الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(60) باب المدينة لا يدخلها الطاعون ولا الدَّجال، وتنفي الأشرار
[1232]
عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: عَلَى أَنقَابِ المَدِينَةِ مَلَائِكَةٌ، لَا يَدخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلَا الدَّجَّالُ.
رواه أحمد (2/ 237 و 375)، والبخاري (1880)، ومسلم (1379)، والنسائي في الكبرى (7526).
ــ
(60)
ومن باب: المدينة لا يدخلها الطاعون ولا الدَّجال
قوله على أنقاب المدينة ملائكة، لا يدخلها الطاعون ولا الدَّجال، قد تقدَّم القول في الأنقاب، والطاعون الموت العام الفاشي، ويعني بذلك أنه لا يكون في المدينة من الطاعون مثل الذي يكون في غيرها من البلاد، كالذي وقع في طاعون عمواس والجارف وغيرهما، وقد أظهر الله صدق رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فإنه لم يُسمع من النَّقلة ولا من غيرهم مَن يقول أنه وقع في المدينة طاعون عام، وذلك ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: اللهم صححها لنا. وقد تقدَّم الكلام على اسم الدَّجال واشتقاقه، وهو وإن لم يدخل المدينة إلا أنه يأتي سبختها من دُبُرِ أُحُد فيضرب هناك رواقه فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات، فيخرج إليه منها كل كافر ومنافق، كما يأتي في حديث أنس في كتاب الفتن، ثم يهم بدخول المدينة، فتصرف الملائكة وجهه إلى الشام، وهناك يهلك بقتل عيسى ابن مريم إيَّاه بباب لُدٍّ على ما يأتي، وسيأتي أيضًا أن مكة لا يدخلها الدَّجال.
[1233]
وعنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَأتِي المَسِيحُ وهِمَّتُهُ المَدِينَةُ حَتَّى يَنزِلَ دُبُرَ أُحُدٍ، ثُمَّ تَصرِفُ المَلَائِكَةُ وَجهَهُ قِبَلَ الشَّامِ، وَهُنَاكَ يَهلِكُ.
رواه أحمد (2/ 397)، ومسلم (1380)، والترمذي (2243).
[1234]
وعنه قال: قال رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَأتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَدعُو الرَّجُلُ ابنَ عَمِّهِ وَقَرِيبَهُ: هَلُمَّ إِلَى الرَّخَاءِ! هَلُمَّ إِلَى الرَّخَاءِ! وَالمَدِينَةُ خَيرٌ لَهُم لَو كَانُوا يَعلَمُونَ، وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يَخرُجُ مِنهُم أَحَدٌ رَغبَةً عَنهَا إِلَّا أَخلَفَ اللَّهُ فِيهَا خَيرًا مِنهُ،
ــ
وقوله يأتي على النَّاس زمان يدعو الرجل ابن عمه وقريبه: هَلُمَّ إلى الرخاء! ، هذا منه صلى الله عليه وسلم إخبار عن أمر غيب وقع على نحو ما ذكر، وكان ذلك من أدلة نبوَّته، وعنى بذلك أن الأمصار تفتح على المسلمين فتكثر الخيرات وتترادف عليهم الفتوحات، كما قد اتفق عند فتح (1) الشام والعراق والدِّيار المصرية وغير ذلك، فركن كثير ممن خرج من الحجاز وبلاد العرب إلى ما وجدوا من الخصب والدَّعة بتلك البلاد المفتوحة فاتخذوها دارًا ودعوا إليهم من كان بالمدينة لشدَّة العيش بها وضيق الحال، فلذلك قال صلى الله عليه وسلم: والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وهي خير من حيث تعذر الترفه فيها وعدم الإقبال على الدنيا بها وملازمة ذلك المحل الشريف ومجاورة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم؛ ففي حياته صلى الله عليه وسلم صحبته ورؤية وجهه الكريم، وبعد وفاته مجاورة جدثه الشريف ومشاهدة آثاره المعظَّمة، فطوبى لمن ظفر بشيء من ذلك، وأحسن الله عزاءَ من لم ينل شيئًا مِمَّا هنالك.
وقوله لا يخرج أحد رغبة عنها إلا أخلف الله فيها خيرًا منه؛ يعني أن
(1) في (ل): فتوح.
أَلَا إِنَّ المَدِينَةَ كَالكِيرِ تُخرِجُ الخَبِيثَ، لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَنفِيَ المَدِينَةُ شِرَارَهَا كَمَا يَنفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ.
رواه أحمد (2/ 439)، ومسلم (1381).
[1235]
وعنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أُمِرتُ بِقَريَةٍ تَأكُلُ القُرَى،
ــ
الذي يخرج من المدينة راغبًا عنها - أي زاهدًا فيها - إنما هو إما جاهل بفضلها وفضل المقام فيها أو كافر بذلك، وكل واحد من هذين إذا خرج منها فمن بقي من المسلمين خير منه وأفضل على كل حال، وقد قضى الله تعالى بأن مكة والمدينة لا تخلوان من أهل العلم والفضل والدِّين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فهم الخلف ممن خرج رغبة عنها.
وقوله إن المدينة كالكير تُخرِج الخبث، هذا تشبيه واقع؛ لأن الكيرَ لشدَّة نفخه ينفي عن النار السخام والدخان والرَّماد، حتى لا يبقى إلا خالصُ الجمر والنار، هذا إن أراد بالكير النفخ الذي تنفخ به النار، وإن أراد به الموضع المشتمل على النار وهو المعروف عند أهل اللغة فيكون معناه أن ذلك الموضع لشدَّة حرارته ينزعُ خبث الحديد والذهب والفضة، ويخرج خلاصة ذلك، والمدينة كذلك لما فيها من شدة العيش وضيق الحال تخلص النفس من شهواتها وشرهها وميلها إلى اللذات والمستحسنات، فتتزكى النفس عن أدرانها وتبقى خلاصتُها، فيظهر سرُّ جوهرها وتعم بركاتها، ولذلك قال في الرواية الأخرى تنفي خبثها وينصع طيبها.
وقوله أمرت بقرية تأكل القُرى؛ أي بالهجرة إليها إن كان قاله بمكة، أو بسُكناها إن كان قاله بالمدينة، وأكلُها للقرى هو أن منها افتتحت جميعُ القُرى،
يَقُولُونَ يَثرِبَ وَهِيَ المَدِينَةُ، تَنفِي النَّاسَ كَمَا يَنفِي الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ.
رواه أحمد (2/ 237)، والبخاري (187)، ومسلم (1382).
[1236]
وَعَن جَابِرِ بنِ عَبدِ اللَّهِ أَنَّ أَعرَابِيًّا بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَصَابَ الأَعرَابِيَّ وَعكٌ بِالمَدِينَةِ، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَقِلنِي بَيعَتِي! فَأَبَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: أَقِلنِي بَيعَتِي! فَأَبَى، ثُمَّ جَاءَهُ فَقَالَ: أَقِلنِي بَيعَتِي! فَأَبَى، فَخَرَجَ الأَعرَابِيُّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّمَا المَدِينَةُ كَالكِيرِ؛ تَنفِي خَبَثَهَا وَيَنصَعُ طَيِّبُهَا.
ــ
وإليها جُبِي فَيءُ البلاد وخَراجُها في تلك المُدَد، وهو أيضًا من علامات نبوَّته صلى الله عليه وسلم.
وقوله يقولون يثرب، وهي المدينة؛ أي: يسميها الناس يثرب، والذي ينبغي أن تُسمَّى به المدينة، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم كره ذلك الاسم على عادته في كراهته الأسماء غير المستحسنة وتبديلها بالمستحسن منها، وذلك أن يثرب لفظ مأخوذ من الثرب وهو الفساد، والتثريب: وهو المؤاخذة بالذنب. وكل ذلك من قبيل ما يكره. وقد فهم العلماء من هذا منع أن يقال يثرب، حتى قال عيسى بن دينار: مَن سمَّاها يثرب كُتِبت عليه خطيئة. فأما قوله تعالى: {يَا أَهلَ يَثرِبَ لا مُقَامَ لَكُم فَارجِعُوا} هو حكاية عن قول المنافقين. وقيل: سُميت يثرب بأرض هناك، المدينة ناحية منها. وقد سماها النبي صلى الله عليه وسلم طيبة وطابة، من الطيب، وذلك أنها طيبة التربة والرائحة، وهي تربة النبي صلى الله عليه وسلم، وتُطيِّبُ من سكنها ويستطيبها المؤمنون.
وقوله تنفي خبثها، وينصعُ طِيبُها، ينصع: يصفو ويخلص. يقال: طيب ناصع إذا خلصت رائحته وصفَت مما ينقصها. وروينا طيِّبها هنا بفتح الطاء وتشديد الياء وكسرها، وقد رويناه في الموطأ هكذا، وبكسر الطاء