الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(11) باب لا يقبل الله الصدقة إلا من الكسب الطيب
[881]
عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مَا تَصَدَّقَ أَحَدٌ بِصَدَقَةٍ مِن طَيِّبٍ وَلا يَقبَلُ اللهُ إِلا الطَّيِّبَ إِلا أَخَذَهَا الرَّحمَنُ بِيَمِينِهِ، وَإِن كَانَت تَمرَةً، فَتَربُو فِي كَفِّ الرَّحمَنِ حَتَّى تَكُونَ أَعظَمَ مِنَ الجَبَلِ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُم فَلُوَّهُ أَو فَصِيلَهُ).
وَفِي رِوَايَةٍ: (لا يَتَصَدَّقُ واحَدٌ بِتَمرَةٍ مِن كَسبٍ طَيِّبٍ إِلا أَخَذَهَا اللهُ بِيَمِينِهِ فَيُرَبِّيهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُم فَلُوَّهُ - أَو قَلُوصَهُ - حَتَّى تَكُونَ مِثلَ الجَبَلِ أَو أَعظَمَ).
وَفِي أُخرَى: (مِنَ الكَسبِ الطَّيِّبِ فَيَضَعُهَا فِي حَقِّهَا).
رواه أحمد (2/ 538)، ومسلم (1014)، والترمذي (661)، والنسائي (5/ 57)، وابن ماجه (1842).
ــ
(11)
ومن باب: لا يقبل الله الصدقة إلا من ذي الكسب الطيب
قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله طيب)؛ أي: منزَّه عن النقائص والخبائث، فيكون بمعنى: القدوس، وقيل: طيب الثناء، ومستلذ الأسماء عند العارفين بها. وعلى هذا: فطيِّب من أسمائه الحسنى، ومعدود في جملتها المأخوذة من السنة؛ كالجميل والنظيف؛ على قول من رواه ورآه.
والكسب الطيب في هذا الحديث الحلال؛ وهذا كقوله تعالى: {أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبتُم} و {كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقنَاكُم} وغيره، وأصل الطيب: المستلذ بالطبع، ثم أطلق على المطلق
[882]
وَعَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لا يَقبَلُ إِلا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ المُؤمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ المُرسَلِينَ، فَقَالَ:{يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعمَلُونَ عَلِيمٌ} وَقَالَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقنَاكُم} ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشعَثَ أَغبَرَ يَمُدُّ يَدَيهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ
ــ
بالشرع.
وإنما لا يقبل الله الصدقة من المال الحرام؛ لأنه غير مملوك للمتصدق، وهو ممنوع من التصرف فيه، والتصدق به تصرُّف فيه، فلو قبلت منه؛ لزم أن يكون مأمورًا به، منهيًا عنه من وجه واحد، وهو محال، ولأن أكل الحرام يفسد القلوب، فتحرم الرقة والإخلاص، فلا تقبل الأعمال. وإشارة الحديث إلى أنه لم يقبل؛ لأنه ليس بطيب، فانتفت المناسبة بينه وبين الطيب بذاته.
وقوله: (إن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين)؛ يعني: أنه سوَّى بينهم في الخطاب بوجوب أكل الحلال.
ورزقناكم هنا بمعنى: ملّكناكم، وقد يكون في موضع آخر: نفعناكم. وقد تقدّم الكلام على الرزق.
وقوله: ثم ذكر الرجل يطيل السفر يعني: في الحج والجهاد. وما أشبه ذلك من أسفار الطاعات؛ إلا أن أشعث أغبر؛ يدلّ على المُحرم. والشَّعثُ في الشعر، والغبرة في سائر الجسد.
وقوله: (يمدّ يديه إلى السماء)؛ أي: عند الدعاء، وهذا يدلّ على مشروعية مدّ اليدين عنده إلى السماء. وقد تقدّم الكلام على (1) ذلك.
(1) ساقط من (ع).
وَمَطعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالحَرَامِ فَأَنَّى يُستَجَابُ لِذَلِكَ؟ .
رواه أحمد (2/ 328)، ومسلم (1015).
* * *
ــ
وقوله: (فأنَّى يستجاب لذلك)؛ أي: كيف - على جهة الاستبعاد -، ومعناه: أنه ليس أهلاً لإجابة دعائه، لكن يجوز أن يستجيب الله له تفضلاً ولطفًا وكرمًا.
وقوله: (إلا أخذها الرحمن بيمينه)؛ أي: قبلها مشرّفة مكرّمة، مرضيًا بها، بالغة محلها، وهذا كما قال الشاعر (1):
إذا ما راية رفعت لمجدٍ
…
تلقَّاها عرابة باليمين
أي: هو مؤهل للمجد والشرف، ولم يرد بها اليمين الجارحة؛ لأن المجد معنى، والمعنى الذي يتلقى به رايته معنى، وكذلك اليمين في حق الله تعالى.
وقوله: (فتربو)؛ أي: يزيد ثوابها. و (كفا الرحمن): عبارة عن محل القبول، ويجوز أن يكون مصدر: كف يَكفُّ كفًا، ويكون معناه: الحفظ والصيانة، فكأنه قال: تلك الصدقة في حفظ الله وكلاءته، فلا ينقص ثوابها، ولا يبطل جزاؤها، والله تعالى أعلم.
ويحتمل أن يكون الكفّ عبارة عن كفة الميزان الذي توزن فيه الأعمال، فيكون من باب حذف المضاف، كأنه قال: فتربو في كفة ميزان الرحمن.
والقلوص: الناقة الفتية، كالجارية في النساء. والفلو من الإبل: كالصبي في الرجال.
(1) هو الشماخ.