الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[1187]
وعن عَبدِ اللَّهِ بنِ أَبِي أَوفَى صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وسئل: أَدَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم البَيتَ فِي عُمرَتِهِ قَالَ: لَا.
رواه البخاري (1791)، ومسلم (1332)، وأبو داود (1902 و 1903).
* * *
(48) باب في نَقضِ الكَعبَةِ وَبِنَائِهَا
[1188]
عَن عُروَةَ، عَن عَائِشَةَ قَالَت: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَولَا حَدَاثَةُ عَهدِ قَومِكِ بِالكُفرِ لَنَقَضتُ الكَعبَةَ وَلَجَعَلتُهَا عَلَى أَسَاسِ إِبرَاهِيمَ
ــ
أحدهما: أنها إلى الكعبة، ثم في المعنى قولان:
الأول: أن الإشارة تقرير لحكم الانتقال عن بيت المقدس.
الثاني: أنها إلى وجه البيت في حق حاضره بخلاف الغائب.
وثانيهما: أن الإشارة إلى وجه الكعبة، فيكون التعليم للإمام أن يستقبل البيت من وجهه، وإن كانت الصلاة إلى جميعه جائزة.
(48)
ومن باب: نقض الكعبة وبنائها
قوله صلى الله عليه وسلم: (لولا حداثة عهد قومك بالكفر لنقضت الكعبة)؛ فيه حجة لمالك على القول بسد الذرائع.
وقوله: (ولجعلتها على أساس إبراهيم)؛ يدل على أن جدر البيت منه،
فَإِنَّ قُرَيشًا حِينَ بَنَت البَيتَ استَقصَرَت وَلَجَعَلتُ لَهَا خَلفًا.
رواه أحمد (6/ 176)، والبخاري (1584)، ومسلم (1333)(398)، والترمذي (875)، والنسائي (5/ 215)، وابن ماجه (2955).
[1189]
ومن حديث عَبدَ اللَّهِ بنَ أبي بكر بن أبي قحافة عنها، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَولَا أَنَّ قَومَكِ حَدِيثُو عَهدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ (أَو قَالَ: بِكُفرٍ) لَأَنفَقتُ كَنزَ الكَعبَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَجَعَلتُ بَابَهَا
ــ
كما سيأتي. و (استقصرت)؛ أي: قصرت عن إتمام بنائها، واقتصرت على هذا القدر منها؛ إذ لم يجدوا نفقة.
وقوله: (ولجعلت لها خلفًا): هو بفتح الخاء، وسكون اللام. وفي البخاري قال هشام بن عروة: يعني: بابًا. وقد جاء مفسَّرًا في الحديث بعد هذا. وفي البخاري أيضًا: (لجعلت لها خلفين). الرواية الصحيحة فيها: بفتح الخاء، كما قلناه، وهما: البابان. وقال ابن الأعرابي: الخلف: الظهر. وذكر الحربي هذا الحديث، وضبطه: خِلفين، بكسر الخاء، وقال: الخالفة: عمودٌ في مؤخر البيت. يقال: وراءه خِلفٌ جيد. والأول أصح.
وقوله: (لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله)؛ هذا الكنز هو المالُ الذي كان يجتمع مما كان يُهدى إلى الكعبة، وأقر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك المال في الكعبة للعلَّة التي ذكر، وهي: مخافة التنفير. وأقره أبو بكر ولم يعرض له. ثم إن عمر همَّ بقسمته، فخالفه في ذلك بعض الصحابة، واحتج عليه: بأن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر لم يفعلا ذلك، فتوقف.
قلت: ولا يظن أن هذا الكنز الذي جرى فيه ما ذكرنا أنه يدخل فيه حُلِيُّ الكعبة الذي حُلِّيت به من الذهب والفضة، كما ظنَّه بعضهم، فإن ذلك ليس
بِالأَرضِ، وَلَأَدخَلتُ فِيهَا مِن الحِجرِ.
وَفِي رِوَايَةٍ فَقَالَ عَبدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ: لَئِن كَانَت عَائِشَةُ سَمِعَت هَذَا مِن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
ــ
بصحيح؛ لأن حليتها محتبسة عليها، كحُصرها، وقناديلها، وسائر ما يحبس عليها لا يجوز صرفها في غيرها، ويكون حكم حليها حكم حلية سيف أو مصحف حُبسا في سبيل الله؛ فإنه لا يجوز تغييره عن الوجه الذي حبس له، وإنما ذلك الكنز كما ذكرناه، وكأنه فضلةُ ما كان يهدى إليها عما كانت تحتاج إليه مما ينفق فيها، فلما افتتح النبي صلى الله عليه وسلم خاف من نفرة قلوب قريش إن هو أنفقه في سبيل الله تعالى، كما قال. وذلك أنهم كانت عادتهم في ذلك: ألا يتعرضوا له. فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك لما ذكره، ثم إنه بقي على ذلك في إمارة أبي بكر وعمر، ولا أدري ما صنع به بعد ذلك. وينبغي أن يبحث عنه.
وسبيل الله هنا: الجهاد. وهو الظاهر من عرف الشرع، كما قررناه في كتاب الزكاة.
و(من) في قوله: (من الحجر) للتبعيض، بدليل قوله في الرواية الأخرى:(أدخلت من الحجر خمسة أذرع).
وقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (لئن كانت عائشة سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛ ليس شكًّا منه في سماعها، ولا في سماع الراوي عنها، وإنما هذا على طريقة وضع الشَّرطي المتصل الذي يوضع شرطه تقديرًا ليتبيّن مشروطه تحقيقًا. وله في كلام الله تعالى، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم نظائر، منها: قوله عز وجل: {قُل إِن كَانَ لِلرَّحمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ العَابِدِينَ} وقوله: {لَو كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} ومثله كثير. ولبسط هذا وتحقيقه علمٌ آخر. وقد يأتي هذا النحو في الكلام على طريق تبيين الحال على وجهٍ يأنس به المخاطب،
مَا أُرَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَرَكَ استِلَامَ الرُّكنَينِ اللَّذَينِ يَلِيَانِ الحِجرَ، إِلَّا أَنَّ البَيتَ لَم يُتَمَّم عَلَى قَوَاعِدِ إِبرَاهِيمَ.
رواه مسلم (1333)(399 و 400).
[1190]
وعَن عَطَاءٍ قَالَ: لَمَّا احتَرَقَ البَيتُ زَمَنَ يَزِيدَ بنِ مُعَاوِيَةَ حِينَ غَزَاهَ أَهلُ الشَّامِ، فَكَانَ مِن أَمرِهِ مَا كَانَ، تَرَكَهُ ابنُ الزُّبَيرِ، حَتَّى قَدِمَ النَّاسُ المَوسِمَ، يُرِيدُ أَن يُجَرِّئَهُم، أَو يُحَزِّبَهُم عَلَى أَهلِ الشَّامِ، فَلَمَّا صَدَرَ
ــ
وإظهار التناصف في الكلام، كقوله تعالى:{قُل إِن ضَلَلتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفسِي وَإِنِ اهتَدَيتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ} وعلى الجملة: فالشرط يأتي في الكلام على غير وجه الشكِّ، وهو كثير.
وقوله: (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم استلام الركنين اليمانيين إلا أن البيت لم يتمم على قواعد إبراهيم)؛ يعني: أن الركنين اللذين يليان الحجر ليسا بركنين، وإنما هما بعض الجدار الذي بنته قريش، فلذلك لم يستلمهما. وقد تقدَّم القول على هذا.
وقوله: (يريد أن يُجرِّئهم - أو يُحزِّبهم -)؛ الأول: من الجرأة، وهي الشجاعة. والثاني من التحزيب، وهو التجميع. هكذا لابن سعيد، والفارسي، وغيرهما. ومعنى ذلك: أنه أراد أن يشجعهم أو يُجمعهم على أهل الشام بإظهار قبح أفعالهم في الكعبة. وروى العذري الحرف الأول: (يجربهم) بالباء بواحدة؛ من التجربة؛ أي: يختبر ما عندهم من الغضب لله تعالى، ولنبيِّه (1). وقيد كافتهم الحرف الثاني:(يحربهم) بالحاء والراء المهملتين، والباء بواحدة؛ من التحريب، وهو: التغضيب. يقال: حربت الأسد. وأسد مُحرَّب؛ أي: أغضبته، فهو مُغضَبٌ.
(1) في (ج): ولبيته.
النَّاسُ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي الكَعبَةِ أَنقُضُهَا، ثُمَّ أَبنِي بِنَاءَهَا، أَو أُصلِحُ مَا وَهَى مِنهَا؟ فقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: فَإِنِّي قَد فُرِقَ لِي رَأيٌ فِيهَا، أَرَى أَن تُصلِحَ مَا وَهَى مِنهَا، وَتَدَعَ بَيتًا أَسلَمَ النَّاسُ عَلَيهِ، وَأَحجَارًا أَسلَمَ النَّاسُ عَلَيهَا، وَبُعِثَ عَلَيهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ ابنُ الزُّبَيرِ: لَو كَانَ أَحَدُكُم احتَرَقَ بَيتُهُ مَا رَضِيَ حَتَّى يُجِدَّهُ، فَكَيفَ بَبيتُ رَبِّكُم، إِنِّي مُستَخِيرٌ رَبِّي ثَلَاثًا، ثُمَّ عَازِمٌ عَلَى أَمرِي، فَلَمَّا مَضَت ثَلَاثٌ أَجمَعَ رَأيَهُ أَن يَنقُضَهَا، فَتَحَامَاهُ النَّاسُ أَن يَنزِلَ بِأَوَّلِ النَّاسِ يَصعَدُ فِيهِ أَمرٌ مِن السَّمَاءِ، حَتَّى صَعِدَهُ رَجُلٌ فَأَلقَى مِنهُ حِجَارَةً، فَلَمَّا لَم يَرَهُ النَّاسُ أَصَابَهُ شَيءٌ، تَتَابَعُوا فَنَقَضُوهُ، حَتَّى بَلَغُوا بِهِ الأَرضَ، فَجَعَلَ ابنُ الزُّبَيرِ أَعمِدَةً، فَسَتَّرَ عَلَيهَا السُّتُورَ، حَتَّى ارتَفَعَ بِنَاؤُهُ.
ــ
وقول ابن عباس: (إنه فُرِقَ لي فيها رأي)؛ أي: انكشف واتضح. ومنه قوله تعالى: {وَقُرآنًا فَرَقنَاهُ لِتَقرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكثٍ} ؛ أي: أوضحناه، وكشفنا معانيه. و (وهى): ضعف ورَثَّ. و (أجمع رأيه) - رباعيًّا -: عزم، وأمضى. فأما: جمع - ثلاثيًّا -: فضد التفريق. و (تحاماه الناس)؛ أي: امتنعوا من نقض البيت خوفًا وهيبة. و (تتابعوا) كافة الرواة على الباء بواحدة من التتابع. وهو الجيِّد هنا (1). وضبطه أبو بحر بالياء باثنتين من تحتها، ومعناهما واحد، غير أن: التتايع - بالياء، باثنتين - أكثره في الشرِّ.
وقوله: (فجعل ابن الزبير أعمدة فستَّر عليها الستور)؛ إنما فعل ذلك ابن الزبير لاستقبال المستقبلين، وطواف الطائفين، ولأن ابن عباس قال: (إن كنتَ هادمَها فلا تدع الناس لا قِبلة لهم. وهذا يدل على أن بقعة البيت ما كانت تتنزَّل عندهما منزلة البيت، وقد خالفهما في ذلك جابر وقال: صلوا إلى موضعها. وقد ذكرنا الخلاف بين الفقهاء في ذلك. وما فعله عبد الله بن الزبير رضي الله عنه في
(1) في (ج): منها.
وَقَالَ ابنُ الزُّبَيرِ: إِنِّي سَمِعتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: إِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَولَا أَنَّ النَّاسَ حديث عَهدُهُم بِكُفرٍ، وَلَيسَ عِندِي مِن النَّفَقَةِ مَا يُقَوِّيني عَلَى بِنَائِهِ لَكُنتُ أَدخَلتُ مِن الحِجرِ خَمسَ أَذرُعٍ، وَلَجَعَلتُ لَهَا بَابًا يَدخُلُ النَّاسُ مِنهُ، وَبَابًا يَخرُجُونَ مِنهُ. قَالَ: فَأَنَا اليَومَ أَجِدُ مَا أُنفِقُ، وَلَستُ أَخَافُ النَّاسَ. قَالَ: فَزَادَ فِيهِ خَمسَ أَذرُعٍ مِن الحِجرِ، حَتَّى أَبدَى أُسًّا نَظَرَ النَّاسُ إِلَيهِ، فَبَنَى عَلَيهِ البِنَاءَ، وَكَانَ طُولُ الكَعبَةِ ثَمَانِيَ عَشرَةَ ذِرَاعًا، فَلَمَّا زَادَ فِيهِ استَقصَرَهُ، فَزَادَ فِي طُولِهِ عَشرَ أَذرُعٍ، وَجَعَلَ لَهُ بَابَينِ: أَحَدُهُمَا يُدخَلُ مِنهُ، وَالآخَرُ يُخرَجُ مِنهُ. قال: فَلَمَّا قُتِلَ ابنُ الزُّبَيرِ كَتَبَ الحَجَّاجُ إِلَى عَبدِ المَلِكِ بنِ مَروَانَ يُخبِرُهُ بِذَلِكَ، وَيُخبِرُهُ أَنَّ ابنَ الزُّبَيرِ قَد وَضَعَ البِنَاءَ عَلَى أُسٍّ نَظَرَ إِلَيهِ العُدُولُ مِن أَهلِ مَكَّةَ، فَكَتَبَ إِلَيهِ عَبدُ المَلِكِ: إِنَّا لَسنَا مِن تَلطِيخِ ابنِ الزُّبَيرِ فِي شَيءٍ، أَمَّا مَا زَادَ فِي طُولِهِ فَأَقِرَّهُ، وَأَمَّا مَا زَادَ فِيهِ مِن الحِجرِ فَرُدَّهُ إِلَى بِنَائِهِ. وسد الباب الذي فتحه. فنقضه وأعاده إلى بنائه.
ــ
البيت كان صوابًا وحقًّا. وقبَّح الله الحجاج، وعبد الملك، لقد جهلا سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم واجترأا على بيت الله وعلى أوليائه.
و(التلطيخ): التلويث والتقذير (1). يقال: لطخت فلانًا بأمرٍ قبيح: إذا رماه به. ورجل لطيخ؛ أي: قذر. أراد بذلك العيب لفعله. وهو المعاب.
وقوله: (ثم أعاده إلى بنائه (2))؛ يعني: البناء الأول المتقدِّم على بناء ابن الزبير. وهو الذي عليه الآن. وقد كان الرشيد أراد أن يرده على ما بناه ابن الزبير، فقال له مالك: نشدتك الله يا أمير المؤمنين! ألا (3) تجعل هذا البيت
(1) في (ج): التقَذُّر.
(2)
في (ج): ثم أعاد على بنائه. وفي (ل): ثم أعاده على بنائه.
(3)
في الأصول: أن. وصُحِّحت ليستقيم المعنى.
وَفِي رِوَايَةٍ: قَالَ عَبدُ المَلِكِ: مَا أَظُنُّ أَبَا خُبَيبٍ (يَعنِي ابنَ الزُّبَيرِ) سَمِعَ مِن عَائِشَةَ مَا كَانَ زعُمُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنهَا. قَالَ الحَارِثُ بن عبد الله: بَلَى أَنَا سَمِعتُهُ مِنهَا. قَالَ: سَمِعتَهَا تَقُولُ: مَاذَا؟ قَالَ: قَالَت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ قَومَكِ استَقصَرُوا مِن بُنيَانِ البَيتِ، وَلَولَا حَدَاثَةُ عَهدِهِم بِالشِّركِ أَعَدتُ مَا تَرَكُوا مِنهُ، فَإِن بَدَا لِقَومِكِ مِن بَعدِك أَن يَبنُوهُ فَهَلُمِّي لِأُرِيَكِ مَا تَرَكُوا مِنهُ. فَأَرَاهَا قَرِيبًا مِن سَبعَ أَذرُعٍ.
وَفِي أُخرى: فقال عبد الملك: لو كنت سمعته قبل أن أهدمه لتركته على ما بنى ابن الزبير.
رواه أحمد (6/ 239)، والبخاري (1586)، ومسلم (1333)(402 و 403 و 404)، والنسائي (5/ 216).
[1191]
وعن عَبدَ اللَّهِ بنَ الزُّبَيرِ، قال: حَدَّثَتنِي خَالَتِي (يَعنِي عَائِشَةَ) قَالَت: قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: يَا عَائِشَةُ لَولَا أَنَّ قَومَكِ حَدِيثُو عَهدٍ بِشِركٍ
ــ
ملعبة للملوك؛ لا يشاء أحدٌ إلا نقض البيت وبناه، فتذهب هيبته من صدور الناس. فترك ما هم به، واستحسن الناس هذا من مالك، وعملوا عليه، فصار هذا كالإجماع. على أنه لا يجوز التعرض له بهد أو تغيير. والله أعلم.
وقوله: (فأراها قريبًا من سبع أذرع)؛ هذا ليس مخالفًا لما تقدم من خمس أذرع؛ لأن هذا تقدير، وذكر الخمس تحقيق.
وقول عبد الملك: (لو كنت سمعته قبل أن أهدمه لتركته على ما بنى ابن الزبير)؛ تصريح منه بجهله بالسنة الواردة في ذلك، وهو غير معذور في ذلك؛ فإنه كان متمكنًا من التثبت في ذلك، والسؤال، والبحث، فلم يفعل؛ واستعجل، وقصَّر. فالله حسيبه، ومجازيه على ذلك.
لَهَدَمتُ الكَعبَةَ فَأَلزَقتُهَا بِالأَرضِ، وَجَعَلتُ لَهَا بَابَينِ، بَابًا شَرقِيًّا وَبَابًا غَربِيًّا، وَزِدتُ فِيهَا سِتَّ أَذرُعٍ مِن الحِجرِ، فَإِنَّ قُرَيشًا اقتَصَرَتهَا حيث بَنَت الكَعبَةَ.
رواه أحمد (6/ 179)، ومسلم (1333)(401).
[1192]
وعَن الأَسوَدِ بنِ يَزِيدَ، عَن عَائِشَةَ قَالَت: سَأَلتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَن الجَدرِ أَمِن البَيتِ هُوَ؟ قَالَ: نَعَم قُلتُ: فَلِمَ لَم يُدخِلُوهُ البَيتِ؟ قَالَ: إِنَّ قَومَكِ قَصَّرَت بِهِم النَّفَقَةُ. قُلتُ: فَمَا شَأنُ بَابِهِ مُرتَفِعًا؟ قَالَ: فَعَلَ ذَلِكِ قَومُكِ لِيُدخِلُوا مَن شَاؤوا، وَيَمنَعُوا مَن شَاؤوا، وَلَولَا أَنَّ قَومَكِ حديث عَهدُهُم فِي الجَاهِلِيَّةِ، فَأَخَافُ أَن تُنكِرَه قُلُوبُهُم، لَنَظَرتُ أَن أُدخِلَ الجَدرَ فِي البَيتِ، وَأَن أُلزِقَ بَابَهُ بِالأَرضِ.
رواه مسلم (1333)(405).
* * *
ــ
و(الجَدر) - بالفتح -: الجدار، وهو بالدال المهملة، والجيم المفتوحة. والمراد به هنا: أصل الجدار الذي أخرجته قريش عن بناء الجدار الذي بنوه، وهو المعبَّر عنه بالشاذروان. وقد يكون الجدر أيضًا: ما يرفع من جوانب الشرفات في أصول النخل، وهي كالحيطان لها. ومنه قوله:(اسق يا زبير حتى يبلغ الماء الجدر)(1).
* * *
(1) رواه أحمد (4/ 4 و 5)، والبخاري (2359)، ومسلم (2357)، وأبو داود (3637)، والترمذي (1363)، والنسائي (8/ 245)، وابن ماجه (15).