الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(28) باب لا تَحِلُّ الصدقة لمحمد ولا لآلِ محمد، ومن يستعمل على الصدقة
[939]
وَعَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: أَخَذَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ تَمرَةً مِن تَمرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:(كِخ كِخ، ارمِ بِهَا، أَمَا عَلِمتَ أَنَّا لا نَأكُلُ الصَّدَقَةَ).
رواه أحمد (2/ 409 و 410)، والبخاري (1491)، ومسلم (1069).
[940]
وَعَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (وَاللهِ إِنِّي لأَنقَلِبُ إِلَى أَهلِي فَأَجِدُ التَّمرَةَ سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي - أَو فِي بَيتِي - فَأَرفَعُهَا لآكُلَهَا، ثُمَّ أَخشَى أَن تَكُونَ صَدَقَةً فَأُلقِيهَا).
رواه مسلم (1070)(163).
ــ
(28)
ومن باب: لا تحل الصدقة لمحمد ولا لآل محمد
قوله: (كخ، كخ)؛ روايتنا فيه بكسر الكاف وسكون الخاء. وقد يقال بفتح الكاف وتسكين الخاء وتنوينها. وهي لغات، وهي كلمة يزجر بها الصبيان عن أخذ شيء، قال الداودي: هي كلمة أعجمية عرّبتها العرب، وإلى هذا أشار البخاري حيث ترجم على هذا الحديث: من تكلم بالفارسية. والصحيح الأول.
وفي هذا الحديث ما يدل على أن الصغار يمنعون مما يحرم على الكبار المكلَّفين حتى يُتدرَّبوا على آداب الشريعة، ويتأدبوا بها ويعتادوها. وعلى هذا فلا يلبس الذكور الصغار الحرير، ولا يحلون الذهب. ويخاطب الأولياء بأن يجنبوهم ذلك، كما
[941]
وَعَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِتَمرَةٍ بِالطَّرِيقِ، فَقَالَ:(لَولا أَن تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لأَكَلتُهَا).
رواه أحمد (3/ 119)، والبخاري (2055)، ومسلم (1071)، وأبو داود (1651 و 1652).
ــ
يخاطبون بأن يجنبوهم شرب الخمور وأكل ما لا يحل.
وقوله صلى الله عليه وسلم وقد وجد تمرة في الطريق -: (لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها)؛ هذا منه صلى الله عليه وسلم ورع وتنزّه. وإلا فالغالب تمر غير الصدقة؛ لأنه الأصل، وتمر الصدقة قليل، والحكم للغالب في القواعد الشرعية.
وفيه دليل: على أن اللُّقَطَة اليسيرة التي لا تتعلّق بها نفس فاقدها لا تحتاج إلى تعريف. وأنها تستباح من غير ذلك؛ لأنه علّل امتناعه من أكلها: هو خوفه أن تكون من الصدقة، ثم إن دليل خطابه أنها لو سلمت من ذلك المانع لأكلها.
وهذه الأحاديث كلها مع قوله: (إن الصدقة لا تنبغي لمحمد، ولا لآل محمد)؛ تدل على أن الصدقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله محرّمة. وهل يعمّ التحريم الواجبات وغيرها، أو يخص الواجبة؟ اختلف فيه: فذهب مالك وأبو حنيفة في أحد قوليه: إلى أن المحرّم الواجبة فقط.
وحكى ابن القصار عن بعض أصحابنا: أن المحرّم صدقة التطوع دون الفريضة؛ لأنها لا مِنَّةَ فيها.
وقال أبو حنيفة أيضًا: إنها كلّها حلال لبني هاشم وغيرهم. وإنما كان ذلك محرمًا عليهم؛ إذ كانوا يأخذون سهم ذي القربى، فلما قطع عنهم حلت لهم، ونحوه عن الأبهري من شيوخنا. وروي عن أبي يوسف: أنها حرام عليهم من غيرهم، حلال لهم صدقة بعضهم على بعض.
قلت: والظاهر من هذه الأحاديث أنها محرمة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله، فرضُها ونفلُها؛ تمسُّكًا بالعمومات. ومن جهةِ المعنى: بأن الصدقة أوساخ
[942]
وَعَن عَبدِ المُطَّلِبِ بنِ رَبِيعَةَ بنِ الحَارِثِ وَالعَبَّاسُ بنُ عَبدِ المُطَّلِبِ فَقَالا: وَاللهِ لَو بَعَثنَا هَذَينِ الغُلامَينِ - قَالَ لِي وَلِلفَضلِ بنِ عَبَّاسٍ - إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَكَلَّمَاهُ، فَأَمَّرَهُمَا عَلَى هَذِهِ الصَّدَقَاتِ فَأَدَّيَا مَا يُؤَدِّي النَّاسُ وَأَصَابَا مِمَّا يُصِيبُ النَّاسُ، قَالَ: فَبَينَمَا هُمَا فِي ذَلِكَ جَاءَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ، فَوَقفَ عَلَيهِمَا. فَذَكَرَا لَهُ ذَلِكَ، فَقَالَ عَلِيُّ: لا تَفعَلا. فَوَاللهِ
ــ
الناس، وبأن اليد العليا خير من اليد السفلى، ولا يد أعلى من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم
، ولا أيدي آله. فقد أكرمهم الله، وأعلى مقاديرهم، وجعل أيديهم فوق كل يد. وسهم ذي القربى واجب إخراجه وإيصاله إليهم على كل من ولي شيئًا من أمور المسلمين إلى يوم القيامة. فلو منعوا ولم يقدروا على إيصالهم إلى حقوقهم وجب سدّ خلاتهم، والقيام بحاجاتهم على أهل القدرة من المسلمين لا على وجه الصدقة، بل على جهة القيام بالحقوق الواجبة في الأموال، ويكون حكمهم كحكم الحقوق المرتبة على بيت مال المسلمين، فلا يوصل إليها لفكاك الأسارى ونفقة اللقطاء، وسدّ خلات الضعفاء والفقراء إذا لم يوصل إلى أخذ ذلك من بيت المال.
واختلف في: مَن آل النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال مالك وأكثر أصحابه: هم بنو هاشم خاصة، ومثله عن أبي حنيفة، واستثني آل أبي لهب. وقال الشافعي: هم بنو هاشم، ويدخل فيهم بنو المطلب أخي هاشم دون سائر بني عبد مناف؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(أنا وبنو المطلب شيء واحد)(1)، ولقسم النبي صلى الله عليه وسلم لهم مع بني هاشم سهم ذي القربى دون غيرهم. ونحا إلى هذا بعض شيوخنا المالكية. وقال أصبغ: هم عشيرة النبي صلى الله عليه وسلم الأقربون الذين أُمِر بإنذارهم: آل قصي، قال: وقيل: قريش كلّها.
قلت: وفي الأم: أن زيد بن أرقم سئل عن أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم من هم؟ فقال: أهل بيته من حُرِمَ الصدقة بعده، قال: ومن هم؟ قال: هم آل عليٍّ، وآل
(1) رواه أبو داود (2980) من حديث جبير بن مطعم.
مَا هُوَ بِفَاعِلٍ، فَانتَحَاهُ رَبِيعَةُ بنُ الحَارِثِ، فَقَالَ: وَاللهِ مَا تَصنَعُ هَذَا إِلا نَفَاسَةً مِنكَ عَلَينَا، فَوَاللهِ لَقَد نِلتَ صِهرَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَمَا نَفِسنَاهُ عَلَيكَ. قَالَ عَلِيٌّ أَرسِلُوهُمَا فَانطَلَقَا. وَاضطَجَعَ عَلِيٌّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الظُّهرَ سَبَقنَاهُ إِلَى الحُجرَةِ، فَقُمنَا عِندَهَا حَتَّى جَاءَ، فَأَخَذَ بِآذَانِنَا، ثُمَّ قَالَ:(أَخرِجَا مَا تُصَرِّرَانِ) ثُمَّ دَخَلَ وَدَخَلنَا عَلَيهِ، وَهُوَ يَومَئِذٍ عِندَ زَينَبَ بِنتِ جَحشٍ، قَالَ: فَتَوَاكَلنَا الكَلامَ، ثُمَّ تَكَلَّمَ أَحَدُنَا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنتَ
ــ
عَقيل، وآل جعفر، وآل عباس، فقال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم (1).
وهذا يؤيد قول مالك. فإن هؤلاء كلُّهم بنو هاشم.
واختلف في مواليهم، فمالك والشافعي يبيحانها (2) لهم، والكوفيون وكثير من أصحاب مالك يحرمونها عليهم.
وقوله: فانتحاه ربيعة بن الحارث؛ أي: عرض له وقصده. والنحو: القصد، ومنه علم النحو.
وقوله: والله ما يفعل هذا إلا نفاسة علينا، هذه يمين وقعت من ربيعة على اعتقاده، فهي من قبيل اللغو، والنفاسة: في الخير، ومنه قوله تعالى:{وَفِي ذَلِكَ فَليَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ}
وقوله: فما نفسناه عليك؛ أي: ما تمنينا أن يكون لنا دونك.
وقوله: (أخرجا ما تَصُرَّران)؛ أي: ما تجمعانه في صدوركما، وكل شيء جمعته فقد صررته، ومنه: صرُّ الدراهم، وهو جمعها في الصرة.
(1) رواه مسلم (2408).
(2)
في الأصول: يبيحها، وما أثبتناه هو الصواب.
أَبَرُّ النَّاسِ وَأَوصَلُ النَّاسِ، وَقَد بَلَغنَا النِّكَاحَ، فَجِئنَا لِتُؤَمِّرَنَا عَلَى بَعضِ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ، فَنُؤَدِّيَ إِلَيكَ كَمَا يُؤَدِّي النَّاسُ، وَنُصِيبَ كَمَا يُصِيبُونَ. قَالَ:
ــ
وقوله: قد بلغنا النكاح؛ أي: الحلم، ومنه قوله تعالى: حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ.
وقول علي في الأم: أنا أبو حسن القَرم، والله لا أَريم مَكَاني حتى يرجعَ إليكما ابناكما بِحَور ما بَعَثتُما به؛ إنما قال: أبو حسن القرم؛ لأجل الذي كان عنده من علم ذلك، وكان رضي الله عنه يقول هذه الكلمة عند الأخذ في قضية تشكل على غيره وهو يعرفها، ولذلك جرى كلامه هذا مجرى المثل، حتى قالوا: قضية ولا أبا حسن؛ أي: هذه قضية مشكلة، وليس هناك من يبينها، كما كان يفعل أبو حسن الذي هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأتوا بأبي حسن بعد لا النافية للنكرة على إرادة التنكير. أي: ليس هناك واحد ممن يسمى أبا حسن، كما قالوا:
أرى الحاجات عند أبي خُبَيب
…
نُكِدنَ ولا أمية في البلاد
أي: لا واحدٌ ممن يُسمى أمية.
والقَرم: أصله الفحل من الإبل، ويستعار للرجل الكبير المجرّب الأمور. وهذه رواية القاضي الشهير - بالراء - والرفع على النعت لأبي حسن. وقد روي: بالواو مكان الراء بإضافة حسن إليه، وهي رواية ابن أبي جعفر، ووجهها: كأنه ق ل: أنا عالم القوم وذو رأيهم. وقد رُوي عن أبي بحر: أبو حسنٌ، بالتنوين، وبعده: القرم، بالرفع؛ أي: أنا من علمتم أيها القوم، وهذه الرواية أبعدها.
وقوله: لا أريم؛ أي: لا أزال ولا أبرح من مكاني هذا. قال زهير:
فَسَكَتَ طَوِيلاً، ثم أَرَدنَا أَن نُكَلِّمَهُ، قَالَ: وَجَعَلَت زَينَبُ تُلمِعُ إِلَينَا مِن وَرَاءِ الحِجَابِ أَن لا تُكَلِّمَاهُ قَالَ: ثُمَّ قَالَ: (إِنَّ الصَّدَقَةَ لا تَنبَغِي لآلِ مُحَمَّدٍ، إِنَّمَا هِيَ أَوسَاخُ النَّاسِ، ادعُوَا لِي مَحمِيَةَ - وَكَانَ عَلَى الخُمُسِ - وَنَوفَلَ بنَ
ــ
لِمَن طَللُ بِرَامَةَ لا يرَيم
…
عَفَا وخَلاله عُقبٌ (1) قديم؟
وبحور ما بعثتما به؛ أي: بجوابه. يقال: كلَّمتُه فما ردّ حورًا ولا حويرًا؛ أي: جوابًا.
قلت: وأصل الحور: الرجوع، ومنه قوله تعالى:{إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَن يَحُورَ} ؛ أي: أن لن يرجع. وابناكما على التثنية هو الصحيح، ووقع لبعض الشيوخ: أبناؤكما على الجمع، وهو وهم، فإنه قد نصّ على أنهما اثنان.
وقوله: فتواكلنا الكلام؛ أي: وكل بعضهم إلى بعض الكلام، فكأنهما توقفا قليلاً إلى أن بدر أحدهما فتكلم.
وقوله: فجعلت زينب تُلمع من وراء الحجاب؛ أي: تشير، يقال: ألمع بثوبه وبيده، وأومأ برأسه، وأومض بعينه.
وقوله: (إنما هي أوساخ الناس)، إنما كانت الصدقة كذلك؛ لأنها تطهرهم من البخل، وأموالهم من إثم الكنز، فصارت كماء (2) الغسالة التي تعاب.
ومساق الحديث والتعليل يقتضي أنها لا تحل لأحد من آل النبي صلى الله عليه وسلم على ما قدمناه، وإن كانوا عاملين عليها، وهو رأي الجمهور وقد ذهب إلى جوازها لهم إذا كانوا عاملين عليها (3)؛ أبو يوسف والطحاوي، والحديث ردّ عليهم.
ومحمية مخففة الياء على وزن مَفعِلة، من حميت المكان، أحميه. وهو ابن جَزء، بهمزة بعد
(1) في (ع) و (ط): حقب.
(2)
زيادة من (ع). وفي (ظ): كأنها.
(3)
ساقط من (ع).