الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رواه أحمد (4/ 148)، ومسلم (1919)، وابن ماجه (2814).
* * *
(54) باب في قوله عليه الصلاة والسلام: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين)
[1387]
عَن ثَوبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِن أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الحَقِّ لَا يَضُرُّهُم مَن خَذَلَهُم، حَتَّى يَأتِيَ أَمرُ اللَّهِ وَهُم كَذَلِكَ.
ــ
بعض الرواة في أي اللفظين قال صلى الله عليه وسلم. وهو ظاهر في ذم من ترك الرمي بعد أن علمه. وسبب هذا الذم: أن هذا الذي تعلم الرمي حصلت له أهلية الدفاع عن دين الله، والغناء فيه، والنكاية في العدو. فقد تعيّن لأن يقوم بوظيفة الجهاد، فإذا ترك ذلك حتى يعجز عنه فقد فرط في القيام بما تعين عليه، فذم على ذلك. وهذا مثل ما تقدَّم في كتاب الصلاة؛ فيمن تعلم القرآن فنسيه.
وقوله: (وليس منا)؛ أي: ليس على طريقتنا، ولا سنتنا، كما قال:(ليس منا من ضرب الخدود، وشق الجيوب. و (ليس منا من دعا بدعوى الجاهلية). و (من غشنا فليس منا)(1)، وهو ذم بلا شك.
وأما قوله: (فقد عصى)، فنص في الوجوب.
وقوله: (لم أعانه)؛ أي: لم أكابده، ولم أقاسه.
(54)
ومن باب: قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين
قوله: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين)؛ الطائفة: الجماعة، وهم
(1) رواه البخاري (1298)، ومسلم (103)، والترمذي (999)، والنسائي (4/ 20).
رواه مسلم (1920)، وأبو داود (4252)، والترمذي (2177).
[1388]
وعَن جَابِرِ بنِ سَمُرَةَ، عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: لَن يَبرَحَ هَذَا الدِّينُ قَائِمًا تُقَاتِلُ عَلَيهِ عِصَابَةٌ مِن المُسلِمِينَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ.
رواه أحمد (5/ 103)، ومسلم (1922).
[1389]
وعن عَبدُ الرَّحمَنِ بنُ شِمَاسَةَ المَهرِيُّ قَالَ كُنتُ عِندَ مَسلَمَةَ بنِ مُخَلَّدٍ، وَعِندَهُ عَبدُ اللَّهِ بنُ عَمرِو بنِ العَاصِ، فَقَالَ عَبدُ اللَّهِ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ الخَلقِ، وهُم شَرٌّ مِن أَهلِ الجَاهِلِيَّةِ، لَا يَدعُونَ اللَّهَ بِشَيءٍ إِلَّا رَدَّهُ عَلَيهِم، فَبَينَمَا هُم عَلَى ذَلِكَ، أَقبَلَ عُقبَةُ بنُ عَامِرٍ فَقَالَ لَهُ مَسلَمَةُ: يَا عُقبَةُ، اسمَع مَا يَقُولُ عَبدُ اللَّهِ، فَقَالَ عُقبَةُ: هُوَ أَعلَمُ، وَأَمَّا أَنَا فَسَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا تَزَالُ عِصَابَةٌ مِن أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ
ــ
العصابة في الحديث الآخر، وهم الذين قال الله تعالى في حقهم (1):{وَمِمَّن خَلَقنَا أُمَّةٌ يَهدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعدِلُونَ}
والطائفة في الأصل هي: القطعة من الشيء. يقال: طائفة من كذا؛ أي: قطعة منه. وهي من الناس: الجماعة. قال مجاهد: هم من الواحد إلى الألف. وكذلك قال النخعي. وقال عطاء: أقله رجلان فصاعدًا. وقال الزهري: ثلاثة فصاعدًا. والطائفة هي الفرقة التي يمكن أن تكون حلقة، وكأنها الجماعة الحافة حول الشيء، أقلها ثلاثة أو أربعة (2).
و(ظاهرين): منصورين غالبين، كما قال في الحديث الآخر:(يقاتلون على أمر الله، قاهرين لعدوهم، لا يضرهم من خذلهم)(3)؛ أي: من لم ينصرهم من الخلق.
و(أمر الله): الساعة كما قد جاء مفسَّرًا في الرواية الأخرى.
(1) في (ج) و (ج 2): فيهم.
(2)
ساقط من (ع) و (ج) و (ج 2)، واستدركناه من (م).
(3)
هو حديث عقبة بن عامر المتقدم.
عَلَى أَمرِ اللَّهِ، قَاهِرِينَ لِعَدُوِّهِم، ولَا يَضُرُّهُم مَن خَالَفَهُم، حَتَّى تَأتِيَهُم السَّاعَةُ وَهُم عَلَى ذَلِكَ. فَقَالَ عَبدُ اللَّهِ: أَجَل، ثُمَّ يَبعَثُ اللَّهُ رِيحًا كَرِيحِ المِسكِ مَسُّهَا كمَس الحَرِيرِ، لَا تَترُكُ نَفسًا فِي قَلبِهِ مِثقَالَ حَبَّةٍ مِن إِيمَانِ إِلَّا قَبَضَتهُ، ثُمَّ يَبقَى شِرَارُ النَّاسِ عَلَيهِم تَقُومُ السَّاعَةُ.
رواه مسلم (1924).
ــ
وقد اختلف في: من هذه الطائفة؟ وأين هم؟ فقال علي بن المديني: هم العرب، واستدل برواية من روى:(وهم أهل الغرب)، وفسَّر (الغرب) بالدلو العظيمة. وقيل: أراد بالغرب: أهل القوة، والشدَّة، والحدِّ. وغرب كل شيء حدَّه. وقيل: أراد به: غرب الأرض. وهو ظاهر حديث سعد بن أبي وقاص (1).
وقال فيه: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق في المغرب (2) حتى تقوم السَّاعة)، ورواه عبد بن حميد (3)، وقال فيه:(لا يزال أهل المغرب ظاهرين على الحق حتى تقوم السَّاعة، أو يأتي أمر الله). ورواه بقي بن مخلد في مسنده كذلك: (لا يزال أهل المغرب) كذلك.
قلت: وهذه الروايات تدل على بطلان (4) التأويلات المتقدَّمة، وعلى أن المراد به أهل المغرب في الأرض، لكن أول المغرب بالنسبة إلى المدينة - مدينة النبي صلى الله عليه وسلم؛ إنما هو الشام، وآخره: حيث تنقطع الأرض من المغرب الأقصى وما بينهما، كل ذلك يقال عليه: مغرب. فهل أراد المغرب كله، أو أوله؟ كل ذلك
(1) زاد في (م) و (ج 2): (وروى الدارقطني عن سعد بن أبي وقاص). ولم نجده في سنن الدارقطني، ولعلَّه في كتابه "الأفراد".
(2)
ما بين حاصرتين ليس في (ع).
(3)
في (ع): عبد بن حميد الهروي، وفي (ج 2): عبد بن أحمد الهروي. وفي (ج): عبيد بن حميد الهروي.
(4)
في (ج 2): إبطال.
[1390]
وعَن سَعدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا يَزَالُ أَهلُ الغَربِ ظَاهِرِينَ عَلَى الحَقِّ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ.
رواه مسلم (1925).
* * *
ــ
محتمل، لا جرم قال معاذ في الحديث الآخر (1):(هم أهل الشام). ورواه الطبري وقال: (هم ببيت المقدس). وقال أبو بكر الطرطوشي في رسالة بعث بها إلى أقصى المغرب، بعد أن أورد حديثًا في هذا المعنى؛ قال- والله تعالى أعلم-: هل أرادكم رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أراد بذلك جملة أهل المغرب؛ لما هم عليه من التمسُّك بالسُّنة والجماعة، وطهارتهم من البدع والإحداث في الدِّين، والاقتفاء لآثار من مضى من السَّلف الصالح؟ والله تعالى أعلم (2).
قلت: وفي هذا الحديث دلالة على صحَّة الإجماع؛ لأن الأمة إذا أجمعت فقد دخلت فيهم هذه العصابة المختصة، فكل الأمة مُحق فإجماعهم حق. ويفيد هذا المعنى أيضًا قوله تعالى:{وَمِمَّن خَلَقنَا أُمَّةٌ يَهدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعدِلُونَ}
ولا تعارض بين هذا الحديث وبين قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم السَّاعة إلا على شرار الخلق)(3)، وبين قوله:(لا تقوم السَّاعة وفي الأرض من يقول: الله، الله)(4)؛ لما يأتي في حديث عقبة بن عامر وعبد الله بن عمرو، فإنه صلى الله عليه وسلم بيّن ذلك فيه بيانًا شافيًا، فتأمله، فلا مزيد عليه.
(1) ساقط من (ج 2).
(2)
انظر الموضوع في البخاري (الاعتصام: 10).
(3)
هو حديث عقبة بن عامر المتقدم.
(4)
رواه أحمد (3/ 268)، ومسلم (148)، وابن حبان (6849).