الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(13) باب تفعل الحائض والنفساء جميع المناسك إلا الطواف بالبيت
[1080]
عَن عَائِشَةَ قَالَت: خَرَجنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا نَذكُرُ إِلَّا الحَجَّ.
- وفي أخرى: لبينا بالحج - حَتَّى جِئنَا سَرِفَ فَطَمِثتُ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَبكِي فَقَالَ: مَا يُبكِيكِ؟ فَقُلتُ: وَاللَّهِ لَوَدِدتُ أَنِّي لَم أَكُن خَرَجتُ العَامَ قَالَ: مَا لك لَعَلَّكِ نَفِستِ؟ قُلتُ: نَعَم. قَالَ: هَذَا شَيءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ، افعَلِي مَا يَفعَلُ الحَاجُّ غَيرَ أَن لَا تَطُوفِي بِالبَيتِ حَتَّى تَطهُرِي.
ــ
(13)
ومن باب: تفعل الحائض المناسك كلها إلا الطواف
قولها: (لا نذكر إلا الحج)، و (لبينا بالحج)، قد تقدم: أن هذا إخبار منها عن غالب أحوال الناس، أو عن أحوال (1) أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فأما هي، فقد قالت: إنها لم تهل إلا بعمرة.
و(طمثت): حاضت، ويقال: بفتح الميم وكسرها.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (هذا شيء كتبه الله على بنات آدم)؛ يعني: الحيض. وكتبه عليهن؛ أي: جبلهن عليه، وثبته عليهن. وهو تأنيس لها، وتسلية، وهو دليل على ميله لها، وحُنُوهِ عليها. وكم بين من يؤنَّس ويُستَرضَى، وبين من يقال له:(عقرى حَلقى)(2)؟ ! .
وقوله: (غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري)؛ هذا يدل على اشتراط
(1) في (هـ): حال.
(2)
هذا الكلام "عقرى، حلقى" ليس المراد منه الدعاء بالحقر والحلق. وإنما هو كلام =
قَالَت: فَلَمَّا قَدِمتُ مَكَّةَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لِأَصحَابِهِ: اجعَلُوهَا عُمرَةً، فَأَحَلَّ النَّاسُ إِلَّا مَن كَانَ مَعَهُ الهَديُ، قَالَت: فَكَانَ الهَديُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكرٍ، وَعُمَرَ وَذَوِي اليَسَارَةِ، ثُمَّ أَهَلُّوا حِينَ رَاحُوا، قَالَت: فَلَمَّا كَانَ يَومُ النَّحرِ طَهَرتُ. فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَفَضتُ. قَالَت: فَأُتِيَنَا بِلَحمِ بَقَرٍ
ــ
الطهارة في الطواف. وهو مذهب الجمهور. فلا يجوز عندهم طواف المحدث. وصححه أبو حنيفة، وأحمد في أحد قوليه، ورأيا عليه الدَّم، واعتذرا عن الحديث: بأنه إنما أمرها باجتناب الطواف لأجل المسجد، وليس بصحيح؛ لأنه لو أراد ذلك لقال لها: لا تدخلي المسجد. ولما قال لها: لا تطوفي بالبيت، كان ذلك دليلًا على منع الطواف لنفسه. ويدل على ذلك أيضًا: ما خرَّجه النسائي، والترمذي عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(الطواف بالبيت صلاة)(1).
وإذا جعله الشرع صلاة اشترط فيه الطهارة؛ كما اشترطها فيها؛ إذ قد قال صلى الله عليه وسلم: (لا تقبل صلاة بغير طهور)(2)، والله تعالى أعلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (اجعلوها عمرة)؛ إنما قال هذا لمن أحرم بالحج ولم يسق الهدي على ما يأتي.
وقولها: (فحل الناس)؛ أي: من لم يكن معه هدي.
وقولها: (ثم أهلوا
= يجري على لسان العرب، من غير إرادة حقيقته.
قال ابن حجر: وليس فيه دليلٌ على اتِّضاع قدْر صفيّة عنده صلى الله عليه وسلم، لكن اختلف الكلام باختلاف المقام، فعائشة دخل عليها وير تبكي أسفًا على ما فاتها من النسك، فسلَّاها بذلك، وصفية أراد منها ما يريد الرجل من أهله، فأبدت المانع، فناسب كُلًّا منهما ما خاطبها به في تلك الحالة. انظر: فتح الباري (3/ 589 - 590).
(1)
رواه الترمذي (960)، والنسائي (5/ 222).
(2)
رواه أحمد (2/ 19 و 20)، ومسلم (224)، والترمذي (1)، وابن ماجه (272).
فَقُلتُ: مَا هَذَا؟ فَقَالُوا: أَهدَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَن نِسَائِهِ البَقَرَ.
_ وَفِي رِوَايَةٍ: فقيل: ذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن أزواجه - فَلَمَّا كَانَت لَيلَةُ الحَصبَةِ قُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! يَرجِعُ النَّاسُ بِحَجَّةٍ وَعُمرَةٍ وَأَرجِعُ بِحَجَّةٍ؟ !
ــ
حين راحوا)؛ تعني: من حل منهم عند فراغه من العمرة أهل عند خروجه إلى منى بالحج.
وقولها: (أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه البقر)؛ يدلّ على أن البقر مما يُهدَى، وعلى أنه يجوز أن يهدي الرجل عن غيره وإن لم يُعلِمُهُ، ولا أذن له. وكان هذا الهدي - والله أعلم - عنهن تطوّعًا عمن لم يجب عليها هدي، وقيامًا بالواجب عمن وجب عليها منهن هدي؛ كما قررناه في حديث عائشة، والله تعالى أعلم.
وقولها: (فلما كانت ليلة الحَصبة) - بسكون الصاد -، وهي: الليلة التي ينزل الناس فيها المحصَّب عند انصرافهم من منى إلى مكة. والتحصيب: إقامتهم بالمحصَّب، وهو الشِّعبُ الذي مخرجه إلى الأبطح، وهو منزل النبي صلى الله عليه وسلم حين انصرف من حجته، وهو خيف بني كنانة؛ الذي تقاسمت فيه في الصحيفة التي كتبوها بمقاطعة بني هاشم، وهو بين مكة ومنى، وربما يسمَّى: الأبطح، والبطحاء: لقربه منه. ونزوله بعد النفر من منى، والإقامة به إلى أن يصلي الظهر والعصر والعشاءين ويخرج منه ليلًا سُنَّة عند مالك، والشافعي، وبعض السَّلف؛ اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم، ولم يره بعضهم، وسيأتي إن شاء الله تعالى.
وأمره صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن أن يُعمِر عائشة من التنعيم؛ دليلٌ على أن العمرة فيها الجمع بين الحل والحرم، وهو قول الجمهور. وقال قوم: إنه يتعين الإحرام بها من التنعيم خاصَّة، وهو ميقات المعتمرين من مكة أخذًا بظاهر هذا الحديث.
واختلف الجمهور فيمن أحرم بالعمرة من مكة، ولم يخرج إلى الحل، فقال عطاء: لا شيء عليه. وقال أصحاب الرأي، وأبو ثور، والشافعي في أحد قوليه: عليه