الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَتَغَيَّرَ وَجهُهُ حَتَّى كَانَ كَالصِّرفِ قَالَ: (فَمَن يَعدِلُ إِن لَم يَعدِلِ اللهُ وَرَسُولُهُ؟ ثُمَّ قَالَ: (يَرحَمُ اللهُ مُوسَى قَد أُوذِيَ بِأَكثَرَ مِن هَذَا فَصَبَرَ).
رواه أحمد (1/ 411)، والبخاري (6336)، ومسلم (1062).
* * *
(27) باب يَجِبُ الرضا بما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما أعطى ويكفر من نَسبَ إليه جَورًا وذكر الخوارج
[929]
عَن جَابِرِ بنِ عَبدِ اللهِ قَالَ: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالجِعرَانَةِ مُنصَرَفَهُ مِن حُنَينٍ. وَفِي ثَوبِ بِلالٍ فِضَّةٌ، وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقبِضُ مِنهَا يُعطِي النَّاسَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ اعدِل. فَقَالَ: (وَيلَكَ فمن يَعدِلُ إِذَا لَم أَكُن أَعدِلُ؟ لَقَد خِبتَ وَخَسِرتَ إِن لَم أَكُن أَعدِلُ)، فَقَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ:
ــ
وقوله: فتغير وجهه حتى صار كالصِّرف - هو بكسر الصاد، وهو صبغ أحمر تصبغ به الجلود، وقد يسمى الدم: صرفًا، قاله ابن دريد.
(27)
ومن باب: يجب الرضا بما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما حكم
الجِعرَّانَة: موضع خارج مكة، وهو ميقات من مواقيت العمرة، يقال: بكسر العين وتشديد الراء، وبسكون العين وتخفيف الراء.
ومُنصَرَفه - بفتح الراء -: وقت انصرافه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (لقد خبت وخسرت)؛ رويته بضم التاء وفتحها. فأما الضم:
دَعنِي يَا رَسُولَ اللهِ فَأَقتُلَ هَذَا المُنَافِقَ. فَقَالَ: (مَعَاذَ اللهِ أَن يَتَحَدَّثَ النَّاسُ أَنِّي أَقتُلُ أَصحَابِي، إِنَّ هَذَا وَأَصحَابَهُ يَقرَءُونَ القُرآنَ لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُم، يَمرُقُونَ مِنهُ كَمَا يَمرُقُ السَّهمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ).
رواه أحمد (3/ 353 - 354)، والبخاري (3138) مختصرًا، ومسلم (1063)، وابن ماجه (172).
ــ
فمعناه واضح. وأما الفتح: فعلى معنى: إني إن جرت، فيلزم أن تجور أنت من جهة أنك مأمور باتباعي، فتخسر باتباع الجائر، هذا معنى ما قاله الأئمة.
قلت: ويظهر لي وجه آخر، وهو: أنه كأنه قال له: لو كنتُ جائرًا لكنت أنت أحق الناس بأن يجار عليك، وتلحقك بادرة الجور الذي صدر عنك، فتعاقب عقوبة معجلة في نفسك ومالك، وتخسر كلَّ ذلك بسببها، لكن العدل هو الذي منع من ذلك. وتلخيصه: لولا امتثال أمر الله تعالى في الرفق بك؛ لأدركك الهلاك والخسار.
ويمرقون: يخرجون، كما قد فسّره في الحديث الآخر، وبهذا اللفظ سُمُّوا: المارقة والخوارج؛ لأنهم مرقوا من الدين، وخرجوا على خيار المسلمين. والخوارج: جمع خارجة؛ يعني به: الطائفة والجماعة.
والرَّمِيَّة: المرمية، فعيلة؛ بمعنى مفعولة.
والحناجر: الحلوق، جمع حنجرة، وهي الحلاقيم أيضًا.
والضِّئضئ - بضادين معجمتين -، وهو: الأصل، وله أسماء كثيرة: النَّجَار، والنَحاز، والسِّنخ، والعنصر، والعيص، وغير ذلك مما ذكره اللغويون.
ومعنى: (لا يجاوز حناجرهم): لا يفهمونه، ولا يعملون بمعناه.
(ونصل السهم): حديدته، و (رصافه): مدخل السهم في النصل. و (نضيه): قدحه، وهو عوده. و (قذذه): ريشه، جمع قُذَّة. و (فُوقه): هو الحَزّ الذي يدخل فيه الوتر.
[930]
وعَن أَبِي سَلَمَةَ وَعَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، أَنَّهُمَا أَتَيَا أَبَا سَعِيدٍ الخُدرِيَّ فَسَأَلاهُ عَنِ الحَرُورِيَّةِ: هَل سَمِعتَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَذكُرُهَا؟ فقَالَ: لا أَدرِي مَنِ الحَرُورِيَّةُ، وَلَكِنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (يَخرُجُ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ - وَلَم يَقُل: مِنهَا - قَومٌ تَحقِرُونَ صَلاتَكُم مَعَ صَلاتِهِم، وصِيَامِكُم مَعَ صِيَامِهِم، فَيَقرَءُونَ القُرآنَ لا يُجَاوِزُ حُلُوقَهُم أَو حَنَاجِرَهُم، يَمرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمرُقُ السَّهمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَيَنظُرُ الرَّامِي إِلَى سَهمِهِ إِلَى نَصلِهِ إِلَى رِصَافِهِ، فَيَتَمَارَى فِي الفُوقَةِ. هَل عَلِقَ بِهَا مِنَ الدَّمِ شَيءٌ.
رواه أحمد (3/ 60)، والبخاري (5058)، ومسلم (1064/ 147)، وابن ماجه (169).
ــ
و(العقبة)، التي تجمع الفوق هي: الأُطرَة.
قال ابن قتيبة: الرُّعظُ: مدخل النصل في السهم. والرصاف: العقب الذي فوق الرُّعظ. قال الهروي: والرَّصَفَةُ: عقبة تلوى على مدخل النصل والسهم.
قلت: ومقصود هذا التمثيل: أن هذه الطائفة خرجت من دين الإسلام، ولم يتعلَّق بها منه شيء، كما خرج هذا السهم من هذه الرمية، الذي لشدَّة النزع، وسرعة السهم، سبق خروجُه خروج الدم، بحيث لا يتعلق به شيء ظاهر، كما قال: سبق الفرث والدم (1).
وبظاهر هذا التشبيه تمسّك من حكم بتكفيرهم من أئمتنا، وقد توقف في تكفيرهم كثير من العلماء لقوله صلى الله عليه وسلم:(فيتمارى في الفوق)، وهذا يقضي بأنه يشك في أمرهم فيتوقف فيهم، وكأن القول الأول أظهر من الحديث.
فعلى القول بتكفيرهم يُقاتَلون ويُقتلون، وتُسبى أموالُهم، وهو قول طائفة من أهل الحديث في أموال الخوارج. وعلى قول من لا يكفرهم: لا يُجهز على جريحهم، ولا يتبع منهزمهم، ولا يُقتل أسراهم،
(1) أي: سبق السهم الفرث والدم، فتجاوزهما ولم يعلق به منهما شيءٌ. والفرث: اسمٌ لما في الكرش.
[931]
وَعَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيَّ قَالَ: بَعَثَ عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم من اليَمَنِ بِذَهَبَةٍ فِي أَدِيمٍ مَقرُوظٍ، لَم تُحَصَّل مِن تُرَابِهَا قَالَ: فَقَسَمَهَا بَينَ أَربَعَةِ نَفَرٍ: بَينَ عُيَينَةَ بنِ بدر، وَالأَقرَعِ بنِ حَابِسٍ، وَزَيدِ الخَيلِ، وَالرَّابِعُ إِمَّا عَلقَمَةُ بنُ عُلاثَةَ، وَإِمَّا عَامِرُ بنُ الطُّفَيلِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِن أَصحَابِهِ: كُنَّا نَحنُ أَحَقَّ بِهَذَا مِن هَؤُلاءِ، قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (أَلا تَأمَنُونِي؟ وَأَنَا أَمِينُ مَن فِي السَّمَاءِ يَأتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ مَسَاءً
ــ
ولا تستباح أموالهم. وكل هذا إذا خالفوا المسلمين، وشقّوا عصاهم، ونصبوا راية الحرب.
فأما من استتر ببدعته منهم، ولم ينصب راية الحرب، ولم يخرج عن الجماعة: فهل يُقتل بعد الاستتابة، أو لا يقتل؟ وإنما يجتهد في ردّ بدعته، وردّه عنها. اختُلف في ذلك، وسبب الخلاف في تكفير من هذه حاله: أن باب التكفير باب خطير، أقدم عليه كثير من الناس فسقطوا، وتوقف فيه الفحول فسلموا، ولا نعدل بالسلامة شيئًا.
والحرورية: الخوارج. سُمّوا بذلك؛ لأنهم خرجوا من حروراء، وهي حرّة معروفة بالعراق.
وقوله: (بَذَهَبة في أديم مقروظ)؛ الذهبة: تأنيث الذهب. وكأنه ذهب به إلى معنى القطعة، أو الجملة. والأديم: الجلد. والمقرظ: المدبوغ بالقَرَظ، وهو شجر يدبغ به.
وقوله: والرابع إما علقمة، وإما عامر، هذا شكّ، وهو وهَمٌ. وذكر عامر هنا خطأ، فإن عامرًا هلك قبل ذلك بسنين، ولم يدرك هذا الحين. والصواب: علقمة بن علاثة، كما جاء في الحديث الآخر من غير شك.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (أنا أمينُ من في السماء)؛ لا حجة فيه لمن يرى: أن الله مختص بجهة فوق؛ لما تقدم من استحالة الجسمية، وأيضًا: فيحتمل أن يراد بمن
وَصَبَاحًا قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ العَينَينِ، مُشرِفُ الوَجنَتَينِ، نَاشِزُ الجَبهَةِ، كَثُّ اللِّحيَةِ، مَحلُوقُ الرَّأسِ، مُشَمَّرُ الإِزَارِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! اتَّقِ اللهَ. فَقَالَ: (وَيلَكَ أَوَلَستُ أَحَقَّ أَهلِ الأَرضِ أَن يَتَّقِيَ اللهَ؟ قَالَ: ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ. فَقَالَ خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلا أَضرِبُ عُنُقَهُ؟ فَقَالَ: (لا. لَعَلَّهُ أَن يَكُونَ يُصَلِّي قَالَ خَالِدٌ: وَكَم مِن مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ مَا لَيسَ فِي قَلبِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (إِنِّي لَم أُؤمَر أَن أَنقُبَ عَن قُلُوبِ النَّاسِ، وَلا أَشُقَّ بُطُونَهُم) قَالَ: ثُمَّ نَظَرَ إِلَيهِ وَهُوَ مُقفٍّ فَقَالَ: (إِنَّهُ يَخرُجُ مِن ضِئضِئِ هَذَا قَومٌ يَتلُونَ كِتَابَ اللهِ رَطبًا لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُم يَمرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمرُقُ السَّهمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، قَالَ: أَظُنُّهُ قَالَ: (لَئِن أَدرَكتُهُم لأَقتُلَنَّهُم قَتلَ ثَمُودَ).
وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (فَمَن يُطِيع اللهَ إِن عَصَيتُهُ؟ ! أَيَأمَنُنِي الله عَلَى أَهلِ الأَرضِ وَلا تَأمَنُونِي؟ وَفِيهَا: (إِنَّ مِن ضِئضِئِ هَذَا قَومًا
ــ
في السماء): الملائكة، فإنه أمين عندهم، معروف بالأمانة. والسماء بمعنى العلو والرفعة المعنوية. وهكذا القول في قوله تعالى:{أَأَمِنتُم مَن فِي السَّمَاءِ} وقد تقدّم أن التسليم في المشكلات أسلم.
و(مشرف الوجنتين): مرتفعهما. و (كث اللحية): كثيفها، قصير شعرها، يقال: رجلٌ كث اللحية، بَيِّنُ الكثاثة والكثوثة، وأَكَثّ. و (ناشز الجبهة): باديها ومرتفعها. و (مُقف): مولٍ قفاه.
وفي هذا الحديث: أن خالدًا قال: يا رسول الله! ألا أضرب عنقه. وفي حديث جابر: أن عمر بن الخطاب قال: دعني يا رسول الله، فأقتل هذا المنافق. لا إشكال فيه؛ إذ الجمع ممكن، بأن يكون كل واحد منهما قال ذلك. وأجيب كل واحد منهما بغير ما أجيب به الآخر، والله أعلم.
يَقرَءُونَ القُرآنَ لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُم، يَقتُلُونَ أَهلَ الإِسلامِ وَيَدَعُونَ أَهلَ الأَوثَانِ، يَمرُقُونَ مِنَ الإِسلامِ كَمَا يَمرُقُ السَّهمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، لَئِن أَدرَكتُهُم لأَقتُلَنَّهُم قَتلَ عَادٍ).
رواه أحمد (3/ 4)، والبخاري (4351)، ومسلم (1064)(144)، وأبو داود (4764)، والنسائي (5/ 87 - 88).
[932]
وَعَنهُ قَالَ: بَينَا نَحنُ عِندَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقسِمُ قَسمًا، أَتَاهُ ذُو الخُوَيصِرَةِ وَهُوَ رَجُلٌ مِن بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ! اعدِل.
ــ
وقوله: (لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد)، وفي الأخرى:(قتل ثمود)، ووجه الجمع: أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قال كليهما، فذكر أحد الرواة أحدهما، وذكر الآخرُ الآخرَ. ومعنى هذا: أنه صلى الله عليه وسلم كان يقتلهم قتلاً عامًا؛ بحيث لا يبقي منهم أحدًا في وقت واحد، لا يؤخر قتل بعضهم عن بعض، ولا يقيل أحدًا منهم، كما فعل الله بعاد؛ حيث أهلكهم بالريح العقيم، وبثمود حيث أهلكهم بالصيحة.
وقوله: (لعله أن يكون يصلي)؛ هو مردود للمعنى الذي قدّمناه؛ من أنه إنما امتنع من قتله؛ لئلا يُتَحدَّث: أنه يقتل أصحابه المصلّين، فيكون ذلك مُنَفِّرًا، وإلا فقد صدر عنه ما يوجب قتله لولا المانع.
وقوله: (لم أومر أن أنقب على (1) قلوب الناس)؛ أي: إنما أُمرت أن آخذ بظواهر أمورهم، وأكل بواطنهم إلى الله تعالى. وهذا كما قال:(أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله).
(1) في (ظ): عن.
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (وَيلَكَ وَمَن يَعدِلُ إِن لَم أَعدِل؟ قَد خِبتُ وَخَسِرتُ إِن لَم أَعدِل)، فَقَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ: يَا رَسُولَ اللهِ! ائذَن لِي فِيهِ أَضرِب عُنُقَهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (دَعهُ فَإِنَّ لَهُ أَصحَابًا يَحقِرُ أَحَدُكُم صَلاتَهُ مَعَ صَلاتِهِم،
ــ
وقوله: (يتلون كتاب الله رطبًا)؛ فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه الحذق بالتلاوة، والمعنى: أنهم يأتون به على أحسن أحواله.
والثاني: يواظبون على تلاوته، فلا تزال ألسنتهم رطبة به.
والثالث: أن يكون من حسن الصوت بالقراءة.
وقوله: (يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان)؛ هذا منه صلى الله عليه وسلم إخبار عن أمر غيب وقع على نحو ما أخبر عنه، فكان دليلاً من أدلة نبوّته صلى الله عليه وسلم، وذلك: أنهم لما حكموا بكفر مَن خرجوا عليه من المسلمين، استباحوا دماءهم، وتركوا أهل الذمة، وقالوا: نَفِي لهم بذمتهم، وعدلوا عن قتال المشركين، واشتغلوا (1) بقتال المسلمين عن قتال المشركين.
وهذا كله من آثار عبادات الجهّال، الذين لم يشرح الله صدورهم (2) بنور العلم، ولم يتمسكوا بحبل وثيق، ولا صحبهم في حالهم ذلك توفيق. وكفى بذلك: أنّ مُقَدَّمهم ردّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم أَمرَه، ونسبه إلى الجور، ولو تبصّر لأبصر عن قرب أنه لا يتصوّر الظلم والجوّر في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما لا يتصوّر في حق الله تعالى؛ إذ الموجودات كلها ملك لله تعالى، ولا يستحق أحد عليه حقًّا، فلا يُتصوّر في حقه شيء من ذلك.
والرسول صلى الله عليه وسلم مبلغ حكم الله تعالى، فلا يُتصوّر في حقه من ذلك ما لا يتصور في حق مرسله. ويكفيك من جهلهم وغلوّهم في بدعتهم حكمهم بتكفير من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بصحَّة إيمانه، وبأنه من أهل الجنة، كعليّ وغيره [من صحابة
(1) في (ظ) و (هـ): واستقلوا.
(2)
في (ظ) و (هـ): لم تنشرح صدورهم.
وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِم، يَقرَءُونَ القُرآنَ لا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُم، يَمرُقُونَ مِنَ الإِسلامِ كَمَا يَمرُقُ السَّهمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يُنظَرُ إِلَى نَصلِهِ فَلا يُوجَدُ فِيهِ شَيءٌ، ثُمَّ يُنظَرُ إِلَى رِصَافِهِ فَلا يُوجَدُ فِيهِ شَيءٌ، ثُمَّ يُنظَرُ إِلَى نَضِيِّهِ فَلا يُوجَدُ فِيهِ شَيءٌ وَهُوَ القِدحُ، ثُمَّ يُنظَرُ إِلَى قُذَذِهِ فَلا يُوجَدُ فِيهِ شَيءٌ، سَبَقَ الفَرثَ وَالدَّمَ، آيَتُهُم رَجُلٌ أَسوَدُ إِحدَى عَضُدَيهِ مِثلُ ثَديِ المَرأَةِ أَو مِثلُ البَضعَةِ تَدَردَر، . . . . . . . .
ــ
رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع ما وقع في الشريعة، وعلم على القطع والثبات من شهادات الله ورسوله لهم، وثنائه على عليّ والصحابة عمومًا وخصوصًا] (1).
وقوله في صفة المخدّج: (إحدى عضديه مثل ثدي المرأة، ومثل البضعة تدردر)، وفي رواية:(طبي شاة، أو ضرع شاة). والضرع: للشاة والبقرة. والخلف: للناقة. قال أبو عبيد: الأخلاف لذوات الخفّ، ولذوات الظلف، والثدي: للمرأة. والثندوة للرجل. وتدردر؛ أي: تتحرك وتضطرب. قال ابن قتيبة: تذهب وتجيء. وصيغة تَفَعلَل تنبئ على التحرك والاضطراب، مثل: تقلقل، وتزلزل، وتَدَهدَهَ الحجر.
وفي الأم: قال عليّ - وذكر الخوارج -: فيهم رجل مخدج اليد، أو مودن اليد، أو مثدن اليد، على لفظ الشك لجميع الرواة، وقال بعضهم: مثدون. وكذا هو عند العذري، والطبري، والباجي. فأما: مخدج اليد: فناقصها. ومثدن اليد ومثدونها: صغيرها ومجتمعها، بمنزلة ثندوة الرجل. وكان أصله مثند، فقدمت الدال على النون، كما قالوا: جبذ وجذب.
وقيل معناه: كثير اللحم. قال ابن دريد: ثدن الرجل ثدنًا، إذا كثر لحمه وثقل. وعلى هذا فلا يكون في الحرف قلب. فأما مودن، فقال أبو مروان بن سراج: يهمز ولا يهمز. قال ابن دريد: رجل
(1) ما بين حاصرتين ساقط من (هـ).
يَخرُجُونَ عَلَى خَيرِ فُرقَةٍ مِنَ النَّاسِ). قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَشهَدُ أَنِّي سَمِعتُ هَذَا مِن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَشهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَاتَلَهُم وَأَنَا مَعَهُ، فَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ فَالتُمِسَ فَوُجِدَ، فَأُتِيَ بِهِ حَتَّى نَظَرتُ إِلَيهِ عَلَى نَعتِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي نَعَتَ.
رواه البخاري (6163)، ومسلم (1064)(148).
[933]
وَعَنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (تَمرُقُ مَارِقَةٌ عِندَ فُرقَةٍ مِنَ المُسلِمِينَ يَقتُلُهَا أَولَى الطَّائِفَتَينِ بِالحَقِّ).
وَفِي لَفظٍ آخَر: تَكُونُ أُمَّتِي فِرقتَينِ فَيَخرُجُ مِن بَينِهِمَا مَارِقَةٌ يَلِي قَتلَهُم أَولاهُم بِالحَقِّ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَأَنتُم قَتَلتُمُوهُم يَا أَهلَ العِرَاقِ.
رواه أحمد (3/ 32 و 97)، ومسلم (1065)، وأبو داود (4667).
ــ
مودن، ناقص الخَلق. وودن ومودن، وكله بالدال المهملة.
والذي يجمع شتات هذه الأحاديث في صفة يد هذا المخدج، ويبين صفتها ما جاء في حديث زيد بن وهب الذي قال فيه:(وآية ذلك أن فيهم رجلاً له عضد، ليس له ذراع، على رأس عضده مثل حلمة الثدي، عليه شعرات بيض)، وهذه الرواية: هي أحسن الروايات وأكملها وأبينها.
وقوله: (يخرجون على خير فرقة)؛ كذا لأكثر الرواة، وعند السمرقندي وابن ماهان:(على حين فرقة) - بالنون والحاء - وكلاهما صحيح. فإنهم خرجوا حين افترق الناس فرقتين، فكانت فرقة مع معاوية ترى رأيه، وتقاتل معه، وفرقة مع عليّ رضي الله عنه ترى رأيه، وتقاتل معه. وخرجت هذه الطائفة على عليّ ومعه معظم الصحابة رضي الله عنهم. ولا خلاف أنه الإمام العدل، وأنه أفضل من معاوية ومن كل من كان معه، فقد صدق على فرقة علي رضي الله عنه أنهم
[934]
وَعَن عَلِيٍّ قَالَ: إِذَا حَدَّثتُكُم عَن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلأَن أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِن أَن أَقُولَ عَلَيهِ مَا لَم يَقُل، وَإِذَا حَدَّثتُكُم فِيمَا بَينِي وَبَينَكُم فَإِنَّ الحَربَ خَدعَةٌ، سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:(سَيَخرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَومٌ أَحدَاثُ الأَسنَانِ سُفَهَاءُ الأَحلامِ يَقُولُونَ مِن خَيرِ قَولِ البَرِيَّةِ، يَقرَءُونَ القُرآنَ لا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُم، يَمرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمرُقُ السَّهمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُم فَاقتُلُوهُم، فَإِنَّ فِي قَتلِهِم أَجرًا لِمَن قَتَلَهُم عِندَ اللهِ يَومَ القِيَامَةِ).
ــ
خير [الفرق]، وقد قال صلى الله عليه وسلم:(تقتلهم أَولى الطائفتين بالحق)(1)، ولا خلاف في أن عليًّا قتلهم، ففرقته خير فرقة. وهذا اللفظ يدل على أن ما وقع بين علي وبين معاوية فيه لله تعالى حكمٌ معين، وأن عليًّا رضي الله عنه هو الذي أصابه، والله أعلم.
وقوله: (سبق الفرث والدم)، الفرث: ما يخرج من الكرش. وهذا لسرعة السهم وشدة النزع. وظاهره: أنه لم يصبه شيء، إلا أنه مقيَّد بالحديث الآخر الذي قال فيه:(يتمارى في الفوق).
وقوله: الحرب خَدعة؛ اللغة الفصيحة في خَدعة فتح الخاء وسكون الدال، وهو الذي حكاه ابن السكيت وأبو عبيد، وهي لغة النبي صلى الله عليه وسلم، وحكى فيها بعض اللغويين ضم الخاء وسكون الدال، وحكي فيها لغة ثالثة، وهي أقلها: - بضم الخاء، وفتح الدال -، فخدعة - بالفتح -؛ أي: ذات خداع، فإنها مصدر محدود بالهاء. فأما خَدعة وخُدعة، فنحو: ضَحكة وضُحكة، كما تقدم.
وقوله: (يقولون من خير قول البرية)، قال بعض العلماء: يعني بذلك ما صدر عنهم من قولهم: لا حكم إلا لله، وذلك حين التحكيم، ولما سمعهم علي
(1) تقدّم في التلخيص (1233).
رواه أحمد (1/ 131)، والبخاري (6930)، ومسلم (1066)، وأبو داود (4767)، والنسائي (7/ 119).
[935]
وَعَن زَيدِ بنِ وَهبٍ الجُهَنِيِّ أَنَّهُ كَانَ فِي الجَيشِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ عَلِيٍّ، الَّذِينَ سَارُوا إِلَى الخَوَارِجِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (يَخرُجُ قَومٌ مِن أُمَّتِي يَقرَءُونَ القُرآنَ لَيسَ قِرَاءَتُكُم إِلَى قِرَاءَتِهِم بِشَيءٍ، وَلا صَلاتُكُم إِلَى صَلاتِهِم بِشَيءٍ وَلا صِيَامُكُم إِلَى صِيَامِهِم بِشَيءٍ يَقرَءُونَ القُرآنَ يَحسِبُونَ أَنَّهُ لَهُم وَهُوَ عَلَيهِم لا تُجَاوِزُ صَلاتُهُم تَرَاقِيَهُم، يَمرُقُونَ مِنَ الإِسلامِ كَمَا يَمرُقُ السَّهمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ لَو يَعلَمُ الجَيشُ الَّذِينَ يُصِيبُونَهُم مَا قُضِيَ لَهُم عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِم لاتَّكَلُوا عَلى العَمَلِ وَآيَةُ ذَلِكَ أَنَّ فِيهِم رَجُلاً لَهُ عَضُدٌ وَلَيسَ لَهُ ذِرَاعٌ، عَلَى رَأسِ عَضُدِهِ مِثلُ حَلَمَةِ الثَّديِ، عَلَيهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ، فَتَذهَبُونَ إِلَى مُعَاوِيَةَ وَأَهلِ الشَّامِ، وَتَترُكُونَ هَؤُلاءِ يَخلُفُونَكُم فِي ذَرَارِيِّكُم وَأَموَالِكُم، وَاللهِ إِنِّي لأَرجُو أَن يَكُونُوا هَؤُلاءِ القَومَ، فَإِنَّهُم قَد سَفَكُوا الدَّمَ الحَرَامَ وَأَغَارُوا فِي سَرحِ النَّاسِ، فَسِيرُوا عَلَى اسمِ اللهِ.
ــ
رضي الله عنه قال: كلمةُ حقٍّ أريد بها باطل.
وقوله: (لا تجاوز صلاتُهم تراقيَهم)؛ هو كناية عن أنها لا تقبل، ولا ينتفعون بها، أو يعني بذلك: أن دعاءهم لا يسمع، والله أعلم.
وقوله: (لو يعلم الجيش الذين يصيبونهم ما قضي لهم على لسان نبيهم لاتَّكلوا على العمل)، قضي معناه: حكم به، وأخبر عن ثوابه، والعمل: يعني به: قتلهم، والألف واللام في العمل للعهد، فكأنه قال: لاتَّكلوا على ثواب ذلك العمل، واعتَمدوا عليه في النجاة من النار، والفوز بالجنة، وإن كانت الأعمال
قَالَ سَلَمَةُ بنُ كُهَيلٍ: فَنَزَّلَنِي زَيدُ بنُ وَهبٍ مَنزِلاً. حَتَّى قَالَ: مَرَرنَا عَلَى قَنطَرَةٍ، فَلَمَّا التَقَينَا وَعَلَى الخَوَارِجِ يَومَئِذٍ عَبدُ اللهِ بنُ وَهبٍ الرَّاسِبِيُّ فَقَالَ لَهُم: أَلقُوا الرِّمَاحَ وَسُلُّوا سُيُوفَكُم مِن جُفُونِهَا، فَإِنِّي أَخَافُ أَن
ــ
لا تُحصّل ذلك، كما قال صلى الله عليه وسلم:(لن ينجي أحدًا منكم عمله)(1)، لكن ذلك العمل الذي هو قتلهم عظيم، وثوابه جسيم، بحيث لو اطلع عليه صاحبه؛ لاعتمد عليه، وظن أنه هو الذي ينجيه.
والرواية في ذلك اللفظ: لاتَّكلوا بلام ألف، وبالتاء باثنتين، من التوكُّل، وقد صحّفه بعضهم فقال: لنكلوا بالنون من النكول عن العمل. أي: لا يعملون شيئًا؛ اكتفاء بما حصل لهم من ثواب ذلك. وهذا معنى واضح لو ساعدته الرواية.
والعضد: ما بين المنكب والمرفق. وحلمة الثدي: الأنبوبة التي يخرج منها اللبن، وتسمى السعدانة. وسرح الناس: مواشيهم.
وقول سلمة: فنزلني زيد منزلاً؛ أي: أخبرني بالمواضع التي نزلها علي مع جيشه منزلا منزلاً واحدًا واحدًا، وصوابه: منزلاً منزلاً مرتين؛ لأن معناه: أخبرني بالمنازل مفصَّلة، فهو منصوب على الحال، كما تقول العرب: علّمته الحساب بابًا بابًا. ولا يكتفى في هذا النوع بذكر مرة واحدة؛ لأنه لا يفيد ذلك المعنى، غير أنه وقع هنا منزلاً مرة واحدة، لجميع رواة مسلم فيما أعلم.
وقد جاء من كتاب النسائي: منزلاً منزلاً، وهو الصحيح.
وقول زعيم الخوارج: ألقُوا الرماح، وسُلُّوا السيوف؛ كان في هذا الرأي فتح للمسلمين، وصيانة لدمائهم، وتمكين من الخوارج؛ بحيث تُمُكّنَ منهم بالرماح، فَطُعِنُوا ولم يكن لهم بما يطعنون أحدًا، فَقُتِلوا عن بكرة أبيهم، ولم يقتل من المسلمين سوى رجلين، فنعوذ بالله من تدبير يقود إلى تدمير.
(1) رواه مسلم (2817) من حديث جابر رضي الله عنه.
يُنَاشِدُوكُم كَمَا نَاشَدُوكُم يَومَ حَرُورَاءَ، فَرَجَعُوا فَوَحَّشُوا بِرِمَاحِهِم، وَسَلُّوا السُّيُوفَ، وَشَجَرَهُمُ النَّاسُ بِرِمَاحِهِم. قَالَ: وَقُتِلَ بَعضُهُم عَلَى بَعضٍ، وَمَا أُصِيبَ مِنَ النَّاسِ يَومَئِذٍ إِلا رَجُلانِ. فَقَالَ عَلِيٌّ: التَمِسُوا فِيهِمُ المُخدَجَ. فَالتَمَسُوهُ، فَلَم يَجِدُوهُ، فَقَامَ عَلِيٌّ بِنَفسِهِ حَتَّى أَتَى نَاسًا قَد قُتِلَ بَعضُهُم عَلَى بَعضٍ. قَالَ: أَخِّرُوهُم فَوَجَدُوهُ مِمَّا يَلِي الأَرضَ، فَكَبَّرَ، ثُمَّ قَالَ: صَدَقَ اللهُ وَبَلَّغَ رَسُولُهُ. قَالَ: فَقَامَ إِلَيهِ عَبِيدَةُ السَّلمَانِيُّ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ، الله الَّذِي لا إِلهَ إِلا هُوَ لَسَمِعتَ هَذَا الحديث مِن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: إِي وَاللهِ الَّذِي لا إِلهَ إِلا هُوَ، حَتَّى استَحلَفَهُ ثَلاثًا، وَهُوَ يَحلِفُ لَهُ.
رواه مسلم (1066)، وأبو داود (4768 - 4770).
ــ
وقوله: فوحَّشوا برماحهم؛ أي: صيروها كالوحش بعيدة منهم، وقد جاء في حديث آخر: فوحّشوا بأسنَّتِهم (1)، واعتنق بعضهم بعضًا. وهو مُشَدَّد الحاء، يقال: وحّش الرجل، إذا رمى بثوبه وبسلاحه مخافة أن يلحق، قال الشاعر (2):
فإن أنتم لم تطلبوا بأخيكم
…
فذروا السلاح، ووحِّشوا بالأبرق
وقوله: وشجرهم الناس برماحهم؛ أي: داخلوهم وطاعنوهم. قال ابن دريد: تشاجر القوم بالرماح، إذا تطاعنوا بها، ومنه: التشاجر في الخصومة.
وعبيدة السلماني - بفتح العين وكسر بائه -، والسلماني - بفتح اللام وسكونها معًا، وبالسكون وحده -؛ ذكره الجبّائي قال: هو منسوب إلى سلمان.
وقوله: آلله الذي لا إله إلا هو؛ بمد وهمزة، فالهمزة عوض من باء
(1) تقدم الحديث في التلخيص برقم (935) بلفظ: "فوحَّشُوا برماحهم".
(2)
هي أم عمرو بنت وقدان.
[936]
وَعَن عُبَيدِ اللهِ بنِ أَبِي رَافِعٍ مَولَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الحَرُورِيَّةَ لَمَّا خَرَجَت وَهُوَ مَعَ عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ قَالُوا: لا حُكمَ إِلا لِلَّهِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ، إِنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَصَفَ نَاسًا إِنِّي لأَعرِفُ صِفَتَهُم فِي هَؤُلاءِ، يَقُولُونَ الحَقَّ بِأَلسِنَتِهِم لا يَجُوزُ هَذَا مِنهُم - وَأَشَارَ إِلَى حَلقِهِ - مِن أَبغَضِ خَلقِ اللهِ إِلَيهِ مِنهُم أَسوَدُ، إِحدَى يَدَيهِ طُبيُ شَاةٍ أَو حَلَمَةُ ثَديٍ، فَلَمَّا قَتَلَهُم عَلِيُّ بنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: انظُرُوا، فَنَظَرُوا فَلَم يَجِدُوا شَيئًا. فَقَالَ: ارجِعُوا. فَوَاللهِ مَا كَذَبتُ وَلا كُذِبتُ مَرَّتَينِ أَو ثَلاثًا. ثُمَّ وَجَدُوهُ فِي خَرِبَةٍ. فَأَتَوا بِهِ حَتَّى وَضَعُوهُ بَينَ يَدَيهِ. قَالَ عُبَيدُ اللهِ: وَأَنَا حَاضِرُ ذَلِكَ مِن أَمرِهِم وَقَولِ عَلِيٍّ فِيهِم.
رواه أحمد (1/ 83 و 84)، ومسلم (1066)(157).
[937]
وَمِن حديث عَبدِ اللهِ بنِ الصَّامِتِ: يَخرُجُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَخرُجُ السَّهمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لا يَعُودُونَ فِيهِ، هُم شَرُّ الخَلقِ وَالخَلِيقَةِ).
رواه أحمد (5/ 31)، ومسلم (1067)(158)، وابن ماجه (170).
[938]
وَمِن حديث سَهلَ بنَ حُنَيفٍ، عَنِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (يَتِيهُ قَومٌ قِبَلَ المَشرِقِ،
ــ
القسم، وهو قسم أُقسم عليه به؛ لتزيد طمأنينة قلبه، لا ليدفع شكًّا عن نفسه.
وقوله: (يتيه قوم قِبَل المشرق)؛ أي: يتحيّرون ويذهبون في غير وجه صحيح، يقال: تاه الرجل: إذا ذهب في الأرض غير مهتدٍ. ومنه تيه بني إسرائيل. وقيل: المشرق يدل على صحة تأويل من تأول: قرن الشيطان بأنهم الخوارج، والفتن التي طلعت من هناك، والله تعالى أعلم.
مُحَلَّقَةٌ رُءُوسُهُم، يَقرَءُونَ القُرآن) نَحوَ مَا تَقَدَم.
رواه مسلم (1068)(159).
* * *
ــ
وقوله: (مُحَلّقة رءوسهم)، وفي حديث آخر:(سيماهم التحليق)؛ أي: جعلوا ذلك علامةً لهم على رفضهم زينة الدّنيا، وشعارًا ليعرفوا به، كما يفعل البعض من رهبان النصارى، يفحصون عن أوساط رءوسهم. وقد جاء في وصفهم مرفوعًا:(سيماهم التسبيد)(1)؛ أي: الحلق، يقال: سَبَّدَ رأسه، إذا حلقه.
وهذا كلُّه منهم جهل بما يُزهد فيه، وما لا يُزهد فيه، وابتداع منهم في دين الله تعالى شيئًا كان النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون وأتباعهم على خلافه. فلم يُرو عن واحد منهم: أنهم اتسموا بذلك، ولا حلقوا رءوسهم، في غير إحلال ولا حاجة.
وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم شعر، فتارة فرقه، وتارة صيَّره جمَّة، وأخرى لِمَّة.
وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من كانت له شعرة أو جمة فليكرمها)(2)، وقد كره مالك الحلاق في غير إحرام، ولا حاجة ضرورية.
* * *
(1) رواه أحمد (3/ 64)، وأبو داود (4766).
(2)
رواه أبو داود (4163) بلفظ: "من كان له شعر فليُكرِمْهُ".