الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رواه أحمد (4/ 312)، والبخاري (2802)، ومسلم (1796)، والترمذي (3345).
* * *
(27) باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله وصبره على الجفاء والأذى
[1315]
عن أُسَامَةَ بنَ زَيدٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَكِبَ حِمَارًا عَلَيهِ إِكَافٌ، تَحتَهُ قَطِيفَةٌ فَدَكِيَّةٌ، وَأَردَفَ وَرَاءَهُ أُسَامَةَ، وَهُوَ يَعُودُ سَعدَ بنَ عُبَادَةَ فِي بَنِي الحَارِثِ بنِ الخَزرَجِ، وَذَلكَ قَبلَ وَقعَةِ بَدرٍ، حَتَّى مَرَّ بِمَجلِسٍ فِيهِ أَخلَاطٌ مِن المُسلِمِينَ وَالمُشرِكِينَ عَبَدَةِ الأَوثَانِ وَاليَهُودِ، فِيهِم عَبدُ اللَّهِ بنُ أُبَيٍّ، وَفِي المَجلِسِ عَبدُ اللَّهِ بنُ رَوَاحَةَ، فَلَمَّا غَشِيَت المَجلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ، خَمَّرَ
ــ
مختلف، وأنهما قضيتان، ولكن العلماء حملوا الروايتين على أنهما قضية واحدة. فقال القاضي أبو الوليد: لعل قوله: في غار. مصحّف من غزو.
وقال القاضي عياض: قد يراد بالغار هنا: الجيش والجمع، لا واحد الغيران التي هي الكهوف. فيتوافق قوله: في بعض المشاهد. وقوله: يمشي. ولا يُعد ذلك وهمًا.
قلت: وهذا ليس بشيء؛ إذ الغار ليس من أسماء الجيش.
(27)
ومن باب: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله تعالى
(الإكاف) للدابة كالرحل للبعير، والسرج للفرس. و (القطيفة): كساء غليظ. و (فدكية) منسوبة إلى فدك؛ لأنها تعمل فيها. و (عجاجة الدابة): ما ارتفع
عَبدُ اللَّهِ بنُ أُبَيٍّ أَنفَهُ بِرِدَائِهِ، ثُمَّ قَالَ: لَا تُغَبِّرُوا عَلَينَا، فَسَلَّمَ عَلَيهِم النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ وَقَفَ فَنَزَلَ فَدَعَاهُم إِلَى اللَّهِ عز وجل وَقَرَأَ عَلَيهِم القُرآنَ، فَقَالَ عَبدُ اللَّهِ بنُ أُبَيٍّ: أَيُّهَا المَرءُ: لَا أَحسَنَ مِن هَذَا! إِن كَانَ مَا تَقُولُ حَقًّا، فَلَا تُؤذِنَا فِي مَجَالِسِنَا، وَارجِع إِلَى رَحلِكَ، فَمَن جَاءَكَ مِنَّا فَاقصُص عَلَيهِ. فَقَالَ عَبدُ اللَّهِ بنُ رَوَاحَةَ: اغشَنَا فِي مَجَالِسِنَا فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ، قَالَ: فَاستَبَّ المُسلِمُونَ وَالمُشرِكُونَ وَاليَهُودُ حَتَّى هَمُّوا أَن يَتَوَاثَبُوا، فَلَم يَزَل النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُخَفِّضُهُم، ثُمَّ رَكِبَ دَابَّتَهُ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعدِ بنِ عُبَادَةَ، فَقَالَ: أَي
ــ
من غبارها. و (العجاج): الغبار المتطاير المتراكب.
و(خَمَّر أنفه)؛ أي: غطاه. و (أن يتواثبوا)؛ أي: يثب بعضهم إلى بعض مناولة، ومقاتلة؛ من: الوثب. و ((يخفضهم): يسكتهم، ويسهل أمرهم. و (البُحَيرة): صحيح الرواية فيه بضم الباء، مصغرة. وقد روي في غير كتاب مسلم:(البَحِيرة) بفتح الباء وكسر الحاء. وقيل: هما بمعنى واحد، وأراد به هنا: المدينة. والبحار: القرى. قال الشاعر:
. . . . . . . . . . . . . . .
…
ولنا البدو كله والبحار
و(يتوجوه)؛ أي: يعمموه بعمامة الملك، فإن العمائم تيجان العرب. و (يعصبوه بعصابة (1) الملوك)، كما جاء في رواية ابن إسحاق: لقد جاءنا الله بك، وإنا لننظم له الخرز؛ ليتوِّجوه. فكأنهم كانوا ينظمون لملوكهم عصابة فيها خرز، فيعممونه بها تشريفًا وتعظيمًا. وهذا أولى من قول من قال: إن يعصبونه بمعنى: يملكونه، ويعصبون به أمورهم؛ لأن ذلك كله يبعده قولهم: أن يعصبوه بالعصابة.
و(شرق): اختنق. يقال: شرق بالماء، وغص باللقمة، وشجي بالعظم، وجرض بالريق عند الموت. وأنشدوا على شرق:
(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ز).
سَعدُ، أَلَم تَسمَع مَا قَالَ أَبُو حُبَابٍ؟ (يُرِيدُ عَبدَ اللَّهِ بنَ أُبَيٍّ) قَالَ: كَذَا وَكَذَا. قَالَ: أعف عَنهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَاصفَح، فَوَاللَّهِ لَقَد أَعطَاكَ اللَّهُ الَّذِي أَعطَاكَ، وَلَقَد اصطَلَحَ أَهلُ هَذِهِ البُحَيرَةِ أَن يُتَوِّجُوهُ، فَيُعَصِّبُوهُ بِالعِصَابَةِ، فَلَمَّا رَدَّ اللَّهُ ذَلِكَ بِالحَقِّ الَّذِي أَعطَاكَهُ، شَرِقَ بِذَلِكَ، فَذَلِكَ الذي فَعَلَ بِهِ مَا رَأَيتَ. فَعَفَا عَنهُ النَّبِيُّ-صلى الله عليه وسلم.
رواه أحمد (5/ 203)، والبخاري (4566)، ومسلم (1798).
[1316]
وعَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ-صلى الله عليه وسلم: لَو أَتَيتَ عَبدَ اللَّهِ بنَ أُبَيٍّ؟ قَالَ: فَانطَلَقَ إِلَيهِ وَرَكِبَ حِمَارًا، وَانطَلَقَ المُسلِمُونَ معه وَهِيَ أَرضٌ سَبَخَةٌ، فَلَمَّا أَتَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قلنا: أَتَاكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِلَيكَ عَنِّي، فَوَاللَّهِ لَقَد آذَانِي نَتنُ حِمَارِكَ. قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِن الأَنصَارِ: وَاللَّهِ لَحِمَارُ
ــ
لو بغير الماء حلقي شرق
…
كنت كالغصان بالماء اعتصاري (1)
وفي هذا الحديث من الفقه: جواز الابتداء بالسلام على مسلمين وكفار في مجلس واحد. وينبغي أن ينوي المسلمين.
وفيه: الاستراحة ببث الشكوى للصاحب، ولمن يتسلى بحديثه، وينتفع برأيه.
و(الأرض السبخة): التي لا تنبت شيئا لملح أرضها. والطائفة التي غضبت لعبد الله كان منها منافقون على رأي عبد الله، ومنها مؤمنون حملهم على ذلك بقية حمية الجاهلية، ونزعة الشيطان، لكن الله تعالى لطف بهم، حيث أبقى عليهم اسم المؤمنين بقوله:{وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤمِنِينَ اقتَتَلُوا} ليراجعوا بصائرهم، ويطهروا ضمائرهم.
(1) البيت لعديِّ بن زيد.