إلا عيش الآخرة)، وبدعاء:(فاغفر للأنصار والمهاجرة). و (المهاجرة) أجراها صفة مؤنثة على موصوف محذوف فكأنه قال: للجماعة المهاجرة (1)، الرواية:(والمهاجرة) بألف بعد الواو وقبل اللام، وهو غير موزون؛ لأنه سجع، ولا يشترط فيه الوزن، ولو اشترط فإن الله تعالى قال:{وَمَا عَلَّمنَاهُ الشِّعرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ} ولو قال: وللمهاجرة - بلامين- لاتَّزن، إذا نقل حركة (الأنصار) إلى الساكن.

وقول الرجل: (لو أدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قاتلت معه فأبليت)؛ أي بالغت في ذلك، واجتهدت فيه حتى يظهر مني ما يبتلى؛ أي: ما يختبر. وقد تقدَّم: أن أصل هذا اللفظ: الاختبار. وأن فيه لغتين جمعهما زهير في قوله:

. . . . . . . . . .

فأبلاهما خير البلاء الذي يبلو (2)

وقد قيل: إن (بلا) في الخير، و (أبلى) في الشر. ولما قال هذا الرجل هذا الكلام ولم يستثن فيه، فهم منه حذيفة الجزم، والقطع بأنه كذلك كان يفعل، فأنكر

(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).

(2)

هذا عجز البيت، وصدره: جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم.

ص: 646

شَدِيدَةٌ وَقُرٌّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم: أَلَا رَجُلٌ يَأتِينِي بِخَبَرِ القَومِ؟ جَعَلَهُ اللَّهُ مَعِي يَومَ القِيَامَةِ! فَسَكَتنَا فَلَم يُجِبهُ مِنَّا أَحَدٌ. ثُمَّ قَالَ: أَلَا رَجُلٌ يَأتِينَا بِخَبَرِ القَومِ؟ جَعَلَهُ اللَّهُ مَعِي يَومَ القِيَامَةِ. فَسَكَتنَا فَلَم يُجِبهُ مِنَّا أَحَدٌ. ثُمَّ قَالَ: أَلَا رَجُلٌ يَأتِينَي بِخَبَرِ القَومِ، جَعَلَهُ اللَّهُ مَعِي يَومَ القِيَامَةِ. فَسَكَتنَا فَلَم يُجِبهُ مِنَّا أَحَدٌ. فَقَالَ: قُم يَا حُذَيفَةُ، فَأتِنَا بِخَبَرِ القَومِ. فَلَم أَجِد بُدًّا إِذ دَعَانِي بِاسمِي أَن أَقُومَ، قَالَ: اذهَب فَأتِنِي بِخَبَرِ القَومِ، وَلَا تَذعَرهُم عَلَيَّ. فَلَمَّا وَلَّيتُ مِن عِندِهِ جَعَلتُ كَأَنَّمَا أَمشِي فِي حَمَّامٍ حَتَّى أَتَيتُهُم، فَرَأَيتُ أَبَا سُفيَانَ يَصلِي ظَهرَهُ بِالنَّارِ، فَوَضَعتُ سَهمًا فِي كَبِدِ القَوسِ، فَأَرَدتُ أَن أَرمِيَهُ، فَذَكَرتُ قَولَ رَسُولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم: لَا تَذعَرهُم عَلَيَّ. وَلَو رَمَيتُهُ لَأَصَبتُهُ، فَرَجَعتُ

ــ

ذلك عليه، وأخبره بما يفهم منه: أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا أقوى في دين الله، وأحرص على إظهاره، وأحب في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشجع منك، ومع ذلك فقد انتهت بهم الشدائد، والمشاق إلى أن حصل منهم ما ذكره، وإذا كان هذا فغيرهم بالضعف أولى. وحاصله: أن الإنسان ينبغي له ألَاّ يتمنى الشدائد والامتحان، فإنه لا يدري كيف يكون حاله فيها. فإن ابتلي صبر، وإن عوفي شكر.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (من يأتيني بخبر القوم؟ ) يتضمن إخباره صلى الله عليه وسلم بسلامة المار (1)، ورجوعه إليه.

وقوله: (جعله الله معي في الجنة)؛ أي: مصاحبًا لي، وملازمًا حضرتي. وكل واحد منهما على منزلته في الجنة، ومنزلة النبي صلى الله عليه وسلم لا يلحقه فيها أحد.

وقوله: (ولا تذعرهم علي)؛ الذعر: الفزع؛ أي: لا تفزعهم، فتهيجهم علي. و (يصلِي ظهره)؛ أي: يسخنه بالنار، ومصدره: الصلاء- مكسورًا، ممدودًا-. والصلى- مفتوحًا، مقصورا-.

(1) أي: الذاهب.

ص: 647