الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(11) باب المحرم يموت، ما يفعل به؟ وهل للحاج أن يشترط
؟
[1076]
عَن ابنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَجُلاً كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُحرِمًا، فَوَقَصَتهُ نَاقَتُهُ فَمَاتَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اغسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدرٍ وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوبَيهِ وَلَا تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ، وَلَا تُخَمِّرُوا رَأسَهُ فَإِنَّهُ يُبعَثُ يَومَ القِيَامَةِ مُلَبِّدًا.
وفي رواية ملبيا.
ــ
(11)
ومن باب: المحرم يموت، ما يفعل به؟
قوله: (فوقصته ناقته (1))؛ أي: أوقعته فاندقت عنقه. يقال لمن اندقت عنقه: وُقِص، فهو موقوص، على بناء ما لم يسم فاعله. وروي:(فأوقصته) - رباعيًّا - وهما لغتان، والثلاثي أفصح. ويروى:(فقعصته)، بمعنى: قتلته لحينه. ومنه قعاص الغنم، وهو: موتها بداءٍ يأخذها فلا يلبثها.
وقوله: (فاغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبيه، ولا تمسوه بطيب، ولا تخمروا رأسه)؛ أي: لا تغطوه. قال بمقتضى ظاهر هذا الحديث الشافعي، وأحمد، وإسحاق. فقالوا: إذا مات المحرم لا يحنَّط، ولا يغطى رأسه. وقال مالك، والكوفيون، والحسن، والأوزاعي: إنه يُفعل به ما يُفعل بالحلال. وكأنهم رأوا: أن هذا الحكم مخصوص بذلك الرجل. واستُدل لهم بوجهين:
أحدهما: أن التكاليف إنما تلزم الأحياء، لا الأموات.
وثانيهما: أن قوله صلى الله عليه وسلم: (فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا)؛ تصريح بالمقتضي لذلك، ولا يعلم ذلك غير النبي صلى الله عليه وسلم، فهو إذا تعليل قاصر على ذلك الرجل.
(1) في الأصول: راحلته، والتصحيح من التلخيص وصحيح مسلم.
وفي أخرى: فَأَمَرَهم رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَن يُغسَلَوه بِمَاءٍ وَسِدرٍ، وأن يكشفوا وجهه، حسبته قال: ورأسه فإنه يبعث وهو يهل.
رواه أحمد (1/ 215)، والبخاري (1851)، ومسلم (1206)(98 و 99)، والنسائي (5/ 195)، وابن ماجه (3084).
ــ
وقد أجيب عن الأول: بأن الميت وإن كان غير مكلف؛ فالحي هو المكلف بأن يفعل به ذلك.
وعن الثاني: أنه وإن لم يعلم ذلك غير النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه يرجي من فضل الله أن يفعل ذلك بكل من اتفق له من المحرمين مثل ذلك.
وهذا كما قد قال صلى الله عليه وسلم في الشهيد: (إنه يبعث يوم القيامة وجرحه يثعب دمًا، اللون لون دم، والعَرف عَرف مسك)(1). وقد سوَّى أبو حنيفة بين الشهيد والمحرم فقال: إن كل واحد منهما يغسل، ويكفن، ويصلَّى عليه على أصل المشروعية في الموتى. وسوَّى الشافعي في كونهما يدفنان في ثيابهما، غير أن المحرم يُغسل، ولا يصلَّى عليه. وقال مالك في المحرم بقول أبي حنيفة، وفي الشهيد بقول الشافعي.
وقوله: (ولا تخمروا رأسه) أو (اكشفوا وجهه)؛ حجة لمالك وأبي حنيفة على قولهما: إن إحرام الرجل في رأسه ووجهه. والجمهور: على أن الإحرام على الرجل في وجهه.
وقوله: (اغسلوه بماء وسدر)؛ يدل: على أن حكم الإحرام ساقط عنه؛ إذ لا يجوز أن يغتسل المحرم بالسِّدر، والخطمي، وشبههما؛ لأن ذلك يزيل الشعث، والدَّرن، وقد منعه مالك من الخطمي والتدليك الشديد، وقال: عليه الفدية إن فعل. ونحوه عن الشافعي، وأبي حنيفة، وأبي ثور. وقال محمد، وأبو يوسف - صاحبا أبي حنيفة: عليه صدقة. وقال أبو ثور: لا شيء عليه. ورخص
(1) رواه البخاري (7457)، ومسلم (1876)، والنسائي (8/ 119).
[1077]
وَعَن عَائِشَةَ قَالَت: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى ضُبَاعَةَ بِنتِ الزُّبَيرِ بن عبد المطلب، فَقَالَ لَهَا: أَرَدتِ الحَجَّ؟ فقَالَت: وَاللَّهِ مَا أَجِدُنِي إِلَّا وَجِعَةً. فَقَالَ لَهَا: حُجِّي وَاشتَرِطِي، وَقُولِي: اللَّهُمَّ مَحِلِّي حيث حَبَستَنِي وَكَانَت تَحتَ المِقدَادِ.
ــ
طاوس، وعطاء، ومجاهد، وابن المنذر للمحرم في غسل رأسه بالخطمي.
وقوله: (في ثوبيه)، كذا في أكثر الرِّوايات، وفي بعضها:(في ثوبين)، فعلى الرواية الأولى: يحتج به الشافعي في بقاء حكم الإحرام عليه؛ لأنه أمر أن يكفن في ثيابه التي كانت عليه. ومن رواه: (في ثوبين)، فيحتمل أن يريد بهما: ثوبيه. ويحتمل أن يزيدوا على ثوبه الذي أحرم فيه ثوبين ليكون كفنه وترًا. والأول أولى؛ لأن إحدى الروايتين مفسرة للأخرى.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (حجي واشترطي، وقولي: اللهم! محلي حيث حبستني)؛ معناه: أنه صلى الله عليه وسلم لما استفهمها عن إرادة الحج اعتلت بأنها مريضة، وأنها خافت إن اشتد مرضها أن يتعذر عليها الإحلال، بناءً منها على أن المحصر بالمرض لا يتحلل إلا بالطواف بالبيت، وإن طال مرضه، كما هو مذهب مالك وغيره. وسيأتي إن شاء الله تعالى. فلما خافت هذا أقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك، ثم رخص لها في أن تشترط: أن لها التحلل حيث حبسها مرضها. وبظاهر هذا الحديث قال جماعة من العلماء من الصحابة، والتابعين، وغيرهم؛ منهم: عمر، وعلي، وابن مسعود، وهو قول أحمد، وإسحاق، وأبي ثور. وللشافعي قولان. فقال كل هؤلاء: يجوز (1) الاشتراط في الحج، وأنه له الفسخ إذا وقع شرطه. ومنع ذلك جماعة أخرى، وقالوا: إنه لا ينفع؛ منهم: ابن عمر، والزهري، ومالك، وأبو حنيفة؛ متمسكين بقوله تعالى:{وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمرَةَ لِلَّهِ}
(1) في (هـ): بجواز.