الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(13) كتاب الجهاد والسير
(1) باب في التأمير على الجيوش والسرايا ووصيتهم، والدعوة قبل القتال
[1251]
عَن سُلَيمَانَ بنِ بُرَيدَةَ، عَن أَبِيهِ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيشٍ أَو سَرِيَّةٍ، أَوصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقوَى اللَّهِ، وَمَن مَعَهُ مِن المُسلِمِينَ خَيرًا،
ــ
(13)
كتاب الجهاد
(1)
باب: التأمير على الجيوش
قوله: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمَّر أميرًا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله)؛ فيه من الفقه: تأمير الأمراء، ووصيتهم. وقد تقدَّم القول في الجيش، والسَّرية. قال الحربي: السَّرية: الخيل تبلغ أربعمائة ونحوها. و (تقوى الله): التحرز بطاعته من عقوبته.
وقوله: (ومن معه من المسلمين خيرًا)؛ أي: ووصاه بمن معه من المسلمين (1) أن يفعل معهم خيرًا.
(1) في (هـ) و (ط) و (ج) ووصَّاه بمن معه منهم.
ثُمَّ قَالَ: اغزُوا بِاسمِ اللَّهِ، فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَاتِلُوا مَن كَفَرَ بِاللَّهِ، اغزُوا وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغدِرُوا، وَلَا تَمثُلُوا، وَلَا تَقتُلُوا وَلِيدًا، وَإِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِن المُشرِكِينَ فَادعُهُم إِلَى ثَلَاثِ خِصَالٍ (أَو خِلَالٍ)،
ــ
وقوله: (اغزوا باسم الله)؛ أي: اشرعوا في فعل الغزو مستعينين بالله، مخلصين له.
وقوله: (قاتلوا من كفر بالله)؛ هذا العموم يشمل جميع أهل الكفر، المحاربين وغيرهم، وقد خُصص منه من له عهد، والرُّهبان، والنِّسوان، ومن لم يبلغ الحلم. وقد قال متصلًا به:(ولا تقتلوا وليدًا)؛ وإنما نهى عن قتل الرهبان والنساء؛ لأنهم لا يكون منهم قتال غالبًا، فإن كان منهم قتال أو تدبير أو أذىً قُتلوا؛ ولأن الذراري والأولاد مال. وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال (1).
وقوله: (ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تَمثُلوا): الغلول: الأخذ من الغنيمة من غير قسمتها، والغدر: نقض العهد. والتمثيل هنا: التشويه بالقتيل؛ كجدع أنفه، وأذنه، والعبث به. ولا خلاف في تحريم الغلول، والغدر، وفي كراهة المُثلة.
وقوله: (وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خلال، أو
(1) جاء في فتح الباري للحافظ ابن حجر (6/ 148) ما يلي:
"واتفق الجميعُ كما نقل ابن بطَّال وغيره: على مَنْع القصد إلى قَتْل النساء والولدان، أما النساء؛ فلضعفهن، وأما الولدان؛ فلقصورهم عن فِعْل الكفر، ولما في استبقائهم جميعًا من الانتفاع بهم، إمَّا بالرقِّ أو بالفداء فيمن يجوز أن يُفادى به" وهذا أولى.
وحديثُ نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال، رواه البخاري (2408)، ومسلم (539) من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.
فَأَيَّتُهُنَّ مَا أَجَابُوكَ فَاقبَل مِنهُم، وَكُفَّ عَنهُم، ثُمَّ ادعُهُم إِلَى الإِسلَامِ، فَإِن أَجَابُوا فَاقبَل مِنهُم وَكُفَّ عَنهُم، ثُمَّ ادعُهُم إِلَى التَّحَوُّلِ مِن دَارِهِم إِلَى دَارِ المُهَاجِرِينَ، وَأَخبِرهُم أَنَّهُم إِن فَعَلُوا ذَلِكَ فَلَهُم مَا لِلمُهَاجِرِينَ وَعَلَيهِم مَا عَلَى المُهَاجِرِينَ،
ــ
خصال)؛ الرواية بـ (أو) التي للشكّ، وهو من بعض الرواة. ومعنى الخلال والخصال واحد.
وقوله: (فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم)؛ قيَّدناه عمن يوثق بعلمه، وتقييده، بنصب (أيتَهنَّ) على أن يعمل فيها (أجابوك) على إسقاط حرف الجرِّ. و (ما) زائدة. ويكون تقدير الكلام: فإلى أيتهن أجابوك فاقبل منهم. كما تقول: أجيبك إلى كذا، أو في كذا، فيتعدى إلى الثاني بحرف الجرِّ.
وقوله: (ثم ادعهم إلى الإسلام)؛ كذا وقعت الرواية في جميع نسخ كتاب مسلم: (ثم ادعهم) بزيادة (ثم)، والصواب إسقاطها، كما روي في غير كتاب مسلم؛ كمصنف أبي داود (1)، وكتاب الأموال لأبي عبيد (2)؛ لأن ذلك هو ابتداء تفسير الثلاث الخصال.
وقوله: (ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين)؛ يعني: المدينة. وكان هذا في أول الأمر، في وقت وجوب الهجرة إلى المدينة على كل من دخل في الإسلام. أو على أهل مكة خاصة. في ذلك خلاف. وهذا يدل على أن الهجرة كانت واجبة على كل من آمن من أهل مكة وغيرها. وسيأتي إيعاب (3) ذلك.
(1) انظر: سنن أبي داود (3/ 83).
(2)
انظر: كتاب الأموال (ص 35).
(3)
"إيعاب": استيفاء.
فَإِن أَبَوا أَن يَتَحَوَّلُوا مِنهَا، فَأَخبِرهُم أَنَّهُم يَكُونُونَ كَأَعرَابِ المُسلِمِينَ، يَجرِي عَلَيهِم حُكمُ اللَّهِ الَّذِي يَجرِي عَلَى المُؤمِنِينَ، وَلَا يَكُونُ لَهُم فِي الغَنِيمَةِ وَالفَيءِ شَيءٌ إِلَّا أَن يُجَاهِدُوا مَعَ المُسلِمِينَ،
ــ
وقوله: (فإن أبوا أن يتحوَّلوا فأخبرهم: أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء؛ إلا أن يجاهدوا مع المسلمين)؛ يعني: أن من أسلم ولم يجاهد، ولم يهاجر لا يُعطى من الخمس، ولا من الفيء شيئًا. وهذا يتمشى على مذهب مالك في قسمة الخمس، والفيء؛ إذ يرى أن ذلك موكول لاجتهاد الإمام، يضعه حيث يراه من المصالح الضرورية، والأمور المهمة، ومنافع المسلمين العامَّة، ويؤثر فيه الأحوج، فالأحوج، والأهم فالأهم، ولا شك أن المهاجرين كانوا في ذلك الوقت أولى به من غيرهم من المسلمين الذين لم يهاجروا، وأقاموا في بلادهم، فإن المهاجرين خرجوا من بلادهم (1)، وأموالهم لله تعالى، ووصلوا إلى المدينة فقراء، ضعفاء، غرباء، فلا شك في أنهم الأولى.
قال القاضي عياض: ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤثرهم بالخمس على الأنصار غالبًا، إلا أن يحتاج أحدٌ من الأنصار. وقد أخذ الشافعي بهذا الحديث في الأعراب، فلم ير لهم شيئًا من الفيء، وإنما لهم الصدقة المأخوذة من أغنيائهم، وترد على فقرائهم، كما أن أهل الجهاد وأجناد المسلمين لا حق لهم في الصدقة -عنده - ويصرف كل مال في أهله. وسوَّى مالك وأبو حنيفة بين المالين، وجوَّزا صرفهما للصنفين. وذهب أبو عبيد (2): إلى أن هذا الحديث منسوخ، وأن هذا كان حكم من لم يهاجر أولًا، في أنه لا حق له في الفيء، ولا في الموالاة للمهاجر، ولا موارثته. قال
(1) في (هـ) و (ط): ديارهم.
(2)
في الأصول: أبو عبيدة، وهو خطأ، والمثبت من شرح صحيح مسلم للنووي (12/ 38)، والأموال لأبي عبيد (ص 307).
فَإِن هُم أَبَوا فَسَلهُم الجِزيَةَ، فَإِن هُم أَجَابُوكَ فَاقبَل مِنهُم وَكُفَّ عَنهُم، فَإِن هُم أَبَوا فَاستَعِن بِاللَّهِ وَقَاتِلهُم،
ــ
الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَم يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِن وَلايَتِهِم مِن شَيءٍ} ثم نسخ ذلك بقوله تعالى: {وَأُولُو الأَرحَامِ بَعضُهُم أَولَى بِبَعضٍ} وبقوله صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة: (لا هجرة ولكن جهاد ونية)(1)، وبقوله صلى الله عليه وسلم:(المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم)(2)، وهذا فيه بُعد. وسيأتي بيان حكم الخمس والفيء والغنيمة، إن شاء الله تعالى. ومحمل الحديث عند أصحابنا المالكيين على ما تقدَّم من مذهب مالك رحمه الله تعالى.
وقوله: (فإن هم أبوا فسلهم الجزية)؛ حجَّة لمالك، وأصحابه، والأوزاعي، في أخذ الجزية من كل كافر، عربيًّا كان أو غيره، كتابيًّا كان أو غيره. وذهب أبو حنيفة: إلى أنها تُقبل من الجميع إلا من مشركي العرب، ومجوسهم. وهو قول عبد الملك، وابن وهب من أصحابنا. وقال الشافعي رحمه الله تعالى: لا تُقبل إلا من أهل الكتاب - عربًا كانوا أو عجمًا، ولا تقبل من غيرهم، والمجوس عنده أهل كتاب.
واختلف في استرقاق العرب. فعند مالك، والجمهور: أنهم كغيرهم، يسترقون حيث كانوا. وعند أبي حنيفة، والشافعي: لا يسترقون، إما أن يسلموا، أو يقتلوا. وهو قول بعض أصحابنا، غير أن أبا حنيفة يسترق النساء، والصغار.
وقد (3) اختلف في القدر المفروض من الجزية؛ فقال مالك: هو أربعة دنانير على أهل الذهب، وأربعون درهمًا على أهل الوَرِق. وهل ينقص منها للضعيف أو لا؟ قولان. وقال الشافعي: هي دينار على الغني والفقير. وقال أبو حنيفة، والكوفيون: على الغني ثمانية وأربعون درهمًا. والوسط: أربعة وعشرون درهمًا.
(1) رواه البخاري (3077)، ومسلم (1353) من حديث ابن عباس.
(2)
رواه أحمد (1/ 119)، والنسائي (8/ 24) من حديث علي.
(3)
من (ع).
وَإِذَا حَاصَرتَ أَهلَ حِصنٍ فَأَرَادُوكَ أَن تَجعَلَ لَهُم ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ، فَلَا تَجعَل لَهُم ذِمَّةَ نَبِيِّهِ، وَلَكِن اجعَل لَهُم ذِمَّتَكَ وَذِمَّةَ أَصحَابِكَ، فَإِنَّكُم أَن تُخفِرُوا ذِمَمَكُم وَذِمَمَ أَصحَابِكُم، أَهوَنُ مِن أَن تُخفِرُوا ذِمَّةَ اللَّهِ وَذِمَّةَ رَسُولِهِ، وَإِذَا حَاصَرتَ أَهلَ حِصنٍ فَأَرَادُوكَ أَن تُنزِلَهُم عَلَى حُكمِ اللَّهِ، فَلَا تُنزِلهُم عَلَى حُكمِ اللَّهِ، وَلَكِن أَنزِلهُم عَلَى حُكمِكَ، فَإِنَّكَ لَا تَدرِي أَتُصِيبُ حُكمَ اللَّهِ فِيهِم أَم لَا.
ــ
والفقير: اثنا عشر. وهو قول أحمد بن حنبل. ويزاد وينقص على قدر طاقتهم. وهي عند مالك، وكافة العلماء على الرجال الأحرار، البالغين، العقلاء، دون غيرهم. وإنما تؤخذ ممن كان تحت قهر المسلمين، لا ممن نأى بداره. ويجب تحويلهم إلى بلاد المسلمين، أو حربهم.
وقوله: (وإذا حاصرت أهل حصن) الكلام إلى آخره؛ فيه حجَّة لمن يقول من الفقهاء، وأهل الأصول: إن المصيب في مسائل الاجتهاد واحد، وهو المعروف من مذهب مالك وغيره. ووجه الاستدلال: هو أنه صلى الله عليه وسلم قد نصَّ على أن لله تعالى حكمًا معيَّنًا في المجتهدات، فمن وافقه فهو المصيب، ومن لم يوافقه فهو مخطئ. وقد ذهب قوم من الفقهاء، والأصوليين: إلى أن كل مجتهد مصيب، وتأولوا هذا الحديث: بأن قالوا: إن معناه: أنه صلى الله عليه وسلم كان يوصي أمراءه أن لا ينزلوا الكفار على حكم ما أنزل الله على نبيه في حال غيبة الأمراء عنه، وعدم علمهم به، فإنهم لا يدرون إذا فعلوا ذلك؛ هل يصادفون حكم ما أنزل الله على نبيه أم لا؟ وفي هذا التأويل بُعدٌ وتعسّفٌ، واستيفاء المباحث في هذه المسألة في علم الأصول.
وقوله: (وإذا حاصرت أهل حصن، فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله) الحديث إلى آخره؛ الذمة: العهد. وتخفروا: تنقضوا، وهو رباعي. يقال:
رواه أحمد (5/ 352 و 358)، ومسلم (1731)(3)، وأبو داود (2612)، والترمذي (1617)، وابن ماجه (2858).
[1252]
وعَن سَعِيدِ بنِ أَبِي بُردَةَ، عَن أَبِيهِ، عَن جَدِّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ وَمُعَاذًا إِلَى اليَمَنِ، فَقَالَ: يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا وَلَا تَختَلِفَا.
رواه أحمد (4/ 399 و 412)، والبخاري (3038)، ومسلم (1733).
[1253]
وعن أَنَسَ بنَ مَالِكٍ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا، وَسَكِّنُوا وَلَا تُنَفِّرُوا.
رواه أحمد (3/ 131 و 209)، والبخاري (6125)، ومسلم (1734).
[1254]
وعَن ابنِ عَونٍ قَالَ: كَتَبتُ إِلَى نَافِعٍ أَسأَلُهُ عَن الدُّعَاءِ قَبلَ القِتَالِ قَالَ: فَكَتَبَ إِلَيَّ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الإِسلَامِ، قَد أَغَارَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَنِي المُصطَلِقِ
ــ
أخفرت الرَّجل: نقضت عهده، وخفرته: أجرته، ومعناه: أنه خاف من نقص من لا يعرف حق الوفاء بالعهد، كجهلة الأعراب، فكأنه يقول: إن وقع نقض من متعد كان نقض عهد الخلق أهون من نقض عهد الله. والله تعالى أعلم.
وقول نافع - وقد سئل عن الدعوة قبل القتال -: (أنها كانت في أول الإسلام)، واستدلاله بقضية بني المصطلق؛ يفهم منه: أن حكم الدعوة كان متقدمًا، وأنه منسوخ بقضية بني المصطلق. وبه تمسَّك من قال بسقوط الدعوة مطلقًا.
وَهُم غَارُّونَ، وَأَنعَامُهُم تُسقَى عَلَى المَاءِ، فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُم، وَسَبَى سَبيَهُم، وَأَصَابَ يَومَئِذٍ، قَالَ يَحيَى بن يحيى: أَحسِبُهُ قَالَ: جُوَيرِيَةَ، (أَو قَالَ: البَتَّةَ) ابنَةَ الحَارِثِ.
وَفِي رِوَايَةٍ: وَأَصَابَ يَومَئِذ جويرية بنت الحارث. ولم يشك.
ــ
ومنهم من ذهب إلى أنها واجبة مطلقًا، متمسّكًا بظاهر وصية النبي صلى الله عليه وسلم بذلك أمراءه، ولم تصلح عنده قضية بني المصطلق لأن تكون ناسخة لذلك؛ لأن تلك الوصايا (1) تقعيد قاعدة عامة، وقضية بني المصطلق قضية في عين (2)؛ ولأن الوصية قول، وقضية بني المصطلق فعل، والفعل لا ينسخ القول على ما يُعرف في الأصول. والذي يجمع بين هذه الأحاديث صريح مذهب مالك، وهو أنه قال: لا يقاتل الكفار قبل أن يُدعَوا، ولا تلتمس غرّتهم، إلا أن يكونوا ممن بلغتهم الدعوة، فيجوز أن تؤخذ غرتهم. وعلى هذا فيحمل حديث بني المصطلق: على أنهم كانوا قد بلغتهم الدعوة، وعرفوا ما يطلبه المسلمون منهم. وهذا الذي صار إليه مالك هو الصحيح؛ لأن فائدة الدَّعوة أن يعرف العدو أن المسلمين لا يقاتلون للدنيا، ولا للعصبية، وإنما يقاتلون للدِّين. وإذا علموا بذلك أمكن أن يكون ذلك سببًا مُمِيلًا لهم إلى الانقياد للحق بخلاف ما إذا جهلوا مقصود المسلمين، فقد يظنون أنهم يقاتلون للملك، وللدنيا، فيزيدون عتوًّا، وتعصبًا.
وقوله: (أغار عليهم)؛ أي: أرسل عليهم الغارة، وهي الخيل التي تغير في أول النهار. وغارون: غافلون. والغرة: الغفلة. والأنعام: الإبل، والبقر، والغنم. والمقاتلة: الصالحون للقتال، المطيقون له. والسبي: الذراري، والنساء.
وقوله: (وأصاب يومئذ)؛ قال يحيى (3): أحسبه قال: جويرية، أو قال: ابنة
(1) في (ز) و (هـ): القضية، والمثبت من (ع).
(2)
أي: في ذاتها.
(3)
هو: يحيى بن يحيى التميمي، روى مسلمٌ هذا الحديثَ عنه.
رواه أحمد (2/ 31 و 32)، والبخاري (2541)، ومسلم (1730)، وأبو داود (2633).
* * *
ــ
الحارث. هكذا صواب هذه الرواية، بإسقاط: البتة. وقد غلط فيها بعض النَّقلة، فظن: أن يحيى إنما شك في اسم ابنة (1) الحارث: هل هو جويرية أو البتة؟ وحمله على ذلك الأخذ بظاهر ذلك اللفظ، وهو غلط فاحش؛ لأنه لم يذهب أحدٌ من الناس إلى أن اسم ابنة الحارث هذه: البتة. وإنما يحيى بن يحيى شك في سماع اسم جويرية، ثم بت القضية، وحقق السَّماع لاسمها؛ بدليل قوله في الرواية الأخرى:(جويرية بنت الحارث) ولم يشك. والله أعلم.
فرع: إذا قتل من أمر بدعوته من (2) قبل أن يُدعى، فهل على قاتله دية، أم لا؟ فذهب مالك وأبو حنيفة: إلى أنه لا دية عليه؛ لأنه حلال الدَّم بأصل الكفر، ولم يتجدد من جهته ما يوجب حرمة دمه، فبقي على الأصل لعدم الناقل، ولا يصلح المنع من قتالهم قبل الدعوة موجبًا لحرمتهم، كما لا (3) يصلح ذلك موجبًا لحرمة نسائهم، وأبنائهم. والله تعالى أعلم.
* * *
(1) في (هـ): بنت.
(2)
من (ع).
(3)
المثبت من (ع)، وفي (ز): ولا، وفي (هـ) و (ط): كما لم.