الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَشتَرِيهِ مِنِّي؟ ) فَاشتَرَاهُ نُعَيمُ بنُ عَبدِ اللهِ العَدَوِيُّ بِثَمَانِمِائَةِ دِرهَمٍ، فَجَاءَ بِهَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَدَفَعَهَا إِلَيهِ. ثُمَّ قَالَ:(ابدَأ بِنَفسِكَ فَتَصَدَّق عَلَيهَا، فَإِن فَضَلَ شَيءٌ فَلأَهلِكَ، فَإِن فَضَلَ عَن أَهلِكَ شَيءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ، فَإِن فَضَلَ عَن ذِي قَرَابَتِكَ شَيءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا). تَقُولُ: فَبَينَ يَدَيكَ وَعَن يَمِينِكَ وَعَن شِمَالِكَ.
رواه أحمد (3/ 369)، ومسلم (997)، وأبو داود (3957)، والنسائي (7/ 304).
* * *
(9) باب أعمال البر صدقات
[872]
عَن أَبِي ذَرٍّ، أَنَّ نَاسًا مِن أَصحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالُوا لِلنَّبِيِّ: يَا رَسُولَ اللهِ! ذَهَبَ أَهلُ الدُّثُورِ بِالأُجُورِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَيَتَصَدَّقُونَ بِفُضُولِ أَموَالِهِم قَالَ: (أَوَلَيسَ قَد جَعَلَ اللهُ لَكُم
ــ
وقوله: (فإن فضل شيء)؛ المعروف: فضِل بكسر الضاد، وهي لغة. و [يقال] بفتحها، وهي اختيار الجوهري.
وهذا الحديث دليل على مراعاة الأوكد فالأوكد.
(9)
ومن باب: أعمال البر صدقات
قد تقدّم القول على الدثور، وعلى تفضيل الفقر في كتاب الصلاة. ومقصود هذا الحديث: أن أعمال الخير إذا حسنت النيات فيها تنزلت منزلة الصدقات في الأجور، ولا سيما في حق من لا يقدر على الصدقة. ويفهم منه: أن الصدقة في حق القادر عليها أفضل له من سائر الأعمال القاصرة على فاعلها.
مَا تَصَّدَّقُونَ؟ إِنَّ بِكُلِّ تَسبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكبِيرَةٍ صَدَقَةً وَكُلِّ تَحمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمرٌ بِالمَعرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهيٌ عَن المُنكَرِ صَدَقَةٌ، وَفِي بُضعِ أَحَدِكُم صَدَقَةٌ). قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجرٌ؟ قَالَ: (أَرَأَيتُم لَو وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ، أَكَانَ عَلَيهِ فِيهَا وِزرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الحَلالِ كَانَ لَهُ أَجرٌ).
رواه أحمد (5/ 167 و 168)، ومسلم (720) و (1006)، وأبو داود (5243 و 5244).
[873]
وَعَن عَائِشَةَ قَالَت: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّهُ خُلِقَ كُلُّ إِنسَانٍ مِن بَنِي آدَمَ عَلَى سِتِّينَ وَثَلاثِمِائَةِ مَفصِلٍ، فَمَن كَبَّرَ اللهَ، وَحَمِدَ اللهَ،
ــ
وقوله: (في بضع أحدكم صدقة)، البضع بضم الباء: الجماع، وأصله: الفرج. قال الأصمعي: يقال: ملك فلان بضع فلانة: إذا ملك عقد نكاحها، وهو كناية عن موضوع الغشيان، والمباضعة: المباشرة، والاسم: البضع. وفيه دليل: على أن النيات الصادقات تصرف المباحات إلى الطاعات.
وقولهم: أياتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ استفهام من استبعد حصول أجر بفعل مستلذ، يحث الطبع عليه، وكأن هذا الاستبعاد إنما وقع من تصفُّح الأكثر من الشريعة، وهو أن الأجور إنما تحصل في العبادات الشاقة على النفوس المخالفة لها. ثم إنه صلى الله عليه وسلم أجابهم على هذا بقياس العكس، فقال:(أرأيتم لو وضعها في حرام؟ ) ونظمه: كما يأثم في ارتكاب الحرام، يؤجر في فعل الحلال. وحاصله راجع إلى إعطاء كل واحد من المتقابلين ما يقابل به الآخر من الذوات والأحكام.
وقد اختلف الأصوليون في هذا النوع من القياس، هل يعمل عليه أم لا؟ على قولين. وهذا الحديث حجة لصحة العمل بهذا النوع.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (إنه خُلِق كلُّ إنسان من بني آدم على ستين وثلاثمائة مفصل)
وَهَلَّلَ اللهَ، وَسَبَّحَ اللهَ، وَاستَغفَرَ اللهَ، وَعَزَلَ حَجَرًا عَن طَرِيقِ المسلمين، أَو شَوكَةً أَو عَظمًا مِن طَرِيقِ النَّاسِ، وَأَمَرَ بِمَعرُوفٍ أَو نَهَى عَن مُنكَرٍ عَدَدَ تِلكَ السِّتِّينَ وَالثَّلاثِمِائَةِ السُّلامَى، فَإِنَّهُ يَمشِي يَومَئِذٍ وَقَد زَحزَحَ نَفسَهُ عَنِ النَّارِ). قَالَ أَبُو تَوبَةَ: وَرُبَّمَا قَالَ: يُمسِي.
رواه مسلم (1007).
ــ
؛ الضمير في: إنه، ضمير الأمر والشأن، والمفاصل: هي العظام التي ينفصل بعضها من بعض، وقد سمّاها: سُلاميات. قال أبو عبيد: السُّلامى في الأصل: عظم في فِرسَن البعير، وقد تقدّم القول في السُّلاميات في الصلاة.
ومقصود هذا الحديث: أن العظام التي في الإنسان هي أصل وجوده، وبها حصول منافعه؛ إذ لا تتأتى الحركات والسكنات إلا بها، والأعصاب رباطات، واللحوم والجلود حافظات وممكنات، فهي إذًا أعظم نعم الله على الإنسان، وحق المنعم عليه أن يقابل كل نعمة منها بشكر يخصّها، وهو أن يعطي صدقةً كما أُعطي منفعة، لكن الله تعالى لطف وخفف بأن جعل التسبيحة الواحدة كالعطية، وكذلك التحميدة، وغيرها من أعمال البر وأقواله، وإن قلّ مقدارها، وأتم تمام الفضل، أن اكتفى من ذلك كلّه بركعتين في الضحى، على ما مرّ. وقد نبهنا على سرّ ذلك في باب: صلاة الضحى.
وقوله: (عدد تلك الستين والثلاثمائة السُّلامى)؛ كذا وقعت الرواية، وصوابه في العربية: ثلاثمائة السلامى؛ لأنه لا يجمع بين الألف واللام والإضافة إلا في الإضافة غير المحضة، بشرط دخول الألف واللام على المضاف والمضاف إليه.
[874]
وَعَن أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:(عَلَى كُلِّ مُسلِمٍ صَدَقَةٌ). قَالَ: أَرَأَيتَ إِن لَم يَجِد؟ قَالَ: (يَعتَمِلُ بِيَدَيهِ فَيَنفَعُ نَفسَهُ وَيَتَصَدَّقُ). قَالَ: أَرَأَيتَ إِن لَم يَستَطِع؟ قَالَ: (يُعِينُ ذَا الحَاجَةِ المَلهُوفَ) قَالَ: قِيلَ لَهُ: أَرَأَيتَ إِن لَم يَستَطِع؟ قَالَ: (يَأمُرُ بِالمَعرُوفِ أَوِ الخَيرِ). قَالَ: أَرَأَيتَ إِن لَم يَفعَل؟ قَالَ: (يُمسِكُ عَنِ الشَّرِّ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ).
رواه أحمد (4/ 395 و 411)، والبخاري (6022)، ومسلم (1008).
[875]
وَعَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ، عَلَيهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَومٍ تَطلُعُ الشَّمسُ. قَالَ: تَعدِلُ بَينَ الاثنَينِ صَدَقَةٌ، وَتُعِينُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ فَتَحمِلُهُ عَلَيهَا أَو تَرفَعُ لَهُ عَلَيهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، قَالَ: وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ خُطوَةٍ تَمشِيهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ. وَتُمِيطُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ.
رواه أحمد (2/ 316)، والبخاري (277)، ومسلم (1009).
* * *
ــ
وقوله: (على كل مسلم صدقة)؛ هو هنا مطلق، وقد قيَّده من حديث أبي هريرة بقوله:(في كل يوم)؛ وظاهر هذا اللفظ الوجوب، لكن خففه الله تعالى حيث جعل ما خف من المندوبات [مسقطًا] له؛ لطفا منه وتفضلاً.
(ذو الحاجة): صاحبها. والملهوف: المضطر إليها، الذي قد شغله همه بحاجته عن كل ما سواها، ولا شكّ في أن قضاء حاجة من كانت هذه حاله يتعدد فيها الأجر، ويكثر بحسب ما كشف من كربة صاحبها.