الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(26) باب فيما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى قريش
[1312]
عَن ابنِ مَسعُودٍ قَالَ: بَينَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي عِندَ البَيتِ وَأَبُو جَهلٍ وَأَصحَابٌ لَهُ جُلُوسٌ، وَقَد نُحِرَت جَزُورٌ بِالأَمسِ فَقَالَ أَبُو جَهلٍ: أَيُّكُم يَقُومُ إِلَى سَلَا جَزُورِ بَنِي فُلَانٍ فَيَأخُذُهُ، فَيَضَعُهُ على كَتِفَي مُحَمَّدٍ إِذَا سَجَدَ؟ فَانبَعَثَ أَشقَى القَومِ -وفي رواية عقبة بن أبي معيط -، فَأَخَذَهُ فَلَمَّا سَجَدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَضَعَهُ بَينَ كَتِفَيهِ، قَالَ: فَاستَضحَكُوا وَجَعَلَ بَعضُهُم يَمِيلُ عَلَى بَعضٍ، وَأَنَا قَائِمٌ أَنظُرُ، لَو كَانَت لِي مَنَعَةٌ طَرَحتُهُ عَن ظَهرِ رَسُولِ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَاجِدٌ لَا يَرفَعُ رَأسَهُ، حَتَّى انطَلَقَ إِنسَانٌ فَأَخبَرَ فَاطِمَةَ، فَجَاءَت -وَهِيَ جُوَيرِيَةٌ- فَطَرَحَتهُ عَنهُ، ثُمَّ أَقبَلَت عَلَيهِم تَشتِمُهُم، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم صَلَاتَهُ، رَفَعَ
ــ
(26)
ومن باب: ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين
الجزور من الإبل: ما يجزر؛ أي: يقطع. والجزرة من الشاء، و (سلاها) مقصورًا، مفتوح السين: هي الجلدة التي يكون فيها الولد، كاللفافة يقال لها من سائر البهائم: سلى، ومن بني آدم: المشيمة.
وقوله: (فاستضحكوا) بضم التاء، وكسر الحاء مبنيًّا لما لم يسم فاعله؛ أي: أضحكوا، ومال بعضهم على بعض مبالغة في الضحك والاستهزاء. و (منعة) بسكون النون؛ أي: منع وقوة؛ وإنما قال ابن مسعود رضي الله عنه ذلك؛ لأنه لم تكن له عشيرة فيهم؛ لأنه من هذيل، فلم يكن له قوم يمتنع بهم، ولا يمنع غيره. وقد روي:(ومنعة) بالفتح: جمع مانع، ككاتب وكتبة. واستمرار النبي صلى الله عليه وسلم على سجوده والنجاسة عليه يدل لمن قال: إن إزالة النجاسة ليست بواجبة. وهو
صَوتَهُ ثُمَّ دَعَا عَلَيهِم، وَكَانَ إِذَا دَعَا دَعَا ثَلَاثًا، وَإِذَا سَأَلَ، سَأَلَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ عَلَيكَ بِقُرَيشٍ. (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ). فَلَمَّا سَمِعُوا صَوتَهُ، ذَهَبَ عَنهُم الضِّحكُ وَخَافُوا دَعوَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ عَلَيكَ بِأَبِي جَهلِ بنِ هِشَامٍ، وَعُتبَةَ بنِ رَبِيعَةَ، وَشَيبَةَ بنِ رَبِيعَةَ، وَالوَلِيدِ بنِ عُقبَةَ، وَأُمَيَّةَ بنِ خَلَفٍ، وَعُقبَةَ بنِ أَبِي مُعَيطٍ. قَالَ أَبُو إِسحَاقِ. وَذَكَرَ السَّابِعَ وَلَم أَحفَظهُ، فَوَالَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بِالحَقِّ، لَقَد رَأَيتُ الَّذِينَ سَمَّى صَرعَى يَومَ بَدرٍ، ثُمَّ سُحِبُوا إِلَى القَلِيبِ، قَلِيبِ بَدرٍ، قَالَ أَبُو إِسحَاقَ: الوَلِيدُ بنُ عُقبَةَ، غَلَطٌ فِي هَذَا الحَدِيثِ.
ــ
قول أشهب من أصحابنا، كما تقدَّم في الطهارة، على أن بعض علمائنا قال: إن السَّلى لم تكن فيها نجاسة محققة. ومنهم من قال بموجبه، ففرَّق بين ابتداء الصلاة بالنجاسة؛ فقال: لا يجوز. وبيّن طروئها على المصلي في نفس الصلاة فقال: يطرحها عنه، وتصح صلاته، والمشهور من مذهب مالك رحمه الله: قطع طروئها للصلاة إذا لم يمكن طرحها، بناءً على أن إزالتها واجبة. وإقبال فاطمة رضي الله عنها على أشراف قريش وكبرائهم تسبُّهم وتلعنهم دليل على قوة نفسها من صغرها، وعلى عزتها وشرفها في قومها.
وخوفهم من دعوة النبي صلى الله عليه وسلم دليل على علمهم بفضله وبصحة حاله، ومكانته عند الله تعالى، وأنه من الله تعالى بحيث يجيبه إذا دعاه، ولكن لم ينتفعوا بذلك الحسد والشقوة الغالبة عليهم.
ووقع هنا في أصل كتاب مسلم: الوليد بن عقبة - عند جميع رواته-، وصوابه: الوليد بن عتبة كما قال في الرواية الأخرى.
وقول أبي إسحاق: (لم أحفظ السابع). ذكر البخاري: أنه عمارة بن الوليد، وكذلك ذكره البرقاني.
وقول ابن مسعود: (لقد رأيت الذين سمّى صرعى يوم بدر)؛ يعني به: أكثرهم، وإلا فعمارة بن الوليد؛ ذكر أهل السِّير: أنه هلك في أرض الحبشة حين
وفي رواية: الوليد بن عتبة.
رواه أحمد (1/ 393)، والبخاري (240)، ومسلم (1794)(107 و 109).
[1313]
وعن عَائِشَةَ: أَنَّهَا قَالَت لِرَسُولِ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَل أَتَى عَلَيكَ يَومٌ كَانَ أَشَدَّ مِن يَومِ أُحُدٍ؟ فَقَالَ: لَقَد لَقِيتُ مِن قَومِكِ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنهُم يَومَ العَقَبَةِ، إِذ عَرَضتُ نَفسِي عَلَى ابنِ عَبدِ يَالِيلَ بنِ عَبدِ كُلَالٍ، فَلَم يُجِبنِي إِلَى مَا أَرَدتُ، فَانطَلَقتُ وَأَنَا مَهمُومٌ عَلَى وَجهِي، فَلَم أَستَفِق إِلَّا بِقَرنِ الثَّعَالِبِ، فَرَفَعتُ رَأسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَد أَظَلَّتنِي، فَنَظَرتُ
ــ
اتهمه النجاشي فنفخ في إحليله سحرًا، فهام على وجهه في البرّية فهلك (1). ويدل على ذلك أيضًا: أن عقبة بن أبي مُعَيطٍ لم يقتل ببدر، بل حمل منها أسيرًا حتى قتله النبي صلى الله عليه وسلم بعرق الظبية صبرًا.
و(القليب): البئر غير المطوية.
وإجابة الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في مثل هذا الدعاء من أدلة نبوَّته، وصحتها.
و(سُحِبوا): جروا على وجوههم.
ويوم العقبة: هو اليوم الذي لقي فيه ابن عبد ياليل بن عبد كلال في آخرين فكذبوه، وسبُّوه، واستهزؤوا به، فرجع عنهم، فلقيه سفهاء قريش، فرموه بالحجارة حتى أدموا رجليه، وآذوه أذًى كثيرًا.
وقوله: (لم أستفق)؛ أي: لم أفق- مما كان غشيه من الهم- إلا بقرن الثعالب (2)؛ أي: لم يشعر بطريقه إلا وهو في هذا الموضع، وهو قريب من قرن المنازل، الذي هو ميقات أهل العراق، وهو على يوم من مكة.
و(الأخشبان): جبلًا مكة. و (أطبق)؛ أي: أجعلهما عليهم كالطبق.
وإذا تأملت هذا الحديث انكشف لك من حاله صلى الله عليه وسلم معنى قوله: {وَمَا أَرسَلنَاكَ إِلا رَحمَةً لِلعَالَمِينَ}
(1) انظر: البداية والنهاية لابن كثير (3/ 70 و 76).
(2)
ما بين حاصرتين ساقط من (ج).
فَإِذَا فِيهَا جِبرِيلُ فَنَادَانِي فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَد سَمِعَ قَولَ قَومِكَ لَكَ، وَمَا رُدُّوا عَلَيكَ، وَقَد بَعَثَ إِلَيكَ مَلَكَ الجِبَالِ لِتَأمُرَهُ بِمَا شِئتَ فِيهِم قَالَ: فَنَادَانِي مَلَكُ الجِبَالِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ اللَّهَ قَد سَمِعَ قَولَ قَومِكَ لَكَ، وَأَنَا مَلَكُ الجِبَالِ، وَقَد بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيكَ لِتَأمُرَنِي بِأَمرِكَ، وَمَا شِئتَ؟ إِن شِئتَ أَن أُطبِقَ عَلَيهِم الأَخشَبَينِ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ-صلى الله عليه وسلم: بَل أَرجُو أَن يُخرِجَ اللَّهُ مِن أَصلَابِهِم مَن يَعبُدُ اللَّهَ وَحدَهُ، لَا يُشرِكُ بِهِ شَيئًا.
رواه البخاري (3231)، ومسلم (1795).
[1314]
وعَن جُندُبِ بنِ سُفيَانَ قَالَ: دَمِيَت إِصبَعُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعضِ تِلكَ المَشَاهِدِ فَقَالَ:
هَل أَنتِ إِلَّا إِصبَعٌ دَمِيتِ
…
وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا لَقِيتِ
وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَارٍ فَنُكِبَت إِصبَعُهُ.
ــ
وقوله صلى الله عليه وسلم:
هل أنت إلا إصبع دميت
…
وفي سبيل الله ما لقيت
هذا البيت أنشده النبي صلى الله عليه وسلم وهو لغيره. قيل: إنه للوليد بن المغيرة (1)، وقيل: لعبد الله بن رواحة. ولو كان من قوله فقد تقدَّم العذر عنه في غزوة حنين.
وقوله: (كان النبي صلى الله عليه وسلم في غار فنكبت إصبعه)؛ أي: أصابتها نكبة دميت لأجلها. وفي الرواية الأخرى: أنه كان في بعض المشاهد. وفي البخاري: فبينا النبي صلى الله عليه وسلم يمشي إذا أصابه حجر، فقال البيت المذكور. ظاهر هاتين الروايتين
(1) كذا في الأصول، والصواب: الوليد بن الوليد بن المغيرة. انظر: سيرة ابن هشام (1/ 476).