الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(3) باب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان
[1038]
عَن ابنِ عُمَرَ أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَعتَكِفُ العَشرِ الأَوَاخِرِ مِن رَمَضَانَ.
قال نافع: وقد أراني عبد الله المكان الذي كان يعتكف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من المسجد.
رواه البخاري (2025)، ومسلم (1171)(2)، وأبو داود (2465)، وابن ماجه (1773).
ــ
(3)
ومن باب: اعتكاف العشر الأواخر من رمضان (1)
قول نافع: (وقد أراني عبد الله المكان الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف فيه)؛ يعني: الموضع الذي كان اختصه لنفسه؛ الذي كانت عليه القبة التركية، ومع أنه اختص بموضع من المسجد فهو كان الإمام في حال اعتكافه، فكان يصلِّي بهم في موضعه المعتاد، ثم يرجع إلى معتكفه بعد انقضاء صلاته.
وتحصل منه: جواز إمامة المعتكف، وقد منعها سحنون في أحد قوليه في الفرض والنفل. والجمهور على جواز ذلك.
واختلف من هذا الباب في مسائل:
منها: أذان المعتكف، منعه مالك مرة وأجازه أخرى. والكافة على جوازه، وهذا في المنار. أما في غيره فلا خلاف في جوازه، فيما أعلم.
وأما خروجه لعيادة المرضى، أو لصلاة على جنازة: فمنع ذلك مالك، وكافتهم، وأجازه الحسن، والنخعي، وغيرهما. وأجاز إسحاق، والشافعي اشتراط ذلك عند دخوله في التطوع لا النذر. واختلف فيه قول أحمد. ومنع ذلك مالك وغيره.
(1) جزء من حديث رواه البخاري (2023).
[1039]
وَعَن عَائِشَةَ قَالَت: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعتَكِفُ العَشرَ الأَوَاخِرَ مِن رَمَضَانَ حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده.
ــ
ومنع مالك اشتغاله في المسجد بسماع علم، وكتابته، أو بالأمور المباحة كالعمل في الخياطة وشبه ذلك، إلا فيما خفَّ من هذا كله.
وأباح له الشافعي وأبو حنيفة الشغل في المسجد بما يباح من ذلك كله، أو يرغب فيه من طلب العلم.
وأما خروج المعتكف من المسجد فلا يجوز إلا لقضاء حاجته، أو شراء طعام، أو شراب مما يحتاج إليه ولم يجد من يكفيه ذلك؛ لقول عائشة:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان)؛ تعني به: الحدث. ويلحق به ما يكون محتاجًا إليه كشراء طعام وشراب على ما تقدم.
وإدامته صلى الله عليه وسلم الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان؛ إنما كان لما أبين له: أن ليلة القدر فيه، وإلا فقد اعتكف في العشر الأول وفي الوسط على ما تقدَّم من حديث أبي سعيد.
ثم من اعتكف في العشر الأواخر من رمضان؛ فهل يبيت ليلة الفطر في معتكفه ولا يخرج منه إلا إذا خرج لصلاة العيد؛ فيصلي، وحينئذ يرجع إلى منزله؟ أو يجوز له أن يخرج عند غروب الشمس من آخر يوم رمضان؟ قولان للعلماء؛ والأول هو قول مالك، وأحمد بن حنبل، وغيرهما. وهو محكي عن السَّلف.
واختلف أصحاب مالك إذا لم يفعل؛ هل يبطل اعتكافه؟ أم لا يبطل؟ قولان. وذهب الشافعي، والليث، والأوزاعي، والزهري في آخرين: إلى أنه يجوز خروجه ليلة الفطر، ولا يلزمه شيء مما قاله مالك.
وظاهر مذهب مالك: أن ذلك على وجه الاستحباب؛ لأن بعض السَّلف فعله، ولأنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وكون أزواجه اعتكفن بعده حجة على من منع اعتكاف النساء في المسجد، فإنهن إنما اعتكفن على نحو ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف؛ لأن الراوي عنهن
رواه البخاري (2026)، ومسلم (1172)(5)، وأبو داود (2462)، والترمذي (790)، والنسائي (2/ 44).
[1040]
وعنها قَالَت: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا دَخَلَ العَشرُ أَحيَا اللَّيلَ وَأَيقَظَ أَهلَهُ وَجَدَّ وَشَدَّ المِئزَرَ.
رواه أحمد (6/ 40 - 41)، والبخاري (2024)، ومسلم (1174)، وأبو داود (1376)، والنسائي (3/ 217 - 218)، وابن ماجه (1768).
* * *
ــ
ساق اعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم واعتكافهن مساقًا واحدًا، ولو خالفنه في المسجد لذكره، وكان يقول: غير أن ذلك في بيوتهن.
وقول عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل)؛ أي: بالصلاة، و (أيقظ أهله) لذلك. وفيه: حث الأهل على القيام للنوافل، وحملهم على تحصيل الخير والثواب. ويفهم منه تأكيد القيام في هذا العشر على غيره.
و(جدَّ)؛ أي: اجتهد. و (شدَّ المِئزَر)؛ أي: امتنع عن النساء. وهذا أولى من قول من قال: إنه كناية عن الجد والاجتهاد؛ لأنه قد ذكر ذلك، فحمل هذا على فائدة مستجدة أولى.
وقد ذهب بعض أئمتنا: إلى أنه عبارة عن الاعتكاف. وفيه بُعد؛ لقولها: أيقظ أهله. وهذا يدل على أنه كان معهم في البيت، وهو كان في حال اعتكافه في المسجد، وما كان يخرج منه إلا لحاجة الإنسان، على أنه يصح أن يوقظهن من موضعه من باب الخوخة التي كانت له إلى بيته في المسجد، والله أعلم.
فإن حملناه على الاعتكاف فهم منه: أن المعتكف لا يجوز له أن يقرب النساء بمباشرة، ولا استمتاع فما فوقهما، ويدل عليه قوله تعالى:{وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُم عَاكِفُونَ فِي المَسَاجِدِ} فإن وقع منه الجماع فسد اعتكافه ليلاً كان أو نهارًا بالإجماع.
ثم: هل عليه كفارة؟ فالجمهور: على أن لا.