الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(50) باب الغنيمة نقصان من الأجر وفيمن مات ولم ينو الغزو وفيمن تمنى الشهادة
[1375]
عَن عَبدِ اللَّهِ بنِ عَمرٍو: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا مِن غَازِيَةٍ تَغزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُصِيبُونَ الغَنِيمَةَ، إِلَّا تَعَجَّلُوا ثُلُثَي أَجرِهِم مِن الآخِرَةِ، وَيَبقَى لَهُم الثُّلُثُ، وَإِن لَم يُصِيبُوا غَنِيمَةً، تَمَّ لَهُم أَجرُهُم.
وفي رواية: ما من غازية أو سرية تغزو فتغنم وتسلم إلا كانوا
ــ
(50)
ومن باب: الغنيمة نقصان من الأجر
قوله: (ما من غازيةٍ تغزو في سبيل الله، فيصيبون الغنيمة، إلا تعجلوا ثلثي أجرهم، ويبقى لهم الثلث، وإن لم يصيبوا غنيمة تَمَّ لهم أجرُهم). قوله: (ما من غازية) هو صفة لموصوفٍ محذوفٍ للعلم به. أي: ما من جماعةٍ، أو سرية. و (تغزو) بالتأنيث والإفراد: راجع إلى لفظ غازية. و (يصيبون) بالتذكير والجمع: راجع إلى معناها. وقد ذهب غيرُ واحدٍ: إلى أن هذا الحديث معارضٌ بحديث أبي هريرة؛ الذي قال فيه: (نائلا ما نال من أجر أو غنيمة)(1)؛ على ما تقدم. وظاهِرُ هذا الحديث- أعني حديث عبد الله بن عمرو - أَنَّ له مجموعَ الأمرين، وقد اجتمع لأهل بدرٍ سهمهم (2). ولما صح عند هؤلاء هذا التعارض، فمنهم من ردَّ هذا الحديث، وضعفه، وقال: في إسناده حُميد بن هانئ، وليس بمشهور، ورجحوا الحديث الأول عليه لشهرته.
(1) سبق تخريجه (1641).
(2)
كذا في الأصول، ولعلّ المقصود: اجتماع سهمهم من الغنيمة، وأجرهم، وثوابهم، وفضلهم عند الله تعالى.
قد تعجلوا ثلثي أجورهم، وما من غازية، أو سرية تخفق، أو تصاب إلا تم أجورهم.
رواه أحمد (2/ 169)، ومسلم (1906)، وأبو داود (2497)، والنسائي (6/ 17 و 18)، وابن ماجه (2785).
ــ
قلتُ: وهذا ليس بشيء، فلا يُلتَفَتُ إليه؛ لأن البخاري قد ذكر حميد بن هانئ هذا فقال: هو مصري، سمع أبا عبد الرحمن الحُبُلِي، وعمرو بن مالك، وسمع منه حيوة بن شُريح، وابن وهب. ومنهم مَن رام الجمع بأن قال: إن الأولَ محمول على مجرد النية والإخلاص في الجهاد، فذلك هو الذي ضمن الله له إمَّا الشهادة، وإمَّا ردَّه إلى أهله مأجورًا غانِمًا. ويحمل الثاني على ما إذا نوى الجهادَ، ولكن مع نية المغنم؛ فلما انقسمت نيته انحط أجرُه عن الأول.
قال القاضي عياض: وأوضحُ من هذا عندي: أن أجرَ الغانم بما فتح الله تعالى عليه (1) من الدنيا وحساب ذلك عليه، وتمتّعه به في الدنيا، وذهاب شظف عيشه في غزوه وبعده؛ إذا قوبل بمن أخفق ولم يصب شيئا، وبقي على شظف عيشه، والصبر على حالته، وجد أجر هذا وافيًا مُوفرًا بخلاف الأول. ومثله قوله في الحديث الآخر:(فمنَّا من مضى لم يأكل من أجره شيئا، ومنا من أينعت له ثمرته، فهو يَهدِبُها)(2)، ويدل على صحة هذا التأويل قولُه:(إلا تعجَّلوا ثلثي أجرهم).
قلتُ: ويحتملُ أن يقال: إن هذه التي أخفقت إنما يُزَادُ في أجرها لشدَّة ابتلائها، وأسفها على ما فاتها من الظفر والغنيمة. والله تعالى أعلم.
وقوله: (تخفق)؛ أي: تخيب. يقال: أخفق الصائد، إذا خاب، وكذلك
(1) في (ع): عنه.
(2)
رواه البخاري (1276)، ومسلم (940).
[1376]
وعَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَن مَاتَ وَلَم يَغزُ، وَلَم يُحَدِّث نَفسَهُ، مَاتَ عَلَى شُعبَةٍ مِن نِفَاقٍ، قَالَ عَبدُ اللَّهِ بنُ المُبَارَكِ: فَنُرَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَلَى عَهدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
رواه أحمد (2/ 374)، ومسلم (1910)، وأبو داود (2502)، والنسائي (6/ 8).
ــ
كل طالب حاجةٍ إذا لم تحصل له.
وقوله: (من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه مات على شُعبةٍ من النفاق)؛ فيه ما يدل على أن من لم يتمكن من عمل الخير فينبغي له أن يعزمَ على فِعله إذا تمكن منه وأن ينويه، فيكون ذلك بدلًا من فعله في تلك الحال. فأما إذا أخلى نفسه عن ذلك العمل ظاهرًا وباطنًا عن نيته؛ فذلك حالُ المنافق الذي لا يعملُ الخير، ولا ينويه. وخصوصًا: الجهاد الذي به أعز اللهُ الإسلام، وأظهر به الدِّينَ حتى علا على كل الأديان، ولو كره الكافرون.
وقوله: (شعبة من نفاق)؛ أي: على خُلُقٍ من أخلاق المنافقين. وقد تقدَّم ذِكرُ الشعَب في كتاب الإيمان.
وقول عبد الله بن المبارك: (فَنُرَى ذلك كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم)؛ يعني: حيث كان الجهادُ واجبًا (1)، وحمله على النفاق الحقيقي. ويحتمل أن يجمع على جميع الأزمان، ويكون معناه: أن كل من كان كذلك أشبه المنافقين وإن لم يكن كافرًا. والله تعالى أعلم.
(1) المقصود بالوجوب: فرض العين. وما قاله ابنُ المبارك مبنيٌّ على ظروف الدولة الإسلامية آنذاك، حيث كان الجهاد في زمانه فرض كفاية. والجهادُ ماضٍ إلى يوم القيامة، فتارة يكون فرض عين، وتارة يكون فرض كفاية؛ تبعًا لظروف الدولة المسلمة.